الجمعة - 24 جمادى الأول 1445 هـ - 08 ديسمبر 2023 م

ماذا قال لنا محمَّد بنُ عبدِ الوهَّاب؟

A A

لا شك أننا حين نتحدث عن مصلحٍ ما ونريد أن نثبت أثرَه، لا بد أن ننظر في الأمر كيف كان قبله؛ ليتضح لنا ما هو الإصلاح الذي قدمه؟ ومن أراد أن يتعرف على نجد موطن الشيخ محمد، وكيف كانت قبله؟ فما عليه إلا أن يتصور عددا من المعطيات تكفُل له تصوير الواقع حتى وإن لم يقرأ في ذاك حرفا واحدا.

بلدٌ صحراوي الطبيعة، قليلُ المطر، طاردٌ للسكان، لا حكومةَ جامعةٌ له تقوم بمصالحه، بل يعيش أهله في افتراق واحتراب، حتى القرى المستوطن أهلها ربما وجدت في القرية الواحدة أميرين أو ثلاثة بينهم احتراب وتنازع على السلطة في هذا المكان المحدود.

الجهل هو الطابع العام على سكَّان الدول الإسلامية من حولهم، لا تقدم لهم شيئا سوى غارات حربية يقوم بها الهاشميون بين الفترة والأخرى؛ القصد منها مطاردة أعراب نجد وتأديبهم، ولم يكن هناك أيُّ قصدٍ لتنمية هذا البلد أو تثقيف أهله، ظلَّ أهل نجد على هذا الوضع منذ سقوط دولة بني أمية حتى قيام الدولة السعودية الأولى.

فكيف يظن المرء بالمستوى الديني والعقدي في تلك البلاد؟

إذا علمنا أن البلاد الآمنة التي تعيش تحت إدارة دول قوية؛ كالشام ومصر والعراق، تك البلاد قد شاع فيها الجهل والانحراف العقدي، فكيف سيكون حال أهل نجد؟

لا شك أنك أخي المشاهد ستتصور مشهدًا مظلمًا في غالبه، والحقيقة أنه هكذا كان؟

وسأعرض الصورة إجمالا، فالناس إذ ذاك انقسموا في شهادة التوحيد إلى قسمين:

القسم الأول: وهم السواد الأعظم يقرون بـ(لا إله إلا الله محمد رسول الله)، ولكنه إقرارٌ خاوٍ عن معناه، فالصلاة مضيعة، والزكاة معدومة، والصيام مجهول، والحج موسم للسلب والنهب، والنذر لقبور الأولياء وغير الأولياء والذبح لهم، ودعاء الجن والخوف منهم، والتحاكم إلى الطواغيت سائد بينهم، كما حكى ذلك غير واحد ممن عاصر هذه الدَّعوَة من الثقات.

وقسم آخر: وهم محصورون في سكان القرى قليلة العدد والعدة، يعرفون معنى الشهادتين ويقيمون أركان الإسلام، لكنهم لا يقدمون شيئا فيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل ربما حاربوا الداعي إلى إصلاح الناس كما فعل عدد منهم مع دعوة الشيخ.

أما الشيخ رحمه الله فلم يدْعُ إلى أمر خطير كما يوهم كلام أعدائه، كل ما دعا إليه ببساطة أن نحقق معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله في أنفسنا وفي حياتنا العملية، هذه خلاصة دعوته، فلماذا الغضب منها؟

دعا محمد بن عبد الوهاب إلى مراجعة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وماذا دعا الناس إليه؟

وحين نصل إلى جواب، نعلم أن ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما يجب علينا أن ننصاع له.

