الأحد - 20 جمادى الآخر 1446 هـ - 22 ديسمبر 2024 م

نصوص مختارة (3) : أصلُ الوهّابية

A A

للتحميل PDF من هــنــا

د. محمد بن إبراهيم السعيدي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجه.

وبعد، ففي أثناء المطالعة والبحث عن النصوص النافعة والتي يحرص مركز سلف للبحوث والدراسات على إعادة إخراجها وتقديمها لمتابعيه الكرام حصلت بين أيدينا مقالة كتبها الأديب اللغوي النابه المؤرخ المفكر المترجِم محمد كرد علي المتوفى سنة ١٣٧٢هـ رحمه الله، نشرها في مجلة المقتطف سنة ١٣١٨هـ ؛ تحت عنوان  أصل الوهابية ، وقد عاش كاتب المقال في بيئة معادية لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله علمياً وسياسياً ، فكانت الكتابة المنصفة عنها في تلك الأجواء من أعظم ما يُعَرِّض الإنسان نفسه بفعله إياها للهلكة، لذلك اختار الأستاذ محمد كرد علي أن يقصر مقالته على نصوص لكُتَّاب غيرِ محسوبين على هذه الدعوة وربما حُسِبْوا من خصومها؛ والرسالة التي تصل للقارئ من اجتماع هذه النصوص هو تناقض الأوصاف التي يدلي بها  المناوؤن للدعوة ، وعجزهم عن الإتيان بأمثلة مسندة صحيحة عما يناولون به الدعوة وأهلها من تهم، بينما نجد المؤيدين للدعوة أو المتعاطفين معها من غير المنتسبين لأهلها متسقين في أو صفافهم، ويُدلون بالأمثلة من الواقع ومن المكتوب على ما يُثنون به على الدعوة وأهلها .

وقد استطاع في تقديرنا هذا الكاتب أن يحدث هذا الانطباع لدى قارئ هذا المقال دون أن يتكلف الثناء، أو يوقع نفسه في حرج لدى محيطه العلمي والسياسي .

وقد قام الإخوة في هيئة التحرير في المركز بمراجعة نسخة المقال الصادرة في مجلة المقتطف التي تضمنها المجلد الخامس والعشرون (المجلد الثاني ص 112- 123)؛ ومقابلتها على نسخة المقال المنشورة ضمن كتاب القديم والحديث ، وهو مجموع مقالات للأستاذ محمد كرد علي وذلك في طبعته  الأولى الصادرة سنة١٣٤٣هـ .

وقد جعلنا طبعة المقتطف أصلاً واعتمدنا ما فيه من الزيادات التي حذفها الكاتب حينما نشره في هذا الكتاب. ونبهنا على أهم الفروق بينهما مرموزا لمجلة المقتطف بـ (م) ولكتاب القديم والحديث بـ (ك).

وسبب اعتمادنا لها مع كونها متقدمة ونسخة الكتاب متأخرة، أن الزيادات التي في المجلة مفيدة، وقدَّرنا أن الكاتب حذفها في الكتاب مراعاة لظرف سياسي ، وقد زال هذا الظرف ، ولم يعد لمراعاته محل.

وتشرفتُ بالتعليق على كثير مما تضمنه المقال بالتأييد أو التصويب أو الإيضاح بتعليقات أظنها زادت على حجم المقال الأصل، وقدّمنا بترجمة لكاتبها محمد كردعلي من كتاب الأعلام للزركلي، أسأل الله أن ينفع بها ويجعلها من صالح الأعمال.

 

د. محمد بن إبراهيم بن حسن السعيدي

 

محمد كردعْلي([1])

(1293 – 1372 هـ = 1876 – 1953 م)

محمد بن عبد الرزاق بن محمد، كرد علي: رئيس المجمع العلمي العربي بدمشق، ومؤسسه، وصاحب مجلة (المقتبس) والمؤلفات الكثيرة. وأحد كبار الكتاب. أصله من أكراد السليمانية (من أعمال الموصل) ومولده ووفاته في دمشق. تعلم في المدرسة (الرشدية) الاستعدادية.

وتوفي والده، وهو في الثانية عشرة من عمره، فابتدأ حياته الاستقلالية صغيرا. وأقبل على المطالعة والدروس الخاصة، فأحسن التركية والفرنسية، وتذوق الفارسية. وحفظ أكثر شعر المتنبي ومقامات الحريري، ثم كانت مفردات المقامات تضايقه حين يكتب. وتولى تحرير جريدة (الشام) الأسبوعية الحكومية، سنة 1315 – 1318 هـ وكان يلتزم بها السجع في مقالاته.

ووالى الكتابة في مجلة المقتطف خمس سنوات، ابتدأت بها شهرته. وزار مصر (سنة 1319 هـ – 1901 م) فتولى تحرير جريدة الرائد المصري عشرة شهور، وعاد إلى دمشق.

ورفعت إلى واليها التركي وشاية به ففتش بيته، وظهرت براءته. وهاجر إلى مصر، فأنشأ مجلة (المقتبس) (سنة 1324 هـ – 1906 م) وقام بتحرير جريدة (الظاهر) ثم التحرير في (المؤيد) اليوميتين. وعاد بعد الدستور العثماني (سنة 1908 م) إلى دمشق، فتابع إصدار مجلة (المقتبس) وأضاف إليها باسمها جريدة يومية كانت قبل الحرب العامة الأولى مسرحا لأقلام كبار الكتاب، وناوأت دعاة الرجعية وحاربت جمعية (الاتحاد والترقي) التي كان يستتر وراءها حزب (تركيا الفتاة) العامل على تتريك العناصر العثمانية. واتهمه أحد ولاة الترك بالتعرض للعائلة السلطانية، في إحدى مقالاته، ففر إلى مصر فأوربا، وعاد مبرأ. وتكرر ذلك في تهمة أخرى، فترك الجريدة اليومية إلى أخيه (أحمد) أبي بسام، وانقطع للمجلة. واشتد جزعه بعد إعلان الحرب العامة الأولى وابتداء حملة الانتقام التركية من أحرار العرب، فأقفل الجريدة والمجلة، وكان يساق مع إخوانه شكري العسلي و عبد الوهاب الانكليزي ورشدي الشمعة – انظر تراجمهم – وسواهم، من نقدة نظام الحكم العثماني، ودعاة التحرر، إلا أنه أنقذته (خلاصة حديث) وجدت في القنصلية الفرنسية، بدمشق، كتبها أحد موظفي الخارجية الفرنسية، قبل الحرب، وكان قد زار صاحب الترجمة في بيته وأراد استغلال نقمته على (الاتحاديين) ليصرفه إلى موالاة السياسة الفرنسية في الشرق، فخيّب كرد علي ظنه، ونصحه بتبديل سياستهم في الجزائر وتونس، ومثلها (نشرة رسمية سرية) كان قد بعث بها سفير فرنسة في الآستانة إلى قناصل دولته في الديار الشامية، يحذرهم بها من كرد علي ويقول: إنه لا يسير إلا مع الاتراك، وأوراق أخرى من هذا النوع أظهرها تفتيش القنصليات في أوائل الحرب، فدعاه أحمد جمال باشا (القائد الطاغية التركي) إليه، مستبشرا، وأعلمه بها، وأنذره إن عاد إلى المعارضة ليقتلنه هو بيده، بمسدسه (أخبرني بذلك يوم حدوثه) وأمره بإعادة الجريدة، ومنحه مساعدة مالية، فأعادها، ثم ولاه تحرير جريدة (الشرق) التي أصدرها الجيش. وأمضى مدة الحرب مصانعا بلسانه وقلمه، وظل يخشى شبح (جمال) حتى بعد الحرب. وفي مذكراته ما يدل على بقاء أثر من هذا في نفسه إلى آخر أيامه.

وانقطع إلى المجمع العلمي العربي، بعد إنشائه بدمشق (سنة 1919) أيام الحكومة العربية الأولى، فكان عمله فيه بعد ذلك أبرز ما قام به في حياته. وولي وزارة المعارف مرتين في عهد الاحتلال الفرنسي.

وكان ينحو في كثير مما يكتبه منحى ابن خلدون في مقدمته. من مؤلفاته (مجلة المقتبس) ثمانية مجلدات وجزآن، و (خطط الشام – ط) ستة مجلدات، استخرجه من نحو 400 كتاب، و (تاريخ الحضارة – ط) جزآن، ترجمه عن الفرنسية، والأصل لشارل سنيوبوس، و(غرائب الغرب – ط) مجلدان، و (أقوالنا وأفعالنا – ط) و (دمشق مدينة السحر والشعر – ط) و (غابر الأندلس وحاضرها – ط) و (أمراء البيان – ط) جزآن، و(الإسلام والحضارة العربية – ط) مجلدان، وهو أجل كتبه، و (القديم والحديث – ط) منتقيات من مقالاته، و (كنوز الاجداد – ط) في سير بعض الأعلام، و (الإدارة الإسلامية في عز العرب – ط) و (غوطة دمشق – ط) و (المذكرات – ط) أربعة أجزاء، كتب بعضها وقد تقدمت به السن، فلم تخل من اضطراب في أحكامه على الناس والحوادث. أضف إلى هذا أن حياته السياسية وقفت عند إعلان الحرب العامة الأولى، فقد انصرف بعدها عن المغامرات، فلم يدخل جمعية، ولم يعمل في حزب معارض، فابتعد عن روح الجمهور، وتتبع خفايا الأمور. أما حياته العلمية فكانت سلسلة متصلة الحلقات من بدء نشوئه واتصاله بالشيخ (طاهر الجزائري) إلى يوم وفاته. وكان من أصفى الناس سريرة، وأطيبهم لمن أحب عشرة، وأحفظهم ودا.

مما كتبه في وصف نفسه: (خلقت عصبي المزاج دمويه، محبا للطرب والأنس والدعابة، أعشق النظام وأحب الحرية والصراحة، وأكره الفوضى، وأتألم للظلم، وأحارب التعصب، وأمقت الرياء).


أصل الوهّابية

لغطت ألسنُ الناس في هذه الأيام([2]) بأصلِ الوهَّابية وتاريخهم ومعتقداتهم، وتناقضت الروايات، وكثرت التخرُّصات، والقوم بين مُفْرِط في التشيُّع لهم، ومُفرِّط في التشنيع عليهم، وودَّ الكثير لو كان في الأيدي ما يستند عليه، لاستقراء الحقيقة، واستجلاء الغامض من هذا السر.

وما دعا إلى ذلك إلا اختلاط المتمسكين بذاك المذهب مع أهل الأمصار كالقطر العراقي المصري والشامي وغيرهما من الأقاليم، يتَّجِرون بنتائج بلادهم من سمنٍ، وحنطة، وأباعر، وشِياه، وأوبار، وجلود تجارة، رائدها الصدق في التعامل مع الكافة، مما ضاعف الثقة بهم على تطاوُل الأيام([3]) .

ولأن أميرهم الحالي كالخالي أخذَ يُحسِّن صلاته مع الدولة العلية العثمانية، فيُنْفِذ كل عام إلى الأستانة وفدًا من قبله، يصحبه بعشرات من جياد الخيول العربية المطهَّمة هدية منه إلى الإصطبل السلطاني، ورسائل لتكون دلائل على إخلاصه وصداقته، فينال رجاله كل رعاية وتَجِلَّه، وتنهال عليهم وعلى مولاهم أنواع الأوسمة وعلائم الشرف كما تنثال الخِلَع والطّرَف([4]) .

ولما كان من شأن “المقتطف” أن يبحث في كل جليل وقليل من أحوال العلم والعالم، وقد سبق له أن تعرّض لذكر كثير من المذاهب خصوصًا ما ينشأ منها في المشرق؛ رأيتُ أن أخدمه بنبذة في تاريخ الوهابية، فأقبلتُ على التواريخ الحديثة أنشدُ فيها ضالتي، فلم أعثر على بيانٍ يشفي الغُلّة، ويدرأ الشبهة، جرى فيه كاتبُه على قدَم الصدق وتمحيص الحق، وأسنَد الأشياء إلى أدلتها([5]) .

ولما ضاقَ المضطرب وعزَّ المطَّلب عمدتُ إلى انتقاء نتفٍ من كتبٍ شتى، ولفقتُ بينها على كثرة التناقض فيها، ونواصي الأمل معقودة بأن يأخذ المطالع منها حصة تكون أقرب إلى الحقيقة إذا استعمل الفكرة.

