السبت - 19 جمادى الآخر 1446 هـ - 21 ديسمبر 2024 م

مناهج الإصلاح السلفيَّة وأثرها في نهضة الأمة

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

أحبائي الكرام: عنوان لقائنا: “مناهج الإصلاح السلفيَّة وأثرها في نهضة الأمَّة”.

  كما يعتاد الأكاديميون بأن يُبدأ بشرح العنوان، نشرح عنواننا فنقول: ما هو المقصود بكلمة (مناهج الإصلاح)؟ مناهج الإصلاح هل تعني طرق الإصلاح؟ أم أنَّ هناك معنى أشمل من كلمة الطُّرق؟

الحقيقة أنَّ كلمة المنهج أشمل من الطَّريق؛ وذلك أنَّ المنهج هو مسلك مهيع (أي واسع) يشتمل العديد من الجوادِّ، والجادَّة هي طريق السَّابل.

إذًا فالمنهج لا ينحصر في طريقٍ واحد، ومن الأخطاء التي تقع عند كثيرٍ من دعاة الإصلاح أنَّه يتصوَّر أنَّ الإصلاح له طريقٌ واحد، فإذا خرج أحدهم عن الطَّريقة التي يرتضونها قالوا خالفَ المنهج! وهذا فهمٌ لُغويٌّ قاصر لكلمة المنهج؛ لأنَّ المنهج هو المهيع الواسع الذي ينهجه الناس، ويكون في هذا المنهج -كما قلنا- جوادُّ كثيرة للسابلة، أي الذين يعبرون السبيل، فحينما نتكلم عن مناهج الإصلاح أعتقد أنَّه من المستحسن أن نقول: طرق الإصلاح في المنهج السَّلفي؛ لأنَّ السلفية منهجٌ واسعٌ كبيرٌ للإصلاح يشتمل على طرق، وهذه الطرق ما الذي يحدِّدها؟ تحدِّدها قواعد عامَّة في كتاب الله -سبحانه وتعالى-، وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، منها:

القاعدة الأولى: قول الله -عز وجل-: { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: 112]، أن تكون الاستقامة والإصلاح تؤدي إلى طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30]، فهذه قاعدة مهمة، وقاعدةٌ في المنهج، وهي: أن تكون هذه الطرق التي للإصلاح لا تخالف أمرَ الله، بل تتوافق مع أمر الله-سبحانه وتعالى-، ومع أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم.

القاعدة الثَّانية: أن تكون مناهج الإصلاح لجعل الدنيا معبرًا للآخرة، بمعنى: أنَّ طرق الإصلاح الكثيرة هذه لا يصح أن نصلح بها هذه الحياة لأجل الحياة؛ بل تكون الحياة الدنيا لأجل الآخرة، فإذا كان الإصلاح لذات الإصلاح أو لذات الدنيا، فلا شكَّ أنَّه سينقلب إلى إفساد، هذه قاعدةٌ أخرى.

القاعدة الثالثة التي ينبغي ملاحظتها حينما نتعرَّف على طرق الإصلاح الكثيرة: أنَّ الله -عز وجل- أذن لنا بل وأمرنا بالتَّفكر والتَّدبر، ولكن هذا التفكر والتدبر إنَّما يكون في عالم الشَّهادة وليس في عالم الغيب؛ لأنَّنا إذا جعلنا التفكير في عالم الغيب فإنَّنا لن نصل إلى نتيجة بل سنصل إلى إفساد، هذه القضية يهمني أن أقف عندها قليلاً.

الله عز وجل حينما قال: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الأنعام: 73] قال أيضًا: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26، 27]، إذًا حينما نريد التفكير، ونريد التَّفكُّر، ونريد التدبُّر، ونريد البحث، يكون بحثنا وتفكيرنا وتدبرنا إنَّما هو في عالم الشهادة، فما هو عالم الشهادة؟

عالم الشهادة -أيها الإخوة- هو العالم الذي يُمْكِنُنا بأي طريقةٍ من الطرق أن نشهدَه؛ سواءً بأعيننا مباشرة، أو بالتليسكوب، أو بالرواية عن الآخرين، أو أن نحسَّه، هذا عالم الشهادة، عالم الغيب هو الذي لا يمكننا بأي طريقة من الطرق أن نحسَّه، لا بتلسكوب ولا بأيِّ وسيلةٍ من الوسائل، فعالم الغيب نقتصر فيه على ما يُعْلِمنا الله -سبحانه وتعالى- عنه، أمَّا عالم الشهادة فلدينا فسحة كبيرة جدًّا في التَّفكير والبحث والمناقشة، كل هذه متاحة.

وربَّما لو فكر أحدٌ سوف يأتي أيضًا بقواعد أكثر تحكم منهج الإصلاح في السلفية.

نضيف لهذه الثَّلاثة التي تكلمنا عنها القاعدة الرابعة، وهي: أن لا يَؤُول هذا المنهج أو هذا الطَّريق إلى ما يبتعد بالنَّاس عن مقاصد الشَّريعة الإسلامية، ومقاصد الشريعة الإسلامية هي: (حفظ الضرورات، والحاجات، والتحسينات).

