الاثنين - 28 جمادى الآخر 1446 هـ - 30 ديسمبر 2024 م

عرض ونقد لكتاب: (تبرئة الإمام أحمد بن حنبل من كتاب الرد على الزنادقة والجهمية الموضوع عليه وإثبات الكتاب إلى مؤلفه مقاتل بن سليمان المتهم في مذهبه والمجمع على ترك روايته)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

المقَدّمَـة

سار الصحابة رضوان الله عليهم على ما سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ومِن بعدهم سار التابعون والأئمة على ما سار عليه الصحابة، خاصة في عقائدهم وأصول دينهم، ولكن خرج عن ذلك السبيل المبتدعة شيئًا فشيئًا حتى انفردوا بمذاهبهم، ومن الأئمة الأعلام الذين ساروا ذلك السير المستقيم الأئمة الأربعة الذين نهج الفقهاء من بعدهم على مناهجهم وبنوا أصولهم على اجتهاداتهم.

ومن أعظم ما سطِّر في ذلك ما كتبه إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل (241هـ) رحمه الله في كتاب بعنوان: (الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكَّت فيه من متشابه القرآن وأولوه على غير تأويله).

ولكن ثمَّة من يشكِّك في ذلك، ويزعم أن هذا الكتاب موضوع منتحَل على الإمام أحمد، وليس ما فيه هو عقيدته ولا منهجه، فكتب أحدهم كتابًا بعنوان: (تبرئة الإمام أحمد بن حنبل من كتاب الرد على الزنادقة والجهمية الموضوع عليه، وإثبات الكتاب إلى مؤلفه مقاتل بن سليمان المتهم في مذهبه والمجمع على ترك روايته)، وهو الكتاب الذي نحن بصدد عرضه ونقده.

وهنا ننبه إلى أن هذا العرضِ والنقد مغزاه الإشارة إلى مجمل الانتقادات لا مفصَّلها، والتي أوصلته إلى تلك النتيجة التي قررها في عنوان الكتاب، فليس هنا محل تقديم دِراسة عِلميَّة نقدية وافية للكتاب، ولا تتبُّعُ كل ما ورَدَ فيه، أو التفصيل في النقد، وإنَّما الهدف من هذا العرض والنقد بيان رَأيٍ مُجمَلٍ في الكتابِ؛ وذلك لرَسْمِ الخُطوط العريضةِ للنقد، ولتنبيهِ القراء على ما في الكتابِ مِن مغالطات ومآخذ؛ ليحذرَ منها ومن أمثالِها.

أولًا: عرض الكتاب:

1- المعلومات الفنية للكتاب:

عنوان الكتاب: تبرئة الإمام أحمد بن حنبل من كتاب الرد على الزنادقة والجهمية الموضوع عليه، وإثبات الكتاب إلى مؤلفه مقاتل بن سليمان المتهم في مذهبه والمجمع على ترك روايته.

المؤلف: اشترك في تأليفه مؤلفان وهما: أحمد بن عبد الستار بن صبري النجار، وأبو الأمين سنان بن سعد آل جراح.

دار الطباعة: مكتبة ألوان – بغداد.

رقم الطبعة: الطبعة الأولى، عام 2018م.

حجم الكتاب: 160 صفحة.

2- سبب البحث وهدفه:

لا شك أن أي قارئٍ يبحث عن هذه العناصر سينتقل بناظريه إلى فاتحة الكتاب وفهرسه، وإذا قلبنا النظر في ذلك وجدنا الكتاب يصرح بتلك الأمور.

فأما عن سبب البحث فيقولان: “ومع أن الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل الفقه والحديث، والناقد الفحل الذي يميز الصحيح من الضعيف، إلا أنه لم يسلم من كاذب أو مغفَّل أو متوهّم يتقوَّل عليه ما لم يقله، أو ينسب إليه من الرسائل والكتب ما لم يكتبه، وساعد في انتشار هذه الأباطيل جمعها وروايتها ممن لم يكن من فرسان الجرح والتعديل، أو ممن تساهل، فبالجمع تشاغل، وعن التمحيص تماهل، أو ممن حاول التمحيص والنظر، لا أنه وقع في الأوهام التي تقع للبشر، فحدث بعض الأخطاء والأوهام في فهم منهج هذا الإمام، في رده على الجهمية وأهل الكلام، ولما كان المنقول مما صح عن الإمام أحمد أو لم يصح إنما نقل بالأسانيد، فينبغي قبل أن ننسب إليه الكتب والأقوال أن ننظر في سلسلة الرجال، فإن من سلك مسلك جهابذة المحدثين في ترك رواية الكذابين ورد أخبار المجاهيل والمغفلين سلم من الوقوع في فخ رواية المجهولين والمتروكين، فإن الإسناد من الدين، وإن الرواية لا تكون إلا عن الثقات، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء”.

وهنا يتضح لنا بجلاء منهج الكتاب حيث جاء فيه: “فاستعنَّا بالله في النظر في كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت به من متشابه القرآن) المنسوب للإمام أحمد؛ مستفيدين من منهج أهل النظر من المحدثين وما قاله أهل العلم المرضيين”.

وقبل أن يتحدث الكتاب عن هدف البحث ذهب يبرز نتيجة البحث قائلًا: “فظهر لنا -بحمد الله- نكارة الكتاب سندًا ومتنًا، فأما المتن فمخالفة ظاهره لما صح من منهج الإمام أحمد في الرد على الجهمية كما أثبتناه وقررناه في هذا الكتاب، وأما إسناد الكتاب فهو إسناد منكر، تفرد بروايته الخضر بن المثني وهو رجل مجهول منكر الرواية، يخالف الثقات ويعارض الأثبات، فكان من نكارة رواية الخضر بن المثنى أن نسب كتابا لمقاتل بن سليمان -المقدوح في عدالته، الذي أجمع أهل العلم على ترك روايته، والمتهم بسوء مذهبه- إلى الإمام أحمد بن حنبل المجمع على عدالته وضبطه وإمامته”.

ثم بعد ذلك يذكر لنا غاية البحث في خاتمة، والذي يتجلى في قول المؤلف: “فكتبنا كتابنا هذا حرصا على النصح للمسلمين، والدفاع عن إمام من أئمة الدين، وبيان منهجه الصحيح في الرد على المبتدعين، وتبرئته مما نسب إليه من الرد بالطرق غير المحمودة، على المذاهب الفاسدة التي كانت في عصره موجودة، وبيان خطورة التسرع بنسبة الأقوال والرسائل والكتب العلماء المسلمين، من غير نظر وتحقيق وتأمل دقيق”.

3- مضمون الكتاب:

الكتاب يتكون من: مقدمة، وأربعة أبواب، وفهارس، وذلك على النحو التالي:

  • المقدمة:

افتتح الكتاب ببيان فضل العلم وأهله، لينتقل بعد ذلك إلى بيان فضل أهل العراق وكون بغداد عاصمة العلم والعلماء في قرون الإسلام الأولى، ومنها خرج القراء والفقهاء والمحدثون، ومن أولئك الإمام أحمد رحمه الله؛ ليبيِّن بعد ذلك سبب البحث وغايته ومنهجه.

  • الباب الأول: الإمام أحمد بن حنبل وذكر بعض ما قيل في علمه وزهده وإمامته لأهل زمانه.

وقد جاء في هذا الباب ذكر شيء من سيرة الإمام أحمد في حوالي (10) صفحات، وقد بيَّن فيه نبذة مختصرة عن الإمام أحمد، أعقبها بسرد جملة من الأبواب التي ذكرها ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل عن الإمام أحمد، وذكر في كل باب جملة من النصوص، فأورد بعضها كاملة، وانتقى من أخرى، وهذه الأبواب هي:

  1. ما ذكر من علم أحمد بن محمد بن حنبل وفقهه.
  2. ما ذكر من إمامة أحمد بن حنبل لأهل زمانه.
  3. ما ذكر من حفظ أحمد بن حنبل.
  4. ما ذكر من عقل أحمد بن حنبل.
  5. ما ذكر من تعظيم العلماء المتقدمين لأحمد بن حنبل.
  6. ما ذكر من معرفة أحمد بن حنبل بعلل الحديث بصحيحه وسقيمه وتعديله ناقلة الأخبار وكلامه فيهم.
  7. ما ذكر من زهد أحمد بن حنبل وورعه.
  8. باب استحقاق الرجل السنة بمحبة أحمد بن حنبل.
  9. ما ذكر من احتساب أحمد بن حنبل بنفسه لله عند المحنة وصبره على الضراء في محنته.
  10. ما رئي لأحمد بن حنبل من الرؤيا في حياته وبعد موته.
  11. ما أظهر الله لأحمد بن حنبل من العز يوم وفاته.
  • الباب الثاني -وهو صلب البحث- في: تبرئة الإمام أحمد بن حنبل من كتاب الرد على الزنادقة والجهمية.