وبعد، فإني لا أتوخّى في هذه العجالة الإلمام بعقائد تلك الطائفة لتأتي صبرة واحدة، فإن كتبهم المطبوع أكثرها في بلاد الهند تتكفل بذلك لمن يروم الاستيفاء، ولا أن أصف بلادَهم وأحوالَهم وصف مدّاح متجامل، أو قدّاح متحامل، بل غاية ما أتطالُّ إليه ذكر طرف من أخبارهم مشفوعةً بصحة النقل والناقل، لا تَبِعة تلحقه إذا خلصت منه النية.

قال عبد الرحمن الجبرتي المصري في تاريخه “عجائب الآثار في التراجم والأخبار” عند حوادث سنة 1218 هجرية ما نصه: “وحضر صحبة الحجاج كثير من أهل مكة هروبًا من الوهابي، ولغط الناس في خبره واختلفوا فيه، فمنهم من يجعله خارجيًّا وكافرًا، وهم المكِّيون ومن تابعهم وصدّق أقوالهم.

ومنهم مَن يقول بخلاف ذلك؛ لخلو غرضه، وأرسل إليّ شيخ الرَّكْب المغربي كتابًا([6])، ومعه أوراق تتضمّن دعوته وعقيدته وصورتها: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وبه نستعين، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، مَن يطع الله ورسوله فقد رَشَد، ومَن يعصِ الله ورسوله فقد غَوى، ولا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئًا.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد، فقد قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف: 108]، وقال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31]، وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

فأخبر سبحانه أنه أكمَل الدين، وأتمّه على لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمرنا بلزوم ما أُنزل إلينا من ربنا، وترك البدع، والتفرّق والاختلاف.

وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)} [الأعراف: 3]، وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام: 153]”.

والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخبرنا بأن أُمته تأخذ مأخذ القرون قبلها شِبْرًا بشِبر وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، وثبت في “الصحيحين”([7]) وغيرهما عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حذو القذة بالقذة، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لدخلتموه»، قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟».

وأخبر في الحديث الآخر: «أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النّار إلا واحدة»، قالوا: مَن هي يا رسول الله؟ قال: «مَن كان على مثل ما أنا عليه اليوم، وأصحابي»([8]).

إذا عُرف هذا فمعلوم ما قد عمّت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الإشراك بالله والتوجه إلى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء، وقضاء الحاجات، وتفريج الكُربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسماوات، وكذلك التقرب إليهم بالنذور وذبح القربات، والاستغاثة بهم في كشف الشدائد، وجلب الفوائد، إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله.

وصرفُ شيءٍ من أنواع العبادة لغير الله كصرفِ جميعها؛ لأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أغنى الأغنياء عن الشرك، ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا كما قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)} [الزمر: 2، 3].

فأخبرَ سبحانه أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصًا لوجهه، وأخبر أن المشركين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين؛ ليقربوهم إلى الله زُلفى، ويشفعوا لهم عنده، وأخبرَ أنه لا يهدي مَن هو كاذب كفار.

وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)} [يونس: 18].

فأخبرَ أنه مَن جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم، وأشرك بهم؛ وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ} [الروم: 57]، وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109)} [طه: 109].

وهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)} [الأنبياء: 28].

فالشفاعةُ حقٌّ ولا تُطلب في دار الدنيا إلا من الله كما قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} [الجن: 18]، وقال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106)} [يونس: 106].

فإذا كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو سيدُ الشفعاء، وصاحب المقام المحمود، وآدم فمَن دونه تحت لوائه، لا يشفع إلا بإذن الله، لا يشفع ابتداءً بل يأتي فيخرّ لله ساجدًا، فيحمده بمحامدَ يعلّمه إياها، ثم يُقال: ارفع رأسك، وسل تُعط، واشفع تُشفَّع، ثم يحدُّ له حدًّا فيدخلهم الجنة، فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء؟

وهذا الذي ذكرناه لا يخالف فيه أحدٌ من علماء المسلمين، بل قد أجمع عليه السلف الصالح من الأصحاب والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم، ودرجَ على منهاجهم.

وأما ما حدث من سؤال الأنبياء والأولياء من الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم، ببناء القباب عليها، وإسراجها، والصلاة عندها، واتخاذها أعيادًا، وجعل السدنة والنذور لها، فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبرَ بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته، وحذَّر منها كما في الحديث عنه في الحديث عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى يلحقَ حيٌّ من أُمَّتى بالمشركين، وحتى تعبد فئامٌ من أُمَّتي الأوثانَ». وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمى جنابَ التوحيد أعظم حماية، وسدَّ كل طريق يؤدي إلى الشرك.

فنهى أن يُجصص القبر، وأنْ يُبنى عليه كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر، وثبتَ فيه أيضًا أنه بعث عليَّ بن أبي طالب رَضِي اللَّهُ عَنْه وأمره أن لا يدع قبرًا مشرفًا إلا سواه، ولا تمثالًا إلا طمسه.

ولهذا قال غيرُ واحدٍ من العلماء: يجب هدمُ القباب المبنية على القبور؛ لأنها أُسست على معصية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر إلى أن كفّرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا، حتى نصرَنا اللهُ عليهم وظفرنا بهم، وهو الذي ندعو الناس إليه، ونقاتلهم عليه، بعد ما نقيم عليهم الحجة([9]) من كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإجماع السلف الصالح من الأُمّة، ممتثلين لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39].

فمَن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسِّنان([10])، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد: 25].

وندعو الناس إلى إقامة الصلوات في الجماعات على الوجه المشروع، وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان، وحج بيت الله الحرام.

ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} [الحج: 41].

فهذا هو الذي نعتقده وندين الله به، فمَن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له ما لنا وعليه ما علينا، ونعتقد أيضًا أن أُمَّة محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المتبعين للسنة لا تجتمع على ضلالةٍ، وأنه لا تزال طائفة من أُمَّته على الحق منصورة لا يضرهم مَن خذلهم، ولا مَن خالفهم حتى يأتي أمرُ الله وهم على ذلك). اهـ

قال الجبرتي بعد إيراد ما تقدم: “أقول: إن كان كذلك، فهذا ما ندين الله به نحن أيضًا، وهو خلاصة لباب التوحيد، وما علينا من المارقين والمتعصبين”.

وقد بسطَ الكلام في ذلك ابنُ القيّم في كتابه “إغاثة اللهفان”، والحافظ المقريزي في “تجريد التوحيد”، والإمام اليَوْسي في “شرح الكبرى”، و”شرح الحكم لابن عباد”، وكتاب “جمع الفضائل وقمع الرذائل”، وكتاب “مصائد الشيطان”، وغير ذلك.

وجاء في “تاريخ بغداد” لعثمان بن سَنَد البصري([11]) عند الكلام على الوهابية ما يأتي: “فمن اعتقادهم تكفير عموم المسلمين الذين على الكرة الأرضية إلا مَن اعتقد اعتقادهم، وسموا أنفسهم بالسلف، وبالمحمديين، ويبغضون ويلعنون جملة من علماء السنة مثل أبي الحسن الأشعري، ويقولون: إنهم هم الذين أسسوا قواعد الأدلة والبراهين في علم التوحيد، ومنه نشأت الفِرَق والخلاف بين الأمة المحمدية، وإلا فقبله كانت الأدلة هي القرآن والحديث لا غير([12]) .

وأيضًا يكفِّرون الإمام ابن السبكي الشافعي([13]) ، ولكن ما أعلم السبب في تكفيره دون سائر المصريين. ويا ليت شعري ما ذنبه معهم، وأظنه لكونه كان يغري الملوك بابن تيمية وجماعته الحنابلة، حتى حبسهم الناصر محمد بن قلاوون في الإسكندرية، كما هو مذكور في الدرر الكامنة لابن حجرٍ([14]).

والحاصل: إن الوهابيين آذوا الأحياء والأموات([15])، ومن محاسن الوهابيين أنهم أماتوا البدع ومحوها([16])، ومن محاسنهم أنهم أمَّنوا البلاد التي ملكوها، وصار كل ما كان تحت حكمهم من هذا البراري والقفار يسلكها الرجل وحده على حمارٍ، بلا خفر، خصوصًا بين الحرمين الشريفين، ومنعوا غزو الأعراب بعضهم على بعض، وصار جميع العرب على اختلاف قبائلهم من حضرموت إلى الشام كأنهم إخوان أولاد رجل واحد، وهذا بسبب قسوتهم في تأديب القاتل والسارق والناهب إلى أن عُدِم هذا الشرّ في زمان ابن سعود، وانتقلت أخلاق العرب من التوحش إلى الإنسانية.

ونجد في بعض الأراضي المخصبة هذا بيت عَنَزِي وبجنبه بيت عُتبي([17])، وبقربه بيت حربي، وكلهم يرتعون([18]) كأنهم إخوان.

وبهاتين الدسيستين([19]) خدعوا جميع العوام، يعني بمحو البدعة وتأمين الطرقات والسبل خصوصًا بين الحرمين، وأحبهم سائر الأمم، وغفلوا عن باقي عقائدهم([20]).

ورأيتُ لهم عقيدة منظومة يحفظها حتى رعاة غنمهم، ومنها:

وما الدين إلا أن تُقام شعائر     =      وتَأْمَن سُبْل بيننا وشعابُ([21])

فكأنهم جعلوا تأمين الطرقات ركنًا([22]) من أركان الدين. ويفهم عقلًا من سياستهم: أنه إذا فُقِدَ القاتل والسارق والناهب، فأي سبب يمنع عموم الناس من الاشتغال بالزراعة والتجارة واعتناء المواشي في البادية المخصبة للتكسب من ألبانها وأصوافها وجلودها، وإذا اشتغلوا بالكسب الحلال فلا يسرقون ولا ينهبون ولا يقتلون، فكأن المسألة شبيهة بالدورية؛ أي أنه متى وُجد الأمان ارتفع السارق والقاتل لاشتغالهم بمعاشهم الحلال، ومتى اشتغلوا بالمعاش الحلال وُجد الأمان، ولكن هذا الدور منفك الجهة([23]).

ولولا ما في الوهابيين من هذه النزعة -أعني تكفير مَن عداهم- لملكوا جميع بلاد الإسلام، وأدخلوهم تحت حكمهم بطَوْعهم واختيارهم، ولكن بسبب هذه النزعة أبغضَتْهم الأمم([24]) وتسلطت عليهم الدول([25])، وغزاهم أسد الديار المصرية إبراهيم باشا بن محمد علي باشا بأمر السلطان محمود سنة 1228، وملكَ بلادهم، ومحا آثارهم، وأبادهم، وأسكن عائلة المقرن؛ أي بيت الملك وعائلة ابن عبد الوهاب الديار المصرية (وما رجعوا إلى بلادهم إلا بعد أن عادَ الحجاز إلى الدولة العلية)([26]).

وهذه الفرقة المعبَّر عنها بالوهابيين هم أتباع محمد بن عبد الوهاب النجدي، ولكنهم في الحقيقة يسمون أهل الحديث؛ لأنه كان نظيرهم موجودًا في زمن الدولة العباسية وينكرون المناكير بالشدة والغلظة مثل: الوهابيين ويثورون على الخلفاء بسبب أن الجهاد في اعتقادهم ركن من أركان الدين. انظر “تاريخ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة” من سنة 300هجرية-([27]).

وكانوا يسمونهم الحنابلة وأهل الحديث في ذلك الزمن ويقولون قام الحنابلة وثار الحنابلة، وكسر الحنابلة حانات الخمور وأدّبوا من شربها، وكان بينهم وبين العباسيين مقاتلات([28])وحروب([29]).

ثم ثارت منهم فرق بالمشرق وبجزيرة الأندلس، ويسمون الظاهرية وهم أيضًا أهل الحديث وكانوا ينكرون المناكير مع الغلظة ويثورون على الملوك وأكثرهم يموت بين قتيل وطريد([30]).

ثم إنه ظهر لهم فرق في دولة يوسف صلاح الدين وكانوا يسمون أهل الحديث ولهم ثورات وعداوات مع الملوك أيضًا وينكرون المنكر بغلظة وفظاظة([31]) وتسلسلوا إلى زمن ابن تيمية الحراني، وتلاميذه: ابن مفلح، وابن القيّم وابن عبد الهادي.

ثم ظهرت هذه الفرقة التي عمّت وطمّت في القرن الثاني عشر ويسمون بالوهابيين نسبةً إلى محمد بن عبد الوهاب النجدي، وإلا ففي الحقيقة أفعالهم وآثارهم هي: أفعال الحنابلة الأقدمين، وهي: أفعال أهل الحديث في القرون المتوسطة، وأفعال الظاهرية، فالمعنى واحد، إنما يسمُّون في كل عصر باسمٍ على اصطلاح أهل ذلك العصر. اهـ

أما ناظم عقد هذه الجماعة وصاحب دعوتها محمد بن عبد الوهاب النجدي الآنف ذكره فقد ورد في كتاب “تبصرة الناقد” لأبي الفتح عبد النصير الهندي، ثم المدني([32])، نقلًا عن محمد بن ناصر الحازمي في رسالة “فتح المنان في ترجيح الراجح، وتزييف الزائف من صلح الإخوان”([33]): إنه محمد بن الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن يزيد بن محمد بن يزيد بن مشرف.

