الاثنين - 12 جمادى الأول 1447 هـ - 03 نوفمبر 2025 م

ماذا قال لنا محمَّد بنُ عبدِ الوهَّاب؟

A A

لا شك أننا حين نتحدث عن مصلحٍ ما ونريد أن نثبت أثرَه، لا بد أن ننظر في الأمر كيف كان قبله؛ ليتضح لنا ما هو الإصلاح الذي قدمه؟ ومن أراد أن يتعرف على نجد موطن الشيخ محمد، وكيف كانت قبله؟ فما عليه إلا أن يتصور عددا من المعطيات تكفُل له تصوير الواقع حتى وإن لم يقرأ في ذاك حرفا واحدا.

بلدٌ صحراوي الطبيعة، قليلُ المطر، طاردٌ للسكان، لا حكومةَ جامعةٌ له تقوم بمصالحه، بل يعيش أهله في افتراق واحتراب، حتى القرى المستوطن أهلها ربما وجدت في القرية الواحدة أميرين أو ثلاثة بينهم احتراب وتنازع على السلطة في هذا المكان المحدود.

الجهل هو الطابع العام على سكَّان الدول الإسلامية من حولهم، لا تقدم لهم شيئا سوى غارات حربية يقوم بها الهاشميون بين الفترة والأخرى؛ القصد منها مطاردة أعراب نجد وتأديبهم، ولم يكن هناك أيُّ قصدٍ لتنمية هذا البلد أو تثقيف أهله، ظلَّ أهل نجد على هذا الوضع منذ سقوط دولة بني أمية حتى قيام الدولة السعودية الأولى.

فكيف يظن المرء بالمستوى الديني والعقدي في تلك البلاد؟

إذا علمنا أن البلاد الآمنة التي تعيش تحت إدارة دول قوية؛ كالشام ومصر والعراق، تك البلاد قد شاع فيها الجهل والانحراف العقدي، فكيف سيكون حال أهل نجد؟

لا شك أنك أخي المشاهد ستتصور مشهدًا مظلمًا في غالبه، والحقيقة أنه هكذا كان؟

وسأعرض الصورة إجمالا، فالناس إذ ذاك انقسموا في شهادة التوحيد إلى قسمين:

القسم الأول: وهم السواد الأعظم يقرون بـ(لا إله إلا الله محمد رسول الله)، ولكنه إقرارٌ خاوٍ عن معناه، فالصلاة مضيعة، والزكاة معدومة، والصيام مجهول، والحج موسم للسلب والنهب، والنذر لقبور الأولياء وغير الأولياء والذبح لهم، ودعاء الجن والخوف منهم، والتحاكم إلى الطواغيت سائد بينهم، كما حكى ذلك غير واحد ممن عاصر هذه الدَّعوَة من الثقات.

وقسم آخر: وهم محصورون في سكان القرى قليلة العدد والعدة، يعرفون معنى الشهادتين ويقيمون أركان الإسلام، لكنهم لا يقدمون شيئا فيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل ربما حاربوا الداعي إلى إصلاح الناس كما فعل عدد منهم مع دعوة الشيخ.

أما الشيخ رحمه الله فلم يدْعُ إلى أمر خطير كما يوهم كلام أعدائه، كل ما دعا إليه ببساطة أن نحقق معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله في أنفسنا وفي حياتنا العملية، هذه خلاصة دعوته، فلماذا الغضب منها؟

دعا محمد بن عبد الوهاب إلى مراجعة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وماذا دعا الناس إليه؟

وحين نصل إلى جواب، نعلم أن ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما يجب علينا أن ننصاع له.

كيف نعرف حقيقة ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

يقول لنا محمد بن عبد الوهاب: إن ذلك سهل ميسور بإمكان كل مسلم فعله، وهو الرجوع إلى القرآن مباشرة، القرآن الذي هجر الناس تلقي العقيدة منه، وأوكلوا ذلك إلى المشايخ والملالي، كل مؤلفات محمد بن عبد الوهاب يحاول فيها أن يربط المسلم بالقرآن مباشرة، هذا كتاب التوحيد لا يتكلم فيه الشيخ كثيرا يذكر الآية فقط أو الحديث ثم يذكر ما يمكن أن يستفيده كل إنسان منه، سواء أكان عالمًا أم أميًّا، إن الأمية في نظر محمد بن عبد الوهاب لا تحول بين العبد وبين تعلُّم حقيقة ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن مباشرة؛ لأن الأمِّي من البشر، والرسول أُرسِل إلى كل البشر، فمن المحال أن ينزل الله القرآن ويجعل فهمه في أصول العقيدة مقصورا على العلماء فقط.

