الأحد - 03 ربيع الآخر 1446 هـ - 06 أكتوبر 2024 م

المَسائلُ التي نَفَاهَا الشَّيخ محمَّد بن عبد الوهاب عن نفسِه (1)

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

المقدمة:

(المتَّهم بريءٌ حتى تثبُتَ إدانتُه)، هكذا يتَعَامَل العالَم في القَضَايا الجِنائيَّة لحفظِ حقوق الإنسان، فالإنسانُ بريءٌ منَ التُّهمة التي وُجِّهت إليه حتى تثبتَ في حقِّه بالأدلة، أو يعترفَ بنفسه بها وهو كامل الأهليَّة.

ومِن أقوى الدواعي التي تقتضي أن الأصلَ في المُتَّهمِ البراءةُ أن ينفيَ المتَّهمُ عن نفسه التُّهمَة التي لُبِّس بها، فالاعتمادُ أصالةً على كلامِه المباشر، وهذا هو ما دعا إليه القرآن الكريم عندَ التَّعامل مع النَّاس، خاصَّةً حال اتِّهامهِم بشيء، وفي ذلك يقولُ الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]، وفي قراءة {فَتَثَبَّتُوا}([1]). فالتثبُّت والتبيُّن قيمةٌ إسلاميَّة كُبرى، وهي القيمة التي تمثِّل رأسَ هرم حفظ حُقوق المتَّهم في المحاكم المعاصِرة.

ولئِن كان إلصاقُ التُّهم بالناس أمرًا شنيعًا يعاقِب عليه القانون الدولي المعاصر، فإنَّ إلصاق التُّهم الفكريَّة وتقويلَ الناس ما لم يقولوه هو من الحَيف في القول، ومن الظُّلم والجور الذي نهى الله عنه حتى مع المخالف في الدين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]. فالأصل في الإنسان أنَّه يعتقد ما يقوله ويُظهرُه، وإن نفى عقيدةً أو فكرةً عن نفسه فإنَّها تُنفى عنه ما لم يثبتْ خلافُ ذلك بأدلّةٍ صريحةٍ لا تحتمل الجمع مع ظاهرِ كلامه.

تمهيد:

قال الملأ لنبيِّ الله نوح عليه السلام: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الأعراف: 60]، فقال: {يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 61]. وقال الملأ الذين كفروا لنبيِّ الله هود: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [الأعراف: 66]، فقال عليه السلام: {يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 67].

وتمضي تلك السُّنة في اتِّهام الأنبياء والعُلماء والدُّعاة والمُصلحين حتى يومنا هذا، ومن ذلك: الاتَّهاماتُ الكثيرة التي توجَّه إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوتِه، فإنه ما فتئَ مناوِئو الدَّعوة يحيكون حوله التُّهم والشنائع من عصره وحتى يومنا هذا، ومن الطرافة والغرابة في آنٍ أنَّ أكثر المسائِل التي اتَّهموه بها قد نفاها عن نفسه نفيًا صريحًا، فمن العجب أن يُكرِّر بعض الناس تُهمًا هو نفاها عن نفسه مرارًا وتكرارًا، فتجده يقول: لم أقلْ بهذا القول، ولا أرضى هذا المذهبَ، وهذا افتراءٌ عليَّ، وهو بهتانٌ عظيم، ثمَّ مع ذلكَ كلِّه يأتي أحدهم فيقول: بل هذا مذهبُه وقوله!

فحريٌّ بأي باحثٍ يريد اتبَاعَ الحقِّ أن يُنصِفَ مخالفيه، ولا يقوِّلهم ما لم يقُولوه، والطَّامة أن بعضَ النَّاس ليسوا فقط يقوِّلون الشيخ ما لم يقله، وإنما يقوِّلونه ما نفاه عن نفسه! والأدهى والأمَرّ أنَّهُم لا يُقدِّمون أيَّ إجاباتٍ حولَ النُّصوص الصريحة من الشيخ حول نفي التُّهمة عن نفسه. وهذا لا يعني أنَّ كلَّ مَن نفى عن نفسه شيئًا انتفَى عنه مهما كانت الأدلّة المثبِتَة؛ ولكن هذا النفي يجعلنا نتوقَّف كثيرًا قبلَ أن نتَّهم الشيخَ أو غيره بأيِّ تهمةٍ نفاها عن نفسه؛ لأن نفيَه لها نفيٌ صريح واضح.

وفي هذه الورقةِ سنذكرُ -بإذن الله تعالى- المسائلَ التي نفاهَا الإمام محمد بن عبد الوهاب عن نفسه، فنبين المسألةَ باختصار، ونذكر نفيَه لها، وليس غرضُنا من هذه الورقة تأصيلَ مذهب الشيخ في هذه المسائل، فإن هذا يطول، وربَّما تُناقش في أوراق أخرى؛ ولكن غرضنا حصر هذه المسائل، وبيانُ نفي الشيخ لها، وفي القسم الأول من هذه الورقة نستعرضُ مسائل التكفير التي نفاها عن نفسه، على أن نلحقَ بها القسم الثاني وفيه مسائلُ أخرى، فنقولُ وبالله التَّوفيق:

مسألَةُ التَّكفير هي واحدةٌ من أكبرِ المسائل التي أُثير حولها جدلٌ كبيرٌ في الماضي والحاضِر، ولا زالَ النِّقاشُ فيها محتدمًا بين سائر الطَّوائف الإسلامية، ولا زالت الحروب فيها تدور رحاها، والمطارحات العلمية تملأ الكتبَ والمنتدياتِ والمواقع، وهذه المسألة عظيمةٌ خطيرةٌ؛ لما يترتَّب عليها من آثار وخيمة على المجتمَع المسلم، فإنه بسبب الخطأ فيها تُزهق الأنفس، وتُراق الدماء، وتُنتهك الأعراض، وتستحلُّ الأموال، وموقف أهل السنة والجماعة موقفٌ واضح وصريح في عدم نفي التكفير مطلقًا أو تبنِّيه مطلقًا، فإن مثل هذه المسائل الكبرى لا يمكن أن تُختزَل في موقفٍ واحد أو أصلٍ واحد، بل يجب تفكيكه إلى جزئيات لمعرفة الصحيح والباطل منها، وهذا ما فعله أهل السنة والجماعة.

والشَّيخ محمد بن عبد الوهاب أحد أشهر من رُميَ بالتَّكفير في القرون الثلاثة الأخيرة، بل يعدُّه البعض إمامَ الغلاة في التكفير في العصر الحاضر! وأنَّ كل الفرق الغالية في التكفير ما هي إلا امتدادٌ لما أصَّله الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقرره! وأن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي الأرضيَّة الصلبة لكل هذه التيارات الغالية في التكفير!

وقد تنوَّعت تلك التُّهم التي رمي بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب فيما يتعلَّق بالتكفير، فقد رميَ بتكفير عموم المسلمين، ورمي بالتكفير بالكبائر، ورُميَ بالتَّكفير بالظَّن، وبعدم الهجرة إليه، وغيرها من المسائِل التي سنبحثها في هذه الورقة.

وهذا الاتهام نشأ من أيَّام دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهو مستمرٌّ إلى يومنا هذا، ولو ذهبنا نحصر أقوالَ الخصومِ لملأنا كُتبًا، فإنهم ما يفتؤون يتَّهمون الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كلِّ وقت، لكن على سبيل المثال نذكر منهم عثمان بن منصور في كتابه: “جلاء الغمَّة عن تكفير هذه الأمَّة”، قال فيه: “قد ابتلى الله أهلَ نجد -بل جزيرة العرب- بمن خرَجَ عليهم، ولم يتخرَّج على العُلماء الأُمناء، كما صحَّ عندنا وثبت عن مشايخنا الأمجاد النقَّاد، وسعى بالتَّكفير للأمة خاصِّها وعامِّها، وقاتلها على ذلك جملةً إلا من وافقه على قوله، لمَّا وجد من يعينه على ذلك بجهله”([2]).