هذا هو المعروف من نسبه ويذكر أنه من مُضر ثم من بني تميم، والله به عليم.

أخذ عن أبيه، وهم بيت فقه حنابلة، ثم حجّ وقصد المدينة، ولقي بها شيخًا عالمًا من أهل نجد، اسمه: عبد الله بن إبراهيم([34]) قد لقي أبا المواهب البعلي([35])  الدمشقي وأخذ عنه وانتقل مع أبيه إلى حريملا من نجد أيضًا، ولمّا مات أبوه رجع إلى العيينة، وأراد نشر الدعوة فرضي أهل العيينة بذلك، ثم خرج عنها؛ بسبب إلى الدرعية، وأطاعه أميرها محمد بن سعود من آل مقرن، ويُذكر: أنهم من بني حنيفة ثم من ربيعة، والله أعلم.

وهذا في حدود سنة تسع وخمسين بعد المائة والألف، وانتشرت دعوته في نجد وشرق بلاد العرب إلى عمان ولم يخرج عنها إلى الحجاز واليمن إلا في حدود المائتين والألف وتوفي سنة ستٍّ بعد المائتين والألف. انتهى.

وقال أيضًا: هو رجلٌ عالمٌ متبع الغالب عليه في نفسه الاتباع ورسائله معروفة وفيها المقبول والمردود وأشهر ما ينكر عليه خصلتان كبيرتان:

الأولى: تكفير أهل الأرض بمجرد تلفيقات لا دليل عليها.

والثانية: الاجتراء على سفك الدم المعصوم بلا حُجّة وإقامة برهان، ويتبع هذه جزئيات وهي حقيرة تغتفر مع صلاح الأصل وصحته، والله أعلم.([36])

وقد بنى الشيخ محمد المذكور طريقته على اتباع ابن تيمية وابن القيّم في زعمه، وأخذ من أقوالهما أطرافًا بحسب ما وقع له من الاطلاع والإشراف، وقد أصاب في بعض ما نقله، وأخطأ في البعض، وساء فهمًا، وأخذ على غير القصد في بعضٍ، وقد أحيت دعوته بعضًا من الشريعة، وأماتت كثيرًا من الباطل في نجد والحجاز -رَحِمَهُ اللهُ وتجاوز عنه فيما أخطأ فيه، وجزاه أحسن ما عمل به. انتهى ملخصًا.

وكتب العلّامة الشوكاني اليماني في “البدر الطالع”([37])  في ترجمة سعود بن العزيز ما نصّه: « فوصل إليه الشيخ العلامة محمد بن عبد الوهاب الداعي إلى التوحيد المنكر على المعتقدين في الأموات».

وقال أيضًا في ترجمة غالب بن ساعد، شريف مكة، في بيان اتباع صاحب نجد: «وتبلغنا عَنهُ أَخْبَارٌ، الله أعلم بِصِحَّتِهَا من ذَلِك؛ أَنه يسْتَحلّ دم مَن اسْتَغَاثَ بِغَيْر الله من نبي أَو ولي وَغير ذَلِك، وَلَا ريب أَنَّ ذَلِك إِذا كَانَ عَن اعْتِقَاد تَأْثِير المستغاث كتأثير الله([38]) يصير بِهِ صَاحبه مُرْتَدًّا كَمَا يَقع من كثير من هَؤُلَاءِ المعتقدين للأموات الَّذين يَسْأَلُونَهُمْ قَضَاء حوائجهم ويعوِّلون عَلَيْهِ زِيَادَة على تعويلهم على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلَا ينادون الله جَلَّ وَعَلَا إِلَّا مقترنًا بِأَسْمَائِهِمْ ويخصُّونهم بالنداء منفردين عَن الرَّب، فَهَذَا كُفْر لَا شكّ فِيهِ وَلَا شُبْهَة وَصَاحبه إِذا لم يتب كان حلال الدَّم والمال كَسَائِر الْمُرْتَدين».

وقال: وبعض الناس يزعم أنه -يعني صاحب نجد- يعتقد اعتقاد الخوارج، وما أظن ذلك صَحِيحًا، فإن صاحب نجد وجميع أتباعه يعملون بما يعلمونه من محمد بن عبد الْوَهَّاب، وَكَانَ حنبليًّا، ثم طلب الحديث بالمدينة المشرفة، فعاد إلى نجد وصار يعمل باجتهادات جماعة من متأخري الحنابلة؛ كابن تيمية، وابن القيم وأضرابهما وهما من أشد الناس على معتقدي الأموات.

وقد رأيت كتابًا من صاحب نجد الذي هو الآن صاحب تلك الجهات أجاب به على بعض أهل العلم، وقد كاتبه وسأله بيان ما يعتقده، فرأيت جوابه مشتملًا على اعتقاد حسن موافق للكتاب والسنة، والله أعلم بحقيقة الحال.

وبلغنا أنه وصل إلى مكة بعض علماء نجد؛ لقصد المناظرة، فناظر علماء مكة بحضرة الشريف في مسائل تدلُّ على ثبات قدمه([39]) وَقدم صَاحبه فِي الدين، وفي سنة 1215 وصل من صَاحب نجد الْمَذْكُور مجلَّدان لطيفان أرسل بهما إِلَى حَضْرَة مَوْلَانَا الإِمَام حفظه الله.

أَحدهمَا: يشْتَمل على رسائل لمُحَمد بن عبد الْوَهَّاب كلّهَا في الْإِرْشَاد إِلَى إخلاص التَّوْحِيد والتنفير من الشرك الذي يَفْعَله المعتقدون فِي الْقُبُور، وهي: رسائل جَيِّدَة مشحونة بأدلة الْكتاب وَالسّنة، والمجلَّد الآخر: يتَضَمَّن الرَّد على جمَاعَة من الفقهاء الْمُقَصِّرِينَ من فُقَهَاء صنعاء، وصعدة ذاكروه في مسَائِل مُتَعَلقَة بأصول الدَّين، وبجماعة من الصَّحَابَة، فَأجَاب عَلَيْهِم جوابات محرَّرة مقررة مُحَققَة، تدل على أَن الْمُجيب من الْعلمَاء الْمُحَقِّقين العارفين بِالْكتاب وَالسّنة، وَقد هدم عَلَيْهِم جَمِيع مَا بنوه وأبطل جَمِيع مَا دونوه؛ لأَنهم مقصِّرُون متعصبون فَصَارَ مَا فَعَلُوهُ خِزْيًا عَلَيْهِم وعَلى أهل صنعاء وصعدة، وَهَكَذَا مَن تصدر وَلم يعرف مِقْدَار نَفسه. انتهى ملخَّصًا.

وقال القاضي العلّامة عبد الرحمن بن أحمد البهكلي([40]) في كتاب “نفح العود في أيام الشريف حمود”: «ومن كتب عبد العزيز بن سعود هذا الكتاب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من عبد العزيز بن سعود إلى مَن يراه من أهل المخلاف السليماني خصوصًا أولاد الشريف حمود، وناصر ويحيى، وسائر إخوانهم، وأولاد إخوانهم، وكذلك أشراف بني النُّعْمَى، وكافة أشراف تهامة، وفَّقنا الله وإياهم إلى سبيل الحقِّ والهداية، وجنّبنا وإياهم طريق الشّرك والغواية وأرشدنا وإياهم إلى اقتفاء آثار أهل العناية.

أما بعد: فالموجب لهذه الرسالة أن الشريف أحمد بن حسين الفلقي قدم علينا فرأى ما نحن فيه، وتحقق صحة ذلك لديه، فبعد ذلك التمس منَّا أن نكتب ما يزول به الاشتباه، فتعرفوا دين الإسلام، الذي لا يقبل من أحد سواه، فاعلموا -رحمكم الله تعالى-: أن الله سُبْحَانَهُ أرسل محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فترة من الرُّسل، فهدى الله به إلى الدين الكامل، والشرع التام، وأعظم ذلك وأكبره وزبدته: إخلاص العبادة لله لا شريك له، والنهي عن الشرك، وذلك هو الذي خلق الله الخَلق لأجله، ودلَّ الكتاب على فَضْله، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، وإخلاص الدين، هو: صرفُ جميع العبادة لله تعالى وحده لا شريك له، وذلك أن لا يدعى إلا الله، ولا يستغاث إلا به، ولا يُذبح إلا له، ولا يُخشى ولا يُرجى سواه، ولا يرهب ولا يرغب إلا فيما لديه، ولا يُتوكل في جميع الأمور إلا عليه، وأن كل ما هنالك لله تعالى، لا يصلح شيء منه لملكٍ مقرّب ولا نبيٍّ مُرسل، ولا شيءٍ غيرهما.

وهذا هو بعينه توحيد الألوهية الذي أسس الإسلام عليه، وانفرد به المسلم عن الكافر، وهو: معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله.

فلما منّ الله تعالى علينا بمعرفة ذلك، وعلمنا أنه دين الرُّسل، اتبعناه ودعونا الناس إليه، وإلا فنحن قبل ذلك على ما عليه غالب الناس من الشرك بالله تعالى من عبادة أهل القبور والاستغاثة بهم، والاستعانة منهم والتقرّب بالذبح لهم وطلب الحاجات منهم مع ما ينضمُّ إلى ذلك من فعل الفواحش والمنكرات وارتكاب الأمور المحرّمات وترك الصلاة وترك شعائر الإسلام، حتى أظهر الله الحق بعد خفائه، وأحيا أثره بعد عفائه على يد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، أحسن الله تعالى إليه في آخرته والمآب، فأبرز ما هو الحق والصواب، من كتاب الله المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.. إلخ([41]) .

ورسالة عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب التي كتبها حين فتح الحرمين الشريفين شاهدة عدل على أنه بريء من تلك الافتراءات التي افتروها على عقائده، وعقائد أبيه، وبنوا عليها تلك الزلازل والقلاقل، وأن مذهبه عين مذهب الأئمة المحدثين، والسلف الصالحين، وتلك الرسالة منقولة في “إتحاف النبلاء”([42])، من شاء الاطلاع عليها فليرجع إليها.

وقال المستشرق سيديللو الفرنساوي في كتابه: خلاصة تاريخ العرب ما نصّه([43]) : «أخذت العرب من ابتداء القرن الثامن عشر في الاستقلال بالحكم لقوتها وضعف أعدائها، ولم تُنقص إلا اتخاذ مركز تجتمع حوله جميع الأذهان، وترجع إليه في تدبير الأمور فهمت الوهابية سنة 1749 ميلادية، فاتخذت منها عبد الوهاب مركزًا وهو من قبيلة تميم اشتغل في صغره بالعلوم المعتادة عند العرب، خصوصًا الفقه، وسافر إلى بغداد والبصرة وبلاد الفُرس([44])  ثم أخذ يتفكر فيما يثير الحمية في أبناء وطنه([45]) ، فوجده إحياء الشريعة نقية من جميع البدع كحالتها الأولية فألزمهم المواظبة على العمل بالقرآن، ونهاهم عن الغلوّ في تعظيم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن تقديس الأولياء؛ الذين هدم قبورهم وعن تعاطي المسكر، وأنكر على الأتراك بعض الأحوال، وقال: إن الشريعة تقضي أن يخرج كل إنسان خُمس أمواله([46])  (كذا) زكاة وتَحرم الزينة، وتلزم القضاة بتحرّي الصدق.

وأخذ يعظهم بخطب عظم تأثيرها لديهم بموافقتها القرآن، ومقصوده من ذلك استمالتهم إلى الأمور الحربية ليحيوا ما كان لآبائهم من العظمة وقد كان، فإن أقوى جميع قبائل نجد وفدت عليه وانتظمت تحت لوائه، فجعل محمد بن سعود من قبيلة مصالح([47])  قائد هؤلاء الوفود، وزوّج سعود ابنته وقلّده الحكم السياسي على الوهابية لمعرفته بالقوانين العسكرية».