البعض حينما يتكلم عن هذه القاعدة يقول: الشَّريعة جاءت بحفظ الضَّروريات، فهل هذه صحيحة؟

لا، وهذه ربما تجدونها في بعض المحاضرات أو غيرها، بأن يقتصر الشيخ أو المحدث على حفظ الضروريات، حتى صارت هذه الكلمة دائرة على النَّاس وكأنَّ الشريعة لم تأتِ إلا بحفظ الضروريات، وهذا غير صحيح، فالشريعة قد جاءت بحفظ الضروريات والحاجيات والتحسينيات، فإذا كان هذا الإصلاح يعود إلى إتلاف التحسينيات، بمعنى أنَّ الناس لا يجدون توسعة وجمالًا في حياتهم فهو ليس بإصلاح! وأغلظ منه حينما يؤدي إلى إتلاف الحاجيات، وأغلظ منه حينما يؤدِّي إلى إتلاف الضروريات!

فحينما يكون هذا الإصلاح لا يعود على التَّحسينيات وعلى الحاجيات وعلى الضروريات بالإتلاف فهو سائر على المنهج الصحيح.

ولنعدَّ الأربعة سويًّا، ما هي القواعد التي تحكم عمل طرق الإصلاح؟

مداخلة: القواعد العامة في القرآن والسنة، بأن تكون طرق الإصلاح موافقة لها.

د. محمد السعيدي: نعم أحسنت، أن تكون موافقه للكتاب والسنة. ثانيًا؟

مداخلة: أن تكون تبعًا للآخرة.

د. محمد السعيدي: أن تُجعل الدنيا مقدمة للآخرة في كلِّ ما نعمله. الثالث؟

مداخلة: التَّفكر والتَّدبر في عالم الشهادة.

د. محمد السعيدي: أن يكون التَّفكر والتَّدبر في عالم الشهادة وليس في عالم الغيب، الرابعة ماذا؟

مداخلة: ألا يَؤول هذا المنهج إلى ما يبتعد بالنَّاس عن مقاصد الشريعة الإسلامية.

د. محمد السعيدي: مقاصد الشريعة التي هي حفظ الضروريات والحاجيات والتحسينيات.

حينما تكون هذه القواعد متوفرة؛ ابتَكِر من الطرق ما تشاء في ما يتناسب مع العصر الذي أنت فيه، وفي ما يتناسب مع أحوال الناس المادية، وفي ما يتناسب مع قضاياهم عن واقعهم السياسي وواقعهم الاجتماعي، ابتكر ما شئت من طرق الإصلاح.

إذًا ما هو الإصلاح الذي نحن نتكلم عن منهجِه وطُرُقِه؟

الإصلاح -أيها الإخوة- متنوِّع {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88]، ما الإصلاح؟

الإصلاح كلمة في أصول الفقه من المطلق، أو أحيانًا يقال: من العام، وعمومه جاء بأل التعريف (الإصلاح) أي: مطلق الإصلاح؛ إصلاحٌ ديني، إصلاحٌ اقتصادي، إصلاحٌ اجتماعي، كل هذه إصلاح، وكلها كما قلنا لا تخرج عن القواعد الأربع التي هي: أن لا تكون إلا في رضا الله عز وجل، وأن تكون على نهج الكتاب والسُّنة، وأن تكون مرادًا بها الآخرة، حتى الاقتصاد يراد به الآخرة، حتى الصناعة يراد بها الآخرة، حتى تحقيق التحسينات.

أحيانا يقال لك: المنهج السلفي أو الإسلام لا يهتمُّ بالمخترعات! وهذا غير صحيح، بل يهتم بالاختراعات لأنها تقدم التحسينات، وتقدم الحاجيات، أحيانًا تنقلب هذه التحسينات فتصبح ضرورة من الضروريات في يوم من الأيام، وهكذا.

أما عالم الغيب، فقد تكلمنا عن عالم الغيب والشهادة، فما دخل هذا الموضوع في قضية الإصلاح؟ من يعطينا تأمُّلَه؟

مداخلة: لكي لا يكون هناك تغيير في العقيدة.

د. محمد السعيدي: أحسنت، لكي لا يكون هناك عبثٌ في العقيدة، وتذهبُ عقولُ الناس وذكاؤهم وخبراتهم وقدراتهم كلها في بحث شيءٍ لن يحصلوا فيه شيئًا.