محمد بن عبد الوهاب يحارب الوصاية على العقول باسم الدين، ويدعوا إلى احترام العالم؛ لأنه أكثر علما بالكتاب والسنة وطرق الاستنباط؛ لأن لديه سلطة من الله على عقول البشر.

أشهر كتب الشيخ هو كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، استمع إلى الشيخ ما يقول في كتابه:

وقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] الآية، وقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] الآية، وقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36] الآية، وقوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: 151] الآيات.

قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: من أَرادَ أن يَنظُر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خَاتَمُه، فليقرأ قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إلى قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 151 – 153] الآية([1]).

 

وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: “يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله”؟ فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: “حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا”، فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟  قال: “لا تبشرهم فيتكلوا”، أخرجاه في الصحيحين([2]).

 

فيه مسائل:

الأولى: الحكمة في خلق الجن والإنس.

الثانية: أن العبادة هي التوحيد؛ لأن الخصومة فيه.

الثالثة: أن من لم يأت به لم يعبد الله، ففيه معنى قوله تعالى: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 3].

الرابعة: الحكمة في إرسال الرسل.

الخامسة: أن الرسالة عمَّت كل أمة.

السادسة: أن دين الأنبياء واحد.

السابعة: المسألة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت، ففيه معنى قوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ…} [البقرة: 256] الآية.

الثامنة: أن الطاغوت عام في كل ما يعُبِد من دون الله.

التاسعة: عظم شأن ثلاث الآيات المحكمات في سورة الأنعام عند السلف. وفيها عشر مسائل، أولها النهي عن الشرك.

العاشرة: الآيات المحكمات في سورة الإسراء، وفيها ثماني عشرة مسألة، بدأها الله بقوله: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا } [الإسراء: 22]، وختمها بقوله: {وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: 39]، ونبهنا الله -سبحانه- على عظم شأن هذه المسائل بقوله: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} [الإسراء: 39].

الحادية عشرة: آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة، بدأها الله تعالى بقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36].

الثانية عشرة: التنبيه على وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند موته.

الثالثة عشرة: معرفة حق الله تعالى علينا.

الرابعة عشرة: معرفة حق العباد عليه إذا أدَّوا حقه.

الخامسة عشرة: أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة.

السادسة عشرة: جواز كتمان العلم للمصلحة.

السابعة عشرة: استحباب بشارة المسلم بما يسره.

الثامنة عشرة: الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله.

التاسعة عشرة: قول المسؤول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم.

العشرون: جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض.

الحادية والعشرون: تواضعه -صلى الله عليه وسلم- لركوب الحمار مع الارداف عليه.

الثانية والعشرون: جواز الارداف على الدابة.

الثالثة والعشرون: فضيلة معاذ بن جبل رضي الله عنه.

الرابعة والعشرون: عظم شأن هذه المسألة.

 

يذكر محرر مركز الأبحاث العقائدية: أن محمد بن عبد الوهاب تلميذٌ بليد لابن القيم؛ لأنه سطحي في الاستنباط من النصوص، والحقيقة أن ما يسميه ذلك المحرر سطحية هو سر عظمة الشيخ محمد؛ لأنه يريد أن يقرب القرآن للجميع بعد أن حاول كثير من العلماء إيهام الناس أنه حكر على العلماء، وأن استنباط العقيدة منه أمر بعيد المنال، بل جعلوا حتى تفسيره أمرا معقدا.

محمد بن عبد الوهاب يقول بيسر وسهوله: لا تدع إلا الله؛ لأنه تعالى يقول: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، لا تذبح إلا لله؛ لأنه تعالى يقول: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162]، أين المشكلة إذًا؟ لماذا يكرهون محمد بن عبد الوهاب؟

هل لأنه يقول إن الله أقرب إليك من البدوي والعيدروس والسقاف وابن علوان وسيدي بوزيد وسيدي موسى وعبد السلام بن مشيش؟!

هل لأنه يقول ذلك يكرهونه؟

إن الله تعالى يقول ذلك، فماذا تقولون في قول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

 

محمد بن عبد الوهاب دعانا لنزع الخوف من قلوبنا، الخوف الذي ينتاب الإنسان بشكل فطري حين يبتعد عن ذكر الله، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]، {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36].