وقال أحمد بن سعيد البغدادي، في كتابه: “نديم الأديب”([48]) : «أما حقيقة هذه الطائفة فإنها حنبلية المذهب، وجميع ما ذكر المؤرخون عنها من جهة الاعتقاد محرّف، وفيه تناقض كلّي لمن اطلع عليه بتأمل؛ لأن غالب مؤرخي الشرقيين ينقلون عن الكتب الإفرنجية، فإن كان المؤرخ المنقول عنه صاحب دراية، وصادق الرواية تجد أن مَن يترجم كتابه يجعل الترجمة على قدر اللفظ فيضيع مزية الأصل، وإن كان المؤرخ غير صادق الرواية فمن باب أولى» إلى أن قال: «ومن أراد أن يعرف جليًّا اعتقاد هذه الطائفة فليطالع كتب مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فإنه مذهبهم».

أما بلاد نجد وحالتها الحاضرة فقد وصفها محمد بن سليم الشهابي المدني([49])  في رسالتهِ “الرحلة الحجازية”، فقال: «إنها أرض مسطحة سهلة يقلُّ وجود الجبال فيها، والمشهور فيها جبلان أجاء وسلمى وإنها حسنة الهواء كثيرة الأمطار([50]) والسيول، وفي سفح جبل أجاء مدينة تسمى بندر حائل مركز أمراء نجد الآن، وفيها صاحب المجد والجود الأمير: عبد العزيز بن الأمير متعب بن عبد الله الرشيد([51]) ، وهي مسوّرة، ولها ثلاثة أبواب وبيوتها طبقة واحدة، والقليل منها طبقتان مرتفعة البناء، وفيها محال للقهوة مزينة داخل البيوت على عادة العرب، وفيها قصر أميرها عبد العزيز المسمى ببرزان([52])، وهو كبير وهيئته حسنة، وفيه مضيف واسع جدًّا تتناول الضيوف فيه الطعام، ويلي قصر الأمير اصطبل لجياد الخيل، خاصة بالأمير وعمه وأولاد عمه، وأتباعه، وقريب من القصر دار عمه حمود العبيد الرشيد، ويقابلهُ جهة اليمن منزل خازنهم سبهان السبهان، وبين قصر الأمير ودار عمه، ودار الخازن ميدان كبير يسمى المسحب مبني أحسن بناء مُعد للجلوس.

وفي كل يوم يخرج صاحب الدولة الأمير عبد العزيز في الساعة الأولى من النهار إلى الساعة الرابعة، فيجلس بجانبه عمه حمود العبيد، ويليه القاضي وبين أيدي الأمير كاتب الإمارة، ومقيّد الحقوق، ويقابل الأمير في الجهة الثانية خازن الأمير، فتغض دكاك المسحب بكبار الأهالي والوافدين من المشايخ والضيفان ويجلس أمام الأمير رجاله وعبيده جثاة متكئين على مقابض سيوفهم ينظرون في وجه الأمير منتظرين أوامره.

وعندما يستقر الأمير في الجلوس يمثل بين يديه أصحاب الدعاوى والخصومات فيحكم بينهم في الأمور العرفية والسياسية، وأما ما يتعلّق بالشرع فيرسلهم إلى القاضي بجانبه فيحكم بينهم فيه، ويردّهم إلى الأمير، والأمير ينفذ أحكام القاضي على موجب القرآن الشريف، والأحاديث النبوية والأقوال الصحيحة، فيقتص من القاتل، ويقطع يد السارق، ويقيم حد الرجم».

ولا يوجد في بلاد نجد شاهد زور البتة، حتى لو سمع الأمير بشاهد زور يجلبه من أقصى نجد، ويعزره وينفيه، وفي الساعة الرابعة ينفضُّ مجلس الحكم والقضاء ويدخل الأمير قصره، وبعدها يدخل الضيوف، والمحتاجون إلى المضيف الواسع يتناولون الطعام، وبعد هنيهة يخرج الأمير إلى مجلس له في القصر، فتدخل الضيوف، ويشربون القهوة بحضرته، وكل من له حاجة يقف أمام الأمير، ويكبُّ عليه ويرفع رداءه على رأس الأمير ورأسه، ويذكر له حاجته في أذنه بكلام موجز مفيد حتى يتم كل من له حاجة.

وعادتهم: بعد تناول القهوة أن يدوروا بمباخر عود الطيب في المجلس، ثم ينهض الأمير قائمًا، والحضور يتبعونه للصلاة في الجامع المقابل لقصره مع الإمام، وفي أوقات الصلاة يطوف مأمور من قِبل الأمير في الأسواق والشوارع فإذا وجد واحدًا لم يحضر صلاة الجماعة يسلبه عمامته، ويجره إلى المسجد، وعند خروج الأمير من الصلاة يعرضه عليه فيؤدبه الأمير لتركه الصلاة مع الجماعة.

وترى جميع أهل البلد والنازلين فيه متبارين على صلواتهم مع الإمام في الجامع وهم في غاية الذكاء والكمال والفصاحة العربية، وحديثهم بينهم بالإحسان والتؤدة لا تسمع بينهم لغوًا أبدًا، ولئن كان بقايا من عوائد العرب القديمة وسننها فهي عندهم.

ولقد نزلت بين ظهرانيهم على عهد المرحوم الأمير متعب ثلاثة أشهر ثم زرتهم مرتين فأكثر لما رأيت من إنسانيتهم فأمعنت النظر في أحوالهم فلم أسمع في حائل حاضرة الأمير صوت طبل ولا غناء مزمار ما خلا طبل الحرب في وقته.

وإذا مات أحدهم لا تسمع عويل أهله وعياله سوى حزن وبكاء، ويدفنون موتاهم حال وفاتهم، ولو مات الميت في الليل.

ولأميرهم أيضًا مجلس آخر مثل الأول؛ يجلس فيه من بعد العصر إلى قرب الغروب، وعند تحفزه للقيام ينادي منادٍ ثلاث مرات بأعلى صوته في المسحب: العشاء يا مفتاق([53])  يا محتاج، ثم يقف ثانيًا في السوق، وينادي ثلاثًا مثل الأول، فيهرع الجياع؛ لتناول الطعام في مضيف أميرهم عقيب الضيوف الذين لا ينقطعون من منزل الأمير كل يوم وليلة وأقل ما يجتمع على مائدته كل يوم أربعمائة نسمة أو يزيدون.

وبلدة الأمير المسماة بحائل محوطة بنخيل تسقى من آبار عمق واحدتها خمس عشرة قامة، وماؤها عذبٌ فرات، وفيها بعض أشجار مثمرة، ويناوحها في سفح جبل أجاء قرية تُدعى قفاد ذات عين ثرَّة تسقي النخيل والزروع.

وحاضرة أمير حائل تحيط بها من جهاتها الثلاث أرض سهلة ما عدا الجهة الرابعة، حيث جبل أجاء الذي يكثر فيه الربيع مسافة يومين وليلة، وهي حِمى جعله الأمير لخاصته يربي فيها خيله وهجنه وإبله ومواشيه.

وفي محيط الحمى قرى رجال الأمير، وعلى بعد خمسة أيام من الحمى بلدة كبيرة خاضعة للأمير تُسمى عُنيزة مسوَّرة بسورين؛ سور على نخيل يحيط بها، وسور على البلدة، وعلى مقربة منها مسيل ماءٍ يجري في الغالب، وعلى أطرافه نخيل كثير، وأكثر سكان البلدة تجار نجد وأعيانها، ويقابلها أيضًا بلدة كبيرة مسوَّرة تُسمى بُرَيدة، ولها قرى تابعة لها ونخيل كثير تدعى القصيم متصلة بالدرعية([54]) ، ومنها إلى مدينة عظيمة تدعى العارض([55]) حيث تجد مساكن حكام نجد وأمرائها آل سعود في أيام عدلهم، ولما ظلموا ووصلوا إلى مكة والمدينة، وتجاوزوا الحجاز إلى الشام، ومنعوا الركب من الحج ثلاث سنين، أذهبَ الله ريحهم وصار الحكم لآل الرشيد الذين هم في العدل الآن، ومنهم الأمير عبد العزيز بن متعب الرشيد([56]) .

أما القبائل التي يحكمها الأمير المتفرقة في أقطار نجد من شمر، فهي أربع قبائل ما عدا المنتفق في جزيرة بغداد، وهو مستقل بنفسه، وقبائله وأكثر قبائل عنزة([57]) تحت طاعته، وأغلب قبائل عتيبة وجانب من قبائل مطير وقبائل مسروح سكان نجد، وقبائل بني سالم([58]) المتوطنين في نجد والشرارات وهتيم وغيرها من القبائل الكبيرة التي لم نطلع عليها، وكلهم مطيعون لأمره ونهيه، يتوقعون إشارته([59]).

وإذا بغت قبيلة على أخرى منهم، أو أرادت العصيان يربيهم ويقيم العدل بينهم بالإحسان أو بالسيف.

والأمير في كل عام يأخذ منهم الزكاة وفقًا للشرع من خيولهم وإبلهم وأغنامهم ومواشيهم ونخيلهم وزروعهم، ولا يستثني من ذلك إلا الخيل المعدة للحرب.

والذي يجبيه من الزكاة على وفق الشرع يجمعه عنده، فيفرق بعضه على المحاويج والفقراء، ويصرف البقية في المآدب وعطايا قاصديه، حتى لا يبقى على رأس السنة منها شيء، ويبلغ ما تحت أمره من النفوس التي عرفناها ما عدا ما لم نطلع عليه مائة وثمانين ألفًا ونيفًا، ومنهم ستون ألف فارس يركبون الخيول العربية المطهمة ترى الخيل تحتهم كالأسود الضاربة وهم على صهواتها كالعقبان شاكي السلاح تقرأ الشجاعة في أعينهم. وستون ألف شجاع يركبون الهجن وستون ألفًا رماة مشاة يترادفون أحيانًا مع أهل الهجن وقت الغزو»([60]).

هذا طرفٌ مما عثرت عليه في تضاعيف كتب مطبوعة ومخطوطة لمؤلفين متباينين في المشارب متفرقين في المشارق والمغارب، أثبته على حاله، ولم أمسخ من لفظه ولا مآله.

ورأيتُ وسمعتُ كثيرًا من مؤرخي الفرنجة وسياحهم تكلموا على هذا المذهب ومنهم المنصف والمجحف، على أن المجحف منهم يفضل بصدقه أمثال أحمد جودت، وعبد الرحمن شرف، وأيوب صبري، وغيرهم من المؤرخين الأتراك الذين أطلقوا مباشرة ألفاظ التكفير والتضليل على أبناء هذا المذهب، ورموا الكلام على عواهنه، واتهموهم في أمانتهم.

ولذا اقتصرتُ على إيراد ما تقدم وتجافيتُ عن ترجمة أقوالهم؛ لأنها أُمليت بلسان التمويه لا بلسان التاريخ.

وعلى ما قيل في عباراتهم يتصرف ما كتبه أحمد زيني دحلان المكي بعبارات مخزية([61]) مخجلة، وقد ردّ عليه علماء الوهابية زاعمين أن الأحاديث التي ساقها في كتابه موضوعة بعد ظهورهم مطالبين القائل بها ببيان الكتب المأخوذة منها، من أسفار المحدِّثين المتقدمين والمتأخرين، مطيلين اللسان على علماء ذاك العصر، ناسبين لهم الافتراء على حضرة صاحب الرسالة عمدًا([62])، ويا ليت هذا المكي بيَّن مآخذه ليخلص من المطعن فإن المقام مقام جدال.

واختلفت الأقوال في عدد المعتنقين([63]) لهذا المذهب في نجد، ويقول شمس الدين سامي صاحب قاموس الأعلام: إن عددهم قد يرقى إلى ثلاثة ملايين نسمة في نجد، أما مسافة هذه الكورة فيقطعها الراكب على متون المطايا في عشرين يومًا عرضًا وثلاثين يومًا طولًا.

وأخبرني أحد الثقات الأثبات أن دعوة الوهابية تنتشر في الهند خصوصًا في الأعوام الأخيرة، وأن لهم تاريخًا جليلًا في مجلدين ألّفه حسين بن غنام الإحسائي فيه من المواد ما لم أتمكن من الاطلاع عليه، وعساني أستجلب منه نسخةً فأعود لإشباع القول عليهم، كشفًا للحقيقة وإقناعًا للموافق المؤانس أو المخالف الموالس، واللهُ وليُّ التوفيق.


([1]) الترجمة منقولة من كتاب الأعلام للزركلي 6/202- 203

([2]) تاريخ كتابة المقال سنة 1318هـ – 1900م  كما تقدم .