يقولون مثلًا: السلفيَّة أخرَّت الناس، وتأخر النَّاس بسبب السلفيَّة، هل هذا صحيح؟

لا، حينما كانت السلفيَّة تسود العالم الإسلامي، فالعالم الإسلامي فتح الآفاق، والعالم الإسلامي صنع السَّاعة في عهد هارون الرشيد، والعالم الإسلامي قاس محيط الكرة الأرضية، والعالم الإسلامي وضع قانونًا لحفظ مياه النيل، ووضع علم الجراحة، وعلم الطب، والعالم الإسلامي قاس محيط الكرة الأرضية فاكشف أنَّ الأرض كروية، متى كل هذا؟

نستطيع أن نقول إنَّ ذلك كله في العهود السلفيَّة التي هي القرون الأربعة الأولى، وتأخرت قليلاً في الأندلس؛ لأن السلفية تأخَّرت في الأندلس إلى القرن الخامس أو السَّادس، ثم جاء ابن زهر الجرَّاح في الأندلس، ثم بعد ذلك حينما جاءت المناهج البدعية التي صرفت عقول الناس إلى عالم الغيب صار أذكياء الناس في ماذا يختلفون؟ هل الله له قدم؟ هل الله ليس له قدم؟ هل الله استوى على العرش؟ هل الله لم يستو على العرش؟ هل الله كذا وهل الله كذا؟

وصارت المذاهب كلها تبحث في هذا، أناسٌ بحجم الفخر الرازي وعقليَّته وقدراته تجد كل شغله في ماذا؟ كان طبيبًا لكنَّه ترك كل شيء وجلس يشتغل في عالم الغيبيات التي لم يقتصر فيها على ما علَّمنا الله -عز وجل-، لكن أراد أن يثبت أن الله -عز وجل- ليس له صفات حقيقة، وأنَّ هذه الصفات مجازية، وأنها كذا.. فانشغل العالم فيها.

تبحث في التاريخ تجد شيئًا مأساويًّا جدًّا، وهو أنَّ المسلمين بعد القرن الرابع -أي في القرن الخامس والسادس- أين كتبهم ومؤلفاتهم في الفيزياء والفلك والكيمياء وغيرها؟ تعطَّلوا وعطَّلوا عقولهم بسبب ترك عالم الشهادة الذي أمرنا الله -عز وجل- به {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164]، فالله -عز وجل- أعطاك عالَم الشهادة، والكثير من الآيات تعلمك عالم الشهادة، وتريد أن تتفكَّر فيه، ثم يأتيك أحد ويقول لك: لماذا لا نفكر في كذا؟ يا أخي هذا عالمٌ غيبي، تفكر في عالم الغيب؟ ليست عندك الأدوات الصحيحَة للوصول إلى المعلومة، وليست عندك -أصلًا- أدواتٌ للوصول إلى المعلومة، تنشغل في عذاب القبر وكيف يجلس الميت؟! الآن من مسائل عالم الغيب من الأشياء التي اشتغلت فيها الفرق البدعية وأشغلت فيها العقول: عذاب القبر ونعيمه، كيف يعذَّب في القبر؟ كيف ينفتح له طاقة؟ هذه لا تتصور عقلًا، ردَّ هذه عقلًا، أجب عن هذه عقلًا! ولكن هذا عالم غيبٍ أصلاً، وليست لديك الأدوات للبحث فيه.

هل الفيزياء اخلتفت؟ الآن فيزياء الكون تختلف، الآن أنت تعيش على نظامٍ فيزيائي جعله الله -عز وجل-، تفهم مبادئه، وتفهم معادلاته، تدرسها وتُدَرِّسها، وتحاول أن تكتشفها، لكن حينما تدخل في عالم الغيب فإنك تدخل في فيزياء جديدة لا تستطيع أن تتكلَّم عنها، كيف يكون الصِّراط؟ كيف يكون كذا؟ وقد ذهبت المعتزلة وغيرهم إلى إنكار الصراط لأنهم لا يتصورونه، وإلى إنكار عذاب القبر لأنَّهم لا يتصورونه، وإلى إنكار أخبار الآحاد التي تتحدث في العقيدة، لماذا؟

لأنهم يقولون لك: كيف يقول منكرٌ ونكير للميت: (اقعد) والقبر ضيق؟ كيف يقعد؟ بل هو لا يستطيع أن يقعد، فيقيسون خطأً فيزياء عالم الغيب على فيزياء عالم الشهادة،! لا.. هذه فيزياء مختلفة، ليست هي الفيزياء التي نحن نشاهدها في عالم الشهادة، فأضاعوا العقول، وعطَّلوا الأمَّة الإسلامية تعطيلًا عظيمًا!

وكثيرٌ من النَّاس يقولون لك: الأمَّة الإسلامية لمَ تأخرت؟ تأخرت بسبب الدين؟

لا.. هي تأخرت بسبب ترك الدين، أعني ترك الأمر القرآني، القرآن الكريم مليءٌ بآيات التفكر والتدبر، فذهبوا يختلفون، وذهبوا يفكِّرون في عالم الغيب ويتركون عالم الشهادة، وهذه نستخدمها دائمًا حتى في الشبهات التي تُلقى علينا، والكلام الذي نقرؤه، لنعرف أنَّ الإسلام لم يجعل لك حدًّا في التفكير في عالم الشهادة، كيف صُنع هذا؟ وممَّ يتكون التراب؟ وممَّ يتكوَّن الغاز؟ كيف يتكوَّن النيتروجين مع الأكسجين وماذا يحدث؟ والنجوم ومسافاتها، هذه كلها أنت مأمورٌ بالتفكر فيها بلا إشكال.