وبدأه ببيان نكارة إسناد كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) كما يزعم، وبدأه بتمهيد أبرز فيه شدة غضب الإمام أحمد على من نسب إليه ما لم يقله في حياته، ثم ذكر إسناد كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) وهو: “قال ابن أبي يعلى: قرأته على المبارك بن عبد الجبار، عن إبراهيم، عن عبد العزيز أبي بكر الخلال، أخبرني خضر بن مثنى الكندي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قال أبي”.

ثم عنون بقوله: نكارة إسناد كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية)، وفيه ذكر أن الخضر الكندي قد تفرد به، وهو مجهول ينفرد برواية المناكير التي لا يتابع عليها.

ثم عنون بقوله: إنكار أهل العلم نسبة كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) للإمام أحمد. ولكنه لم يذكر من العلماء إلا الإمام الذهبي وابن الوزير من المتقدمين، ثم الأرناؤوط من المعاصرين! وأصرحها قول الإمام الذهبي: “وفي الآيات دليل على أن الذي جاءه هو القرآن. وقد روي عن السلف أنهم كانوا يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق، وهو الذي أذهب إليه، لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذا إلا ما كان عن كتاب الله، أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه، أو عن التابعين، فأما غير ذلك، فإن الكلام فيه غير محمود. فهذه الرسالة إسنادها كالشمس، فانظر إلى هذا النفس النوراني، لا كرسالة الإصطخري، ولا كالرد على الجهمية الموضوع على أبي عبد الله، فإن الرجل كان تقيا ورعًا، لا يتفوّه بمثل ذلك. ولعله قاله، وكذلك رسالة المسيء في الصلاة باطلة”([1]).

ثم ذكر تعقيب ابن الوزير على كلام الذهبي وتعليقه على قوله: “ولعله قاله” بأن ذلك النص: “مصلَّح، وأنه بغير خطّ الذهبي”([2]).

وذكر من المعاصرين تعليق الشيخ شعيب الأرناؤوط على السير للذهبي في نفس الموضع.

ثم أورد تضعيف ابن رجب للخضر بن المثنى الكندي، وأنه يتضمَّن إنكار الكتاب ضمنًا.

ثم عنون بقوله: “ابن بطة ينقل من كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) ولا ينسبه قط إلى الإمام أحمد بن حنبل؛ بل قد نسب نصوصه لمقاتل بن سليمان”، ودلَّل على قوله بإيراد نصٍّ من نصوص الكتاب التي يتكلم فيها عن الجهم، وهي منسوبة إلى مقاتل.

ثم أورد نسبة الملطي القول في مسألة كلام أهل النار إلى مقاتل كذلك([3]).

وبعد إيراد نصوص العلماء انتقل إلى مناقشة ابن القيم فيما ذهب إليه من تصحيح نسبة كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) للإمام أحمد بن حنبل، وذكر أن ابن القيم حاول أن يثبت صحة نسبة الكتاب إلى الإمام أحمد، وكل من دافع بعده نقل عنه، وأن ابن القيم خلط بين ثلاثة كتب مختلفة ظنها كتابًا واحدًا، وهي:

  • كتاب الرد على الزنادقة والجهمية.
  • ما يحتج به الإمام أحمد على الجهمية من القرآن الكريم.
  • الرد على من يزعم الاستغناء بظاهر القرآن عن تفسير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والرسالتان الأخيرتان لا علاقة لهما مطلقًا بالأولى، بل كل واحدة من الثلاثة رسالة مستقلة.

ثم عنون لبيان وهم ابن القيم بأن الخلال روى في كتاب السنة كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية)، فقد قال ابن القيم بأن كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) مذكور كله في كتاب السنة، ولكنه في الواقع غير موجود، والموجود كتاب آخر.

فبيَّن أن ابن القيم يخلط بين رسالتين منسوبتين للإمام أحمد، فالموجودة في الكتب رسالة (ما يحتج به الإمام أحمد على الجهمية من القرآن الكريم)، وأما كتاب (الرد على زنادقة) فغير موجود، وابن القيم خلط بينهما وهما كتابان منفصلان.

ثم عقد مبحثًا باسم: “الاحتجاج إنما يكون بصحة الأخبار وثبوتها لا بمجرد روايتها”، وفيه نقل نص الإمام ابن القيم وفصّل في نقده، فإنه لم ينقل أحد من أصحاب الإمام أحمد الذين سمعوا منه كلمة واحدة من هذا الكتاب ولا ذكروه، وأول من نقل مما فيه الملطي ونسبه لمقاتل، وأخطأ ابن القيم في دعواه أن البيهقي نقل منه، فإنه لم ينقل منه شيئًا، وأول من توهم بأن الخلال أخرج كتاب (الرد على الزنادقة) في السنة ابن تيمية، والقاضي أبو يعلى هو أول من نسب الكتاب إلى الإمام أحمد في كتابه (إبطال التأويل)، ولكنه جمع الضعيف والواهي لضعفه في الحديث، فلا يعتمد عليه.

ثم جاء في البحث أن العبرة بصحة الأخبار وثبوتها لا بمجرد روايتها ونسبتها إلى قائليها، وليس كل ما يرويه المحدثون ويسكتون عنه يكون صحيحا، بل قد يروون الخرافة ويسكتون عنها، ثم أورد قول الذهبي وابن الوزير ومن بعدهم الأرناؤوط في التشنيع على من نسب أشياء منكرة إلى الإمام أحمد وما فيها من أقوال لم يقلها مما هو مخالف للمعروف عنه.

ثم ذكر أن الحنابلة لا يحتجون بما ينقل عن الإمام أحمد بالأسانيد الضعيفة حتى لو وجد هذا النقل في كتبهم منسوبًا للإمام أحمد.

وأعاد القول مرة أخرى بنكارة الخضر عن عبد الله.

وانتقل إلى نقد ابن القيم في كلامه عن الخضر تحت عنوان: ابن القيم لم يوفق في محاولته لتوثيق الخضر بن المثنى، وملخص نقده أن ابن القيم استدل بمجرد رواية الخلال له، وهو لا يفيد توثيق المروي عنه، والخلال قد روى عن الضعفاء كمحمد بن سليمان بن هشام.

ثم أشار إلى أن الخلال نفسه لم يعتمد على كتاب (الرد على الزنادقة)، بل أعرض عن النقل عنه في السنة، ووهم ابن تيمية وابن القيم حين زعما أنه نقل عنه.

ثم انتقل إلى التفريق بين كتاب (الرد على الزنادقة) وبين رسالة (ما يحتج به الإمام أحمد على الجهمية من القرآن الكريم)، ثم نقل هذه الرسالة الأخيرة عن عبد الله ابن الإمام أحمد وبيَّن اختلاف مضمونها عن مضمون كتاب الرد على الجهمية.

ثم نبه إلى إطلاق بعض أهل العلم اسم (الرد على الجهمية) على كتاب (السنة) لعبد الله ابن الإمام أحمد كما يفعل الخطيب البغدادي وغيره، فلا ينبغي أن يتوهم متوهم بأن المقصود كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية)، بل المقصود كتاب (السنة) لعبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل، ومثَّل على ذلك بقول الخطيب.

ثم ردَّ على ابن القيم نقله رواية الخلال عن الخضر غير هذا الكتاب، وأن مجرد الرواية لا تكفي للاعتماد عليه.

وانتقل بعد ذلك إلى بيان خلط ابن القيم بين كتابين آخرين معنونًا له: “ابن القيم وللمرة الثانية يخلط بين كتابين منسوبين للإمام أحمد بن حنبل”.

ويقصد كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) وكتاب (الرد على من يزعم الاستغناء بظاهر القرآن عن تفسير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وبيَّن أن ابن القيم توهم وجود متابع لسند الخضر بن المثنى، ولكنه في الحقيقة سند للكتاب الآخر، وليس لنفس الكتاب، ثم أورد مقدمة كتاب (الرد على من يزعم الاستغناء…) ليبين الاختلاف بين الكتابين.

هذا ما في الباب الثاني، وننتقل بعد ذلك إلى الباب الثالث.