([3]) كرد علي رحمه الله شاهد عيان في هذه القضية كما تدل على ذلك عبارته، وسوف ينقل في هذا المقال مثل هذه الشهادة عن غيره، وهذه التي أشار إليها مما لم يكن المؤرخون والرحالون يختلفون في اتصاف المنتسبين إلى الدعوة بها في تعاملهم مع الجميع، وهي كما لا يخفى ليست صفات أهل التكفير واستباحة الدماء والأعراض كما يروج لذلك خصوم الدعوة.

([4]) يقصد بأميرهم الحالي: الأمير محمد الرشيد رحمه الله ت1954م.

وكان الشأن كذلك في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله مؤسس العهد الثالث من عهود الدولة السعودية أعزها الله تعالى بطاعته، فقد كانت العلاقة بين الإمام عبدالعزيز والدولة العثمانية منذ عام 1322هـ أي: بعد دخول الإمام إلى الرياض بثلاث سنوات وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى علاقة جيدة، بدأت بإرسال الإمام إلى والي البصرة يخبره فيها بأنه صديق مخلص للدولة العثمانية، وثم في السنوات اللاحقة مُنِح عددًا من الألقاب والوظائف والأوسمة، فتم منحه منصب أمير نجد، ولقّب بالباشا، ومنح منصب الوزارة؛ وبالرغم من ذلك فقد كانت الدولة العثمانية تدعم خصوم الملك عبدالعزيز بالمال والسلاح، بل وبالرجال أحيانا، كما حدث في وقعة البكيرية وما بعدها من الوقعات عام 1322هـ، ومع تمكن الملك عبدالعزيز من هزيمة القوات النظامية العثمانية إلا أنه أكرم الجنود المنهزمين، وأرسل إلى السلطان عبدالحميد يخبره بحقيقة ما حصل، ويخاطبه بلقب أمير المؤمنين، وأرسلت الدولة العثمانية له اعترافا ، وإعلانات مالية، وحين استبد حزب الاتحاد بالسلطة، وضعفت الدولة العثمانية عن حماية ساحل الخليج العربي من الاحتلال البريطاني، كاتب قاضي الأحساء الشيخ عبداللطيف الملا الملك عبدالعزيز يطلب منه القدوم إلى الأحساء، وأن أعيان المدينة على هذا الرأي، وسوف يسلمونه الكوت وفق خطة يتم الاتفاق عليها، وكان ذلك عام 1331هـ، وأنجز الملك عبد العزيز ضم الأحساء، وسلم إليه المتصرف العثماني أحمد البلاد ورحل مع جنوده بشرفه العسكري، واقتنعت الدولة العثمانية فيما بعد بصحة تصرف الملك عبد العزيز، وأبرمت معه معاهدة، أبرمها معه السيد طالب النقيب عام 1332 هـ اقتضت الاعتراف بسيادته بشكل كامل، وفي العام نفسه عندما جهزت الدولة العثمانية حملة لأخذ قناة السويس من بريطانيا، أمدهم الملك عبد العزيز بأربعة عشر ألف جمل، وظلت العلاقة طيبة بعد ذلك حتى خروج العثمانيين من الجزيرة العربية عام 1337 هـ.

انظر: الجزيرة العربية في الوثائق العثمانية، (ص 265 وما بعدها)؛ تاريخ المملكة العربية السعودية للعثيمين،(2/83 وما بعدها)؛ تاريخ  هجر، عبد الرحمن آل ملا (2/774)؛ مذكرات جمال باشا، (؟؟؟)

([5]) يشهد محمد كرد علي رحمه الله هنا بأنه لم يجد كتابة إنصافٍ لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والسبب في ذلك عاملان:

أحدهما: سياسي، حيث كانت الدولة العثمانية تنظر للدعوة السلفية على أنها دولة تُبْنَى على أساس ديني، يشكّل خطرًا على وجودها؛ لذلك دعمت تشويه هذه الدعوة بكل ما استطاعت كي تبرر القضاء على الدولة المصاحبة لها.

الثاني: العامل المذهبي، فقد كان شعار الدعوة ورسالتها: القضاء على البدع التي كانت آنذاك مهيمنة على العالم الإسلامي، فكان كل علماء المذاهب البدعية يقفون صفًّا واحدًا في سبيل تشويه هذه الدعوة، ورميها بما ليس فيها، وقد صنع هذان العاملان صُنْعهما في الصدّ عن المنهج الصحيح، ومع ذلك أبى الله إلا أن يتم نوره، فصار لهذه الدعوة من القبول ما لا يخفى على أحد، ولله الحمد والمنة.

([6]) تولى عرش المغرب زمن وصول دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب إليها ملكان اعتمدا مذهب السلف في الأصول والفروع:                                                                                                                                                             =

الأول: الملك محمد بن عبد الله العلوي (ت 1204)،وكان رحمه الله ينهى عن قراءة كتب التوحيد المؤسسة على القواعد الكلامية المحررة على مذهب الأشعرية، وكان يحض الناس على مذهب السلف، من الاكتفاء بالاعتقاد المأخوذ من ظاهر الكتاب والسنة بلا تأويل.

ومن لطيف الأقوال المنقولة عنه رحمه الله: “طريقة الحنابلة في الاعتقاد سهلة المرام، منزهة عن التخيلات والأوهام، موافقة لاعتقاد الأئمة كما سبق السلف الصالح من الأنام”.

الثاني: ابنه السلطان سليمان بن محمد العلوي المتوفى سنة 1238 هـ؛ وقد كتب إليه الإمام  سعود بن عبد العزيز رسالة يشرح فيها الدعوة السلفية، ومن المحتمل أن تكون الرسالة التي أعطاها رئيس الركب المغربي للجبرتي، طرفًا منها، أو كلها؛ وقد قبلها السلطان ورد عليها ردًّا بليغًا في قصيدة كتبها أحد علماء مصره، ثم كتب خطبة في التوحيد عممها على سائر قطره. انظر: الاستقصا في تاريخ دول المغرب الأقصى، (8/66)، (6/119).

ملحوظة: ذكر الناصري في كتابه الاستقصا: أن الرسالة وردت للمولى سليمان من  عبد الله بن سعود؛ وهو خطأ؛ فإن الرسالة وردت من والده سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود.

([7])  البخاري (3456)، مسلم (2669).

([8])  رواه الترمذي (2641) وغيره، وانظر السلسلة الصحيحة 1/203.

([9]) في هذه الفقرة من كلام الإمام ثلاث فوائد تقتضي التعليق، اثنتان تاريخيتان والثالثة علمية؛ أما أولى التاريخيتين: فإن المخالفين للدعوة هم الذين بدأوا بالتكفير، والمقاتلة لأهل الدعوة، وهذا الأمر تصدقه وقائع عديدة، منها: ما ذكره أحمد زيني دحلان من أن علماء الدرعية في ابتداء أمر الدعوة جاءوا إلى مكة ليعرضوا عليهم ما عندهم، فناقشهم علماء الحرم وأفتوا بكفرهم، وعرضوهم على قاضي الشرع فحكم بكفرهم وحبسهم. انظر: فتنة الوهابية لزيني دحلان (ص 10).

فإذا كان علماء الدعوة في بدايتها جاءوا إلى علماء الحرم يعرضون ما عندهم، فجوبهوا بالتكفير والحبس، فمن يكون الذي ابتدأ بالتكفير؟!

وأما مبادءتهم بالقتال، فيدل على ذلك مكاتبة الشريف مسعود نفسه للدولة العثمانية يخبرها بكفر محمد بن عبدالوهاب، بل ويزعم أنه لا ديني، وأنه في حاجة لأن تجرد الدولة العثمانية إليه الجيوش لقتله؛ وقد أجابه السلطان محمود بالإيجاب؛ وكان ذلك قبل عام 1163 هـ، في عهد الشريف مسعود؛ ومعلوم أن الدعوة في ذلك الوقت كانت لم تتجاوز من ناحية الامتداد السياسي ضواحي الدرعية؛ الأمر الذي يدل على كذب الشريف على الخليفة العثماني؛ وهو ما اكتشفه العثمانيون فيما بعد؛ انظر: العثمانيون وآل سعود في الوثائق العثمانية، لزكريا قارشون، (ص 48 هامش 142).

ثاني الفائدتين التاريخيتين: إقرار الإمام رحمه الله بأنهم يقاتلون الناس على ما وقع فيهم من الشرك المتمثل بدعاء غير الله تعالى والذبح والنذر لهم؛ فأئمة الدعوة ليس بينهم خلاف في أن تلك الممارسات من دعاء غير الله وبذل القرب للقبور والقباب من دون الله شرك أكبر؛ وهم لا يخفون ذلك بل يعلنونه في كتبهم وخطبهم ورسائلهم.

الفائدة الثالثة وهي العلمية: تبيين الإمام رحمه الله: أنهم لا يقاتلون إلا بعد إقامة الحجة؛ وفيه رد على من شغب على الدعوة وزعم أن أئمتها لا يعذرون بالجهل ولا يرون إقامة الحجة على المخالف.

([10]) هنا ينص الإمام مرة أخرى على أن القتال لا يكون منهم إلا بعد إقامة الحجة والبيان، ويجدر التنويه هنا إلى أن الدعوة السلفية في نجد كان لها مشروعان متوازيان كلاهما شرعيان:

الأول: إعادة الناس إلى الدين الصحيح ونبذ ما كان عليه الأمر من تعلق الأمة بالخرافة والشرك في العبادة.

الآخر: إقامة دولة في صحراء جزيرة العرب وواحاتها تجمع شتات الناس وتؤمّن سبلَهم وتحقن دماءهم وتحفظ أموالهم؛ فلم يكن قتال الناس لأجل الدعوة وحسب؛ وإن كانوا قد أخذوا على أنفسهم أن لا يقاتلوا إلا من رفض إجابة الدعوة بعد الحجة والبيان.

([11]) عثمان بن سند بن راشد الوائلي المولود في جزيرة فيلكا بالكويت عام 1180 هـ والمتوفى في بغداد عام 1242 هـ من كبار أهل العلم في المعارف المتنوعة في عصره، قال الشيخ عبد الله البسام “من النوابغ في سرعة الحفظ وجودة الفهم وبطء النسيان والرغبة العظيمة في العلم والجد في تحصيله …”

ثم قال: “ويذكر عن الشيخ عثمان عفا الله عنه: انحيازه عن الدعوة السلفية الإصلاحية، وقد قال الشيخ عثمان بن سند عن الدعوة السلفية: أن الوهابية تكفر عموم المسلمين، والذي يظهر أن خصومته مع رموز الدعوة الإصلاحية سياسية أكثر منها مذهبية؛ وأن لعلاقته بداود باشا وكونه مؤرخ دولته أثر قوي في إذكاء هذا التوجه”. علماء نجد خلال ستة قرون: (5/153).

قلت: وقد كان من خواص والي بغداد داود الأول، وقد مدحه بقصيدة طويلة وألف فيه كتابه “طوالع السعود في أخبار الوالي داود” ولذلك أرى صواب ما ذهب إليه الشيخ عبد الله البسام رحمه الله فيما قال؛ فإن اتهامه للدعوة بتكفير عموم المسلمين لا يليق بعالم مثله وليس لديه عليه شاهد من أقوال أئمة الدعوة ولا من أفعالهم.

([12]) في هذا الكلام من الحديث المرسل الذي لا خطام له ولا لجام ما لا يليق بعالم كبير كالشيخ عثمان بن سند عفا الله عنه؛ فالقول بتكفير عموم المسلمين الذين على وجه الكرة الأرضية، تَنَدُّر بالقول، وسخفٌ ما بعده سخف، ولم يأت عن عالم سلفي أبدا، وأما لعن جملة من علماء المسلمين فكذب ومين، وعلماء الدعوة أبعد الناس عن اللعن، بل لا يعرف عنهم ولله الحمد فضلا عن أن يلعنوا أهل العلم، ولو فرض وروده عن واحد منهم فليس ذلك منهجًا لهم، إذ خطأ الآحاد لا ينسب إلى المنهج العام، وإلا لما سلم الإسلام نفسه وليس الدعوة الإصلاحية خاصة. وموقفهم من الإمام الأشعري موقف إنصاف؛ وهم فيه على منهج شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أثنى في مواضع كثيرة على موقف الأشعري من الجهمية والمعتزلة، وردوده عليهم؛ وبيَّن خلافه لأهل الحديث وعذره فيما وقع فيه من زلل؛ ويمكن الرجوع في مثل هذه الإنصافات إلى: منهاج السنة النبوية، (5/195) ،الفتاوى (12/202-205) ؛ جامع الرسائل (12/97-98).