وقد ردَّ افتراءاته الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب آل الشيخ في كتابه: “مصباح الظلام في الرد على من كذب الشيخ الإمام ونسبه إلى تكفير أهل الإيمان والإسلام”.

ومنهم الزهاوي في كتابه: “الفجر الصادق في الردِّ على الفرقة الوهابية المارقة”، قال: “قد سولت له نفسه [يعني الشيخ محمد بن عبد الوهاب] أن يبتدع دينًا جديدًا ينالُ به الرياسة؛ ولكنَّه لما أنَّ ذلك لا يتم له… ابتدع ما ابتدعه في نفس الدين الإسلامي، وحيث رأى أن الأمر لا يتم له إلا بعد تكفير جميع المسلمين بشبهٍ قرآنية… جعلَ المُوحِّدين جميعهم مشركين بسبب تلك الأمور”([3])، ويقول محمد جواد مغنية: “يرى الوهابيون أن جميع المسلمين غيرَهم قد فسَّروا التوحيد تفسيرًا خاطئًا، وفهموه فهمًا لا ينطبق على الواقع، ولا يُخرجه عن حقيقة الشِّرك… إذن جميع المسلمين مشركون من حيث لا يريدون ولا يشعرون”([4])، ويقول محسن الأمين: “والحاصلُ أنَّ حكم الوهابيين بكفر جميع المسلمين وشركهم هو أساسُ مذهَبِهِم، ومحوره الذي يدور عليه لا يتحاشون منه… وقد أطلَق محمد بن عبد الوهاب في رسالة كشف الشبهات اسم الشِّرك والمشركين على عامَّة المسلمين عدا الوهابيين”([5]). فالحاصل أنَّ رمي الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالتَّكفير أمرٌ شائعٌ كثيرٌ في كتاباتِ المناوئين، والأمَرُّ من ذلك نسبة الفرق الغلاةِ إليه وإلى دَعوتِه ([6]).

وسنتنَاولُ هذا الموضوع بالبحث والتَّنقيب من خلال كلام الشيخ محمَّد بن عبد الوهاب، فإنَّ أصدق من يعبِّر عن مذهبٍ ما هو صاحبُ المذهب، ومتى ما وقفنا على نُصوصِه لا يجوز لنا أن نتجاوَزَها إلى غيرِها حتى نُحقِّقها ونعرف مرادَه منها، وأصول المسائل التي اتُّهِم بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مسألة التكفير هي:

1- التَّكفير بالعموم:

وتكاد تكون هذه المسألة هي أظهر مسألة في موضوع التكفير، وأشنعُ تهمةٍ يردِّدها جلُّ المناوئين إن لم يكن كلّهم، وقد سبق قريبًا قولُ محسن الأمين: “والحاصل أن حكم الوهَّابيِّين بكفر جميع المسلمين…”([7])، وهي مسألةٌ نفاها الشَّيخ محمَّد بن عبد الوهاب عن نفسِه مرارًا وبطرقٍ عديدة، يقولُ رحمه الله: “إن قالَ قائلُهم: إنَّهم يكفرون بالعموم، فنقول: سبحانك هذا بهتانٌ عظيم، الذي نكفِّر: الذي يشهد أنَّ التوحيدَ دين الله، ودين رسوله، وأن دعوةَ غير الله باطلة، ثم بعد هذا يكفِّر أهلَ التوحيد، ويسمِّيهم الخوارج، ويتبين مع أهل القبب على أهل التوحيد، ولكن نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرينا الحقَّ حقًّا، ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلًا، ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبسًا علينا فنضلّ”([8])، فهو في هذا النَّص ينفي أن يكون يكفِّر عموم المسلمين، ويبيِّن الذين يرى الشيخ كفرهم، ويذكرُ الشيخ محمد بن عبد الوهاب في موضعٍ آخر فيقول: “وأما الكذب والبهتان فمثل قولهم: إنَّا نكفر بالعموم”([9])، ويقولُ رحمه الله: “من محمد بن عبد الوهاب إلى من يصل إليه من المسلمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: ما ذكر لكم عني: أني أكفر بالعموم، فهذا من بهتان الأعداء”([10])، وحين وصلته رسالةٌ منَ الأحسَاء فيها بعض هذه التُّهم بينها الشيخ ورد عليها فقال: “وقوله: ما هنا مسلم حقيقيّ إلا أنت وكم نفر من الذي تشتهي، فأقول: سبحانك هذا بهتان عظيم! اللهم إني أعوذ بك من بهتانِ أهل البهتان، وظلم أهل الظلم والعدوان، لا ريبَ أن الأمة لا تخلو من المسلمين، في كل زمان إلى أن تقوم الساعة، وفي القرون الثلاثة المفضلة، المسلمون قد ملؤوا الأمصار، في المشارق والمغارب، والحجاز واليمن”([11]).

وقد ذكر السببَ الباعث لإذكاء نار هذه التّهمة فقال: “وأما القول: أنَّا نكفر بالعموم، فذلك من بهتان الأعداء، الذين يصدّون به عن هذا الدِّين، ونقول: سُبحانَكَ هذا بُهتانٌ عَظِيم([12]). وتلكَ الغاية تقرؤها بين سطور كل من ينسب هذهِ التُّهمة إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب من المعاصرين.

فهذه النُّصوص الكثيرة في المسألة صريحةٌ صحيحةٌ لا يمكن إنكارُها، أو تأويلُها، أو تغييرُ معانيها، أو القول بأنَّ مرادَه منها غير ما فَهِمْنا، فهو يكرِّر مرارًا بأنَّ هذا ليس مذهبَه، بل هي تهمة مختَلَقةٌ لصدِّ النَّاس عن دعوتِه، ومع ذلك ينشط الكتَّاب والمشنِّعون في تدوير هذه التُّهمة وتكرارها، ومن يريدُ تحقيق هذه المسألة علميًّا يجب عليه أن يأخذ هذه النصوص ويدرسها، ولا يصح له القفز عليها ليصل إلى استنتاجه بمتَشابهٍ من القول أو الفعل.

بل يرى الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنَّ تكفير عمومِ المسلمين أمرٌ لا يقبله عقل، يقول رحمه الله: “وأجلبوا علينا بخيلِ الشَّيطان ورجله، منها: إشاعَةُ البهتان بما يستحي العاقل أن يحكيَه فضلًا عن أن يفتريَه، ومنها ما ذكرتم: أني أكفِّر جميع الناس إلا من اتَّبعني، وأزعم أنَّ أنكحتَهم غير صحيحة، ويا عجبًا! كيف يدخل هذا في عقلِ عاقِل؟! هل يقول هذا مسلمٌ أو كافِر أو عارفٌ أو مجنون؟!”([13]). فكيفَ يدَّعي الشَّيخ محمد بن عبد الوهاب أنَّ هذا المذهب لا يقولُ به عاقل، ثم يأتي ويناقِضُ قولَه هذا؟!

وممَّا يدُلُّ على عدم تكفيرِهِ بالعموم: أنَّه حين تحدَّث عن المسائل التي يُكفِّر بِهَا قال: “وأمَّا التكفير فأنا أكفِّرُ من عرف دينَ الرَّسول، ثم بعد ما عرفه سبَّه، ونهى الناس عنه، وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفر”. ثم قال في عبارة صريحة تبيِّن أن من يكفِّرهم قلَّة من الناس: “وأكثرُ الأمة -ولله الحمد- ليسوا كذلك”([14]).