  • الباب الثالث: جعله في إثبات نسبة كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) لمقاتل بن سليمان المتهم بسوء مذهبه والمجمع على ترك روايته.

واستفتح هذا الباب بالتعريف بمقاتل بن سليمان وإجماع المحدثين على تركه وسوء مذهبه.

ثم انتقل إلى التعريف بالجهم بن صفوان وتحذير العلماء من ضلاله، لينتقل إلى الحديث عن مناظرة مقاتل للجهم، ووضع كلٌّ كتابًا على الآخر، وأن مقاتلًا كان يجادل الجهمية.

وكان سرد هذه النقاط تمهيدًا لبيان استنباط استنبطه الباحثان من نصوص كتاب (الرد على الزنادقة)، فإنه يحاور الجهم بشكل مباشر بحيث يورد سؤال الجهم ويناقشه مباشرة بقوله: فقلنا له، فتارة يقول: “ثم إن الجهم ادعى أمرًا آخر، فقال: أخبرونا عن القرآن هو شيء؟ فقلنا: نعم هو شيء”([4]).

ثم انتقل إلى المقارنة بين تفسير مقاتل وما في كتاب (الرد على الجهمية)، وأورد جملة من الآيات التي يتطابق أو يتشابه في التفسير بين الكتابين، واستغرق ذلك من صفحة 88 إلى صفحة 101 أي: حوالي 13 صفحة.

وبعد ذلك انتقل إلى أول من نقل نصوصًا من كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية)، وهو الملطي، ليذكر أن الملطي ينقل تلك النصوص وينسبها لمقاتل دون الإمام أحمد.

فبدأه بالتعريف بالملطي، ثم أورد نصَّه في (التنبيه والرد)، وجعل نص كتاب (الرد على الجهمية) في الحاشية.

وانتقل بعد ذلك إلى مقارنة ما أورده ابن بطة العكبري في الإبانة من النصوص عن مقاتل، وهي متفقة تمامًا مع ما في كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية)، ولو أن ابن بطة نقله من كتاب الإمام أحمد لصرح بذلك ونسبه إليه ولم ينسبه إلى مقاتل.

  • الباب الرابع: منهج الإمام أحمد في الرد على الجهمية وأهمية معرفة ما صح عن الإمام أحمد مما لم يصح.

ذكر فيه أنه يمكن تلخيص منهج الإمام أحمد في أمور، وذكر خمسة أشياء هي:

  1. جمع الآيات التي يحتج بها على الجهمية من القرآن الكريم.
  2. جمع الأحاديث الصحيحة التي يحتج بها على الجهمية والتحديث بها.
  3. الأخبار تُسلَّم كما جاءت.
  4. مجافاة من يعترض على النصوص.
  5. الاقتصار على ما كان في كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين، أما غير هذا فإن الكلام فيه غير محمود.

ثم بيَّن أن الإمام أحمد لم يغير منهجه ذلك، لا في وقت المحنة ولا بعدها، وأن من أهم أسباب مخالفة من خالف منهج الإمام أحمد بن حنبل الأخذ بما لم يصح عنه من الأقوال، وتقديم الضعيف والشاذ والمنكر مما نقل عنه على الصحيح المتواتر والمشهور من أقواله.

وبين فيه أن المنتسبين للإمام أحمد على ثلاثة أصناف كما يذكر ابن رجب، وفصَّل في حال كل صنف من هذه الأصناف.

قال ابن رجب: “وأصحابنا في هذا على ثلاث فرق:

  • فمنهم من يثبت المجيء والإتيان، ويصرح بلوازم ذلك في المخلوقات، وربما ذكروه عن أحمد من وجوه لا تصح أسانيدها عنه.
  • ومنهم من يتأول ذلك على مجيء أمره.
  • ومنهم من يقر ذلك، ويمره كما جاء، ولا يفسره، ويقول: هو مجيء وإتيان يليق بجلال الله وعظمته سبحانه. وهذا هو الصحيح عن أحمد، ومن قبله من السلف”([5]).

وبعد التفصيل في حال الطائفة الأولى ذكر أن مما لم يحمده الإمام أحمد بن حنبل التصدي لرد كلام أهل البدع بجنس كلامهم من الأقيسة الكلامية وأدلة العقول، وأن ابن تيمية إنما نهَج نهْج الرد على المتكلمة بأقيستهم ظنًّا منه صحة كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) للإمام أحمد.

وقد روي عن السلف أنهم كانوا يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق، وهو الذي أذهب إليه، لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذا إلا ما كان عن كتاب الله، أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه، أو عن التابعين، فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود.

وختم الكتاب بتقرير المذهب الذي اتفق عليه السلف وأهل الحديث كما يرى المؤلفان، وجاء فيه: “وهذا المذهب الذي اتفق عليه السلف وأهل الحديث هو المذهب المنقول عن الإمام أحمد بالأسانيد الصحيحة المتواترة عنه، وعن غيره من الأئمة الذين يقتدي بهم، وعلى هذا المذهب كان أئمة السلف متفقين، وبكتاب ربهم معتصمين، وسنة نبيهم متبعين، وعلى الحق والخير مجتمعين، ولطريقة أهل الحديث في الأخذ بالصحيح وترك المنكر سالكين، فأين هذا مما يُنسب للإمام أحمد بن حنبل من الأكاذيب ككتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) ورسالة الإصطخري الموضوعة على الإمام أحمد، وغيرها من الرسائل المكذوبة التي سنسعى -بعون الله- إلى كشفها وبيانها، متبعين في ذلك طريقة أهل النظر من المحدثين في الكشف عن كذب الكذابين، والتنبيه على الأخطاء التي تقع في روايات الصادقين وأوهام الواهمين”([6]).

ثانيًا: أهم الانتقادات على الكتاب إجمالًا:

أوَّلها: من أهم الانتقادات المنهجية أن الكتاب لم يلتفت إلى الدراسات السابقة في الموضوع، فهذا الكتاب المنسوب للإمام أحمد صادر عام 1440هـ يوافقه 2018م، وقد سبقه في بحث هذه المسألة محققو الكتاب في مقدمات تحقيقهم، وآخرهم وأجودهم الشيخ د. دغش بن شبيب العجمي في تحقيقه للكتاب المطبوع في دار القبس للنشر والتوزيع عام 1437ه، وهو في (192) صفحة، وليس من الصواب في شيء إساءة الظن والقول بأن المؤلفين قد أعرضا عن بحث الشيخ دغش العجمي مع علمهما به -مع أنه من أشهر التحقيقات وأجودها للكتاب-، ولكن لعله فاتهما في غمار كثرة طبعات الكتاب وتحقيقاته، ووقفنا على قرابة ثماني طبعات، ولو كلف الباحثان أنفسهما قليلًا من العناء في البحث -ولو على الشبكة العنكبوتية- لتوصَّلا إلى هذه الطبعة.

ولئن عرضنا من قبل أدلة هذين المؤلفين في تبرئة الإمام أحمد من كتاب (الرد على الجهمية)، فعلينا قبل الخوض في مناقشتهما عرض أدلة الشيخ د. دغش بن شبيب العجمي؛ لينظر القارئ بعد ذلك نظر البصير بين الأدلة.

فمن أهم الأدلة عند الشيخ د. دغش العجمي على صحَّة نسبة الكتاب للإمام أحمد:

  • ذكر الكتاب ونسبته إلى صاحبه في الكتب ومعاجم المؤلفين والمترجمين، وذكر أربعين رجلًا نسبوا هذا الكتاب إلى الإمام أحمد، سبعة منهم توفّوا قبل أن يولد ابن تيمية، وبعضهم من أعلام الحنابلة، وهؤلاء السبعة هم: ابن النديم أبو الفرج محمد بن إسحاق (438هـ) في كتابه الفهرست، والإمام القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء البغدادي (458هـ)، والإمام أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن أَبُو الخطاب الكَلْوَذَاني الحنبلي (510هـ)، والإمام أبو الحسين محمد بن أبي يعلى الحنبلي (526هـ) في كتابه طبقات الحنابلة، والشيخ يحيى بن إبراهيم بن أحمد السلماني (550هـ)، والإمام جمال الدين ابن الجوزي أبو الفرج عبد الرحمن (597هـ)، والإمام مجد الدين أبو البركات عبد السلام ابن تيمية (652هـ)، وهو من أكبر الدلائل المبطلة لدعوى من يدعي أنها من الأوهام والدعاوى التيميّة، ولا نريد أن نطيل القول هنا بإيراد كل العلماء الذين ذكروا الكتاب.