([13]) هكذا اعتاد خصوم الدعوة على الكلام المرسل دون ضرب الأمثلة على ما يدَّعون؛ وقد بحثت في كلام أئمة الدعوة وعلمائها فلم أجد تكفيرًا لتقي الدين السبكي ولا لابنه تاج الدين؛ إلا إن أريد : أن لازم قولهم تكفيره؛ فلا شك أن انتحال اللوازم يجيده كل أحد؛ ومن أقسى كلامهم عن التاج السبكي قول ابن سحمان رحمه الله: “السبكي هو الذي خرج عن الصراط المستقيم؛ وخالف ما عليه الأئمة من علماء المسلمين، وأنه هو الذي ابتدع ما لم يقله عالم قبله، فصار بافترائه وعدوانه مُثْلَة بين أهل الاسلام” الصواعق المرسلة الشهابية (1/234).

([14]) إغراء الملوك بأهل العلم والدعوة إلى الله تعالى كمثل ما فعل السبكي وغيره بابن تيمية، لا شك أنه ذنب عظيم وعند الله تعالى تجتمع الخصوم؛ وسياق الشيخ ابن سند لهذا الأمر سياق المستهين لا شك أنه لا يدل على قصد إنصاف.

([15]) أما الأموات، فتبين مما سبق جناية ابن سند وكذبه على أئمة الدعوة وعلمائها في حق الأموات؛ وأما الأحياء فسوف يأتي من كلام ابن سند قريبًا ما ينقض قوله.

([16]) نعم حصل ولله الحمد في الدولة السعودية في عهدها الأول من إماتة البدع ما ننعم به حتى يومنا هذا؛ وأكاد أجزم بأنه لم يحصل في العالم الإسلامي مثله منذ القرن السادس الهجري وحتى يومنا هذا؛ ومن تتبع التاريخ الإسلامي منذ القرن السادس وما بعده وجد للبدعة المغلظة شيوعًا ظل يستشري حتى كاد يمحو معالم الدين؛ فكانت الدعوة السلفية الإصلاحية تجديدًا وإحياء بحق فالحمد لله رب العالمين.

([17])  نسبة إلى قبيلة عتيبة جريًا على قاعدة إعادة المصغر إلى أصله ثم النسبة إليه، كالنسبة إلى أمية أموي.

([18]) في م : طائعون.

([19]) يعني بالدسيستين: ما سبق وأسماهما محاسن؛ وهما: إماتة البدع؛ وإشاعة الأمن والمؤاخاة والإنسانية والتهذيب الحضاري؛ فلله كم يوقع الهوى أهله في التناقض.

([20]) ما هي عقائدهم التي غفلت عنها سائر الأمم حينما أحبتهم؟! لا يذكر ابن سند ولا غيره شيئا غير التكفير واستباحة الدماء يدندنون حوله؛ وهل يمكن أن تحب الأمم من يكفرونهم ويستبيحون دماءهم؟

لكن أبى الله إلا أن يحق الحق؛ وكما قيل: الحق ما شهدت به الأعداء.

([21]) البيت منسوب لحسان بن ثابت رضي الله عنه، ولم تصح نسبته إليه؛ ومعناه صحيح؛ ولا يعني الحصر الكامل للدين في ذلك؛ كما أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) لا يعني أن الدين منحصر فيها.

([22]) الشيخ عثمان بن سند شاعر وعالم باللغة العربية وبلاغتها؛ ولا شك أنه يعلم أن معنى البيت صحيح؛ وأنه لا يعني زيادة شيء من أركان الإسلام غير ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام وغيره من الأحاديث؛ وهي شعائر الإسلام التي ذكرها الناظم؛ وأما الأمن فهو أحد الأسباب العظيمة لإقامة مباني الإسلام وحدوده؛ فهذا مما لا يختلف عليه اثنان؛ ولكن الهوى عصف بالرجل عفا الله عنه، ولم يجد ما يذم فيه أتباع الدعوة إلا مثل هذه الانتحالات.

([23]) هذا عند علماء المنطق ليس دورًا؛ بل هو جمع للتصورات ينتج عنها تصديقات، أو مقدمات يبنى عليها نتائج؛ وهي مقدمات صحيحة والنتيجة منها صحيحة أيضًا؛ ولكنها أغلبية وليست كلية؛ وهذا شأن القواعد المتعلقة بأحوال الناس شأنها أن تكون أغلبية لا كلية.

([24]) قبل أسطر يقول: “أحبهم سائر الأمم”، وهنا يقول: “أبغضتهم الأمم”، والتناقض ليس غريبًا على من ليس دافعهم التحقيق؛ والحق بين الأمرين؛ وهو: أن من خالطهم من الأمم وعرف الحق الذي عندهم وذاق حلاوة الأمن وإقامة الشرائع ونقاء الدين والبعد عن الخرافة، أحبهم؛ أما الأمم التي حيل بينها وبينهم بالسنان أو كذب اللسان فضلت على جهالتها بهم وبغضها لهم، الذي يلقّنها إياه أرباب الأقلام المسمومة التي لا تبالي بالكذب وقول الزور والصد عن الحق.

([25]) لم يكن ثم سوى الدولة العثمانية؛ والذي أزَّها على الدعوة وأهلها ليس ما يزعمه الشيخ عثمان عفا الله عنه؛ بل أمور أخر منها: -تحذير الأشراف القتاديين للدولة العثمانية من دعوة الشيخ محمد منذ بدايتها، وزعمهم أن الشيخ محمدًا ملحد لا ديني؛ وكان مبدأ ذلك سنة 1163 كما تقدم؛ وكان استجداء المال من الدولة العثمانية هو هدف الأشراف القتاديين، كما صرح بذلك الباحث التركي زكريا قورشون في كتابه: العثمانيون وآل سعود في الأرشيف العثماني (ص 47).

ومن أسبابه أيضًا وصول الدولة السعودية إلى مشارف الدولة العثمانية؛ ثم ضمها الحجاز إلى ولايتها وهزيمة العثمانيين أكثر من مرة داخل الأراضي السعودية.

ومنها: -علماء البدعة الذين زينوا للدولة العثمانية قتال القائمين على الدعوة وإباحة دمائهم وأموالهم وديارهم؛ وقد ذكر زكريا فورشون أن الشريف مسعود حصل من علماء مكة على فتوى تجيز قتل محمد بن عبدالوهاب، وأنه أرسلها للدولة العثمانية (ص 48).

أما كون الدعوة الإصلاحية مكفرة؛ فهذا كذب ومين وتبرير من ابن سند وأشباهه من العلماء لاستباحة الدماء والأموال والأعراض.

([26]) الشيخ عثمان يمجد الطاغية محمد علي باشا وابنه إبراهيم على ما فعلاه في نجد من حصار للقرى وقتل للأبرياء والذراري والنساء؛ وقد مجَّد فعلهما بما هو أكثر تفصيلا في كتابه مطالع السعود [انظر مختصر مطالع السعود، لأمين الحلواني ص 296]. فالقتل وسفك الدماء واستباحة الأعراض مما يمدح به الطاغية محمد علي باشا؛ في حين نجد ابن سند يتباكى عند أي حدَث ومقتلة تقع على أيدي من يسميهم الوهابيين؛ فكأن القتل جائز لأناس محرم على آخرين؛ هذا مع إقراره بأن أهل الدعوة أقاموا السنن وأماتوا البدع وأمنوا السبل؛ فبأي شيء يا ترى استحلَّ دماءهم؛ ولو كان حقًّا منصفًا لأنكر ما يقع من التجاوز عند كلا الطرفين؛ لكن ما عبر به من حقد على الدعوة وأهلها لا يجعل المنصف يثق بأخباره عن أهل الدعوة؛ وكيف ذلك وهو يقول فيهم: “وأما هؤلاء الوهابيون فلا شك أن كل واحد منهم بمنزلة مسيلمة الكذاب”. مختصر مطالع السعود ص 293؛ وحين غزا ثويني السعدون قبيلة كعب وأسرف فيها؛ وهو من رجال الدولة العثمانية، أثنى على فعله لأنهم روافض؛ وحين غزا الإمام سعود كربلاء وأوقع بأهلها حرم ذلك وتباكى عليهم وقال: “وإن كانوا روافض” ص 289؛ وبهذا يتبين أن الميزان عند ابن سند عفا الله عنه ليس الحق بل الهوى الذي لا يؤتمن صاحبه.

([27]) لم أجد في كتاب النجوم الزاهرة الذي أحال إليه الكاتب من سنة 300 وما بعدها حديثًا عن الحنابلة وأهل الحديث وخروجهم على بني العباس… إلى آخر ما قال الكاتب سوى ما نقله سنة 308 من خروج العامة في بغداد بسبب غلاء الأسعار وظهور المظالم… وليس فيه ذكر للحنابلة وأهل الحديث. انظر النجوم الزاهرة 3/198؛ كذلك ذكر في أحداث السنة السابعة عشرة أحداث نهب في بغداد بسبب خلع الخليفة المقتدر ثم إعادته للخلافة 3/223؛ والحقيقة أن ما حدث في بغداد عدة مرات من حوادث كان الحنابلة طرفًا فيها لم تحرر تحريرًا صحيحًا، ودخل الهوى والتعصب في رواتها بشكل كبير؛ ومن ذلك: ما رواه ابن الأثير في الكامل 7/113 من أن الحنابلة صاروا يكبسون من دور القوّاد والعامة، فإذا وجدوا نبيذا أراقوه وضربوا المغنيات وكسروا آلات الغناء، واعترضوا في البيع والشراء… إلى غير ذلك مما ذكر؛ وحاصله: أن الحنابلة كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؛ ويقومون بتغيير المنكرات بأيديهم؛ فإن صحت هذه الرواية بهذا السياق الذي ذكره ابن الأثير فلا يمكن فهمها إلا بمعرفة ما كان عليه الحال ببغداد في تلك السنوات؛ فهوان أمر الخلفاء حتى كانوا يُسملون ويقتلون وتصادر أموالهم من قبل الجند؛ بل إن الخليفة القاهر بالله قبل الحادثة المنسوبة للحنابلة بأشهر تم خلعه وسمل عينيه، ومصادرة أمواله حتى وقف بباب المسجد يتسول؛ وكان من أحوال الجند مع الناس ما لخصه الخليفة المقتول عبدالله بن المعتز في أرجوزته حيث قال:

وكل يوم ملك مقتول أو خائف مروع ذليل
أو خالع للعقد كيما يعنى وذاك أدعى للردى وأدنى

إلى أن قال:

وكم فتاة خرجت من منزل فغصبوها نفسها في المحفل

ثم يقول:

ودارت السقاة بالمدام وارتكبت عظائم الآثام

انظر: أرجوزة عبدالله بن المعتز (ص 4).

فإذا كانت هذه هي الحال من فشوّ المنكرات وعدم من يقوم بفرض الكفاية؛ فإن ما قام به الحنابلة إن صح الخبر بهذا السياق اجتهاد له أصوله؛ وكان حقهم أن يناقشوا لا أن يشنع عليهم.

ثم إن ما ذكره ابن الأثير، وزمنه متأخر عن الحادثة بأكثر من ثلاثة قرون؛ حيث كانت وفاته سنة 630 هـ من أن الحنابلة كانوا كلما رأوا شافعيًّا ضربوه، لم يذكره من تقدموا ابن الأثير كمسكويه المتوفى سنة 421؛ كما أن التوقيع المنسوب للخليفة الراضي يختلف عند مسكويه كثيرا عما أورده ابن الأثير؛ فقد أورد ابن الأثير كلاما في اتهام الحنابلة بالتجسيم، ومن الواضح أنه كلام مدسوس في فترة متأخرة؛ وفي كلتا الحالتين فإن توقيع الخليفة ليس فيه ذكر أنهم تعرضوا للناس؛ بل فيه إنكار على الحنابلة منابذتهم لعقائد الشيعة؛ مما يؤكد أن التوقيع صدر بضغط على الخليفة من القرامطة الذين كانت جيوشهم ذلك الوقت قرب بغداد، وكانت الدولة الشيعية البويهية قد استولت على أجزاء كبيرة من بلاد فارس؛ والدولة الشيعية الحمدانية قد استولت على حلب وحمص وأنطاكية؛ عفا الله عن ابن الأثير الشافعي الأشعري؛ فبدلا من أن ينصف الحنابلة في مواجهة الشيعة، بلغ به التعصب إلى أن وقف في صفهم. انظر: تجارب الأمم لمسكويه 5/183؛ وذكر ابن أبي يعلى أن ما حصل للحنابلة في عهد الخليفة الراضي كان بسبب وشاية المخالفين للبربهاري عند السلطان، لما عظم أمره بين الناس. طبقات الحنابلة 2/44.

([28]) في ك: مقابلات.