وممَّا يدلُّ كذلك على عدمِ إنصَافِ من يرمِيه بتَكفيرِ عمومِ المسلمِين: أنَّهم لا يعرِّجون على قضيَّة تكفير المعيَّن عند الشَّيخ محمد بن عبد الوهاب، وإن كانوا يذكرونَها فإنهم يتعامون عن الارتباط الوثيق بين مسألةِ التَّكفير بالعموم وتكفير المعين، فإنَّ تكفير المعيَّن يقتضي بالضرورة عدم تكفير عموم النَّاس، ومن يقرأ كتب الشيخ يرى أنَّه كفَّر أناسًا معيَّنين بعد أن راسلهم وبيَّن لهم الحجة، ثم رأى أن الحجَّة قد قامت عليهم، فإذا كان قد كفَّر أشخاصًا محدَّدين فكيف نقول في نفس الوقت: إنه يكفِّر جميع الناس؟!

وإذا كان الشيخ ممَّن يكفر بالعموم فلماذا يؤصل الشيخ لقضية قيام الحجة وقضية تكفير المعين؛ إذ أيُّ معيَّن هنا إنْ كفر الشيخ عموم الناس؟!

2- تكفيرُ الجاهل:

إحدى المسائل الكبرى التي اتُّهم بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب أيضًا: مسألة عدم إعذار الجاهل، وبناءً عليه فإنهم يرون أنه يُكفِّر كل من أتى بعملٍ كُفريٍّ ولو كان جاهلًا، وفي الحقيقة هذه المسألة أشدُّ من المسألة الأولى من حيث الاضطراب فيها، فقد اختلفَ النَّاس فيها اختلافًا كبيرًا نظرًا لنصوص عديدة من الشَّيخ هي صريحة في الإعذار بالجَهل، ونصوصٍ أخرى توهم أنَّه لا يعذر بالجهل، فتمسَّك بهذه طائفة وبتلك أخرى، ومن يجمَع نصوص الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتمعَّن فيها يُدرك أنَّه يقول فيها بالتَّفصيل مستندًا إلى الكِتاب والسنة، فهو يعذر بالجهل في سائرِ المسائل إلا المسائل الظاهرة، وحتى هذه المسائل الظاهرة لا يحكم فيها بالنَّظر إليها فقط، بل بالنَّظر إلى الواقع فيها أيضًا، فالأصل عندَهُ هو الإعذار بالجهل، أمَّا الاستثناء فهو في قوم يرى الشيخ أن الحجة قد قامَت عليهم، والذي يهمُّنا إيراده هنا هُو أنَّه كانَ ينفي عن نفسه عدم الإعذار بالجهل، أو أنَّه يكفِّر الجاهل الذي لم تقم عليهِ الحجَّة، فيقول رحمه الله: “وأما ما ذكر الأعداء عنِّي أني أُكَفِّر بالظَّن وبالموالاة، أو أكفِّر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتانٌ عظيم، يريدون به تنفيرَ الناس عن دين الله ورسوله”([15]).

فتكفير المعيَّن عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب مرتبطٌ بقيام الحجة؛ ولذلك قلنا: إنَّ المسائل الظاهرة لا يكفِّر فيها الشيخ بمجرد الوقوع فيها، بل ينظر إلى حال الواقع فيها، كما في مسألةٍ من مسائِل الدين الكبرى كعبادة الصَّنم إذا كانت من جاهل، يقولُ رحمه الله: “أمَّا الكذبُ والبُهتَان فمثل قولهم: إنَّا نكفّر بالعموم، ونوجِبُ الهجرة إلينا على من قدر على إظهارِ دينه، وإنَّا نكفر من لم يكفِّر، ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان، الذي يصدّون به الناس عن دين الله ورسوله، وإذا كنّا لا نكفّر من عبد الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما؛ لأجل جهلهم وعدم من ينبِّههم، فكيف نكفّر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل؟! سُبحانَكَ هذا بُهتانٌ عَظِيم([16]).

وهذا نصٌّ صريح في أنه يَعذُر بالجهل حتى في مسائل القبور وعبادة أصحابها، فإذا كان الشيخ ينفي عن نفسه أنَّه يكفِّر الجاهل، فإن هذا محكم صريح من قوله، ويجبُ ردُّ النصوص الموهِمة إليه، ولا يصحّ لأحد أن يكذِّب قولَه الصريح.

وليس مرادُنا في هذه الورقة بيانَ قوله والتفصيل في ذلك، وإنما الوقوف على نفيِه الصريح لهذه التهمة عن نفسه، ولتفصيل القول في مسألة العذر بالجهل مقام آخر إن شاء الله.

3- تكفير من لم يدخُل تحتَ طاعتِه ولم يهاجِر إليه:

من المسائل التي اتُّهم بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنَّه يُكفِّر من لا يدخل تحتَ طاعتِه، ويكفِّر من لم يهاجِر إليه، وهذهِ القضيَّة قد شاعت ولَبَّس بعضُ النَّاس بها على المسلمين حتى التبسَ على الشوكاني رحمه الله بعد أن كان يمدح هذه الدعوة فقد قال: “ولكنَّهم يرونَ أنَّ من لم يكن داخلًا تحت دولة صاحب نجد وممتثلًا لأوامره خارجٌ عن الإسلام”([17])، إلا أنَّ الشيخ محمَّد بن عبد الوهاب ينفي ذلك عن نفسه فيقولُ في رسالةٍ له: “من محمَّد بن عبد الوهاب إلى من يصلُ إليه من المُسلمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: ما ذكر لكم عنِّي: أني أكفر بالعموم، فهذا من بهتانِ الأعداء، وكذلك قولهم: إنِّي أقول من تبع دين الله ورسوله وهو ساكن في بلده أنَّه ما يكفيه حتى يجيء عندي، فهذا أيضًا من البهتان؛ إنما المراد اتباع دين الله ورسوله، في أي أرضٍ كانت”([18]).

ويربط الشيخ محمد بن عبد الوهاب بين هذه المسألة ومسألة قيام الحجة، فإنَّه إن كان لا يكفِّر من لم تقم عليه الحجَّة وهو متلبس بأعمال كفرية، فإنَّه من باب أولى لا يكفِّر من لم يتلبَّس بتلك الأعمال لكنَّه لم يُهاجر! يقولُ رحمه الله: “وإذا كنَّا لا نكفِّر من عبدَ الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما؛ لأجل جهلهم وعدم من ينبههم، فكيف نكفِّر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل؟! سُبحانَكَ هذا بُهتانٌ عَظِيم([19]).

وأيُّ نصٍّ أصرح من أن يقول الشيخ رحمه الله: إن المسلم هو من اتَّبع دين الله ورسوله في أي زمانٍ ومكان؟! يقول رحمه الله: “وكذلك تمويهه على الطغام بأن ابن عبد الوهَّاب يقول: الذي ما يدخُل تحت طاعتي كافر، ونقول: سبحانك هذا بهتان عظيم! بل نشهِد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمِل بالتوحيد، وتبرَّأ من الشِّرك وأهله، فهُو المسلم في أي زمان وأيِّ مكان”([20])، ويقول أيضا رحمه الله: “وأما الكذب والبهتان فمثل قولهم: إنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفِّر، ومن لم يقاتِل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدُّون به الناس عن دين الله ورسوله”([21]).