هذه المعيشة الضنكة التي أشار إليها القرآن تتمثل في شعور الإنسان بحاجته للأموات وخوفه منهم؛ يخاف من الجيلاني، والجيلاني عبدٌ ميت في قبره، ويخاف من العيدروس والبدوي والحسين، يُقدِّم القربات لهم بدلا أن يقدمها لله، لماذا يقول محمد بن عبد الوهاب: لماذا لا تقدم قرباتك ونذورك لله وهو كفيل بأن يحقق لك ما تريد من الأمن والرضا؟ كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 245]، الله الذي يقبض ويبسط وليس صاحب القبر ولا صاحب الزمان، فلماذا لا تُقدِّم قَرضَك له خفية بأيدي الفقراء بدلا من صناديق النذور في المساجد، {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271].

قال لنا محمد بن عبد الوهاب: إن الإنسان يشعر بعزته وإنسانيته الحقَّة وتكريم الله له حين يكون عبدا خالصا لله، ولن يتم استعباده لله تعالى وهو خاضع للمُلَّا ولشيخ الطَّريقة، شيخُ الطَّريقة والمُلَّا يجب أن ينظر إليهما العبد كنِدَّينِ له يشتركان معه في العبودية لله كَمالُهُما بقدر خضوعهما لأوامر الله واجتنابهما لنواهيه، قد يكون العبد الأمِّي أفضل بمراحل من الشيخ العالم إذا كان أكثر التزاما بأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه.

قال لنا: لا تجعلوا عقولكم بأيدي الكُتاب والمفكرين والملالي، أنتم وهؤلاء الكتاب والملالي أقربكم من الله هو أتقاكم له، كلُّكم سواء عند الله تعالى، راجعوا القرآن وانظروا كما ينظر الملا، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].

أنا محمد السعيدي وسماحة مفتي المملكة العربية السعودية عيالٌ على الدليل في مسائل أصول الدين ليس هو أولى بها مني، أما فروع الفقه وما يسوغ فيه الخلاف فهو أكثر إحاطة بأقوال العلماء، وأعظم قدرة على الاستنباط بحكم ما آتاه الله من علم.

أفتش في القرآن: هل يأمرني القرآن بالذبح والنذر والاستغاثة بغيره؟

إذا كان الجواب: نعم، فأين هذا الخطاب الذي يأمرني فيه الله تعالى بالتوسل والاستغاثة بغيره؟!

إذا كان الجواب: لا، فلماذا أُعادي محمد بن عبد الوهاب؟!

كلُّ من رَدَّ على محمد بن عبد الوهاب يوافقه أن الذبح لله أفضل من الذبح لغيره والتوسل بالله مباشرة أفضل من التوسل بغيره، وإنما يخالفونه في أمر واحد وهو أنهم يرون أن التوسل والاستغاثة بغير الله تعالى مشروعة وهو لا يراها مشروعة.

ويقول لهم محمد بن عبد الوهاب: أين الدليل على مشروعيتها من كتاب الله فلا يحيرون جوابا.

قال لنا محمد بن عبد الوهاب: لا تعبدوا الله إلا بما شرع الله، لا تؤلفوا عبادات من تلقاء أنفسكم؛ لأن ابتداع عبادات جديدة مناف لكمال الدين، ولا يعبد الله إلا بما شرع، والله قد أكمل الدين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المائدة: 3]

فمن رأى أنه يتقرب إلى الله تعالى بهذه الموالد، والعزاءات، والمآتم، والتطبير، وشد الرحال إلى القبور، وسؤال الله عندها، أو سؤال أصحابها من دون الله، فقد أحدث في دين الله ما ليس منه، “وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة”([3])

قال لنا الشيخ رحمه الله: إن من أعظم أضرار الإحداث في الدين والابتداع فيه أن الإنسان يتعلق بالبدعة أكثر من تعلقه بالسنة؛ ولهذا نجد هذه المحدثات يحرص عليها أصحابها، ويوالون فيها ويعادون فيها أكثر من حرصهم على الموالاة والمعاداة في الفرائض، فنجد مثلا رجلا لا يصلي ولكنه يقرُّ المآتم والعزاءات، لا يجافيه أهلُه ولا يعادونه، ورجلا يمنع المآتم والعزاءات ويقيم الصلاة نَجدُ أن أهله يعادونه ويبغضونه؟!

لذلك يبغض كثيرٌ من الناس محمدًا بن عبد الوهاب؛ لأنه يمنع من البدع ويدعوا إلى إقامة السنن، وهذا من شدة شؤم البدعة وعظيم ضررها وشرِّها.

 

أختم بالقول من أراد أن يعرف عن محمد بن عبد الوهاب فليقرأ كتبه مباشرة، ولا يقرأ ما كُتِب عنه، فليس في كتبه -رحمه الله- سوى آيات الكتاب المنير، وهي كتب صغيرة الحجم عظيمة القدر، في متناول فهم الكبير والصغير العالم والجاهل، وكلُّ من يَكتب عن كتب الشيخ من خصومه إنما يريد أن يصدَّ الناس عنها؛ لتستمر وصاية العباد على عقول العباد.