كيف نعرف حقيقة ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

يقول لنا محمد بن عبد الوهاب: إن ذلك سهل ميسور بإمكان كل مسلم فعله، وهو الرجوع إلى القرآن مباشرة، القرآن الذي هجر الناس تلقي العقيدة منه، وأوكلوا ذلك إلى المشايخ والملالي، كل مؤلفات محمد بن عبد الوهاب يحاول فيها أن يربط المسلم بالقرآن مباشرة، هذا كتاب التوحيد لا يتكلم فيه الشيخ كثيرا يذكر الآية فقط أو الحديث ثم يذكر ما يمكن أن يستفيده كل إنسان منه، سواء أكان عالمًا أم أميًّا، إن الأمية في نظر محمد بن عبد الوهاب لا تحول بين العبد وبين تعلُّم حقيقة ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن مباشرة؛ لأن الأمِّي من البشر، والرسول أُرسِل إلى كل البشر، فمن المحال أن ينزل الله القرآن ويجعل فهمه في أصول العقيدة مقصورا على العلماء فقط.

محمد بن عبد الوهاب يحارب الوصاية على العقول باسم الدين، ويدعوا إلى احترام العالم؛ لأنه أكثر علما بالكتاب والسنة وطرق الاستنباط؛ لأن لديه سلطة من الله على عقول البشر.

أشهر كتب الشيخ هو كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، استمع إلى الشيخ ما يقول في كتابه:

وقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] الآية، وقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] الآية، وقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36] الآية، وقوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: 151] الآيات.

قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: من أَرادَ أن يَنظُر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خَاتَمُه، فليقرأ قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إلى قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 151 – 153] الآية([1]).

 

وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: “يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله”؟ فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: “حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا”، فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟  قال: “لا تبشرهم فيتكلوا”، أخرجاه في الصحيحين([2]).

 

فيه مسائل:

الأولى: الحكمة في خلق الجن والإنس.

الثانية: أن العبادة هي التوحيد؛ لأن الخصومة فيه.

الثالثة: أن من لم يأت به لم يعبد الله، ففيه معنى قوله تعالى: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 3].

الرابعة: الحكمة في إرسال الرسل.

الخامسة: أن الرسالة عمَّت كل أمة.

السادسة: أن دين الأنبياء واحد.

السابعة: المسألة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت، ففيه معنى قوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ…} [البقرة: 256] الآية.

الثامنة: أن الطاغوت عام في كل ما يعُبِد من دون الله.

التاسعة: عظم شأن ثلاث الآيات المحكمات في سورة الأنعام عند السلف. وفيها عشر مسائل، أولها النهي عن الشرك.

العاشرة: الآيات المحكمات في سورة الإسراء، وفيها ثماني عشرة مسألة، بدأها الله بقوله: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا } [الإسراء: 22]، وختمها بقوله: {وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: 39]، ونبهنا الله -سبحانه- على عظم شأن هذه المسائل بقوله: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} [الإسراء: 39].

الحادية عشرة: آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة، بدأها الله تعالى بقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36].

الثانية عشرة: التنبيه على وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند موته.

الثالثة عشرة: معرفة حق الله تعالى علينا.

الرابعة عشرة: معرفة حق العباد عليه إذا أدَّوا حقه.

الخامسة عشرة: أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة.

السادسة عشرة: جواز كتمان العلم للمصلحة.

السابعة عشرة: استحباب بشارة المسلم بما يسره.

الثامنة عشرة: الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله.

التاسعة عشرة: قول المسؤول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم.

العشرون: جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض.

الحادية والعشرون: تواضعه -صلى الله عليه وسلم- لركوب الحمار مع الارداف عليه.

الثانية والعشرون: جواز الارداف على الدابة.

الثالثة والعشرون: فضيلة معاذ بن جبل رضي الله عنه.

الرابعة والعشرون: عظم شأن هذه المسألة.

 

يذكر محرر مركز الأبحاث العقائدية: أن محمد بن عبد الوهاب تلميذٌ بليد لابن القيم؛ لأنه سطحي في الاستنباط من النصوص، والحقيقة أن ما يسميه ذلك المحرر سطحية هو سر عظمة الشيخ محمد؛ لأنه يريد أن يقرب القرآن للجميع بعد أن حاول كثير من العلماء إيهام الناس أنه حكر على العلماء، وأن استنباط العقيدة منه أمر بعيد المنال، بل جعلوا حتى تفسيره أمرا معقدا.