ويتبيَّن من خلال تصريحاتِ الشَّيخ نفسه أنَّه لا يكفِّر من لم يهاجر إليه، وإنما يرى أن المسلم هو من اتبع دين الله ورسوله في أي مكان كان. ومن الغريب أنَّ المشنِّعين يقفزون على كلِّ هذه النُّصوص ليقرِّروا نيابةً عن الشيخ بأنه يكفِّر من لم يهاجر إليه!

4- التكفير بالكبائر:

من المسَائل التي يشنِّع بها المشنِّعون على الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنَّه يكفِّر بالكبائر، يقول محسن الأمين في بيان شَبهِ دعوة الشيخ بدعوة الخوارج: “كما أنَّ الخوارج كفَّروا من عداهُم من المسلمين، وقالوا: إنَّ مرتكب الكبيرة كافر مخلَّدٌ في النَّار، واستحلُّوا دماءَهم وأموالَهم وسبيَ ذراريهم، وقالوا: إنَّ دار الإسلام تصير بظهور الكبائر فيها دار كفر… كذلك الوهابيُّون حكموا بشِرك من خالفَ مُعتقَدَهم من المسلمين، واستحلُّوا مالَه ودمه”. ثم ذكر قول ابن القيم في أنَّ الخوارج يكفِّرون بالذنوب، ثم قال: “وهذا الذي ذكره بعينه موجودٌ في الوهابية”([22]).

وهذا من الكذب الصَّريح على الشَّيخ محمد بن عبد الوهاب، فماذا يقول هذا في قولِ الشيخ محمد بن عبد الوهاب: “والمسألة الأخرى: يذكرُ لنا من أعداء الإسلام من يذكر أنا نكفِّر بالذُّنوب، مثل التّتن([23]) وشرب الخمر والزِّنا أو غير ذلك من كبائر الذنوب، فنبرأ إلى الله من هذه المقالة، بل الذي نحنُ نقول: الذُّنوب فيها الحدود، ومعلَّقة بالمشيئة، إن شاء الله عفا، وإن شاء عذب عليها، وأما الذي نكفر به: فالشرك بالله، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48]”([24]).

ويصرِّح الشيخ رحمه الله في موضع آخر أنه لا يكفِّر بالذنوب فيقول: “ولا أكفِّر أحدًا من المسلمين بذنبٍ، ولا أخرجه من دائرة الإسلام”([25]).

وقد أصَّل لمسألة الكبائر تأصيلًا علميًّا بديعًا في كتبه، ويكفي أن ننقل منه قدرًا يسيرًا حتى تتَّضح المسألة، يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: “وأما المعاصي والكبائر -كالزِّنا والسرقة وشرب الخمر وأشباه ذلك- فلا يُخرجه عن دائرة الإسلام عند أهل السُّنة والجماعة، خلافًا للخوارج والمعتزلة الذين يكفِّرون بالذنوب، ويحكمون بتخليدهِ في النَّار، واحتجَّ أهل السنة والجماعة على ذلك بحجج كثيرة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتَّابعين، فمن ذلك: ما رواه محمد بن نصر المروزي الإمام المشهور… عن أبي جعفر محمد بن علي أنه سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»، فقال أبو جعفر: هذا الإسلام، ودوّر دائرة واسعة، وهذا الإيمان، ودوَّر دائرة صغيرة في وسط الكبيرة، فإذا زنى أو سرق خَرج من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرج من الإسلام إلا الكفر بالله”([26]).

فالشيخ رحمه الله يبيِّن أنَّ هذا ليس مذهبَ أهل السنة والجماعة، وليس مذهبَ الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وإنَّما هو مذهبُ الخوارج، يقولُ رحمه الله: “وأمَّا المسألة الثالثة: وهي من أكبر تلبِيسِك الذي تلبِّس به على العَوَام، أنَّ أهل العلم قالوا: لا يجوز تكفيرُ المسلم بالذَّنب، وهذا حقّ، ولكن ليس هذا ما نحنُ فيه، وذلك أن الخوارجَ يكفِّرون من زنى أو سرق أو سفك الدم، بل كل كبيرة إذا فعَلَها المسلم كفر، وأما أهل السُّنة فمذهبهم: أنَّ المسلم لا يكفُر إلا بالشِّرك، ونحن ما كفّرنا الطواغيت وأتباعهم إلا بالشِّرك”([27]).

وكلّ هذه النّصوص صريحَة في هذه المسألة، ولو جاءنا منه نصٌّ واحد لكفى في إثبات أنَّ الشيخَ لا يكفِّر بالكبائر، بل لو لم يتكلَّم الشيخ في هذه المسألة لكفتنا نصوصُه الصَّريحة في أنه لا يكفِّر إلا بمسائل محدَّدة قد أوردها وبيَّنها، وليس منها ارتكاب الكبائر.

5- التكفيرُ بالظَّن:

ممَّا أثاره أعداء الدعوة على الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنَّه يكفِّر بالظن، وأيضًا هذه من المسائل التي لا نحتاجُ فيها إلى نفيٍ خاصٍّ من الشيخ، فإن التكفير بالظنّ يناقضه مبحثُ قيام الحجة، فقيام الحجَّة يعني تحقُّق حصول المكفِّر من الإنسان ومعرفة حاله وأهليته، وهذا ينافي التَّكفيرَ بالظنّ كما هو واضحٌ، ومع ذلك فإنَّ الشيخ رحمه الله قدِ اتُّهم بهذه التّهمة في حياته، فنفاها عن نفسِه، قال رحمه الله: “وأمَّا ما ذكر الأعداء عنِّي: أني أُكَفِّر بالظَّن وبالموالاة، أو أكفِّر الجاهل الذي لم تقم عليه الحُجَّة، فهذا بهتانٌ عظيم، يريدون به تنفيرَ النَّاس عن دين الله ورسوله([28]).

بل لا يكفّر الشيخ أحدًا حتى وإن ذُكِر لهُ عنه أنَّه قد ارتكبَ ناقضًا من نواقض الإسلام؛ وذلك لأنَّ اليقين هو الإسلام ولا يزول بالظَّنّ، وفي ذلك يقول رحمه الله: “من أظهَرَ الإسلام وظنَنَّا أنَّه أتى بناقضٍ، لا نكفِّره بالظَّن، لأنَّ اليقين لا يرفعه الظَّنّ، وكذلك لا نكفِّر من لا نعرف منهُ الكفر بسبب ناقضٍ ذُكِرَ عنه ونحنُ لم نتحقَّقه”([29]).

ويزدادُ هذا الأمرُ وضوحًا إذا عرفتَ أنَّ الشيخ صرَّح عدةَ مرات بأنَّه لا يُكفر إلا بالمسَائِل المُجمع عليها، يقولُ رحمه الله بعد أن سُئِل عما يقاتِل عليه، وعمَّا يكفر الرجل به، فأجاب: “أركانُ الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركانُ الأربعة، فالأربعة إذا أقرَّ بها، وتركها تهاونًا، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفِّره بتركِها، والعلماء اختلفوا في كفرِ التَّارك لها كسلًا من غير جحود، ولا نكفِّر إلا ما أجمَع عليه العلماء كلّهم، وهو: الشهادتان”([30]).

فهذا نصٌّ صريح من الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أنَّه لا يكفِّرُ إلا بما أجمَعَ عليه المُسلمُون، وبيَّن رحمه الله المسائل التي يكفِّر بها فقال: “ولكن نكفِّر من أقرَّ بدين الله ورسوله، ثم عاداه وصدَّ الناس عنه، وكذلك من عبَدَ الأوثان بعدما عرف أنَّها دين المشركين، وزيَّنه للناس، فهذا الذي أكفره”، ثمَّ قال: “وكل عالمٍ على وجه الأرض يكفِّر هؤلاء”([31]).