ولكن المؤلفان لم نجد منهم تعرُّضًا ولا تعريضًا بهؤلاء الذين ذكروا كتاب الإمام أحمد! وإن شئت فقلِّب صفحات الكتاب من أوله إلى آخره لن تجد ذكرًا لابن النديم الذي هو أقدم من ذكر هذا الكتاب!

  • تصريح جميع النسخ الخطية للكتاب بنسبته للإمام أحمد، فالنسخ الخطية أكثر من ست عشرة نسخة، كما ذكرت ذلك فهارس المخطوطات، وجميعها ينسب الكتاب إلى الإمام أحمد بن حنبل، وهذا الدليل أيضًا لم نجد من المؤلفَين اهتمامًا بذكره ولا التعريض به.
  • اتفاق علماء الحنابلة على صحة نسبة الكتاب إلى الإمام أحمد، فقد اتفق الحنابلة جميعهم على صحة نسبة الكتاب إلى الإمام أحمد، ولو كان بينهم من يشكك في نسبة هذا الكتاب إلى إمامهم لظهر ذلك كما ظهر غيره، ولكن الحاصل أنه لم ينكر أحد نسبة هذا الكتاب إلى الإمام أحمد من الحنابلة السابقين المعروفين باتباع مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وهذا الدليل كسابقيه لم نجد من المؤلفَين نقدًا له ولا عرضًا.
  • نقل جملة من العلماء عن هذا الكتاب نصوصًا، تارة بتصرف، وتارة بدون تصرف، وتارة باختصار وإيجاز، فقد اقتبس كثير من العلماء من هذا الكتاب نصًّا، واستدل آخرون بما فيه على آراء الإمام أحمد رحمه الله، ودلل وعلل قوم، واختصر وحشّى غيرهم؛ مما يدل على أنه معروف عن الإمام أحمد، وقد ذكر الشيخ د. دغش العجمي عشرة منهم.
  • رواية الإمام أبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال، وهو ما أبرزه وركَّز البحث عليه من بين جموع الأدلة السابقة؛ ليستغرق في نقده وتفصيله بابًا كاملًا، وسيأتي الحديث عنه.

ثانيها: بمعرفة الانتقاد السابق يدرك القارئ أن المؤلفين في بحثهما يمارسان مغالطة منطقية، وهي مغالطة (انحياز التأييد) ومعناه: أن يختار المرء المعلومات التي تثبت صحة كلامه ثم هو يتجاهل كافة المعلومات الصحيحة والحقيقية دون ذلك، بل وتأتي بمواضيع جانبية تشتت الموضوع الأصلي الذي تتحدث عنه.

وهذا ما حدث في الكتاب، فقد تجاهل المؤلفان الأدلة الكثيرة الدالة على صحة نسبة الكتاب إلى الإمام أحمد ليكتفيا بانتقاد ما فيه نقد منها فحسب.

ثالثها: زعم المؤلفان أن منهج المحدثين في التعامل مع الإسناد يجب أن يطبق بحذافيره عند توثيق كتاب ونسبته إلى مؤلفه، فمما جاء في المقدمة: “ولما كان المنقول مما صح عن الإمام أحمد أو لم يصح إنما نقل بالأسانيد، فينبغي قبل أن ننسب إليه الكتب والأقوال أن ننظر في سلسلة الرجال، فإن من سلك مسلك جهابذة المحدثين في ترك رواية الكذابين ورد أخبار المجاهيل والمغفلين سلم من الوقوع في فخ رواية المجهولين والمتروكين، فإن الإسناد من الدين، وإن الرواية لا تكون إلا عن الثقات، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء”.

ولو سرنا على هذا لأسقطنا نسبة كبيرة من التراث الإسلامي، ولا عرفنا أقوال الإمام أبي حنيفة ولا مالك ولا الشافعي ولا أحمد ولا من سبقهم ولا من لحقهم، ولأحرقنا ثلاثة أرباع المكتبة الإسلامية!

فمن الذي زعم أن منهج توثيق الكتاب هو ذات منهج معرفة صحة الحديث بالإسناد والمتن كما هو المعروف في علم الحديث؟!

بل توثيق الكتاب له منهجه وطريقته، وهو غير التوثُّق من صحَّة الحديث النبوي، فتوثيق الكتاب له طرق كثيرة غير طريق الإسناد؛ فالكتاب يكتبه الإمام العالم ويعرف بخطه أو بخط تلاميذه أو من نقل عنهم وفي ذلك كفاية، وقد يجده أحد من الناس منسوبًا إلى مؤلفه وتكون النسخ الكثيرة المجتمعة كلها تنطق باسم المؤلف ولا تذكر مؤلفًا آخر غيره، أو يشتهر أمره بين العلماء وينقلون عنه، أو يشتهر كتاب شيخ من الشيوخ عند طلابه وأتباعه، هذه كلها من الدلائل التي يمكن النظر إليها وإعمالها عند توثيق كتاب.

رابعها: بُنِي الكتاب على عدة شبهات لنفي نسبة الكتاب للإمام أحمد، وأهم هذه الشبهات:

1- أن الإمام أحمد رحمه الله كان ينهى عن تأليف الكتب ومجالسة أهل البدع والرد عليهم([7]).

والجواب عن هذه الشبهة واضح لكل عالمٍ بتاريخ الإمام أحمد وحاله، وتاريخ هذا القول والرأي، فإن الإمام أحمد رحمه الله نهى عن ذلك حين كان الناس في غنية عن إشغال الوقت بالمواضيع الجدلية التي لا طائل تحتها ولا مغزى منها سوى قيل وقال، دون فائدة علمية حقيقية تذكر، فإظهار الشبهات لمن لا يعرفها وإحياؤها بين من لم تغشَ قلبه دون مغزى لا طائل تحته، بل فيه من ترويج الشبهات وبثِّها وتشكيك المسلمين وزعزعة يقينهم وعقائدهم وإيمانهم ما قد لا يزول بكل آية بعد ذلك.

إن حفظ دين الناس وإيمانهم وعقائدهم من أصول الدين الإسلامي وأحد ضرورياته الخمس، ولكن الحال قد تغير بعد ذلك، فراجت الشبهات، وبثَّ أهل الأغراض والأهواء أهواءهم وضلالاتهم لعامة الناس، ووجدوا من أهل القوة والسلطة من يساندهم، فوجب إحقاق الحقِّ وإبطال الباطل وتفنيد الشبهات والأباطيل ودحر البدعة وأهله؛ يقول الإمام أحمد: “كنا نرى السكوت عن هذا قبل أن يخوض فيه هؤلاء، فلما أظهروه لم نجد بدًّا من مخالفتهم والرد عليهم”([8]).

وهذا المنهج ليس بدعًا من القول، ولم تكن بضاعة مزجاة من كيس الإمام أحمد، بل هو منهج الأئمة والسلف من قبل ومن بعد؛ ولذلك قال الدارمي رحمه الله: “فحين خاضت الجهمية في شيء منه وأظهروه وادَّعوا أن كلام الله مخلوق أنكر ذلك ابن المبارك، وزعم أنه غير مخلوق، فإنّ من قال: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا} مخلوق فهو كافر… فكره ابن المبارك حكاية كلامهم قبل أن يعلنوه، فلمَّا أعلنوه أنكر عليهم وعابهم ذلك”([9]).

2- نكارة إسناد كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية)، وهو: “قال ابن أبي يعلى: قرأته على المبارك بن عبد الجبار، عن إبراهيم، عن عبد العزيز أبي بكر الخلال، أخبرني خضر بن مثنى الكندي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قال أبي”، وأن الخضر الكندي قد تفرد به، وهو مجهول ينفرد برواية المناكير التي لا يتابع عليها.

والجواب عن هذه الشبهة: أن الأئمة الذين وثَّقوا الكتاب ونسبوه إلى الإمام أحمد لم يكن يخفى عليهم جهالة هذا الراوي في الإسناد، بل قبلوا الكتاب رغم ذلك؛ لأن توثيق نسبة الكتاب لا يقف على وجود سند صحيح له كما هو الحال في الأحاديث، بل إن الخلّال يكفيه أنه وجد الكتاب وكتبه بخطّه، ووجود الإسناد بعد ذلك مزيد تثبّت ليس إلا. قال الخلال: “أخبرنا أبو بكر المروذي قال: هذا ما احتج به أبو عبد الله على الجهمية في القرآن، كتب بخطه وكتبته من كتابه”([10]).