محمد بن عبد الوهاب يقول بيسر وسهوله: لا تدع إلا الله؛ لأنه تعالى يقول: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، لا تذبح إلا لله؛ لأنه تعالى يقول: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162]، أين المشكلة إذًا؟ لماذا يكرهون محمد بن عبد الوهاب؟

هل لأنه يقول إن الله أقرب إليك من البدوي والعيدروس والسقاف وابن علوان وسيدي بوزيد وسيدي موسى وعبد السلام بن مشيش؟!

هل لأنه يقول ذلك يكرهونه؟

إن الله تعالى يقول ذلك، فماذا تقولون في قول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

 

محمد بن عبد الوهاب دعانا لنزع الخوف من قلوبنا، الخوف الذي ينتاب الإنسان بشكل فطري حين يبتعد عن ذكر الله، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]، {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36].

هذه المعيشة الضنكة التي أشار إليها القرآن تتمثل في شعور الإنسان بحاجته للأموات وخوفه منهم؛ يخاف من الجيلاني، والجيلاني عبدٌ ميت في قبره، ويخاف من العيدروس والبدوي والحسين، يُقدِّم القربات لهم بدلا أن يقدمها لله، لماذا يقول محمد بن عبد الوهاب: لماذا لا تقدم قرباتك ونذورك لله وهو كفيل بأن يحقق لك ما تريد من الأمن والرضا؟ كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 245]، الله الذي يقبض ويبسط وليس صاحب القبر ولا صاحب الزمان، فلماذا لا تُقدِّم قَرضَك له خفية بأيدي الفقراء بدلا من صناديق النذور في المساجد، {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271].

قال لنا محمد بن عبد الوهاب: إن الإنسان يشعر بعزته وإنسانيته الحقَّة وتكريم الله له حين يكون عبدا خالصا لله، ولن يتم استعباده لله تعالى وهو خاضع للمُلَّا ولشيخ الطَّريقة، شيخُ الطَّريقة والمُلَّا يجب أن ينظر إليهما العبد كنِدَّينِ له يشتركان معه في العبودية لله كَمالُهُما بقدر خضوعهما لأوامر الله واجتنابهما لنواهيه، قد يكون العبد الأمِّي أفضل بمراحل من الشيخ العالم إذا كان أكثر التزاما بأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه.

قال لنا: لا تجعلوا عقولكم بأيدي الكُتاب والمفكرين والملالي، أنتم وهؤلاء الكتاب والملالي أقربكم من الله هو أتقاكم له، كلُّكم سواء عند الله تعالى، راجعوا القرآن وانظروا كما ينظر الملا، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].

أنا محمد السعيدي وسماحة مفتي المملكة العربية السعودية عيالٌ على الدليل في مسائل أصول الدين ليس هو أولى بها مني، أما فروع الفقه وما يسوغ فيه الخلاف فهو أكثر إحاطة بأقوال العلماء، وأعظم قدرة على الاستنباط بحكم ما آتاه الله من علم.

أفتش في القرآن: هل يأمرني القرآن بالذبح والنذر والاستغاثة بغيره؟

إذا كان الجواب: نعم، فأين هذا الخطاب الذي يأمرني فيه الله تعالى بالتوسل والاستغاثة بغيره؟!

إذا كان الجواب: لا، فلماذا أُعادي محمد بن عبد الوهاب؟!

كلُّ من رَدَّ على محمد بن عبد الوهاب يوافقه أن الذبح لله أفضل من الذبح لغيره والتوسل بالله مباشرة أفضل من التوسل بغيره، وإنما يخالفونه في أمر واحد وهو أنهم يرون أن التوسل والاستغاثة بغير الله تعالى مشروعة وهو لا يراها مشروعة.

ويقول لهم محمد بن عبد الوهاب: أين الدليل على مشروعيتها من كتاب الله فلا يحيرون جوابا.