ولا نُطيل الكلام في المسائل التي يكفِّر بها الشيخ، وإنَّما المراد أنَّ اتهامَه بأنَّه يكفِّر بالظن لا يصحّ، وقد نفاه عن نفسه، ونفته عنه أدبيَّاته وتنظيراته في باب التكفير ([32]).

6- تكفير من توسَّل بالصَّالحين:

مسألة التوسُّل إحدى المسائِل الشَّائكة في الفكر الإسلاميّ؛ لأنَّ فيها تفصيلاتٍ عديدةً ضبطها أهل العلم([33])، والخائض في هذه المسألة يجبُ أن يستحضر المسائل وتنوعَها لعدم تساوي أحكامِها، إلَّا أنَّ من يشنِّع على الشيخ محمَّد بن عبد الوهاب يشنِّع عليه بأنَّه يكفِّر من يتوسل بالصالحين هكذا بعمومه، يقول إبراهيم بن عثمان السَّمَنُّودي: “من مقابحه أنَّه كان يصرِّح في مجالِسِه وفي كل خطبةٍ يخطبها للجمعة في مسجد الدّرعية بتكفير من يتوسَّل بالنَّبي صلى الله عليه وسلم، وكذا بغيرِه من الأنبياء والملائكة والأولياء”([34])، ويقول أحمد زيني دحلان: “وتوصَّل [أي: الشيخ] بذلك إلى تكفير المؤمنين، فزَعَم أنَّ زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والتوسُّل به وبالأنبياء والأولياء والصَّالحين وزيارة قبورِهم شرك، وأنَّ نداء النبي صلى الله عليه وسلم عند التوسُّل به شرك، وكذا نداء غيره من الأنبياء والأولياء والصَّالحين عند التوسل بهم شرك”([35]).

وهذا التشنيع لا قيمةَ له إذا عرفنا أنَّ التوسل نفسَه أنواع، وكل نوع منه له حكم خاصّ به، فكان من الواجب على أمثالِ هؤلاء أن يفصِّلوا في مسألة التوسُّل ويبيِّنوا مرادَهم بها، ثم يبنونَ عليه حكمهم على الشيخ إن كانوا يرون مخالفتَه للحق! لكن بعض من يشنِّع على الشَّيخ ليس هدفُه التحقيقَ العلمي، ولا بحث المسألة، وإنما هدفُه التشنيع فحَسب، وغاية ما هنالك أنَّ الشيخَ قد حرَّم نوعًا من التوسُّل غير المشروع، وبيَّن ضلاله، فأجرَوا ذلك الحكم على سائر الأنواع من عند أنفسِهم! وقد نفى الشيخ محمد بن عبد الوهاب تكفيرَ المتوسِّل بالصالحين في عددٍ من المَواطن، وبيَّنَ أنَّها من تُهم المُخالفين له فقال: “قوله:… وإني أكفّر من توسَّل بالصَّالحين… جوابي عن هذه المسائل أن أقول: سبحانَكَ هذا بهتانٌ عظيم! وقبلَه من بهت محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه يسبُّ عيسى ابن مريم ويسبُّ الصَّالحين، فتشابهت قلوبُهم بافتراء الكذب وقول الزور”([36]).

وكرَّر هذا النفي في عددٍ من المواضع، بل وأكَّد على أنَّ التوسُّل بالصَّالحين من المسائل الفقهيَّة، وممَّا يدخله الاجتهادُ فلا إنكارَ فيه، يقولُ رحمه الله مبيِّنًا ذلك: “قولُهم في الاستسقاء: لا بأسَ بالتوسُّل بالصَّالحين، وقول أحمد: يُتوسَّل بالنَّبي صلى الله عليه وسلم خاصَّة، مع قولهم: إنَّه لا يُستغاث بمخلوق، فالفرق ظاهرٌ جدًّا، وليس الكلام مما نحن فيه؛ فكون بعضٍ يرخِّص بالتوسُّل بالصالحين، وبعضهم يخصُّه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأكثرُ العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه، فهذهِ المسألة من مسائل الفقه، ولو كان الصَّواب عندنا قول الجمهور: إنَّه مكروه، فلا نُنكر على من فعله، ولا إنكارَ في مسائل الاجتهاد([37]). وقد بيَّن الشيخ ما هو مقبولٌ وغير مقبول فقال: “لكن إنكارنا على من دعا المخلوق أعظمَ ممَّا يدعو الله تعالى، ويقصد القبر يتضرَّع عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غيره، يطلُبُ فيه تفريج الكربات وإغاثة اللهفات وإعطاء الرغبات، فأين هذا ممَّن يدعو الله مخلِصًا له الدين لا يدعو مع الله أحدًا، ولكن يقولُ في دعائه: أسألك بنبيِّك، أو بالمرسلين، أو بعبادك الصالحين، أو يقصدُ قبر معروف أو غيره يدعو عندَه، لكن لا يدعو إلا الله مخلصًا له الدين، فأين هذا ممَّا نحن فيه؟!”([38]).

ولكن الغلط قد دخل على هؤلاء مما قلناهُ سابقًا من أنَّهم لم يفرِّقوا بين التوسُّل المشروع والتوسل المختلف فيه والتوسُّل غير المشروع، فجعلوا الجميعَ بابًا واحدًا، والإنصافُ العلميّ يقتضي التفرقةَ بين الأنواع، وبيان حقيقة مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كلِّ نوع، ثم المناقشة فيما يرى هو كفره ويرى غيره عدَمَ كفره، فلا بأس بالمناقشة العلمية، والشَّيخ هو أول من يرحِّب بذلك، ويظهَر ذلك في كلامٍ كثير له في دعوته لمخالفيه إلى أن يردّوا عليه، ويقوِّموه إن رأوا أنَّه أخطأ، وليس هذا مكان ذكرها والتفصيل فيها.

7- تكفير البوصيري وابن الفارض وابن عربي:

نُسبَ إلى الشَّيخ رحمه الله أنَّه يكفِّر ثلاثةً من الأعيان وهُم ابن الفارض وابن عربي والبوصيري، وكانَ من أشاع ذلك سليمان بن محمد بن سحيم في حياة الشَّيخ، وأرسل بذلك إلى الحسا والبصرة وغيرها، فكان كلام الشيخ في هؤلاء من باب بيان الحقِّ وردِّ الباطل الذي في هذه الرسالة.

وهؤلاء الثَّلاثة لا شكَّ أن حولهم كلامًا طويلًا، فابن الفارض صوفيٌّ قرَّر في قصائده الاتِّحاد التَّامَّ، ويكفي النظر في تائيَّته المشهورة لإدراك ذلك، وقد قال الذهبي عن هذه التائية: “إن لم يكن في تلك القصيدة صريح الاتحاد الذي لا حيلَةَ في وجوده فما في العالم زندقةٌ ولا ضلال”([39]).

وأمَّا ابن العربي فآراؤُه تصبُّ في عقيدة وحدة الوجود، وقد بيَّن ضلاله جلُّ العلماء، ونقل تقي الدين الفاسي أقوال العلماء في ابن عربي، وذكر أقوالَ اثنين وعشرين عالمًا من الأئمة كلّهم يسِم هذا الرجل بالإلحاد واعتقاد وحدة الوجود([40]).

وأمَّا البوصيري ففي بردته أنواعٌ من الضلال والبدعيات([41]).