وإلى ما ذكرنا من علم الأئمة بجهالة الخضر يقول ابن القيم معلقًا: “والظاهر أن الخلال إنما رواه عن الخضر؛ لأنه أحب أن يكون متصلَ السند على طريق أهل النقل، وضم ذلك إلى الوجادة، والخضر كان صغيرًا حين سمعه من عبد الله، ولم يكن من المعمّرين المشهورين بالعلم، ولا هو من الشيوخ، وقد روى الخلال عنه غير هذا في جامعه”([11]).

وأما دعوى أن هذا الإسناد وهذا الكتاب لرسالة أخرى غير رسالة (الرد على الزنادقة) فهي دعوى بحاجة إلى دليل، ولا دليل.

ولنا هنا مع صاحب كتاب (التبرئة) وقفات:

أولًا: لم يقل أحد من أهل الحديث: إن الحديث يسمَّى منكرًا أو يوصف بالنكارة لوجود مجهول في إسناده كما هو الحال في إسناد هذا الكتاب، وعليه فهل كان المؤلفان على علم بمصطلح النكارة عند أهل الحديث الذين يريدون التعامل بمنهجهم، أم هناك وجه لا نعرفه لتسمية سند الكتاب بالمنكر غير المعروف عند المحدثين؟!

ثانيًا: زعموا أن الكتاب منكر متنًا في مقدمة الكتاب، ولكن لا نجد ذكرًا لنكارة المتن في الكتاب كله غير ما في المقدمة من زعم عارٍ عن التعليل والتدليل وخاوٍ من الحجة والبرهان! فدعوى نكارة متن الكتاب أطلقها المؤلفان إطلاقًا، ولم يذكرا على ذلك دليلًا ولا مثالًا ولا وجهًا من الوجوه يبيِّن لنا المقصود بالنكارة.

3- قول الإمام الذهبي (748هـ) رحمه الله: “وفي الآيات دليل على أن الذي جاءه هو القرآن. وقد روي عن السلف أنهم كانوا يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق، وهو الذي أذهب إليه، لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذا إلا ما كان عن كتاب الله، أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه، أو عن التابعين، فأما غير ذلك، فإن الكلام فيه غير محمود. فهذه الرسالة إسنادها كالشمس، فانظر إلى هذا النفس النوراني، لا كرسالة الإصطخري، ولا كالرد على الجهمية الموضوع على أبي عبد الله، فإن الرجل كان تقيًّا ورعا، لا يتفوه بمثل ذلك، ولعله قاله، وكذلك رسالة المسيء في الصلاة باطلة”([12]).

ثم ذكر تعقيب ابن الوزير على كلام الذهبي وقوله بأن قوله: “ولعله قاله” مصلَّح وأنه بغير خط الذهبي([13]).

والجواب عن هذه الشبهة: أن الأئمة الذين أثبتوا نسبة الكتاب إلى الإمام أحمد ممن جاء بعد الإمام الذهبي لم يخف عليهم قوله هذا، وإن في مقابله عشرات العلماء الذين أثبتوا صحة نسبة الكتاب إلى الإمام أحمد رحمه الله، ثم الإمام الذهبي في نصِّه ذلك لم يذكر دليلًا على كونه موضوعًا على الإمام أحمد إلا هذه الدعوى نفسها.

وإضافة إلى ذلك لم نجد أحدًا من العلماء الذين تكلموا عن الإمام أحمد وترجموا له ذكروا شيئًا من هذا التشكيك، ولا أوردوا قول الإمام الذهبي، فضلًا عن أن يناقشوه في قوله ويردوا عليه.

ثم قوله: “فإن الرجل كان تقيا ورعا، لا يتفوه بمثل ذلك” غير واضح المقصود بذلك، فما هي النصوص التي في كتاب (الرد على الزنادقة) هي مخالفة لحال التقوى والورع؟! ولم توقَّف العلماء والأئمة من بعد الإمام الذهبي عن ذكر كلامه ومناقشته؟! ألم يدرك هذه المخالفة لحالة الورع والتقوى الأئمة الذين نقلوا هذا الكتاب عن الإمام أحمد ممن سبق الذهبي على مدى قرون من أتباعه خاصة؟!

وبعد هذا كله، إذا سلمنا بصحة قول الإمام الذهبي، فأين نذهب بأقوال العلماء والأئمة الذين قالوا بخلاف قوله ومعهم طائفة من أدلة ثبوت الكتاب؟! بل أين نذهب بأقوال علماء الحنابلة الذين هم ألصق وأقرب إلى معرفة الإمام أحمد بن حنبل وكتبه أقواله؟!

4- ذكرا من المعاصرين تعليق الشيخ شعيب الأرناؤوط على السير للذهبي.

والجواب عن ذلك: أن قول الشيخ شعيب الأرناؤوط معروف في ذلك، وقد صرَّح بأن ذلك القول قول الإمام الذهبي، وفي المقابل هناك جملة من العلماء يخالفونه ويثبتون صحة نسبة الكتاب إلى الإمام أحمد، حيث قال: “يرى الذهبي المؤلف أن كتاب (الرد على الجهمية) موضوع على الإمام أحمد، وقد شكك أيضا في نسبة هذا الكتاب إلى الإمام أحمد بعض المعاصرين في تعليقه على (الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية) لابن قتيبة، ومستنده أن في السند إليه مجهولا، فقد رواه أبو بكر غلام الخلال، عن الخلال، عن الخضر بن المثنى، عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه… والخضر بن المثنى هذا مجهول، والرواية عن مجهول مقدوح فيها، مطعون في سندها. وفيه ما يخالف ما كان عليه السلف من معتقد، ولا يتسق مع ما جاء عن الإمام في غيره مما صح عنه، وهذا هو الذي دعا الذهبي هنا إلى نفي نسبته إلى الإمام أحمد، ومع ذلك فإن غير واحد من العلماء قد صحَّحوا نسبة هذا الكتاب إليه، ونقلوا عنه، وأفادوا منه، منهم القاضي أبو يعلى، وأبو الوفاء بن عقيل، والإمام البيهقي، وابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وتوجد من الكتاب نسخة خطية في ظاهرية دمشق، ضمن مجموع رقم (116)، وهي تشتمل على نص (الرد على الجهمية) فقط، وهو نصف الكتاب، وعن هذا الأصل نشر الكتاب في الشام بتحقيق الأستاذ محمد فهر الشقفة”([14]).

والشيخ الأرناؤوط قد ناقشه في قوله جملة من العلماء، منهم الشيخ د. دغش العجمي في كل أقواله وردَّ عليها، فليس العجب هنا من ترجيح الأرناؤوط، ولكن العجب من مؤلفي هذا الكتاب حيث لم يوردَا ولم يناقشا أقوال العلماء الآخرين، ولا تشجَّعا للرد على حجج من ردَّ على الشيخ الأرناؤوط، بل اكتفيا بإعادة قوله وتكرار حججه نفسها دون مناقشة!

ولعل الشبهة الجديدة هنا هو ما يأتي.

5- عدم ذكر هذا الكتاب ممن عاصر الإمام أحمد.

والجواب عن هذه الشبهة بأمور:

  • ليس من شرط إثبات نسبة الكتاب إلى مؤلفه أن يذكره من عاصر المؤلف من الناس، وإن كان هو من الأدلة القوية في ذلك، ولو التزمنا بذلك لاستغنينا عن شيء كثير من كتب العلماء.
  • وبعد ذلك ليس في هذا القول دليلًا على انتفاء الكتاب، وعدم العلم ليس علمًا بالعدم.
  • يمكننا ادعاء نقيض هذا القول: فلماذا لم ينكر هذا الكتاب أحد من العلماء على مدى قرون ولا أحد من الحنابلة المعتنين بالإمام أحمد؟!
  • مع عدم الدليل على أنه لم يذكره أحد من المعاصرين نجد أن الخلال ذكره، وهو قد أدرك تلاميذ الإمام أحمد، وكذلك ابن النديم ذكره في الفهرست كما سبق.
  • على التسليم بأنه لم يذكره أحد من معاصريه؛ فقد يرى الأئمة عدم الحاجة إلى النقل عن الإمام أحمد، خاصة في عصره الذي كانت العناية فيه أكبر بنصوص الوحي، فالحاجة إلى حفظها وضبطها أقوى. وقد يرى العالم أن نقل مسألة من المسائل لا يلزم منه عزوه إلى قائله في كل وقت، فمثلًا من المحتمل أن الإمام البخاري قد استفاد من كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) في أحد عناوين كتبه كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية حيث يقول: “احتج أحمد بما سمعته الملائكة من الوحي إذا تكلم الله به، كما قد جاءت بذلك الآثار المتعددة، وسمعوا صوت الوحي فقالوا: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ}، ولم يقولوا: ماذا خلق ربكم؟ فبين أن تكلم الله بالوحي الَّذي سمعوا صوته هو قوله، ليس هو خلقه. ومثل هذه العبارة ذكر البخاري الإمام صاحب الصحيح، إما تلقيًا له عن أحمد أو غيره، أو موافقة اتفاقية، وقد ذكر ذلك في كتاب الصحيح، وفي كتاب خلق الأفعال، فقال في الصحيح في آخره في كتاب الرد على الجهمية: باب قول الله: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}، ولم يقل: ماذا خلق ربكم؟، وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإِذْنِهِ}”([15]).
  • قد يكون سبب عدم معرفة المعاصرين للإمام أحمد لهذا الكتاب أنه لم يخرج وينتشر في الآفاق إلا بعد وفاة الإمام أحمد بفترة.