([29]) هذا من الافتراء الذي لا وجود له في كتب التاريخ؛ فلم يذكر أحد من المؤرخين: أن الحنابلة حاربوا الدولة العباسية؛ بل لا يعرف أن الحنابلة حاربوا أي دولة إسلامية؛ وموقف الحنابلة من ولاة الأمور هو ما نصت عليه آيات الكتاب والأحاديث النبوية الصحيحة من لزوم الطاعة وحرمة الخروج على الأئمة؛ وكثرة أقوالهم في هذا أشهر من أن يعاد بسطها؛ وانظر: شرح السنة للبربهاري ص 56 فقرة 26 وما بعدها، تحقيق الجميزي؛ وأكثر ما ينقله المؤرخون هو ما يكون من حنابلة بغداد؛ وعند التحقيق نجد أن أصل المشكلة يعود لاستفزاز بعض علماء أهل البدع لعوام الحنابلة؛ فتشتجر الفتنة، كما حصل في فتنة ابن القشيري؛ وانظر تفاصيلها في ذيل طبقات الحنابلة 1/39.

([30]) الظاهرية أهل حديث في الغالب؛ لكنهم لا يسيرون في الأخذ به على منهج السلف؛ وأهل الحديث الذين هم على منهج السلف يخالفونهم في أصول الفقه وفي فروعه مخالفة عظيمة؛ وابن حزم رحمه الله وهو أعظم من شهر مذهبهم يخالف أهل الحديث في الصفات أيضا؛ ولكن أهل الحديث من أتباع منهج السلف حفظوا للظاهرية ولا سيما ابن حزم مقامهم، وتكلموا فيهم بكلمة العدل في نقدهم؛ ومن ذلك قول ابن أبي حاتم في حق داود الظاهري: “وتفقه للشافعي رحمه الله تعالى، ثم ترك ذلك، ونفى القياس، وألف في الفقه على ذلك كتبا شذ فيه عن السلف، وابتدع طريقة هجره أكثر أهل العلم عليها؛ وهو مع ذلك صدوق في روايته، ونقله، واعتقاده؛ إلا أن رأيه أضعف الآراء، وأبعدها عن طريق الفقه، وأكثرها شذوذا”. نقله ابن حجر في لسان الميزان 3/405؛ وقال ابن تيمية في حق ابن حزم: “وأبو محمد مع كثرة علمه وتبحره وما يأتي به من الفوائد العظيمة: له من الأقوال المنكرة الشاذة ما يعجب منه كما يعجب مما يأتي به من الأقوال الحسنة الفائقة”. مجموع الفتاوى 4/396.

أما ثورة الظاهرية في المغرب وجزيرة الأندلس فلم أجد من تكلم عنها، ولعله يقصد الدولة الموحدية؛ إن كان ذلك فهذه الدولة أسسها محمد بن تومرت؛ وكان مبتدعًا ليس بصاحب سنة فضلًا عن أن يكون سلفيًّا؛ بل كان يرمي أتباع منهج السلف بالتجسيم، ويستحل دماءهم؛ وقتل منهم خلقًا؛ سير أعلام النبلاء 17/ 539؛ وكان في خلفائه شر وخير؛ وبعض الباحثين يرى أنهم كانوا في الفروع على مذهب الظاهرية؛ وبذلك يتبين أن ما ذكره في حق أتباع السلف وأهل الحديث كذب.

([31]) بين يديّ سيرة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله للقاضي ابن شداد، وفي ذيله منتخبات من كتاب التاريخ لتاج الدين بن أيوب؛ ولم أجد فيهما شيئًا مما قاله الكاتب؛ نعم هناك كثيرون ناوأوا صلاح الدين لكن لم أجد فئة بالوصف الذي ذكره الكاتب فيما وقفت عليه.

أما إنكارهم المنكر على الملوك بغلظة فلم يأت الكاتب عليها بمثال؛ والغلظة في إنكار المنكر لا تكون مذمومة بكل حال؛ بل قد تكون محمودة؛ وكان من أعيان التابعين من أنكروا على الملوك وأغلظوا لهم القول كطاووس وسفيان الثوري؛ وإذا كان أهل الحديث والحنابلة لا يقترن ذكرهم إلا بإنكار المنكر فتلك لعمري ذاهب عنك عارها.

([32]) هذه الشخصية غير معروفة لدى علماء الهند، وليس لها وجود في كتب التراجم؛ وقد تكون اسمًا مستعارًا وضعه مؤلف الكتاب كي لا يظهر اسمه الحقيقي بسبب من الأسباب. والكتاب طبع طبعة قديمة في الهند.

([33]) العلامة المحدث محمد بن ناصر الحازمي الضمدي من أعيان العلماء على منهج السلف في القرن الثالث عشر من أهل تهامة؛ توفي سنة 1283هـ، ومن مؤلفاته: رسالة في الصفات؛ وفتح المنان في ترجيح الراجح وتزييف الزائف من صلح الإخوان، هكذا اسم الكتاب في هدية العارفين 2/378 والاسم الذي على مخطوط جامعة الملك سعود: “إيقاض الوسنان على بيان الخلل الذي في صلح الإخوان” 214/ أ. ت.

([34]) عبد الله بن إبراهيم بن سيف رحمه الله أخذ عنه الشيخ محمد بن عبد الوهاب إجازات في الكتب الستة في الحديث وغيرها. انظر “علماء نجد خلال ثمانية قرون 4/13.

([35]) محمد بن عبد الباقي بن عبد القادر البعلي الدمشقي، أبو المواهب الحنبلي، توفي سنة 1126هـ. انظر “الأعلام” للزركلي 6/184.

([36]) هذا النص لم أجده في مخطوطة إيقاظ الوسنان؛ ووجدته في كتاب تبصرة الناقد لعبد النصير الهندي؛ وهو مخطوطة مصورة ص 393 مطابع الفاروقي بدلهي.

وعبد النصير الهندي ألف كتابه في الذب عن الدعوة السلفية؛ وهو كتاب كبير يقع في أكثر من خمسمائة صفحة؛ وهو يرد فيه على أبي الحسنات اللكنوي انتصارًا لصديق حسن خان رحم الله الجميع؛ ويقول فيه بأقوال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: من كون الاستغاثة بغير الله تعالى والتبرك شرك أكبر؛ فهذا النقل منه مُسْتَغرب؛ وكذلك محمد بن ناصر الحازمي رحمه الله يرى رأي الشيخ محمد في هذه المسائل؛ وكتابه إيقاظ الوسنان والذي أسماه في هدية العارفين “فتح الوسنان” هو في الرد على داود بن جرجيس الذي اتهم الشيخ محمدًا رحمه الله بالتكفير؛ هذا مع أني لم أجد هذه العبارة في إيقاظ الوسنان؛ إلا إن كان الإيقاظ كتابًا آخر غير فتح المنان الذي نقل عنه الكاتب؛ والكتاب المطبوع اليوم باسم فتح المنان موضوعه أيضًا الرد على ابن جرجيس، وهو للشيخ محمود شكري الألوسي رحمه الله من منشورات دار التوحيد في الرياض عام 1430هـ، وليس هذه العبارة موجودة فيه أيضًا.

وعلى كل حال فهي دعاوى مرسلة يخالفها نصوص الإمام رحمه الله وتاريخه؛ وانظر كتاب: منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب في مسائل التكفير، للدكتور أحمد الرضيمان، من منشورات وقف السلام الخيري؛ وكتاب: تطبيقات السياسة الشرعية عند الإمام محمد بن عبد الوهاب للشيخ مصعب الخالدي من منشورات دار الميمان.

([37]) 1/248.

([38]) وإن اعتقد أن المستغاث به ليس له تأثير كتأثير الله؛ بل زعم أن هذا الميت يقربه زلفى إلى الله أو شفيع لحاجته عند الله ففعله شرك أكبر بنص القرآن: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى..} [الزمر: 3]، وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ..} [يونس: 18]. فهذه حجة المشركين كما حكاها القرآن الكريم، ولم ينفعهم احتجاجهم هذا من تسمية الله تعالى لما يفعلونه عبادة من دونه.

([39]) حدثت عدة مناظرات بين أهل نجد وأهل مكة منها ما كان سنة 1162هـ، وهي التي أشار إليها زيني دحلان في كتاب (فتنة الوهابية)، وأشار إلى أن قاضي مكة حكم بكفرهم وسجنهم؛ ومنها ما كان سنة 1183هـ وكان الشيخ عبد العزيز الحصيني هو من تولى المناظرة؛ وذكرها حسين بن غنام في روضة الأفكار ص 132؛ ومنها ما كان سنة 1210هـ في عهد الشريف غالب بن مساعد: روضة الأفكار 175؛ وفي عام 1230 أرسل الإمام عبد الله بن سعود بعض العلماء إلى مصر بكتاب إلى محمد علي باشا؛ فطلب منهم مناظرة علماء الأزهر فانتدبوا لذلك؛ وانتهت المناظرة بإقرار علماء الأزهر بصحة ما عليه أهل نجد. ذكر هذه المعلومة طه المدور في كتابه بين الحضارات والديانات ص139-140.

ولعل هذه المناظرة الأخيرة قام بها الوفد الذي أشار الجبرتي: أنه التقى بهم، وهم اثنان عرضا على محمد علي باشا الصلح لكنه لم يرتح له؛ ولم يذكر الجبرتي مناظرة علماء الأزهر لهما. تاريخ الجبرتي 4/ 361 تحقيق عبد الرحمن عبد الرحيم من منشورات دار الكتب المصرية بمصر 1998؛ وللشيخ محمد بن ناصر الحازمي كتاب في مناظرات النجديين مع أهل مكة، ذكره الزركلي في الأعلام 7/ 122.

([40]) القاضي عبد الرحمن بن أحمد البهكلي من أهل صبيا، ومن تلاميذ الإمام الشوكاني توفي سنة 1248هـ، مقدمة نفح العود ص 55؛ من مطبوعات دارة الملك عبد العزيز تحقيق محمد أحمد العقيلي.

([41]) نفح العود؛ 68 وما بعدها.

([42]) إتحاف النبلاء المتقنين في مآثر الفقهاء والمحدثين لصديق حسن خان، ورسالة الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب اسمها: رسالة في حكاية المباحثة مع علماء مكة في حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ وهي مطبوعة بتحقيق الشيخ الدكتور صالح بن عبد العزيز سندي.

([43]) مطبوع قديمًا، تُرجم بأمر علي باشا مبارك 1309هـ، وما نقله الكاتب في صفحة 279.

([44]) لم يسافر الشيخ رحمه الله لبلاد فارس؛ حيث لم يذكرها مؤرخو الدعوة المعروفون كابن غنام وابن بشر، وإنما ذكرها مؤرخ مجهول في كتاب باسم لمع الشهاب؛ ولا يمكن الاعتماد على مجهول العين والحال في التأريخ لدعوة عظيمة كدعوة الشيخ محمد رحمه الله.

([45]) دعوى المستشرق أن بواعث الشيخ رحمه الله على الدعوة هي الحمية دعوى باطلة؛ بل كان باعثه إحياء ما اندثر من دين الله تعالى وإعادة الأمة إلى ما كان عليه نبيها صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام؛ وكذلك قمع الخرافة والبدعة؛ وقد نفع الله بدعوته وعم فضلها فالحمد لله رب العالمين.

([46]) هذا من جهل الكاتب الأوربي بالإسلام وبدعوة الشيخ رحمه الله، فالشيخ لم يوجب سوى ما أوجبه الله تعالى وهو زكاة المال وهي ربع العشر من عروض التجارة والنقدين؛ والعشر فيما سقت السماء ونصفه فيما سُقِيَ بالنواضح؛ وفي بهيمة الأنعام تفصيل حسب عددها.

([47]) هكذا في المطبوع [مصالح] وهو خطأ من المترجم؛ ويعني قبيلة المصاليخ من عَنَزَة التي اشتهر انتساب آل سعود لها؛ ومن زاوية تاريخية فهذا الأمر خطأ؛ فآل سعود لم يبنوا دولتهم سوى على عصبية الدين والتوحيد؛ و شاركت معهم الكثير من القبائل؛ ولا أعرف أن للمصاليخ أي حظوة خاصة في الدولة السعودية الأولى؛ أو أن ابن سعود استنصر بهم على أساس قبائلي؛ بل لا يحفظ التاريخ أن آل سعود كان لهم أي صلات خاصة بقبيلة المصاليخ؛ فآل سعود أسرة حضرية تزعمت الدرعية كغيرها من الزعامات الحضرية على أسس أسرية ومواهب شخصية وحسب؛ ولما أنعم الله عليها بنصرة التوحيد كانت عصبيتها له وحده؛ أدام الله عليها هذا اللباس بمنه وكرمه.