فكان الشَّيخ رحمه الله قد اتُّهم بأنَّه يكفرهم، فنفى ذلك عن نفسه، فقال في رسالته إلى أهل القصيم: “بلغني أنَّ رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم، وأنه قبِلها وصدَّقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم، والله يعلمُ أنَّ الرجل افترى عليَّ أمورًا لم أقلْها، ولم يأت أكثرها على بالي.

فمنها: قوله: إني أكفّر البوصيري لقوله: يا أكرم الخلق… وإني أكفّر ابن الفارض وابن عربي…

جوابي عن هذه المسائل أن أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم! وقبله من بهت محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه يسبُّ عيسى ابن مريم ويسب الصالحين، فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور”([42]).

فواضح من خلال رسالته هذه أنَّه يرد على ابن سحيم هذه الافتراءات، وينفي بعضَها عن نفسه، ويقرّ ببعضها مع بيان أدلَّته فيها، وأن ابنَ سحيم أخطأ في تخطئة الشيخ في تلكَ المسائل.

ولكن قد يُقال: كيف يتوقَّف الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تكفير ابن عربي وابن الفارض، فقد كفَّره كثيرون؟! بل يقال: إنَّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد ناقض نفسَه؛ فإنَّه صرَّح بنفي التكفير عنهم في هذه الرسالة، مع كونه قد كفَّرهم في مواضع عديدة من كُتُبه!

والجواب: بالفعل هذا موضعٌ يُشكلُ على النَّاس، خاصَّةً إن عرفنا غلوَّ ابن الفارض وابن عربي في الاتّحاد ووحدة الوجود وموقف العلماء منهما، وللشيخ نصوص عديدة في ابن عربي وابن الفارض يحكي فيها كفرهم كما سأبيِّن إن شاء الله، فهذا الذي ظاهره التناقض له عدَّة أجوبة:

1- أنَّ هذا ليس من التَّناقض في شيء، فإن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يرى أن أقوالَهما كفريّة، ولم يكفِّرهما بأعيانِهما لاحتمالِ عدم قيام الحجة عليهِما، وإلى هذا ذهب الشَّيخ صالح الفوزان([43])، فنُصوصه في ابن عربي وابن الفارض فيها ذكرٌ لتكفيرِ العلماء لهما، ولم يصرِّح الشيخ رحمه الله بأنهما كافران.

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: “ولا يخفاك أنِّي عثرتُ على أوراقٍ عند ابن عزاز، فيها إجازاتٌ له من عند مشايخه، وشيخ مشايخه رجل يقال له: عبد الغني، ويثنون عليه في أوراقهم، ويسمّونه العارف بالله، وهذا اشتهر عنه أنَّه على دين ابن عربي الذي ذكر العلماء أنَّه أكفَر من فرعون، حتى قال ابن المقري الشافعي: من شكَّ في كفر طائفةِ ابن عربي فهو كافر. فإذا كان إمام دين ابن عربي والداعي إليه هو شيخهم، ويثنون عليه أنَّه العارف بالله، فكيف يكون الأمر؟!”([44]).

ويقول رحمه الله: “هذا الذي ذكر أهل العلم أنَّهم أكفر من اليهود والنَّصارى، وقال بعضهم: من شكَّ في كفر أتباعه فهو كافر، وذكرهم في (الإقناع) في باب حكم المرتد، وإمامهم ابن عربي، أيظنُّهم لا يقولون: لا إله إلا الله؟! لكن هو آت من الشام، وهم يعبدون ابن عربي، جاعلين على قبرِه صنمًا يعبدونه، ولستُ أعني أهل الشَّام كلَّهم، حاشا وكلا! بل لا تزال طائفة على الحقِّ وإن قلَّت واغتربت”([45]).

ويقول: “وكذلك أيضًا من أعظم الناس ضلالًا: متصوِّفة في معكال وغيره، مثل ولد موسى بن جوعان وسلامة بن مانع وغيرهما، يتبعونَ مذهب ابن عربي وابن الفارض. وقد ذكَرَ أهل العلم أن ابن عربي من أئِمَّة أهل مذهب الاتحادية، وهم أغلظ كفرًا من اليَهودِ والنَّصارى. فكل من لم يدخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم ويتبرأ من دين الاتحادية فهو كافرٌ بريءٌ من الإسلام”([46]).

وقالَ أيضا: “وأما الاتِّحادي ابن عربي صاحب (الفصوص) المخالف للنُّصوص، وابن الفارض الذي لدين الله محارب وبالباطل للحقّ معارض، فمن تمذهب بمذهبهما فقد اتَّخذ مع غير الرسول سبيلًا، وانتحل طريقَ المغضوب عليهم والضَّالين المخالفين لشريعة سيِّد المرسلين؛ فإنَّ ابن عربي وابن الفارض ينتحلان نحلًا تكفِّرهما، وقد كفّرهم كثيرٌ من العلماء العاملين”([47]).

وترى في هذه النصوص أنه ينقل كفر أقوالهما، وتكفير العلماء لهما، لكن لم يصرح بتكفيرهما، فهو ينفي في الرسالة أنه صرَّح بكفرهما بأعيانهما، وإن كان قد كفَّرهما العلماء.

2- هناك من قال بأنَّ الشيخ رحمه الله لعلَّه كان يرى عدم كفرهما حين نفى تهمَ ابن سحيم ثم تبيَّن له ذلك، وهذا غير صحيح -في نظري- لأن الشيخ أرسل رسالتين لينفي عن نفسه ما اتَّهمه به ابن سحيم، فأرسل رسالة إلى أهل القصيم وهي التي نقلتها سابقا، وفيها النفي الصريح لتكفير ابن عربي وابن الفارض، وأن هذا زورٌ وبهتان، إلَّا أنه أرسل رسالة أخرى إلى عبد الله بن سحيم لنَفس القضية وهي نفي تهم سليمان بن سحيم، ولم يذكر فيها عدمَ تكفير ابن الفارض وابن عربي، فقد قَالَ فيها: “إذا تبيَّن هذا، فالمسائل التي شنَّع بها منها ما هو من البهتان الظاهر، وهي قوله: إني مبطل كتب المذاهب، وقوله: إني أقول: إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وقوله: إني أدَّعي الاجتهاد، وقوله: إني خارج عن التقليد، وقوله: إني أقول: إن اختلاف العلماء نِقمة، وقوله: إني أكفّر من توسَّل بالصالحين، وقوله: إني أكفّر البوصيريّ لقوله: يا أكرم الخلق، وقوله: إني أقول: لو أقدر على هدم حجرة الرسول لهدمتها، ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلتُ لها ميزابًا من خشَب، وقوله: إني أنكر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: إني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهم، وإني أكفّر من يحلف بغير الله. فهذه اثنتا عشرة مسألة، جوابي فيها أن أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم! ولكن قبله من بهت النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه يسبّ عيسى ابن مريم ويسبّ الصالحين، تشابهت قلوبهم. وبهتوه بأنه يزعم أن الملائكة وعيسى وعزيرًا في النار، فأنزل الله في ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]”([48]).

