الثلاثاء - 06 رمضان 1444 هـ - 28 مارس 2023 م

من لوازم القول بالتفويض في معاني صفات الله عز وجل

A A

#مركز_سلف_للبحوث_والدراسات

من المقرر عند العقلاء أن الفرع تابع للأصل، وأن اللازم تابع للملزوم , فإذا بطل الأصل كان ذلك دليلا على بطلان الفرع , وإذا بطل الملزوم بطل اللازم , والعلة لا يمكن أن تعود على أصلها بالإبطال.

فإذا عرضنا مقالة التفويض القائلة :”بصرف اللفظ عن ظاهره مع عدم التعرض لبيان المعنى المراد منه بل يفوض ويترك أمره إلى الله، سوف يتبين لنا أنه يلزم على هذه المقالة لوازم إن التزمها أصحابها فقد حكموا على مذهبهم بالبطلان’ وإن لم يلتزموها فسد أصلهم الذى بنوا عليه، وهذه اللوازم سوف نجملها في عناوين رئيسية في هذا المقال :

_أولا: التنقص من حكمة الله عز وجل

من لوازم القول بالتفويض   _أي تفويض المعنى _ التنقص من حكمة الله عز وجل وذلك باعتقاد أنه أنزل كتابا لم يفهمه رسوله ولا أحد من خلقه، أو أنزله على قوم ليسوا مؤهلين لفهمه، فهذا مناف لحكمة الله عز وجل ومراده من إنزال الكتب وإرسال الرسل، قال الله عز وجل :{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم }.[ابراهيم الآية 4]. ” والله جل ذكره يتعالى عن أن يخاطب خطابا أو يرسل رسالة  لا توجب فائدة لمن خوطب أو أرسلت إليه, لأن  ذلك فينا مِن فِعْل أهل النقص والعبث ,والله تعالى عن ذلك متعال”.[الطبرى ج/1/11].

_فكان من لوازم هذا القول: القدح في حكمة الرب من إنزال الكتب وإرسال الرسل.

 

ثانيا: تعطيل الصفات

لأن اعتبار معانى نصوص الصفات مجهولة بالنسبة للمكلفين يلزم منه تعطيلها, فالمفوض لا يثبت لله معنى معينا يليق بالله عز وجل، وهو بهذا يفوت عليه معرفة أشرف باب من أبواب العلم, ألا وهو العلم بالله عز وجل وصفاته “لأن من في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم أو همة في العبادة ,يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده وأعظم مطالبه,” [الفتاوى ج/5/ص 8]

فالذي يتوقف عن البحث في هذا الباب يجعل الجهل بأسماء الله وصفاته بابا لليقين وليس كذلك، هذا مع أنه يفوت على نفسه معاني جميلة في القرآن كرحمة الله عز وجل وحبه لعباده المؤمنين ورضاه عنهم ورؤيتهم له، فكل هذه المعاني بالنسبة للمفوض لا يفهم منها شيئا وظاهرها لا يليق بالله عز وجل على حد قوله.

 

ثالثا: الطعن في الوحي

_فقد وصف الله القرآن بأنه مبين فقال:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا}.[النساء الآية174].

_ووصفه بالتفصيل فقال :{ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُون }.[فصلت الآية 3].

_وسماه فرقانا فقال: { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا }.  [الفرقان الآية 1]

وهذه الأوصاف للقرآن تجعله في أعلى المقامات من البيان والوضوح، فمن ادعى أن فيه ما لا يفهم ولا سبيل لمعرفة مراد الله عز وجل منه, فهذا طعن في القرآن وفي مقاصده، فلا يكون فرقانا ولا هدى ولا شفاء إذا كان لا يحصل به التفريق بين الجهل والعلم، وحال الشخص في معرفة الله قبل الوحي كحاله بعده بل أشد من ذلك، فظاهر الوحي لا يفهم منه معنى يليق بالله عز وجل. وهذا منِ أشنع ما يوصف به كتاب الله عز وجل!

والمقصد من إنزال القرآن أن يعقله الناس كما قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [سورة يوسف: 2]. فهذا التعليل في إنزال الوحي لا يستقيم مع وصفه بأن ظاهره غير مراد والمراد منه غير معلوم للمخاطبين .

 

رابعا: اعتقاد تضارب النصوص

وهذا لازم يلزم أهل التفويض في نصوص الصفات لأنه وردت آيات من القرآن وأحاديث صحاح تثبت صفات الله عز وجل, فاعتقاد أنه لا يراد من المسلم التسليم بظاهرها ولا معرفة باطنها يلزم منه اعتقاد تضارب نصوص الوحي, وقد التزم بعض المفوضة هذا القول وصرح به حيث قال:” فالمخالف للمذاهب الأربعة ضال ومضل وربما أداه ذلك للكفر, لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر”

_فإذا كان ظاهر الوحي الذي يراد منه البيان والهداية, الأخذ به من أصول الكفر فأين يكون الهدى؟!!