إذًا هذه طرق الإصلاح، ومن خلال هذه القواعد يمكن لك أن تفعل ما تشاء، والآن نتساءل: كيف يمكن أن تكون هذه الطرق التي نبتكرها وفق هذه القواعد الأربع مُصِلحة للكون؟ وتساهم في نهضة ونموِّ الأمة الإسلامية؟

لنبدأ مثلاً بالإصلاح السياسي، نحن قلنا قاعدةً وهي: (أن لا يعود الإصلاح على الضروريات والحاجيات والتحسينيات بالإبطال)، فحينما نجد الأوامر والنواهي -كالكلام عن طاعة ولاة الأمور مثلا- فإن الكثير من الناس يتكلمون ويقولون لك: السلفيَّة يزيِّنون للحكام، ويزينون للطغاة، وما إلى ذلك، ونحن نسمع هذا الكلام كثيراً أليس كذلك؟ بلى، أنت تسمع هذا الكلام كثيراً لكن نحن لدينا نصوص، والنصوص معلَّلة أم ليست معللة؟ سيقولون لك: هذه أخبار آحاد! وقد وصل بعضهم إلى إنكار الأحاديث التي وردت في طاعة ولاة الأمور وفي طاعة الحكام، لماذا؟ لأنَّها أخبار آحاد، ولأنها لم تتناسب مع عقله وتفكيره.

نحن نقول: النصوص معللة في الشريعة، ولاحظ هنا أنَّ من عِظَم المنهج السلفي أنَّ أحكام الشريعة في المنهج السلفي معلَّلة.

ماذا عن أحكام الشريعة عند غير السلفيين؟

يعني الأشاعرة مثلاً الذين يدَّعون أنَّهم هم أهل العقل، وأنَّ السلفيين لا يهتمُّون بالعقل، ماذا يقولون في العلَّة؟ ينفون صفة الحكمة، ولأنَّهم ينفون صفة الحكمة ينفون التَّعليل، يقولون لك: الأحكام ليست معللة، كل الأحكام تعبُّديَّة.

كيف وأنتم أشاعرة، وتشغلونا كثيرًا بمقاصد الشريعة؟ في الوقت الحاضر مَنْ أكثر من يؤلف في مقاصد الشريعة؟ هم الأشاعرة، وأنتم الآن تبطلون مقاصد الشريعة بإنكاركم أنَّ الأحكام معلَّلة!

أعني أنه حينما يتكلم السلفي عن مقاصد الشَّريعة فهو مطَّردٌ ومتسق؛ لأنه يقول أنَّ أحكام الشريعة معلَّلة بالحكمة، أمَّا حينما يتكلم الأشعري عن مقاصد الشريعة فإنَّك تقول له: يا أخي كيف تقول مقاصد الشريعة، ومقاصد الشريعة تعني الحِكم؟ فيُحرج المعاصرون منهم، أما القدماء -يا أخوان- أعني: قدماء الأشاعرة، فقد كانوا أكثر اتساقًا وفهمًا لمذهبهم من المعاصرين، المعاصرون يأبون أن يعودوا ليقولوا: والله نحن سلفيون، ويصرون على أشعريتهم فيتناقضون ولا يتسقون.

وكثير من الناس يقولون لك: لماذا لا يوجد في التَّاريخ الإسلامي إلا كتابين في مقاصد الشريعة: كتاب العز بن عبد السلام والشاطبي، لماذا؟ لأنَّهم أشاعرةٌ فاهمون! كيف أؤلف في مقاصد الشريعة وأنا أقول بأنَّ الأحكام غير معللة، ولذلك فإنَّ العز بن عبد السلام قد تأثر بالحنابلة -كما يقوله السبكي في طبقات الشافعية- ولأنَّه كان متأثراً بالحنابلة كتب في مقاصد الشريعة، ويقصدون بالحنابلة: السلفية في ذلك الوقت، وكذلك الشاطبي كان له تأثرٌ بالسلفية فألف كتاب: (الاعتصام)، أمَّا البقية فلا يوجد لهم تأليفات في مقاصد الشريعة لأنَّها لا تتناسب مع المذهب الأشعري، والآن يكتبون في مقاصد الشريعة، وبهذا خرجوا عن مذهب الأشعرية في هذا الموضوع!

فأقول إذًا: من محاسن منهج السَّلف أنَّه يقول بالتَّعليل بالحِكم، فنُصوص الشَّريعة التي جاءت بطاعة ولاة الأمور، ولزوم الجماعة، وعدم شقِّ العصا، هذه ليست نصوص داعمة للمستبدِّ، وداعمة للظالم، وداعمة لكذا! وإنَّما هي نصوص واضحة حتى لا يترتب على الخروج مفاسد، وقد قال بعض السلف: أسرع الناس إلى الفتنة هو أعجزهم عنها، وهؤلاء السريعون للفتنة العاجزون عنها دائمًا تجدهم يقولون: لا بدَّ من التضحيات ولا بد من كذا…، بينما هو جالسٌ في لندن، وجالس في دول أخرى، ويتكلم عن التَّضحيات! والشباب لا بد أن يفعلوا كذا، وعِشْ شغف العيش!