خامسها: ذكر المؤلفان أن الإمام ابن القيم خلط بين رسالتين للإمام أحمد، وحاول أن يثبت صحة نسبة كتاب (الرد على الزنادقة) إلى الإمام أحمد بإسناد رسالة أخرى، واستدل بقول الإمام ابن القيم عن كتاب (الرد على الزنادقة): “ذكر هذا الكتاب كله أبو بكر الخلال في كتاب السنة له…. قال الإمام أحمد رحمه الله: (كان جهم وشيعته كذلك دعوا الناس إلى المتشابه من القرآن والحديث، فضلوا وأضلوا بكلامهم بشرًا كثيرًا، وكان فيما بلغنا أن الجهم -عدو الله- كان من أهل خراسان، وكان صاحب خصومات وكلام، وكان أكثر كلامه في الله تعالى…) إلى أن قال: (قال الخلّال: كتبت هذا الكتاب من خطِّ عبد الله، وكتبه عبد الله من خط أبيه)”([16]).

فزعم المؤلفان أن ابن القيم وهم بأن الخلال روى في كتاب السنة كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية)، فقد قال ابن القيم بأن كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) مذكور كله في كتاب السنة، ولكنه في الواقع غير موجود، والموجود كتاب آخر، فقد عنون المؤلفان: “ابن القيم يتوهم بأن الخلال روى كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) في كتاب السنة”، وذكرا نقل ابن القيم السابق ثم قالا: “ليس في كتابه السنة للخلال حرف واحد مما ذكره ابن القيم، بل ليس كتاب السنة للخلال حرف واحد من كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية)”.

والجواب عن هذا ما يلي:

  • لا نسلِّم بدعوى وهمِ الإمام ابن القيم بذلك، خاصة أنه نقل جملة كبيرة من نصوص كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية).
  • الموجود من كتاب السنة للخلال اليوم بأيدينا غير كامل، بل منه ما هو مفقود كما يذكر محققه الشيخ د. عطية الزهراني في مقدمته: “والذي ترجح عندي أنه السنة للخلال، وأن كتابنا هذا جزء منه، فإنه ما يزال للكتاب بقية؛ لأن بعض القضايا التي نقلها العلماء من السنة للخلال ليست في هذا الكتاب؛ كمسألة الاستواء والرؤية”([17]). فلا يلزم من عدم وجود النص فيما بين أيدينا من كتاب السنة أنه غير موجود في الأصل.
  • ماذا لو أن الإمام ابن القيم وهم فعلًا؟! فهو من علماء القرن الثامن، والأئمة قد ذكروا الكتاب قبله بقرون، ونسبوه إلى الإمام أحمد ونقلوا عنه.

سادسها: جاء في الكتاب أن “القاضي أبا يعلى في كتابه (إبطال التأويل) هو أول من نسب كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) للإمام أحمد، ومع سعة اطلاع القاضي إلا أنه احتج بكتابه (إبطال التأويل) بالواهي والضعيف؛ لقلة معرفته بالحديث والرجال، فلا يمكن الاعتماد على كلامه من غير وجود سند صحيح للكتاب”.

والجواب عن هذا:

  • أن القاضي قد سبقه غيره، وليس هو أول من نسب الكتاب إلى الإمام أحمد كما يذكر المؤلفان؛ بل قد ذكره قبله غيره كما سبق، ومن أوائلهم ابن النديم في الفهرست الذي لم نجد له ذكرًا في هذا الكتاب مع أن المحقِّقِين قد ذكروه!
  • القاضي أبو يعلى من أعلام الحنابلة، وهو واسع الاطلاع كما ذكر في الكتاب، وكفى بذلك مرجحًا لإدراكه ما هو صحيح النسبة إلى إمامه وما هو خطأ وكذب.
  • ليس من شرط العالم أن يكون قويًّا في علم الحديث حتى يقبل قوله في علومه، فكون القاضي أبي يعلى ضعيفًا في الحديث لا يلزم منه أن يكون ضعيفًا في معرفة المذهب وإمامه وما هو صحيح النسبة إليه وما هو خطأ؛ بل هو عالم بالمذهب ورواياته وأدرى بذلك، ولو سرنا بهذا القول على أنه قاعدة مطردة لم نسمع إلى قول أحد من علماء المذاهب وهو ضعيف في الحديث!

سابعها: عنونا بقولهما: “ابن بطة ينقل من كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية)، ولا ينسبه قط إلى الإمام أحمد بن حنبل، بل قد نسب نصوصه لمقاتل بن سليمان”، ودلَّلا على ذلك بإيراد نصٍّ من نصوص الكتاب يتكلم فيه الإمام أحمد عن قصة السُّمنية مع الجهم، والنص نفسه رواه الإمام العكبري عن مقاتل:

قال الإمام ابن بطة (387هـ) رحمه الله: “حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق، قال: نا أبو محمد عبد الله بن ثابت بن يعقوب التوزي المقري، أخبرني أبي، عن الهذيل بن حبيب، عن مقاتل بن سليمان قال: وكان مما علمنا من أمر عدو الله جهم أنه كان من أهل خراسان من أهل الترمذ، وكان صاحب خصومات وكلام، وكان أكثر كلامه في الله، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله عز وجل»، فلقي جهم ناسا يقال لهم: السُّمنية، فعرفوا جهمًا، فقالوا له: نكلّمك؛ فإن ظهَرَت حجّتُنا عليك دخلتَ في ديننا، وإن ظَهَرَت حجتُك علينا دخلنا في دينك، فكان مما كلموا به جهما أن قالوا له: ألست تزعم أن لك إلها؟ قال جهم: نعم، فقالوا: هل رأيت إلهك؟ قال: لا، قالوا: أسمعتَ كلامه؟ قال: لا، قالوا: فسمعتَ له حسًّا؟ قال: لا، قالوا: فما يدريك أنه إله؟ قال: فتحيَّر جهم، فلم يصلِّ أربعين يومًا، ثم استدرك حجتَه مثل حجة زنادقة النصارى، وذلك أن زنادقة النصارى تزعم أن الروح التي في عيسى عليه السلام هي روح الله من ذاته كما يقال: إن هذه الخرقة من هذا الثوب، فدخل في جسد عيسى، فتكلم على لسان عيسى، وهو روح غائب عن الأبصار، فاستدرك جهم من هذه الحجة، فقال للسُّمنية: ألستم تزعمون أن في أجسادكم أرواحا؟ قالوا: نعم، قال: هل رأيتم أرواحكم؟ قالوا: لا، قال: أفسمعتم كلامها؟ قالوا: لا، قال: أفشممتم لها رائحة؟ قالوا: لا، قال جهم: فكذلك الله عز وجل لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة، وهو في كل مكان، لا يكون في مكان دون مكان، ووجدنا ثلاث آيات في كتاب الله عز وجل، قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، وقوله: {وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام: 3]، وقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103]، فبنى أصل كلامه على هذه الثلاث الآيات، ووضع دين الجهمية، وكذَّب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأول كتاب الله على تأويله، فاتبعه من أهل البصرة من أصحاب عمرو بن عبيد، وأناس من أصحاب أبي حنيفة، فأضلَّ بكلامه خلقًا كثيرًا”([18]).

ويشبهه في كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) النص التالي: “فكان مما بلغنا من أمر الجهم -عدو الله- أنه كان من أهل خرسان، من أهل ترمذ، وكان صاحب خصومات وكلام، وكان أكثر كلامه في الله تعالى، فلقي أناسا من المشركين يقال لهم: السُّمنية، فعرفوا الجهم فقالوا له: نكلِّمك، فإن ظهَرَت حجتنا عليك دخلت في ديننا، وإن ظَهَرَت حجتُك علينا دخلنا في دينك”([19]).