_ثم هو مع ذلك مناقض لمقصد القرآن { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}. قال قتادة: “لا والله ما جعله الله شقيا ولكن جعله رحمة ونورا ودليلا إلى الجنة”[ الطبري ج 18/ص 269].

 

خامسا: تجهيل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين لهم:

وهذا من أشد اللوازم و أخطرها أن يعتقد المفوض للمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته, جهلوا معانى الوحي, فلا يمكن أن يتكلم رسول الله بكلام لا يفهم معناه، أو فهمه ولم يبلغه وطلب من أصحابه عدم اعتقاد ظاهره، ولم يعين لهم الحق الذى ينبغي أن يعتقدوه “ولازم هذه المقالة :أن يكون ترك الناس بلا رسالة: خيرا لهم في أصل دينهم .لأن مردهم قبل الرسالة وبعدها واحد وإنما الرسالة زادتهم عمى وضلالة.”[الفتاوى ج/5/ص/11].”فكيف يجوز على الله تعالى ’ثم على رسوله صلى الله عليه وسلم ’ثم على خير الأمة: أنهم يتكلمون دائما بما هو إما نص وإما ظاهر في خلاف الحق ؟! ثم الحق الذي يجب اعتقاده لا يبوحون به قط.”[المصدر السابق ص/16]

_وهذا القول لازم لهم لزوما لامحيد عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معزولا  عن التعليم والإخبار بصفات  الله، وأن الناس إن تنازعوا في هذا الباب فالرد إلى الله ورسوله لافرق بينه  وبين الرد إلى ما كانوا عليه قبل  الإسلام، لأن ظاهر الكتاب في هذا الباب لايليق بالله والمشكل منه لم يبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا علمه صحابته ولا  أحدا من علماء الأمة، وهذا من أعظم أبواب الصد عن سبيل الله .

_ ويتبين مما سبق أن القول بالتفويض _أي تفويض المعنى _ قول ليس من الحق في شيء لأنه لو لزم عنه لازم واحد من هذه اللوازم لكان كافيا في تبيين مخالفته للحق فكيف وهي تلزم عنه جميعا, وهذه المقولة تجعل المسلم لا يهتدي بوحي ولا يطمئن بذكر ولا يصل إلى حلاوة الإيمان، وذلك باعتقاده أن ظواهر النصوص في باب الصفات لا تليق بالله، والمعنى اللائق به منها لم يبينه في كتابه ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .

 إعداد اللجنة العلمية بمركز سلف للبحوث والدراسات [تحت التأسيس]

ردان على “من لوازم القول بالتفويض في معاني صفات الله عز وجل”

  1. […] من لوازم القول بالتفويض في معاني صفات الله عز وجل […]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

عرض ونقد لكتاب (نسائِم المعالم – السيرة النبوية من خلال المآثر والأماكن)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة بماذا تعبَّدنا الله سبحانه وتعالى؟ هل تعبَّدنا الله سبحانه وتعالى بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما بيَّن من العقائد وشرع من الأحكام ودلَّ إليه من الأخلاق والفضائل، أم تعبَّدنا الله سبحانه وتعالى بتتبُّع كل ما وقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم ووطئت رجلاه الشريفتان ولامس شيئًا من […]

ما بين التقويم القمري والشمسي (هل تراكمت الأخطاء حتى صام المسلمون شهرًا خاطئًا؟)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: الصِّيام أحدُ أركان الإسلام، وهو من محكَمات الدّين، وجاء في فرضه وبيانِه نصوصٌ كثيرة محكمة، فمن أدلَّة وجوب صيام رمضان المحكمة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، ومن الأدلة قوله صلى الله عليه وسلم: «بُني […]

أولياء الصوفية بين الحقيقة والخرافة السيد البدوي أنموذجًا (596هــ-675هــ)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الولاية ضد العداوة، وأصلها المحبة والقرب، وأصل العداوة البغض والبعد. ولكي يفوز العبد بولاية الله لا بد أن يتحقق بالصفات التي وصف الله بها أولياءه، قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]، فآخر الآية يبين الصفتين في الولي اللتين هما ركيزتان فيه، […]