قال لنا محمد بن عبد الوهاب: لا تعبدوا الله إلا بما شرع الله، لا تؤلفوا عبادات من تلقاء أنفسكم؛ لأن ابتداع عبادات جديدة مناف لكمال الدين، ولا يعبد الله إلا بما شرع، والله قد أكمل الدين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المائدة: 3]

فمن رأى أنه يتقرب إلى الله تعالى بهذه الموالد، والعزاءات، والمآتم، والتطبير، وشد الرحال إلى القبور، وسؤال الله عندها، أو سؤال أصحابها من دون الله، فقد أحدث في دين الله ما ليس منه، “وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة”([3])

قال لنا الشيخ رحمه الله: إن من أعظم أضرار الإحداث في الدين والابتداع فيه أن الإنسان يتعلق بالبدعة أكثر من تعلقه بالسنة؛ ولهذا نجد هذه المحدثات يحرص عليها أصحابها، ويوالون فيها ويعادون فيها أكثر من حرصهم على الموالاة والمعاداة في الفرائض، فنجد مثلا رجلا لا يصلي ولكنه يقرُّ المآتم والعزاءات، لا يجافيه أهلُه ولا يعادونه، ورجلا يمنع المآتم والعزاءات ويقيم الصلاة نَجدُ أن أهله يعادونه ويبغضونه؟!

لذلك يبغض كثيرٌ من الناس محمدًا بن عبد الوهاب؛ لأنه يمنع من البدع ويدعوا إلى إقامة السنن، وهذا من شدة شؤم البدعة وعظيم ضررها وشرِّها.

 

أختم بالقول من أراد أن يعرف عن محمد بن عبد الوهاب فليقرأ كتبه مباشرة، ولا يقرأ ما كُتِب عنه، فليس في كتبه -رحمه الله- سوى آيات الكتاب المنير، وهي كتب صغيرة الحجم عظيمة القدر، في متناول فهم الكبير والصغير العالم والجاهل، وكلُّ من يَكتب عن كتب الشيخ من خصومه إنما يريد أن يصدَّ الناس عنها؛ لتستمر وصاية العباد على عقول العباد.

 

ـــــــــــــــــــــــ
(المراجع) 

([1]) سنن الترمذي (5/ 264) برقم (3070)، وقال: حديث حسن غريب، واختلف في إسناده، والخلاف مبني على الخلاف في تحديد (داود الأودي) أهو ابن يزيد الضعيف، أم ابن عبد الله الثقة؟

([2]) متفق عليه، صحيح البخاري (7373)، ومسلم (50).

([3]) سنن أبي داود (4607)، والترمذي (2871)، وغيرهما، وصححه جمع من الأئمة كالترمذي والبزار وابن عبد البر، ونقل ابن عبد البر عن البزار قوله: “هذا حديث ثابت صحيح” جامع بيان العلم وفضله (2/ 1165).

 

ردان على “ماذا قال لنا محمَّد بنُ عبدِ الوهَّاب؟”

  1. يقول فتحي سعد سليمان القناشي:

    جزاكم الله خيرًا ونفع بكم البلاد والعباد اللهم آمين آمين آمين

  2. يقول محمد حسين فلاته:

    جزاك الله خيرا دكتور محمد على هذا المقال وبارك في جهودك الطيبة في إنصاف هذا الشيخ المجدد المفترى عليه من قبل الروافض والصوفية واهل البدع وجميع الكارهين لعقيدة أهل السنة والجماعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

التَّقليدُ في العقائد عند الأشاعِرَة (3) هل كفَّر الأشاعرة عوامَّ المسلمين؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من أكبر المسائل الخلافية بين أهل السنة والأشاعرة: مسألة التقليد في العقائد، وقد قال مجمل الأشاعرة بمنع التقليد في العقائد مطلقًا، وأوجبوا النظر الكلاميَّ -كما مرَّ بيانه في الجزأين الأولين-، ولهذا القول آثار عديدة، من أهمها مسألة إيمان المقلّد: هل يصح إيمانه أو لا يصح؟ وإذا لم يصحّحوا […]