والجواب عن هذه الشبهة:

  • ليس هناك أي وجه لنسبة الكتاب إلى مقاتل لمجرد تشابه نصّ واحد في الكتاب مع نص مروي عن مقاتل في كتاب الإبانة.
  • لو نظرنا في داخل النص فإن النص يتكلم عن قصة واحدة وواقعة واحدة، فلم نبحث عن وجوه اختلاف بينهما لنقول بأن النص لاثنين مختلفين، بل وإن كان النص لرجلين يمكن أن يكون أحدهما قد استفاد من الآخر ونقله عنه.
  • هناك عشرات النصوص المتشابهة ما بين كتاب الإمام أحمد وكتاب الإمام العكبري لابن بطة، ولا يصح أن ننسب الكتاب كله بما فيه من النصوص إلى مقاتل بمجرد كون نصّ واحد مرويًّا عنه.
  • على العكس يمكن لقائل أن يقول بأن الإمام ابن بطة العكبري قد استفاد كثيرًا من هذه النصوص والمسائل والردود من كلام الإمام أحمد، فكثير من النصوص متوافقة مع ما في كتاب (الرد على الزنادقة)، وهو ما جعل محقق مجلد (الرد على الجهمية) من كتاب الإبانة الشيخ د. يوسف الوابل يقول وهو يتحدث عن مصادر كتاب الإبانة: “الإمام ابن بطة من العلماء الأثريين الذين يعتمدون على الكتاب السنة وأقوال الصحابة والتابعين وعامة أقوال السلف؛ ولهذا فقد تأثر الإمام ابن بطة بمن سبقه من علماء السلف تأثرًا واضحًا، وخاصة الإمام أحمد بن حنبل، فنجده ينقل كثيرًا من أقواله بالسند المتصل إلى الإمام، ويجعل ذلك أصلًا يعتمد فيه على الاستدلال بعد الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم. وعامة هذه الآثار التي يوردها نجدها في كتب من سبقه من أهل السنة والجماعة، فينقلها المؤلف بالسند المتصل إلى أصحاب هذه الكتب، ومن هذه الكتب كتاب (الرد على الجهمية) للإمام أحمد…”([20]).
  • هناك عشرات النصوص الأخرى التي أوردها الإمام ابن بطة ويُظنُّ أنه استفادها من الإمام أحمد، وبعضها منقولة بنصها من كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية)، وليس من تلك النصوص شيء مرويّ عن مقاتل غير هذا النص.
  • من المفارقات العجيبة في منهج هذا الكتاب أنه حين يتعامل مع مسألة نسبة الكتاب إلى الإمام أحمد ينتقد إسنادًا فيه مجهول، ولكن حين يطرح مسألة نسبة الكتاب إلى مقاتل بن سليمان يكتفي بمجرد وجود نصّ واحد متشابه مروي في كتاب آخر لغير مقاتل! ولا يبحث عن إسناد! ولا يبحث عمن ذكر الكتاب ونسبه إلى مقاتل من العلماء! ولا يبحث عن النسخ الخطية التي نسبت الكتاب إلى مقاتل! وهذا من الكيل بمكيالين.

وفي نصِّ مقاتل هذا وجه من وجوه استدلال المؤلف على نسبته لمقاتل وهو ما سنناقشه في الشبهة القادمة.

ثامنها: نسبة الكتاب إلى مقاتل لكون أسلوب الكتاب أسلوبَ مخاطبة مباشرة للجهم، فيوهم بأنه حوار قد حدث فعلًا من معاصر للجهم، وهو أقرب إلى كونه لمقاتل؛ لأنه كانت بينه وبين الجهم محاورات!

ومن هذه النصوص في كتاب (الرد على الزنادقة): “ثم إن الجهم ادَّعى أمرا آخر فقال: إنا وجدنا آية في كتاب الله تدل على أن القرآن مخلوق.

فقلنا أي آية؟

فقال: قول الله: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ} [النساء: 171]، وعيسى مخلوق.

فقلنا: إن الله منعك الفهم في القرآن، عيسى تجري عليه ألفاظ لا تجري على القرآن”([21]).

قال في التبرئة بعد إيراد هذا النص: “مؤلف الكتاب يحاور الجهم بشكل مباشر، وهذا ممتنع في حق الإمام أحمد الذي لم يعاصر الجهم، لكنه جائز في حق مقاتل الذي عاصر الجهم ولقيه وجادله، وجادل أتباعه من الجهمية، ومثل هذا ليس قليلًا في الكتاب”([22]).

وقال في نص آخر: “هل يعقل أن يحاور الإمام أحمد الجهم بهذه الطريقة التي توهم سماعه من الجهم وهو من هو في معرفة مصطلحات أهل الحديث وأدوات التحديث؟!”([23]).

والجواب عن هذه الشبهة:

  • ليس في النص أي دلالة على أنه حوار مباشر بين مؤلف الكتاب وبين الجهم، بل هو أسلوب من أساليب المؤلفين في مناقشات المبتدعة والمخالفين، وهو معروف.
  • إن كانت الحجة في مجرد أسلوب النص، فلِم لا ينظر إلى النصوص الأخرى التي فيها ما يوحي بعدم معاصرة الجهم كالنص السابق: “فكان مما بلغنا من أمر الجهم -عدو الله- أنه كان من أهل خرسان…”([24]). فالنص هنا يدل على أنه أمر بلغه عن الجهم ولم يعاصره ولم يلقه.
  • من العجائب أن يصرح المؤلفان أنه موهم للمعاصرة، ثم يأخذان بهذا الوهم ويتركان ما قامت عليه الأدلة والبراهين!
  • الإمام أحمد لا شك في إمامته في الحديث، وصيغ التحمل وصيغ الأداء معروفة في الحديث، ولكن المقام ليس مقام تحديث وإيراد الروايات.
  • نعيد ما ذكرناه في الشبهة الماضية وهو الكيل بمكيالين، فمن المفارقات العجيبة في منهج هذا الكتاب أنه حين تعامل مع مسألة نسبة الكتاب إلى الإمام أحمد ينتقد إسنادًا فيه مجهول، ولكن حين يطرح مسألة نسبة الكتاب إلى مقاتل بن سليمان يكتفي بمجرد أسلوب يوهم كون القائل معاصرًا للجهم! ولا يبحث عن إسناد! ولا يبحث عمن ذكر الكتاب ونسبه إلى مقاتل من العلماء! ولا يبحث عن النسخ الخطية التي نسبت الكتاب إلى مقاتل!

تاسعها: ذهب المؤلفان يقارنان بين أقوال مقاتل في كتابه اليتيم الموسوم بـ: (تفسير مقاتل) الذي جُمٍع له وليس هو مؤلّفه في الأصل، وبين ما في الكتاب من الكلام على الآيات؛ ليستدل بذلك على أن الكتاب في الأصل لمقاتل.

والجواب عن هذه الشبهة:

  • ليس هناك أي وجه لنسبة الكتاب إلى مقاتل لمجرد تشابه ما في الكتاب من أقوال في تفسير القرآن وما في كتاب تفسير مقاتل، فمجرد التشابه ليس دليلًا على أن الكتاب لمقاتل.
  • لو نظرنا في داخل النصوص لوجدنا أنها نصوص تفسير لكتاب الله سبحانه وتعالى، والاتفاق بين أهل العلم في تفسير آيات القرآن هو الأصل لا العكس، فهب أن الإمام أحمد اتفق مع مقاتل على تفسير تلك الآيات، فهل في ذلك إشكال على الإمام أحمد؟!
  • بل ما المانع أن يكون الإمام أحمد قد استفاد هذا التفسير من مقاتل، فلا إشكال في الأخذ بقوله في تفسير القرآن وما أصاب فيه مع سوء مذهبه في أمور أخرى، فإن الإمام أحمد القائل: “ما يعجبني أن أروي عنه شيئا”([25]) هو القائل: “أرى أنه كان له علم بالقرآن”([26]).
  • نعيد للمرة الثالثة ما ذكرناه من كيل هذا الكتاب بمكيالين، فحين تعامل مع مسألة نسبة الكتاب إلى الإمام أحمد ينتقد إسنادًا فيه مجهول، ولكن حين يطرح مسألة نسبة الكتاب إلى مقاتل بن سليمان يكتفي بمجرد تشابه تفسير الآيات بين ما في الكتاب وما في كتاب تفسير مقاتل المنسوب إليه المجموع له في عصرنا الحاضر! ولا يبحث عن إسناد! ولا يبحث عمن ذكر الكتاب ونسبه إلى مقاتل من العلماء! ولا يبحث عن النسخ الخطية التي نسبت الكتاب إلى مقاتل!
  • ولو نظرنا في الآيات التي أورداها لبيان التشابه وجدنا نوع اعتباط في إيراد التشابه، فغالب تلك الآيات والنصوص التفسيرية التي أورداها كان بالإمكان وبكل سهولة أن يجدوا من نصَّ على مثل ما في كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) من المفسرين الكبار كالصحابة والتابعين وغيرهم، وكذلك مؤلفو كتب التفسير كالطبري والقرطبي والرازي وغيرهم، فلِمَ لا ينسب الكتاب إذن إلى هؤلاء المفسّرين مع تشابه تفسيرهم مع ما في كتاب (الرد على الزنادقة)؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) سير أعلام النبلاء (11/ 286).