 لا.. الإسلام يقول لك: أبقِ على التَّحسينات، واعبد الله -عز وجل-، واشكر نعمة الله -عز وجل- عليك، وأصلح بطريقةٍ لا تفرط فيها بأي شيء حتى بالتحسينات، فحينما يأمر الله عز وجل- والرَّسول -صلى الله عليه وسلم- بالطَّاعة، ويأمر بلزوم الجماعة، إنَّما هو يحرص على أن لا يفرط الناس بما يمكنهم من عبادة الله على الوجه الأمثل، وعبادة الله -عز وجل- لا تكون على الوجه الأمثل في ظلِّ الخوف؛ لذلك الله -عز وجل- جعل الخوف ابتلاءً أو نعمة؟

قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ} [البقرة: 155]، شيء بسيط {بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155] جعله بلاء، فالمحافظة على هذه الأمور يجب أن تحضر حينما نتكلم عن السياسة.

أيضًا نحن حينما نتكلم عن طاعة ولاة الأمور في غير معصية هل نحن نتحدَّث عن دعم المستبدِّ والتزيين له؟

لا، بعض الناس -وهذه حقيقة- أسرفوا فبدؤوا فعلاً يدعمون الأخطاء، ويبرِّرون ويصوِّبون، ودائمًا يجعلون الحكام منزَّهين عن كل سوء وعن كل باطل! لا، هذا خطأ، أنت حينما تكون ملتزمًا بالسنَّة، وملتزمًا بطاعة ولاة الأمور؛ فلست ملتزمًا بتزيين أخطائِهم، ولست مطالبًا شرعًا حتى بمحبَّتهم، أنت مطالبٌ بالطاعة في غير معصية، لكن كما قال الأعرابي لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين قال له عمر بن الخطاب: إذا أردت أن تأخذ أعطيتك فاذهب إلى المحصل وخذ الأعطيات من عنده، ولا تأتني لأني لا أحبك؛ وذلك لأنَّه هو الذي قتل زيد بن الخطَّاب، فقال له: هل عدم حبِّك لي منقص لي في عطائي؟ قال: لا، قال: إنَّما يأسى على الحبِّ النساء، وذهب. فإذا كان هذا لا يضرني، وإنما يأسى على الحب النساء، فأنت لست ملزماً بأن تكون محبًّا، وأن تكون ذراعًا، وأن تكون عينًا، لا.

 فإذا إذا لم نكن كذلك كيف نُصلح؟

نصلح بأمرٍ جعله الله -سبحانه وتعالى- بأيدينا، الله -عز وجل- جعل عندنا قضيَّة إصلاح المجتمع دينيَّا، وهذا يؤدي إلى إصلاحهم سياسيَّا، والجماعات الإسلامية دائمًا تستبطئ هذا الموضوع، فيقولون لك: بعيد، ومتعب! فدومًا يشتغلون ثمانين أو تسعين أو مائة سنة، أو مائتي سنة يشتغلون في قضيَّة محاولة الوصول للسلطة حتى يُصلحون، لكن لا هم يصلون إلى السلطة، ولا هم يصلون إلى إصلاح المجتمعات!

ماذا يقول الله عزوجل؟ شاهد هذا من القرآن الكريم: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55]، إذًا لدينا ثلاثة مطالب من الله عز وجل في مقابلها وعدٌ من الله عز وجل بثلاثة أمور، فإمَّا أن نقول إنَّ الله عز وجل يخلف وعده، وإما أن نقول إن الله لا يخلف وعده، فإذا قلنا إنَّ الله يخلف وعده فقد خرجنا من الدين، وإذا قلنا إنَّ الله لا يخلف وعده فيجب علينا الالتزام؛ لأنَّ الله عز وجل قال: {الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [النور: 55]، هذان شرطان وهما: الإيمان وعمل الصالحات، وفي النهاية قال: {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55] أي إخلاص العقيدة لله، وفي مقابلها يحقق لك ثلاثة أمور وهي: التَّمكين، والاستخلاف، وتبديل الخوف بالأمن، هل الآن مطالب الشعوب تخرج عن هذه الثلاثة؟ كل مطالب الشعوب هذه الثلاثة، لكن الناس بدلا من هذا يجعلون العلاقة بينهم وبين الحكومات سيئة، ثم تضغط عليهم الحكومات وتحول بينهم وبين الدَّعوة، وهذا حصل في كثير من المرات، تكون الدعوة متاحة، ويستطيع الناس إصلاح المجتمعات شيئًا فشيئًا حتى يصل المجتمع إلى الرونق الجميل فتضطر السلطة أن تتوافق مع المجتمع وتلبِّي ما يريده المجتمع، لكن هذا الاستعجال يفسد عليهم، (من تعجَّل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه)([1])، فيتعجلون الأمر، ويبدؤون من فوق فيُضيَّق عليهم حتى في مجال إصلاح النَّاس.