النقض على الملاحدة في استنادهم إلى التراث العربي في تبرير الشذوذ الجنسي

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   إن فعلَ قومِ لوطٍ من أعظمِ الكبائر، وقد أنزلَ الله بقوم لوط عذابًا أليمًا، وجعلَ عالي قريتهم سافِلَها، ولعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاعلها ثلاثًا، كما استحقَّ فاعلها عقوبة شديدة وعذابًا أليمًا. قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ […]

تفصيل ابن تيمية في مصطلح (الجسم) ونحوه من المصطلحات الحادثة “والرد على من زعم أنه توقُّفٌ في تنزيه الله عز وجل”

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة يَعتبر كثيرٌ من الأشاعرة المعاصرين أن توقف ابن تيميَّة أو تفصيله في مصطلح «الجسم» الذي لم يرد في الكتاب والسنة يعني أنه متردّد أو شاكٌّ في تنزيه الله عز وجل. وهذا التصوُّر منهم غير صحيح لمذهبه رحمه الله، ذلك لأن ابن تيميَّة فصّل في المصطلح الكلامي، وأما الجسم المعروف […]

مكانة ابن تيمية عند السلفيين في منظار الخصوم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لعلَّه من الطبيعيِّ أن يغتاظ خصوم المنهج السلفي من وجود ابن تيمية في طليعة المنافَحين عنهم؛ ذلك أنه عالم متّفق على علو منزلته في العلوم الدينية، فحينما تقف هذه القامة العلمية إلى جانب السلفيين تتصدّر جبهتهم، وتدافع بشراسة عن أصولهم وقواعدهم، فهذا يحقق مكسبًا كبيرًا للسلفيين في معركتهم مع […]

معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه – بين إنصاف أهل السنة وإجحاف أهل البدعة –

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: مِن أكبرِ الإشكاليات التي تعانيها الساحةُ الفكرية اليومَ إشكاليةُ التعامل مع أخطاء المسلمين؛ فبينما يُفْرِط بعض الناس في شخصٍ ويرفعونه إلى أعلى عليِّين بل إلى مرتبة النبوّة وإلى الإلهية أحيانًا، ويتعامَون تمامًا عن كلّ زلاته وكأنه لم يخطئ طولَ عمره، وكأنه ليس واحدًا من البشر يعتريه ما يعتري […]

الشيخ أحمد السوركتي 1292- 1362هـ/ 1875 – 1943م

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الشيخ أحمد السوركتي نموذج لوحدة أمة المسلمين على اختلاف بلادهم، فهو السوداني الذي رحل للحجاز لطلب العلم، ثم استقر في مكة للتدريس، ثم هاجر إلى إندونيسيا، وأقام بها -رحمه الله- دعوة إصلاحية سلفية مستمرة لليوم، ومع هذا لا يعرفه كثير من الخاصة فضلاً عن العامة. لمحة عامة: للأسف لا […]

العلامة الرحالة المجاهد بلسانه وقلمه محمد سلطان المعصومي 1297هـ/ 1880م – 1380هـ/ 1960م

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة العلامة المعصومي هو أحد الرموز الغائبة عن أذهان الناس، خاصة أن موطنه الأصلي من بلاد ما وراء النهر([1]). وتاريخ هذه البلاد الإسلامية لا يزال مجهولا لدى كثير من المسلمين، خاصة بعد الاحتلال الشيوعي الروسي لهذه البلاد الإسلامية بداية من سنة 1917، والذي شهد الكثير من الكوارث الدموية على يد […]

الجواب عن معضلة تعاقب الحروف وشبهة عدم وجود سلف لابن تيمية فيها والجواب عن نفي السجزي لتعاقب الحروف

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مسألة تعاقُب الحروف والكلمات هي من المسائل المُخرَّجة على «الفعل الاختياري»، وهذه المسألة ظهرت بعد القرن الرابع الهجري، ولم يتكلم فيها السلف ولا الأئمة، لكن بدأت هذه الشبهة في الظهور لما قالت الأشاعرة محتجين على أهل الحديث: «إن الحروف متعاقبة, يعقب بعضها بعضًا, وكذلك الأصوات، فلو كان […]

شُبهة رجوع ابن خزيمة عن عقيدة أهل الحديث

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة من المعلوم أن من مصادر أهل السنة الرئيسة لتقرير الاعتقاد هو ما دونه أئمة أهل الحديث من كتبٍ ورسائل تقرر اعتقاد السلف الصالح، وكانت ولا تزال هذه الكتب حجر عثرة أمام المخالفين لاعتقاد أهل الحديث قديمًا وحديثًا، فقام الجهمية وغلاة الأشاعرة قديمًا باتهامهم بالتشبيه والتجسيم، وكثير منهم لم يطلعوا […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017