([2]) العواصم والقواصم (4/ 340 وما بعدها).

([3]) التنبيه والرد للملطي (ص 55).

([4]) الرد على الجهمية والزنادقة (ص 113).

([5]) فتح الباري لابن رجب (7/ 229).

([6]) تبرئة الإمام أحمد بن حنبل من كتاب الرد على الزنادقة والجهمية الموضوع عليه (ص: 148).

([7]) وقد أورد هذه الشبهة الشيخ صبري شاهين في مقدمة تحقيقه لكتاب الرد على الزنادقة والجهمية (ص 15).

([8]) ينظر: نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد (1/ 538).

([9]) نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد (1/ 537-538).

([10]) السنة للخلال (1906).

([11]) اجتماع الجيوش الإسلامية (ص 319).

([12]) سير أعلام النبلاء (11/ 286).

([13]) العواصم والقواصم لابن الوزير (4/ 340 وما بعدها).

([14]) سير أعلام النبلاء (11/ 287) الحاشية.

([15]) التسعينية (2/ 520).

([16]) اجتماع الجيوش الإسلامية (ص 314).

([17]) مقدمة تحقيق كتاب السنة (1/ 44).

([18]) الإبانة الكبرى (6/ 86-89).

([19]) الرد على الجهمية والزنادقة (ص 93).

([20]) الإبانة الكبرى لابن بطة (2/ 170).

([21]) الرد على الجهمية والزنادقة (ص 125).

([22]) تبرئة الإمام أحمد بن حنبل من كتاب الرد على الزنادقة والجهمية الموضوع عليه (ص 86).

([23]) تبرئة الإمام أحمد بن حنبل من كتاب الرد على الزنادقة والجهمية الموضوع عليه (ص 87).

([24]) الرد على الجهمية والزنادقة (ص 93).

([25]) ينظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال (28/ 448).

([26]) ينظر: المرجع نفسه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

التحقيق في موقف ابن الزَّمْلَكَاني من ابن تيّمِيَّة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: يُعتَبَر ابن الزَّمْلَكَاني الذي ولد سنة 667هـ مُتقاربًا في السنِّ مع شيخ الإسلام الذي ولد سنة 661هـ، ويكبره شيخ الإسلام بنحو ست سنوات فقط، وكلاهما نشأ في مدينة دمشق في العصر المملوكي، فمعرفة كلٍّ منهما بالآخر قديمة جِدًّا من فترة شبابهما، وكلاهما من كبار علماء مذهبِه وعلماء المسلمين. […]

الشَّبَهُ بين شرك أهل الأوثان وشرك أهل القبور

مقدمة: نزل القرآنُ بلسان عربيٍّ مبين، وكان لبيان الشرك من هذا البيان حظٌّ عظيم، فقد بيَّن القرآن الشرك، وقطع حجّةَ أهله، وأنذر فاعلَه، وبين عقوبته وخطرَه عليه. وقد جرت سنة العلماء على اعتبار عموم الألفاظ، واتباع الاشتقاق للأوصاف في الأفعال، فمن فعل الشرك فقد استوجب هذا الاسمَ، لا يرفعه عنه شرعًا إلا فقدانُ شرط أو […]

هل مُجرد الإقرار بالربوبية يُنجِي صاحبه من النار؟

مقدمة: كثيرٌ ممن يحبّون العاجلة ويذرون الآخرة يكتفون بالإقرار بالربوبية إقرارًا نظريًّا؛ تفاديًا منهم لسؤال البدهيات العقلية، وتجنُّبا للصّدام مع الضروريات الفطرية، لكنهم لا يستنتجون من ذلك استحقاق الخالق للعبودية، وإذا رجعوا إلى الشرع لم يقبَلوا منه التفصيلَ؛ حتى لا ينتقض غزلهم مِن بعدِ قوة، وقد كان هذا حالَ كثير من الأمم قبل الإسلام، وحين […]

هل كان شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني أشعريًّا؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: مِن مسالك أهل الباطل في الترويج لباطلهم نِسبةُ أهل الفضل والعلم ومن لهم لسان صدق في الآخرين إلى مذاهبهم وطرقهم. وقديمًا ادَّعى اليهود والنصارى والمشركون انتساب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام إلى دينهم وملَّتهم، فقال تعالى ردًّا عليهم في ذلك: ﴿‌مَا ‌كَانَ ‌إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصۡرَانِيّا وَلَٰكِن كَانَ […]

هل علاقة الوهابية بالصوفية المُتسنِّنة علاقة تصادم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تعتبر الصوفيةُ أحدَ المظاهر الفكرية في تاريخ التراث والفكر الإسلامي، وقد بدأت بالزهد والعبادة وغير ذلك من المعاني الطيِّبة التي يشتمل عليها الإسلام، ثم أصبحت فيما بعد عِلمًا مُستقلًّا يصنّف فيه المصنفات وتكتب فيه الكتب، وارتبطت بجهود عدد من العلماء الذين أسهموا في نشر مبادئها السلوكية وتعدَّدت مذاهبهم […]

مناقشة دعوى بِدعية تقسيم التوحيد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة    مقدّمة: إن معرفة التوحيد الذي جاء به الأنبياء من أهم المهمّات التي يجب على المسلم معرفتها، ولقد جاءت آيات الكتاب العزيز بتوحيد الله سبحانه في ربوبيته وأنه الخالق الرازق المدبر، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، كما أمر الله تبارك وتعالى عباده […]

اتفاق علماء المسلمين على عدم شرط الربوبية في مفهوم العبادة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدّمة: كنّا قد ردَدنا في (مركز سلف) على أطروحة أحد المخالفين الذي راح يتحدّى فيها السلفيين في تحديد ضابط مستقيم للعبادة، وقد رد ردًّا مختصرًا وزعم أنا نوافقه على رأيه في اشتراط اعتقاد الربوبية؛ لما ذكرناه من تلازم الظاهر والباطن، وتلازم الألوهية والربوبية، وقد زعم أيضًا أن بعض العلماء […]

هل اختار السلفيون آراءً تخالف الإجماع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: كثير من المزاعم المعاصرة حول السلفية لا تنبني على علمٍ منهجيٍّ صحيح، وإنما تُبنى على اجتزاءٍ للحقيقة دونما عرضٍ للحقيقة بصورة كاملة، ومن تلك المزاعم: الزعمُ بأنَّ السلفية المعاصرة لهم اختيارات فقهية تخالف الإجماع وتوافق الظاهرية أو آراء ابن تيمية، ثم افترض المخالف أنهم خالفوا الإجماع لأجل ذلك. […]

الألوهية والمقاصد ..إفراد العبادة لله مقصد مقاصد العقيدة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: مما يكاد يغيب عن أذهان بعض المسلمين اليوم أن العبودية التي هي أهمّ مقاصد الدين ليست مجرد شعائر وقتيّة يؤدّيها الإنسان؛ فكثير من المسلمين لسان حالهم يقول: أنا أعبدُ الله سبحانه وتعالى وقتَ العبادة ووقتَ الشعائر التعبُّدية كالصلاة والصيام وغيرها، أعبد الله بها في حينها كما أمر الله […]

تحقيق القول في زواج النبي ﷺ بأُمِّ المؤمنين زينب ومعنى (وتخفي في نفسك ما الله مبديه)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لهج المستشرقون والمنصّرون بالطعن في مقام النبي صلى الله عليه وسلم بسبب قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، حتى قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: (دُعاة النصرانية يذكرون هذه الفرية في كل كتابٍ يلفِّقونه في الطعن على الإسلام، والنيل من […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017