 

ـــــــــــــــــــــــ
(المراجع) 

([1]) سنن الترمذي (5/ 264) برقم (3070)، وقال: حديث حسن غريب، واختلف في إسناده، والخلاف مبني على الخلاف في تحديد (داود الأودي) أهو ابن يزيد الضعيف، أم ابن عبد الله الثقة؟

([2]) متفق عليه، صحيح البخاري (7373)، ومسلم (50).

([3]) سنن أبي داود (4607)، والترمذي (2871)، وغيرهما، وصححه جمع من الأئمة كالترمذي والبزار وابن عبد البر، ونقل ابن عبد البر عن البزار قوله: “هذا حديث ثابت صحيح” جامع بيان العلم وفضله (2/ 1165).

 

ردان على “ماذا قال لنا محمَّد بنُ عبدِ الوهَّاب؟”

  1. يقول فتحي سعد سليمان القناشي:

    جزاكم الله خيرًا ونفع بكم البلاد والعباد اللهم آمين آمين آمين

  2. يقول محمد حسين فلاته:

    جزاك الله خيرا دكتور محمد على هذا المقال وبارك في جهودك الطيبة في إنصاف هذا الشيخ المجدد المفترى عليه من قبل الروافض والصوفية واهل البدع وجميع الكارهين لعقيدة أهل السنة والجماعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

كشف الالتباس عما جاء في تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقوله تعالى في حق الرسل عليهم السلام: (وظنوا أنهم قد كُذبوا)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: إن ابن عباس رضي الله عنهما هو حبر الأمة وترجمان القرآن، ولا تخفى مكانة أقواله في التفسير عند جميع الأمة. وقد جاء عنه في قول الله تعالى: (وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ) (يوسف: 110) ما يوهم مخالفة العصمة، واستدركت عليه عائشة رضي الله عنها لما بلغها تفسيره. والمفسرون منهم […]

تعريف بكتاب “نقض دعوى انتساب الأشاعرة لأهل السنة والجماعة بدلالة الكِتابِ والسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقَـدّمَـــة: في المشهد العقدي المعاصر ارتفع صوت الطائفة الأشعرية حتى غلب في بعض الميادين، وتوسعت دائرة دعواها الانتساب إلى أهل السنة والجماعة. وتواترُ هذه الدعوى وتكرارها أدّى إلى اضطراب في تحديد مدلول هذا اللقب لقب أهل السنة؛ حتى كاد يفقد حدَّه الفاصل بين منهج السلف ومنهج المتكلمين الذي ظلّ […]

علم الكلام السلفي الأصول والآليات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: اختلف العلماء في الموقف من علم الكلام، فمنهم المادح الممارس، ومنهم الذامّ المحترس، ومنهم المتوسّط الذي يرى أن علم الكلام نوعان: نوع مذموم وآخر محمود، فما حقيقة علم الكلام؟ وما الذي يفصِل بين النوعين؟ وهل يمكن أن يكون هناك علم كلام سلفيّ؟ وللجواب عن هذه الأسئلة وغيرها رأى […]

بين المعجزة والتكامل المعرفي.. الإيمان بالمعجزة وأثره على تكامل المعرفة الإنسانية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لقد جاء القرآن الكريم شاهدًا على صدق نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، بل وعلى صدق الأنبياء كلهم من قبله؛ مصدقًا لما معهم من الكتب، وشاهدا لما جاؤوا به من الآيات البينات والمعجزات الباهرات. وهذا وجه من أوجه التكامل المعرفي الإسلامي؛ فالقرآن مادّة غزيرة للمصدر الخبري، وهو […]

قواعد علمية للتعامل مع قضية الإمام أبي حنيفة رحمه الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من القضايا التي عملت على إثراء التراث الفقهي الإسلامي: قضية الخلاف بين مدرسة أهل الرأي وأهل الحديث، وهذا وإن كان يُرى من جانبه الإيجابي، إلا أنه تمخَّض عن جوانب سلبية أيضًا، فاحتدام الصراع بين الفريقين مع ما كان يرجّحه أبو حنيفة من مذهب الإرجاء نتج عنه روايات كثيرة […]

كيف نُؤمِن بعذاب القبر مع عدم إدراكنا له بحواسِّنا؟

مقدمة: إن الإيمان بعذاب القبر من أصول أهل السنة والجماعة، وقد خالفهم في ذلك من خالفهم من الخوارج والقدرية، ومن ينكر الشرائع والمعاد من الفلاسفة والملاحدة. وجاءت في الدلالة على ذلك آيات من كتاب الله، كقوله تعالى: {ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُواْ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ} [غافر: 46]. وقد تواترت الأحاديث […]