وأحيانًا يقال: السلفيون ليس عندهم علم بالسياسة.

بل السياسة الحقيقة هي ما يعمله السلفيون، وربما يكون في هذه الجملة إكمال لما تكلَّمنا عنه عصر اليوم وهو قضية “محاربة المنهج السلفي” لماذا؟ لأن جميع الحكام يعرفون أنَّك حينما تؤطِّر المجتمع وتجعله على وفق الفكر الذي تريد سيضطرون هم إلى مواكبة المجتمع، والتغيُّر على وفق المجتمع، ولهذا سياسة نشر العولمة عند الولايات المتحدة التي بدأت مع بداية الثمانينات الميلادية -وحتى الغرب كانوا يخافون منها ولا يريدونها- هي تغيير قِيَم الناس لكي تكون متوافقة مع القيم التي يسمُّونها: (القيم الأمريكية)، فلمَ أمريكا تبذل أموالًا وتنتج أفلامًا؟

تلاحظون أنتم أنَّ الأمريكان ينتجون أفلامًا ويقدمونها للقنوات العربية بأسعارٍ زهيدة، تنظر إلى الأفلام وإلى المسلسلات وإذا بها مكلفة في الإنتاج، وتجد القنوات العربية تعرض مسلسلًا وراء مسلسل، لماذا هذه الأموال التي تُخسر؟ لماذا لديهم مشروع في الولايات المتحدة اسمه (الزائر الدولي)؟ يجلبون الناس من المثقفين في العالم العربي، ويدفعون عليهم تذاكر ونفقات، لماذا هذا؟ لتغيير القيم، لماذا؟ كنَّا نتكلم البارحة عن كتاب (الإسلام المدني الديمقراطي) وتقرير راند، أعني: تغيير الإسلام إلى إسلام مدني ديمقراطي، وبناء شبكات إسلامية معتدلة، حتى أن هناك تقرير لمؤسسة راند اسمه: (الدولار والخبز والفكر)، هذه القضايا لماذا يحرصون عليها؟ لأنَّهم اكتشفوا هذا الأمر الذي أخبر عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقاله الله -عز وجل- من ألف وأربعمائة سنة، وهو أنَّ تغيير أفكار الشعوب كفيلٌ بسهولة سيادتها، فحينما تجعل الشعب على وفق فكرك، وطموحاته هي طموحاتك التي أنت تريدها من الشعب، وآمالك هي الآمال التي يعبر عنها الشعب، فلا يمكن للشعب أن يغيِّرك.

فحينما السلفيون يقصدون أو يدعون إلى تغيير المجتمعات، والانشغال بدعوة المجتمعات، ومحاربة الأفكار الوافدات، وتعزيز الثقة بالنفس، وتعزيز الثقة بالتاريخ، وتعزيز الثقة بالمستقبل أيضًا، وبناء النفس؛ الذي يدعو إليه دعاة المنهج السلفي الصَّحيح هذا لو يكتمل، وتتفق عليه الجماعات وينجحون، ستبدأ الحكومات نفسها -حتى لو كانت ظالمة- بالتغير، لا يمكن لحكومة عندها شعب (30-40) مليون ثم تخالف الشعوب، وإن خالفتها فلا تخالفها بالكلية، فهذا هو تحقيق وعد الله عز وجل، وهذا هو الإصلاح الحقيقي.

فالمشكلة حينما استبطَأَت -كما قلنا قبل قليل- الجماعات هذا الموضوع، ورأوا أنَّه شيء طويل، كما قال الشيخ الألباني رحمه الله: “هم جلسوا ثمانين سنة ما سووا شيء”، فلو كانت جهودهم في تحقيق التوحيد، وفي تحقيق الطاعة، وبناء النفس الإنسانية الواثقة لكان خيرًا.

الآن كل الشبهات تدخل عند هذه الجماعات ولا تجد أحدًا يرد عليها، هل رأيتم أحدًا من الجماعات الإسلامية المختلفة غير السلفية منشغلٌ بالرد على الشبهات على الإسلام؟ لا تجد، بل غير السلفيين منشغلون بالسلفيين، وهناك مراكز بحثية لتحطيم السلفية! أما السلفيون فمشغولون ببناء المجتمع، وببناء الناس، وببناء النفس بالثقة.

  هناك شيء مهم جداً: من سمات منهج الإصلاح السلفي: الثِّقة بالتاريخ، أعني: دائمًا تجد أنَّنا معنيون كثيراً بالدفاع عن صدر الإسلام -الجيل الأول، الجيل الثاني، الجيل الثالث-، وتجد أنَّ هناك أناس مشغولون بهدم ذلك، كالشيعة الذين لا يرون أيَّ بطولة ولا خير في التاريخ الإسلامي، فتجد أي شيء جيد في التاريخ الإسلامي ينكرونه، وتجدهم يسبُّون عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، حتى القادة المتأخرين مثل صلاح الدين الأيوبي؛ لأنَّهم لا يحبونه مع أنَّه هو محرر المسجد الأقصى الذي يدعون اليوم أنَّهم هم الذين يدافعون عنه!