([48]) قال في معجم المؤلفين: “أحمد بن سعيد الحسيني، الجيلاني، البغدادي، من موظفي الدائرة السنية بمصر، أديب، شاعر، من آثاره: حديث الطيف عن رحلة الشتاء والصيف، وديوان ثغر الحبيب لرشف الأديب” “كان حيًّا قبل 1314هـ” 1/ 145.

([49]) محمد بن سليم الشهابي المخزومي المدني كان حيًّا سنة 1317هـ. معجم المؤلفين 10/ 46.

([50]) في نجد سلاسل جبلية عديدة منها: ثهلان والنير والعارض والتوباد.

([51]) الأمير عبدالعزيز بن متعب بن عبدالله الرشيد؛ تولى الحكم في حائل وأجزاء كبيرة من نجد والشمال سنة 1315 بعد وفاة عمه محمد بن عبدالله الرشيد وبوصية منه؛ وكان محمد بن عبدالله بن رشيد قد تولى حكم حائل بعد أن أقدم على اغتيال ابن أخيه الحاكم آنذاك الأمير بندر بن طلال بن عبدالله الرشيد؛ ثم قام بقتل إخوة بندر وتولى الحكم سنة 1289هـ؛ وكانت إمارة حائل حتى ذلك الحين تابعة لدولة آل سعود في الرياض؛ لكن محمد بن رشيد استغل الخلاف بين أبناء الإمام فيصل بن تركي، فهاجم الدولة السعودية وانتهى الأمر إلى أن حاصر الرياض عاصمة الدولة السعودية وهدم قصر الحكم، وأسر عددا من آل سعود وأجلى الآخرين؛ وكان من ضمن من تعرض للنفي الحاكم الشرعي آنذاك الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود وابنه عبدالعزيز الذي كتب الله على يده إعادةَ الدولة السعودية ولمَّ أطراف الجزيرة العربية من جديد.

وكان عبدالعزيز بن متعب الرشيد ذا صفات من الكرم والإقدام والشجاعة؛ لكنه كان صعبًا صليبًا، فلم تستقم له نجد ولا أهلها؛ وفي عهده استطاع الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود استعادة عاصمة آبائه 1319هـ، وانتهى أمر عبدالعزيز بن متعب بقتله في معركة روضة مهنا سنة 1324هـ. انظر: القول السديد في أخبار إمارة آل رشيد (ص151).

([52]) برزان: بفتح الباء المنقوطة من تحتها وسكون الراء المهملة وفتح الزاي المعجمة.

([53]) المفتاق: أي: صاحب الفاقة.

([54]) بريدة وعنيزة كلاهما من حواضر القصيم؛ وقوله عن بريدة: إنها متصلة بالدرعية؛ يعني من حيث التبعية السياسية وليست الجغرافية؛ وذلك زمن عبدالعزيز المتعب الرشيد ومن جاء بعده من أمراء الجبل.

([55]) العارض ليست مدينة بل هي سلسلة جبلية يتخللها ويقع عنها شرقًا عدد من المدن والقرى، منها: الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية.

([56]) لم تذكر كتب التاريخ عن الدولة السعودية التي يتحدث عنها الكاتب -وهي الأولى- مجانبة للعدل في غالب أحوالها؛ وما عابه عليها الكاتب أمران: الأول: أخذهم مكة والمدينة، والآخر: منع الحج؛ والجواب عن ذلك فيما يلي:

أما أخذهم مكة والمدينة؛ فلم يكن ذلك عيبًا؛ بل جمعوا جزيرة العرب، وأمَّنوا السبل، وأقاموا الفرائض والعدل بين الناس؛ كما شهد بذلك ابن سند المتقدم نقل شهادته؛ وهو خصم الدعوة السلفية والدولة السعودية؛ كما أنهم لم يبدؤوا حكام مكة ولا الدولة العثمانية بحرب؛ وقد تقدم في الحواشي السابقة كيف أن السلطان العثماني أرسل إلى الشريف مسعود سنة 1163هـ أموالًا يطالبه أن يقاتل بها الملحد -في زعمه- محمد بن عبدالوهاب؛ وأعقب ذلك عدد من الغزوات قام بها حكام مكة مبنية على الفتوى التي أصدرها علماء مكة بوجوب قتال محمد بن عبدالوهاب إن لم يعدل عن رأيه؛ وقد قام الشريف غالب بغزو نجد في محاولة للوصول إلى الدرعية بقيادة أخيه، ووصلت إلى منطقة السرّ، قرب الرياض، لكنها فشلت؛ فقاد الشريف غالب بنفسه حملة سنة 1205هـ وحاصر الشعراء، وكانت إذ ذاك قاعدة عالية نجد، لكنه فشل وعاد؛ وفي سنة 1210 جهز الشريف غالب حملة أخرى التقت بالقوات السعودية في مورد الجمانية من عالية نجد وتمت هزيمته فعاد أدراجه؛ وبعد هذه الانتصارات السعودية على محاولات إسقاط الدولة السعودية وإعادة نجد لما كانت عليه من الفوضى قبل الحكم السعودي انضمت أكثر قبائل الحجاز والسراة وعسير إلى الدولة السعودية طمعًا بتحقيق الأمن في ديارهم كما حصل في نجد والأحساء وشمال الجزيرة وبناء عليه قررت الدولة السعودية ضم الحجاز إلى سلطانها.

أما ما افتراه الكاتب من منع السعوديين للحج فهو ما يكذبه كل علماء التاريخ بل إن أحمد زيني دحلان وهو معادٍ للدعوة والدولة السعودية أثبت أن الشريف مسعود هو من بدأ بمنع أهل نجد من الحج، وقد تقدم النقل عنه، وفيما يلي تلخيص لما ذكره الدكتور عبدالله بن عثيمين عن منع الحجاج النجديين من الحج، حيث ذكر أن مبدأ ذلك في عهد الشريف مسعود بن سعيد سنة 1163، واستمر ذلك حتى سنة 1183هـ، وبعد سنة حين تولى الحكم الشريف سرور بن مساعد منع النجديين من الحج، ولم يتم السماح لهم إلا سنة 1197 لسنة واحدة فقط، وعاد المنع بعدها لما كان عليه؛ واستمر ذلك حتى عام 1213 حين اعتنق الشريف غالب مبادئ الدعوة السلفية. انظر: تاريخ الدولة السعودية (1/123)؛ ثم استجدت أمور وأحداث يطول شرحها.

([57]) عَنَزَة، بفتح العين المهملة، وفتح النون المعجمة بواحدة، وفتح الزاي أيضًا من قبائل ربيعة، وينطقها العامة بهمزة وصل بعدها عين ساكنة وإشمام النون قريبًا من الكسر، وفتح الزاي، فيقولون: اعْنِزَة.

([58]) سالم ومسروح فرعا قبيلة حرب الأكبران وإليهما يعود نسب غالب المنتسبين لحرب.

([59]) قوله: “إن كل هذه القبائل كانت مطيعة لأمر عبدالعزيز المتعب الرشيد” فيه نظر؛ بل إن القبائل لم ترض حكمه، وحصل انتقاظ كبير عليه؛ وبعض هذه القبائل وقفت مع ابن صباح وأمراء حواضر نجد في معركة الصريف سنة 1318هـ، وكان عددهم أضعاف عدد جيش ابن رشيد؛ وقد تم النصر له رغم قلة جيشه بالنسبة لجيش خصومه؛ وكان لقدراته الحربية وشجاعته أثرها في هذا النصر العجيب. انظر كتاب: “معركة الصريف بين المصادر التاريخية والروايات الشفهية” لفيصل السمحان.

([60]) في هذا من المبالغة ما فيه؛ ولو كان ربع هذا العدد أو معشاره تحت يده لجلبهم في روضة مهنا حيث قتل رحمه الله وجميع موتى المسلمين.

([61]) ك: محزنة.

([62]) افترى أحمد زيني دحلان أحاديث نسبها للنبي صلى الله عليه وسلم في التحذير من دعوة الشيخ محمد رحمه الله تعالى؛ ومن أشهر من رد عليه العالم الهندي المحدث محمد بشير السهسواني المتوفى سنة 1326هـ في كتابه الموسوم بـ “صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان”.

([63]) ك: المنتحلين.

 

 

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

هل مُجرد الإقرار بالربوبية يُنجِي صاحبه من النار؟

مقدمة: كثيرٌ ممن يحبّون العاجلة ويذرون الآخرة يكتفون بالإقرار بالربوبية إقرارًا نظريًّا؛ تفاديًا منهم لسؤال البدهيات العقلية، وتجنُّبا للصّدام مع الضروريات الفطرية، لكنهم لا يستنتجون من ذلك استحقاق الخالق للعبودية، وإذا رجعوا إلى الشرع لم يقبَلوا منه التفصيلَ؛ حتى لا ينتقض غزلهم مِن بعدِ قوة، وقد كان هذا حالَ كثير من الأمم قبل الإسلام، وحين […]

هل كان شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني أشعريًّا؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: مِن مسالك أهل الباطل في الترويج لباطلهم نِسبةُ أهل الفضل والعلم ومن لهم لسان صدق في الآخرين إلى مذاهبهم وطرقهم. وقديمًا ادَّعى اليهود والنصارى والمشركون انتساب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام إلى دينهم وملَّتهم، فقال تعالى ردًّا عليهم في ذلك: ﴿‌مَا ‌كَانَ ‌إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصۡرَانِيّا وَلَٰكِن كَانَ […]

هل علاقة الوهابية بالصوفية المُتسنِّنة علاقة تصادم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تعتبر الصوفيةُ أحدَ المظاهر الفكرية في تاريخ التراث والفكر الإسلامي، وقد بدأت بالزهد والعبادة وغير ذلك من المعاني الطيِّبة التي يشتمل عليها الإسلام، ثم أصبحت فيما بعد عِلمًا مُستقلًّا يصنّف فيه المصنفات وتكتب فيه الكتب، وارتبطت بجهود عدد من العلماء الذين أسهموا في نشر مبادئها السلوكية وتعدَّدت مذاهبهم […]

مناقشة دعوى بِدعية تقسيم التوحيد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة    مقدّمة: إن معرفة التوحيد الذي جاء به الأنبياء من أهم المهمّات التي يجب على المسلم معرفتها، ولقد جاءت آيات الكتاب العزيز بتوحيد الله سبحانه في ربوبيته وأنه الخالق الرازق المدبر، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، كما أمر الله تبارك وتعالى عباده […]

اتفاق علماء المسلمين على عدم شرط الربوبية في مفهوم العبادة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدّمة: كنّا قد ردَدنا في (مركز سلف) على أطروحة أحد المخالفين الذي راح يتحدّى فيها السلفيين في تحديد ضابط مستقيم للعبادة، وقد رد ردًّا مختصرًا وزعم أنا نوافقه على رأيه في اشتراط اعتقاد الربوبية؛ لما ذكرناه من تلازم الظاهر والباطن، وتلازم الألوهية والربوبية، وقد زعم أيضًا أن بعض العلماء […]

هل اختار السلفيون آراءً تخالف الإجماع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: كثير من المزاعم المعاصرة حول السلفية لا تنبني على علمٍ منهجيٍّ صحيح، وإنما تُبنى على اجتزاءٍ للحقيقة دونما عرضٍ للحقيقة بصورة كاملة، ومن تلك المزاعم: الزعمُ بأنَّ السلفية المعاصرة لهم اختيارات فقهية تخالف الإجماع وتوافق الظاهرية أو آراء ابن تيمية، ثم افترض المخالف أنهم خالفوا الإجماع لأجل ذلك. […]

الألوهية والمقاصد ..إفراد العبادة لله مقصد مقاصد العقيدة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: مما يكاد يغيب عن أذهان بعض المسلمين اليوم أن العبودية التي هي أهمّ مقاصد الدين ليست مجرد شعائر وقتيّة يؤدّيها الإنسان؛ فكثير من المسلمين لسان حالهم يقول: أنا أعبدُ الله سبحانه وتعالى وقتَ العبادة ووقتَ الشعائر التعبُّدية كالصلاة والصيام وغيرها، أعبد الله بها في حينها كما أمر الله […]

تحقيق القول في زواج النبي ﷺ بأُمِّ المؤمنين زينب ومعنى (وتخفي في نفسك ما الله مبديه)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لهج المستشرقون والمنصّرون بالطعن في مقام النبي صلى الله عليه وسلم بسبب قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، حتى قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: (دُعاة النصرانية يذكرون هذه الفرية في كل كتابٍ يلفِّقونه في الطعن على الإسلام، والنيل من […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017