موقف الحنابلةِ من الفكر الأشعريِّ من خلال “طبقات الحنابلة” و”ذيله”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: تحتوي كتبُ التراجم العامّة والخاصّة على مضمَرَاتٍ ودفائنَ من العلم، فهي مظنَّةٌ لمسائلَ من فنون من المعرفة مختلفة، تتجاوز ما يتعلَّق بالمترجم له، خاصَّة ما تعلَّق بطبقات فقهاء مذهب ما، والتي تعدُّ جزءًا من مصادر تاريخ المذهب، يُذكر فيها ظهوره وتطوُّره، وأعلامه ومؤلفاته، وأفكاره ومواقفه، ومن المواقف التي […]

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الثالث- (أخطاء المخالفين في محل الإجماع)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الفصل الثالث: أخطاء المخالفين في محل الإجماع: ذكر الرازي ومن تبعه أن إطلاق الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرة وبمعنى الكمال والنقصان محلّ إجماع بينهم وبين المعتزلة، كما تقدّم كلامه. فأما الإطلاق الأول وهو كون الشيء ملائمًا للطبع أو منافرًا: فقد مثَّلُوا لذلك بإنقاذِ الغَرقى واتهامِ الأبرياء، وبحسن الشيء الحلو […]

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الثاني- (أخطاء المخالفين في محل النزاع)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الفصل الثاني: أخطاء المخالفين في محل النزاع: ابتكر الفخر الرازيُّ تحريرًا لمحل الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة في المسألة فقال في (المحصل): “مسألة: الحُسنُ والقبح‌ قد يُراد بهما ملاءمةُ الطبع ومنافرَتُه، وكون‌ُ الشي‌ء صفةَ كمال أو نقصان، وهما بهذين المعنيين عقليان. وقد يُراد بهما كونُ الفعل موجبًا للثوابِ والعقابِ والمدحِ […]

ترجمة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ (1362  – 1447هـ)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة اسمه ونسبه([1]): هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. مولده ونشأته: وُلِد سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ رحمه الله بمدينة مكة المكرمة في الثالث من شهر ذي الحجة عام 1362هـ. وقد […]

مسألة التحسين والتقبيح العقليين بين أهل السنة والمتكلمين -الجزء الأول- (تحرير القول في مسألة)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ مسألةَ التحسين والتقبيح العقليين من المسائل الجليلة التي اختلفت فيها الأنظار، وتنازعت فيها الفرق على ممرّ الأعصار، وكان لكل طائفةٍ من الصواب والزلل بقدر ما كُتب لها. ولهذه المسألة تعلّق كبير بمسائلَ وأصولٍ عقدية، فهي فرع عن مسألة التعليل والحكمة، ومسألة التعليل والحكمة فرع عن إثبات الصفات […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

وصفُ القرآنِ بالقدم عند الحنابلة.. قراءة تحليلية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يُعدّ مصطلح (القِدَم) من أكثر الألفاظ التي أثارت جدلًا بين المتكلمين والفلاسفة من جهة، وبين طوائف من أهل الحديث والحنابلة من جهة أخرى، لا سيما عند الحديث عن كلام الله تعالى، وكون القرآن غير مخلوق. وقد أطلق بعض متأخري الحنابلة -في سياق الرد على المعتزلة والجهمية- وصف (القديم) […]

التطبيقات الخاطئة لنصوص الشريعة وأثرها على قضايا الاعتقاد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من الأمور المقرَّرة عند أهل العلم أنه ليس كل ما يُعلم يقال، والعامة إنما يُدعون للأمور الواضحة من الكتاب والسنة، بخلاف دقائق المسائل، سواء أكانت من المسائل الخبرية، أم من المسائل العملية، وما يسع الناس جهله ولا يكلفون بعلمه أمر نسبيٌّ يختلف باختلاف الناس، وهو في دائرة العامة […]

الصحابة في كتاب (الروض الأنف) لأبي القاسم السهيلي الأندلسي (581هـ) -وصف وتحليل-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يحرص مركز سلف للبحوث والدراسات على توفية “السلف” من الصحابة ومنِ اتبعهم بإحسان في القرون الأولى حقَّهم من الدراسات والأبحاث الجادة والعميقة الهادفة، وينال الصحابةَ من ذلك حظٌّ يناسب مقامهم وقدرهم، ومن ذلك هذه الورقة العلمية المتعلقة بالصحابة في (الروض الأنف) لأبي القاسم السهيلي الأندلسي رحمه الله، ولهذه […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017