نحن دائمًا معنيون بالدفاع عن التَّاريخ حتى لو كان رموز التاريخ أصلاً كانوا في بعض الأحيان معادين للمنهج السلفي، فعلى سبيل المثال: الوزير نظام الملك الذي هو الوزير السلجوقي كان وزيرًا لألب أرسلان، تجد أنَّ السلفيين يكتبون عنه بتعظيمٍ وتبجيلٍ مع أنَّه أول من اضطهد السلفيَّة لماذا؟ لأنَّه كان له باعٌ في العلم الشرعي، أنشأ المدارس النظامية في عهده، وبعث علم الفقه، فقد حصلت فترة خمول في العلم الشرعي؛ فلمَّا جاء نظام الملك هذا أسَّس مدارس يسمونها “المدارس النظامية”، وكانت منتشرة من فلسطين إلى الصين، إذ أنه كان يبنيها هو، ويضع لها أوقافًا، وينفق عليها، فبدأت هذه المدارس تُعيد العلم الشرعي، عيبُها أن منهجها كان أشعريًّا، وكان يُمنع غيرهم، ولا يعمل بالتدريس في هذه المدارس إلا من كان أشعريًّا وما إلى ذلك، وكان عنده تعصب شديد على هذا الموضوع، لكن مع ذلك نحن ندافع عنه، لماذا؟ لأنَّه يجب أن يكون عندنا ثقة بتاريخنا.

ولماذا نريد أن يكون عندنا ثقة بتاريخنا؟ تاريخ الصحابة أدركنا لِمَ نثق به، فلماذا نركز على تاريخ ما بعد الصحابة؟ تجد كثيرًا من الناس يركز على فترات المشاكل، وكذا، ونحن نركز على الفترات المضيئة، ما هو السبب؟

السبب أيها الإخوة اكتشفه المفكر الاجتماعي المؤرخ الإنجليزي “أرنولد توينبي”، أرنولد توينبي ما هي أشهر نظرياته في تفسير التاريخ؟

نظيرته اسمها نظرية “التحدي والاستجابة”، وخلاصتها يقول توينبي: إنَّ الشعوب ذات التاريخ، أي التي لها تاريخ قوي، وتاريخ متميز، وتاريخ فيه حضارة، هذه تشعر في النهاية بالتَّحدي مع ماضيها فتستجيب لهذا التَّحدي فتصنع الحضارة من جديد.

أعيدها، يقول: الشعوب التي لها تاريخ مضيء، أو تاريخ حضاري، تشعر بالتحدي أمام هذا التَّاريخ، وتستجيب لهذا التحدي فتعود لبناء الحضارة من جديد، فهو التحدي والاستجابة؛ ولذلك يقول لك: الشعوب التي ليس لها تاريخ، وليس لها حضارات قديمة، هذه لا تنشئ حضارات جديدة، الأمم التي نسيت تاريخها لا تنشئ حضارات جديدة، وإنما ينشئ الحضارات: الذين لهم تاريخ يتذكرونه.

وسأعطيكم قضية أخرى، وهي أنَّ الأوربيين حينما أرادوا النهوض ماذا تبنوا؟

تبنوا التاريخ اليوناني الإغريقي، هل التاريخ الإغريقي هو تاريخ أوربي يمتلكونه؟ لا، هؤلاء في بريطانيا (ساكسون) بعيدون عن اليونان عرقًا وجنساً ولغةً، والفرنسيون بعيدون أيضًا عن اليونان وعن الرومان، والألمان نفس الشيء ليس لهم علاقة، فهم من وسط آسيا، وأصولهم: الشعوب الجرمانية، يعني ليس لهم علاقة باليونان، لكن ذهبوا وتبنوا التَّاريخ اليوناني وقالوا هذا تاريخ أوربي مع أنَّ اليونان أقرب للشرق، أوربا لها جذور في التاريخ قديمة، وهم ليست جذورهم ولا يعرفونها، كانت جذورهم وثنية بعيدة ليس فيها حضارة، وقد كتب عنها ابن فضلان، ابن فضلان هذا رجل توفي سنة 308ه تقريباً، أرسله الخليفة -أظنُّ أنه المعضتد- إلى البوسنة والهرسك، لماذا؟ كان ملك البوسنة مسلمًا وفي محيط نصارى ويهود، وكانوا يؤذونه، فأرسل للخليفة وقال: أنا أريد أن أبني مسجدًا، وأريد من أموال الخليفة الطاهرة، أريدك أن ترسل لي أربعة آلاف دينار أبني بها مسجدًا من أموال الخليفة الطاهرة، وقال له: نحن أرضنا غنية، وشعبنا غني، لكن أنا أريد المال الطاهر الذي هو مالُ الخليفة، وقد كان لديهم هذا الاعتقاد في الخليفة، فأرسل الخليفة ابن فضلان، ولاحِظ أنَّ ابن فضلان حتى يصل أوروبا اتخذ طريقًا بعيدا، ولا أدري مالسبب، لعلهم كانوا يتصورون أنه أقرب، أو كانوا يخافون من قطاع الطرق الرومان والقبارصة في ذلك الوقت، لا أعلم، لكن لم يتخذ الطريق الأقرب بأن يسلك طريق الشام ثم يبحر عبر البحر المتوسط ليصل إلى البوسنة، ماذا فعل؟ ذهب مع آسيا إلى منطقة من مناطق الأتراك والتتر وأراد أن ينزل إلى البوسنة، فحصلت له مشاكل، ثمَّ ذهب وأقام في الدنمارك وكتب عن الدنماركيين في ذلك الوقت، وحينما تقرأ كلامه عن الدنماركيين ستجد أنهم أذل من البهائم! لاحظ أن هذا في 308ه، فهم ليس لهم علاقة باليونانيين ومع ذلك تبنوا الحضارة اليونانيَّة، وكل ذلك حتى يكون عندهم تحدي واستجابة.