عرض وتَعرِيف بكِتَاب (نقدُ القراءةِ العلمانيَّة للسِّيرة النبويَّة – الدِّراساتُ العربيَّة المعاصرةِ أنموذجًا)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   المعلومات الفنية للكتاب: عنوان الكتاب: نقدُ القراءةِ العلمانيَّة للسِّيرة النبويَّة – الدِّراساتُ العربيَّة المعاصرةِ أنموذجًا. اسم المؤلف: د. منير بن حامد بن فراج البقمي. دار الطباعة: مركز التأصيل للدراسات والأبحاث، جدة. رقم الطبعة وتاريخها: الطَّبعة الأولَى، عام 1444هـ-2022م. حجم الكتاب: يقع في مجلد، وعدد صفحاته (544) صفحة. مشكلة […]

هل رُوح الشريعة أولى منَ النصوص؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة يتداول العلمانيون في خطابهم مفاهيم متعدّدة مثل: المقاصد، والمصالح، والمغزى، والجوهر، والروح، والضمير الحديث، والضمير الإسلامي، والوجدان الحديث، والمنهج، والرحمة([1]). وقد جعلوا تلك الألفاظ وسيلة للاحتيال على الأوامر والنواهي الربانية، حتى ليخيَّل للمرء أن الأحكام الشرعية أحكام متذبذبة وأوصاف إضافية نسبيّة منوطة بما يراه المكلَّف ملائمًا لطبعه أو منافرًا، […]

متى يكون الموقفُ من العلماء غلوًّا؟

العلماء ورثة الأنبياء وأمناء الشريعة وحملة الكتاب، ولا يشكّ في فضلهم إلا من جهل ما يحملون، أو ظنّ سوءًا بمن أنعم عليهم به، ولا شكّ أن الفهم عن الله وتعقّل مراده والوقوف عند حدوده قدر المستطاع من أعظم نعَم الله على عبده، ولهذا مدَح الله المجتهدَ في طلب الحقّ؛ أصاب الحق أو الأجر، قال سبحانه: […]

دعاء نوح عليه السلام على قومه بالهلاك .. شبهة وجواب

مقدمة: أرسل الله تعالى نوحًا عليه السلام إلى قومه ليدعوَهم إلى عبادة الله وحده، فلما بلَّغ رسالة ربه ونصحهم رفضوا دعوتَه ونصيحتَه، وزعموا أنه عليه السلام لا يستحقّ أن يكون رسولًا إليهم؛ لأنه بشرٌ مثلهم، ولو شاء الله إرسال رسول إليهم لأنزل ملكًا من الملائكة، وادَّعوا أن الذي دعا نوحا إلى هذا هو رغبته في […]

التَّقليدُ في العقائد عند الأشاعِرَة (2) – مناقشة أصول الأشاعرة في مسألة التقليد في العقائد –

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مرَّ بنا في الجزء الأول من هذه الورقة قولُ الأشاعرة في التقليد في العقائد، وأنهم يمنعونه، ويستدلّون على قولهم بأصول عديدة، من أهمها ثلاثة أصول، وهي: الأصل الأول: وجوب النظر. الأصل الثاني: ذم الشارع للتقليد. الأصل الثالث: طلب اليقين في العقائد. أما الأصل الأول فهو الأصل الأبرز لديهم، وعليه […]

هل كان في تأسيس الإمام الشافعي لعِلم أُصول الفقه جنايةٌ على العقل المُسلم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة قد كثُرت شبهات الحداثيّين حول الإمام محمد بن إدريس الشافعي، ووقفوا منه موقفًا عدائيًّا شديدًا، وكتبوا في ذلك أبحاثًا ومؤلّفاتٍ تجاوزوا فيها الحدّ. ومن أبرز تلك الشبهات التي أثاروها: أنَّ الإمام رحمه الله بتأليفه كتاب الرسالة، وتدوينه لعلم أُصول الفقه قام -بزعم الحداثيين- بضرب العقل الإسلامي فيما يتعلَّق بالفقه […]