وواضح من الرسالتين أنهما متطابقتان جدًّا، ومكتوبتان لنفس القضية، والفرق الوحيد بين الرِّسالتين هو أنَّ الثانية ليس فيها عدم تكفير ابن عربي وابن الفارض، بل فيها عكس ذلك، فقد قال في نفس الرسالة: “ولا يخفاك أنِّي عثرت على أوراق عند ابن عزاز، فيها إجازات له من عند مشايخه، وشيخ مشايخه رجل يقال له: عبد الغني، ويثنون عليه في أوراقهم، ويسمونه العارف بالله؛ وهذا اشتهر عنه أنه على دين ابن عربي الذي ذكر العلماء أنه أكفر من فرعون”([49]). ومع إمكانية أن يكون الشيخ قد غيَّر رأيه في وقت قريب في ابن عربي إلا أن هذا مستبعدٌ لظهور أمرهما أولا، ولكلام الشيخ فيهما وبيانِ ضلالهما في مواضع كثيرة ثانيًا، ولتطابق الرسالة؛ ممَّا يدلّ على أنه قد كتبهما في وقت متقاربٍ جدًّا، خاصَّة وأنها في قضيّة واحدة، وهو ما يقوّي الاحتمال الثالث وهو:

3- أنَّ الشيخ قد استطرد في رسالتِه إلى أهل القصيم وأجمَل ولم يفصِّل، فكان نفي تكفير ابن عربي وابن الفارض في رسالته إلى أهل القصيم استطرادًا منه، فكأنَّه ذكر المسائل التي ذكرها ابن سحيم ثم قال: هذا بهتان عظيم؛ لأنَّ الشيخ لا يكفِّر بها كلِّها، بل ولا في معظمها بإطلاق. وممَّا يقوِّي هذا أنَّه قال في آخر رسالته تلك التي كانت إلى أهل القصيم: “وإذا سهَّل الله تعالى بسطت الجواب عليها في رسالة مستقلة، إن شاء الله تعالى”([50]). فهو إذن ذكرها مجملة في تلكَ الرِّسالة، ونفى أنَّه يكفر بها كلها، وبيَّن أنَّ المسألة تحتاج إلى تفصيل، وقد فصَّل في رسالته إلى ابن سحيم والتي نقلناها سابقًا، وبين في تلك الرسالة كفر ابن عربي وابن الفارض، ولم يذكرهما حين نفى عن نفسه تهم ابن سحيم.

8- تكفير من حلف بغير الله:

من المسائل التي نُسبت إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب فيما يتعلَّق بالتكفير: أنَّه يكفر من حلف بغير الله، وقد نفى ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن نفسه فقال: “فمنها: قوله:… وإني أكفّر من حلف بغير الله… جوابي عن هذه المسائل أن أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم! وقبله من بهت محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه يسبّ عيسى ابن مريم ويسب الصالحين، فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور”([51]).

بل يقرِّر الشيخ في عددٍ من كتبه بأن الحلفَ بغير الله شركٌ أصغر، ومن ذلك قوله: “وشرك أصغر: كالرياء والسمعة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليهِ وسلَّم قال: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه غيري تركتُه وشركَه»، ومنه: الحلف بغيرِ الله”([52]). ولم نستطع الوقوف على مستند هؤلاء في نسبة هذا القول إلى الشَّيخ محمد بن عبد الوهاب، ولكن يكفينا نفيه ذلك عن نفسه.

وأخيرًا: هذه جملة من المسائل التي اتُّهم بها الشيخ محمَّد بن عبد الوهاب، وقد تبيَّن كيف أنَّ من الناسِ من عصر الشيخ إلى يومنا هذا مَن ينسبون إليه أشياء قد نفاها هو عن نفسه! فهو رجل يقول بلسانه: أنا لا أفعَل كذا وكذا، ويصرِّح به مرَّات ومرَّات، ويكتبه بقلمِه، ومعَ ذلكَ نجِدُ من المتأخِّرين من يأتي ويكرِّر الكلام نفسه مرةً أخرى، ويتَّهم الشيخ بالتُّهم القديمة بنفسها، ويشنِّع عليه بما نفاه هو عن نفسه، فيُكذِّب الشيخَ في نفسه، ويتَّهمه بما لم يقدِّم عليه دليلًا صحيحًا. وهذا الصنيع يأباه البحثُ العلمي المتجرِّد، ويرفضه الإنصاف والعدل الذي يجب أن يتمتَّع به كلّ طالب حقّ، ومثل هذه المسائل يجب الرجوع فيها إلى صاحِبِ القول وهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فلا نقدِّم -في الأصل- قولَ أحدٍ على قوله إلا لأدلة أقوى، أما ممارسة القفز الحكمي ومجاوزة هذه النصوص الصَّريحة فليس ذلك من العدل في شيء.

وصلى الله وسلم على سيِّدنا محمد، وعلى آله وصحبِه أجمَعين.

ــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف العاشر. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمر وابن عامر وعاصم وأبو جعفر ويعقوب الحضرمي: {فَتَبَيَّنُوا}.

([2]) ذكره عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ حين رد عليه في كتابه (مصباح الظلام في الرد على من كذب الشيخ الإمام ونسبه إلى تكفير أهل الإيمان والإسلام) (ص: 44).

([3]) الفجر الصادق (ص: 75).

([4]) هذه هي الوهابية (ص: 139).

([5]) كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب (ص: 134).

([6]) وانظر: دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص: 157-178)، وقد جمع الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن من علماء الدعوة وابن حفيد الشيخ محمد أبرز الشبهات التي أثيرت حول التكفير عند الشيخ في كتاب سماه: “مصباح الظلام في الرد على من كذب الشيخ الإمام ونسبه إلى تكفير أهل الإيمان والإسلام”. وانظر أيضا: منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب في مسألة التكفير للدكتور أحمد الرضيمان.

([7]) كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب (ص: 134).

([8]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 63).

([9]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 104).

([10]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 131).

([11]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (11/ 372).

([12]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 100).

([13]) الرسائل الشخصية (ص: 37).

([14]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 73).

([15]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 113).

([16]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/104).

([17]) البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (2/5).

([18]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 131).

([19]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/104).

([20]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 128).

([21]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 104).

([22]) كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب (ص: 113-114).

([23]) أي: السجائر والتبغ.

([24]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 129).

([25]) الرسائل الشخصية (1/11).

([26]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/ 202-203).

([27]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 39).

([28]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 113).

([29]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 112).

([30]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (1/102).

([31]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 131).

([32]) انظر للتوسع في هذه المسألة: منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب في مسألة التكفير لأحمد الرضيمان (ص: 45-58).

([33]) انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية، التوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني، حكم التوسل بالأولياء والصالحين لناصر العقل.

([34]) سعادة الدارين في الرد على الفرقتين الوهابية ومقلِّدة الظاهرية (ص: 59).

([35]) فتنة الوهابية (ص: 4).

([36]) الرسائل الشخصية -مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- (6/ 12).

([37]) فتاوى ومسائل -مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- (4/ 68).

([38]) فتاوى ومسائل -مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- (4/68-69).

([39]) انظر: سير أعلام النبلاء (22/ 368). وانظر في عقيدته: ابن الفارض عقيدته وموقف العلماء منه لعبير الدعجاني.

([40]) العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين (2/289-299). انظر في عقيدته: ابن عربي عقيدته وموقف علماء المسلمين منه لدغش العجمي.

([41]) وقد بينها العلماء، ومنها ما كتبه الشيخ عبد الرحمن بن حسن في الدرر السنية (11/214-228).

([42]) الرسائل الشخصية -مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- (6/ 12).

([43]) انظر الرابط:

https://www.youtube.com/watch?v=pjYnUt5Fu7I

([44]) الرسائل الشخصية -مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- (6/72).

([45]) الرسائل الشخصية -مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- (6/136-137).

([46]) الرسائل الشخصية -مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- (6/189).

([47]) الرسائل الشخصية -مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- (6/193).

([48]) الرسائل الشخصية -مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- (6/64).

([49]) الرسائل الشخصية -مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- (6/72).

([50]) الرسائل الشخصية -مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- (6/13).

([51]) الرسائل الشخصية -مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- (6/12).