عرض وتعريف بكتاب: الأثر الكلامي في علم أصول الفقه -قراءة في نقد أبي المظفر السمعاني-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المعلومات الفنية للكتاب:  عنوان الكتاب: (الأثر الكلامي في علم أصول الفقه -قراءة في نقد أبي المظفر السمعاني-).  اسـم المؤلف: الدكتور: السعيد صبحي العيسوي.  الطبعة: الأولى.  سنة الطبع: 1443هـ.  عدد الصفحات: (543) صفحة، في مجلد واحد.  الناشر: تكوين للدراسات والأبحاث.  أصل الكتاب: رسالة علمية تقدّم بها المؤلف لنيل درجة العالمية […]

برامج التنمية البشرية وأثرها في نشر الإلحاد في بلاد المسلمين -البرمجة اللغوية العصبية-

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تعريف البرمجة اللغوية العصبية: البرمجة العصبية (NLP) هي اختصار لثلاث كلمات: NEURO – LINGUISTIC – PROGRAMMING يتكوّن مصطلح البرمجة اللغوية العصبية من ثلاث ألفاظ مركبة: لفظ “البرمجة”: ويشير إلى أن الناس يتصرفون وفق برامج وأنظمة شخصية تتحكم في طرق تعاملهم مع شؤون الحياة المختلفة. و“اللغوية”: وفيها إشارة إلى أساليب […]

التَّقليدُ في العقائد عند الأشاعِرَة (1) – أصول الأشاعرة في مسألة التقليد في العقائد –

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: التقليدُ في العقائد من المسائل المهمة التي دار -ولا يزال يدور- حولها جدلٌ كبير داخلَ الفكر الإسلامي، وحتَّى داخلَ الفكر السُّنّي أحيانًا وإن كان النزاع في الأصل هو بين أهل السنة والجماعة وبين المتكلّمين عمومًا والأشاعرة بالخصوص، وأهمِّية المسألة تكمن في الآثار المترتبة عليها، مثل قبول إيمان المقلّد، […]

تحقيق القول في مراتب الاستغاثة ودرجاتها وشبهة تلقي الفقهاء لها بالقبول

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا شكَّ أنَّ وجوبَ إفرادِ الله تعالى وحدَه بالدعاء دون غيره من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام، فالله عز وجل شرع لعباده دعاءَه وحده لا شريك له، وهو سبحانه يستجيب لهم في كلّ زمان ومكان، على اختلاف حاجاتهم وتنوّع لغاتهم، كما قال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ […]

دفع شبهات الطاعنين في أبي هريرة رضي الله عنه الجزء (3) “موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه من إكثار أبي هريرة من الرواية”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إن موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التشديد من الإكثار من الرواية خشية الوقوع في الزلل والخطأ من المواقف الثابتة عنه التي دلت عليها الروايات الصحيحة. قال ابن قتيبة: (وكان عمر أيضًا شديدًا على من أكثر الرواية، أو أتى بخبرٍ في الحُكمِ لا شاهدَ لَهُ عليه، وكان […]

مصادر التلقي عند الصوفية “عرض ونقد”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: مِن أهمِّ الأصول التي تقوم عليها عقيدة أهل السنة والجماعة مصادر التلقي والاستدلال؛ إذ إنَّ مصادر التلقّي عند كلّ طائفة هي العامل الرئيس في تكوين الفكر لديها؛ لذا يعتمد أهل السنة في تلقي مسائل الاعتقاد على الكتاب والسنة؛ وذلك لأن العقيدة توقيفية، فلا تثبت إلا بدليل من الشارع، […]

هل حديثُ: «النساءُ ناقِصاتُ عَقلٍ ودينٍ» يُكرِّس النظرةَ الدُّونيةَ للمرأةِ؟

إن الخطاب الحداثي والعلماني الذي يدعي الدفاعَ عن حقوق المرأة ينطلق من مبدأ المساواة التامّة بين الذكر والأنثى، بل قد وصل إلى درجة من التطرف جعلته يصل إلى ما يسمَّى بالتمركز حول الأنثى (الفيمنيزم)، الذي حقيقته الدعوة إلى الصراع مع الرجل والتمرد عليه، والوقوف له بالندية. وقد أدى ذلك بالحداثيين والعلمانيين إلى نصب العداوة مع […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017