([52]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (2/ 184).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

دعوى العلمانيين أن علماء الإسلام يكفرون العباقرة والمفكرين

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة عرفت الحضارة الإسلامية ازدهارًا كبيرًا في كافة الأصعدة العلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ولقد كان للإسلام اللبنة الأولى لهذه الانطلاقة من خلال مبادئه التي تحثّ على العلم والمعرفة والتفكر في الكون، والعمل إلى آخر نفَسٍ للإنسان، حتى أوصى الإنسان أنَّه إذا قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها. ولقد كان […]

حديث: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ» شبهة ونقاش

من أكثر الإشكالات التي يمكن أن تؤثِّرَ على الشباب وتفكيرهم: الشبهات المتعلِّقة بالغيب والقدر، فهما بابان مهمّان يحرص أعداء الدين على الدخول منهما إلى قلوب المسلمين وعقولهم لزرع الشبهات التي كثيرًا ما تصادف هوى في النفس، فيتبعها فئام من المسلمين. وفي هذا المقال عرضٌ ونقاشٌ لشبهة واردة على حديثٍ من أحاديث النبي صلى الله عليه […]

آثار الحداثة على العقيدة والأخلاق

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الفكر الحداثي مذهبٌ غربيّ معاصر دخيل على الإسلام، والحداثة تعني: (محاولة الإنسان المعاصر رفض النَّمطِ الحضاري القائم، والنظامِ المعرفي الموروث، واستبدال نمطٍ جديد مُعَلْمَن تصوغه حصيلةٌ من المذاهب والفلسفات الأوروبية المادية الحديثة به على كافة الأصعدة؛ الفنية والأدبية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية…)([1]). ومما جاء أيضا في تعريفه: (محاولة […]

الإيمان بالغيب عاصم من وحل المادية (أهمية الإيمان بالغيب في العصر المادي)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعيش إنسان اليوم بين أحد رجلين: رجل تغمره الطمأنينة واليقين، ورجل ترهقه الحيرة والقلق والشكّ؛ نعم هذا هو الحال، ولا يكاد يخرج عن هذا أحد؛ فالأول هو الذي آمن بالغيب وآمن بالله ربا؛ فعرف الحقائق الوجوديّة الكبرى، وأدرك من أين جاء؟ ومن أوجده؟ ولماذا؟ وإلى أين المنتهى؟ بينما […]

مناقشة دعوى الإجماع على منع الخروج عن المذاهب الأربعة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن طريقة التعامل مع اختلاف أهل العلم بَيَّنَها الله تعالى بقوله: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ‌أَطِيعُواْ ‌ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ […]

بدعية المولد .. بين الصوفية والوهابية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدّمة: من الأمور المقرَّرة في دين الإسلام أن العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فإنَّ الإسلام مبني على أصلين: أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له، والثاني أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فالأصل في العبادات المنع والتوقيف. عَنْ عَلِيٍّ […]

الخرافات وأبواب الابتداع 

[ليس معقولاً، لا نقلاً، ولا عقلاً، إطلاق لفظ «السُّنَّة» على كل شيء لم يذكر فيه نص صريح من القرآن أو السنة، أو سار عليه إجماع الأمة كلها، في مشارق الأرض ومغاربها]. ومصيبة كبرى أن تستمر التهم المعلبة،كوهابي ، وأحد النابتة ، وضال، ومنحرف، ومبتدع وما هو أشنع من ذلك، على كل من ينادي بالتزام سنة […]

ترجمة الشَّيخ د. علي ناصر فقيهي

‏‏للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة ترجمة الشَّيخ د. علي ناصر فقيهي([1]) اسمه ونسبه: هو الشَّيخ الأستاذ الدكتور علي بن محمد بن ناصر آل حامض الفقيهي. مولده: كان مسقط رأسه في جنوب المملكة العربية السعودية، وتحديدا بقرية المنجارة التابعة لمحافظة أحد المسارحة، إحدى محافظات منطقة جيزان، عام 1354هـ. نشأته العلمية: نشأ الشيخ في مدينة جيزان […]

مناقشة دعوَى أنّ مشركِي العرب جحدوا الربوبية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: اعتَمَد بعضُ الأشاعرةِ في العصور الحديثةِ على مخالفة البدهيات الشرعية، وتوصَّلوا إلى نتائج لم يقل بها سلفُهم من علماء الأشعرية؛ وذلك لأنهم لما نظروا في أدلة ابن تيمية ومنطلقاته الفكرية وعرفوا قوتها وصلابتها، وأن طرد هذه الأصول والتزامَها تهدم ما لديهم من بدعٍ، لم يكن هناك بُدّ من […]

حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية في الإسلام

  إنَّ حريةَ الاعتقاد في الإسلام تميَّزت بتفاصيل كثيرة واضحة، وهي تعني أن كلَّ شخص حرّ في اختيار ما يؤمن به وما يدين به، ولا يجب على أحدٍ أن يُكرهَه على اعتقاده، كما تعني الاحترامَ لحرية الآخرين في اختياراتهم الدينية والمعتقدات الشخصية. موقفُ الإسلام من الحرية الدينية: الأصلُ عدمُ الإجبار على الإسلام، ولا يُكره أحد […]

دفع إشكال في مذهب الحنابلة في مسألة حَلِّ السِّحر بالسحر

  في هذا العصر -عصر التقدم المادي- تزداد ظاهرة السحر نفوذًا وانتشارًا، فأكثر شعوب العالم تقدّمًا مادّيًّا -كأمريكا وفرنسا وألمانيا- تجري فيها طقوس السحر على نطاق واسع وبطرق متنوعة، بل إن السحر قد واكب هذا التطور المادي، فأقيمت الجمعيات والمعاهد لتعليم السحر سواء عن طريق الانتظام أو الانتساب، كما نظمت المؤتمرات والندوات في هذا المجال. […]

الفكر الغنوصي في “إحياء علوم الدين” لأبي حامد الغزالي وموقف فقهاء ومتصوفة الغرب الإسلامي منه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة بسم الله الرحمن الرحيم لا تخفى المكانة التي حظي بها كتاب إحياء علوم الدين عند المتصوفة في المغرب والأندلس، فكتب التراجم والمناقب المتصوفة المغربية المشهورة، شاهدة على حضور معرفي مؤثر ظاهر لهذا الكتاب في تشكيل العقل المتصوف وتوجيه ممارسته، وأول ما يثير الانتباه فيه، هو التأكيد على الأثر المشرقي […]

لماذا أحرق أبو بكر وعمر الأحاديث؟

تمهيد: يلتفُّ بعض فرق المبتدعة حول الحداثيين والعلمانيين، ويلتفُّ العلمانيون ومن نحى نحوهم حول هذه الفرق، ويتقاطع معهم منكرو السنَّة ليجتمعوا كلّهم ضدَّ منهج أهل السنة والجماعة في تثبيت حجية السنة والأخذ بها والعمل بها والذبِّ عنها. وبالرغم من أنّ دوافع هذه الفرق والطوائف قد تختلف، إلا أنها تأخذ من بعضها البعض حتى يطعنوا في […]

هل كان ابن فيروز وغيره أعلم من ابن عبد الوهاب بمنهج ابن تيمية؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة يعتمد المخالفون على أن مناوئي الدعوة -من الحنابلة- كانوا معظِّمين لابن تيمية وابن القيم، بل وينتسبون إليهم أيضًا؛ كابن فيروز وابن داود وابن جرجيس، ويعتبرون ذلك دليلًا كافيًا على كونهم على مذهب ابن تيمية، وعلى كون الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعيدًا عن منهج الشيخين ابن تيمية وابن القيم. […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017