وتلاحظ نفس الأمر عند اليهود، فهم دائمًا يحاولون ربط أنفسهم بالتَّاريخ اليهودي والسامرة، بأمورٍ لم يصنعوها هم، بل هم كانوا بشهادة كتبهم دمويُّون! حينما تقرأ سفر أستير في التوراة عن ماذا يتحدث؟ يتحدث عن القتل، يقولون (حرموها) يعني قتلوها في مصطلحات التوراة، فذهبوا إلى أريحا وقتلوا أهلها، وكلما يأتون قرية قتلوا أهلها، كل تاريخهم دموي، وهو هدمٌ للحضارات وليس بناء لها، ومع ذلك فإنهم الآن يتقدمون، ويحاولون أن يكون لهم تاريخ، ويحاولون أن يستنطقوا كلَّ حجر لكي يكون له تاريخ في هذه البلاد، ليس فقط لكي يوجدوا مشروعيَّة وجودهم، وإنما لنظرية التحدي والاستجابة.

ونحن شعب صاحب حضارة، لسنا شعبًا مهملًا في هذه الأرض، فقضية التحدي والاستجابة ما الذي جعلنا نتكلم عنها الآن؟ حينما قلنا أنَّ من المنهج السلفي: حِفْظُ التاريخ، وعدم الإساءة إلى هذا التاريخ، وعدم تجريحه، ومن اشتغل بتجريح التاريخ هم الذين قعدوا بحضارة المسلمين مثل الشيعة، فهم الذين تبنوا إفساد التاريخ الإسلامي وعدم إظهار محاسنه.

نترك الآن مجالاً للأسئلة، وستأتي ببقية العناصر.

مداخلة: لدي تعليقٌ بسيط في نظرية التحدي، مسلمو روسيا حين أخذهم الشيوعيون عندما حكموا روسيا كانت لهم أمور عجيبة في تناقل دينهم، كان الإنسان يتخفَّى ويذهب لينقل دينه ثم يرجع، وحين ذهبت الشيوعية ظهر الدين فجأة، وعاد كلُّ مسلمي روسيا إلى الإسلام، هذا أيضاً من نظرية التحدي.

د. محمد السعيدي: أحسنت، هذا تطبيق عملي لنظرية التحدي والاستجابة.

مداخلة: جزاكم الله خيراً، ذكرت أنَّ من أفضل طرق الإصلاح التي اتخذها النبي -صلى الله عليه وسلم: إصلاح الشعوب وإصلاح الأفراد، ما هي أفضل طريقة لإيصال هذا المفهوم لعوامِّ الناس؟ فالبعض يتَّهم السلفيين بأنهم لا يدخلون في المجالس السياسية، أو لا يلجؤون إلى السلاح مثلاً في الإصلاح، وينتهجوا نهج النبي -صلى الله عليه وسلم- في إصلاح الأفراد وإصلاح الشعوب، ويقولون إن هذا المنهج يأخذ وقتًا طويلًا، فما هي أفضل طريقة لإخبارهم أنَّ هذا هو أفضل طرق الإصلاح؟

د. محمد السعيدي: قل لهم: افتحوا القرآن من أوله إلى آخره، هل تجدون فيه سوى الأمر بالاعتقاد، وحب التوحيد، والأمر بالصلاة، والأمر بالصوم، والأمر بالاستقامة، والأمر بالطاعة، اليوم -جزاه الله خيراً- محاضرة الأخ في: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [الأحقاف: 13]، ثم استقاموا يعني أمر بالاستقامة لكل شخص، إذًا من أول المصحف إلى آخره تجد التركيز على هذا الأمر.

لو كانت قضية ترك الشعوب، وترك الإصلاح الديني، والانشغال فقط بتغيير أنظمة الحكم، لو كان هذا هو الأساس في الإصلاح لقام الرسول -صلى الله عليه وسلم- حينما عرضوا عليه الملك! ألم تعرض قريشٌ على النبي -صلى الله عليه وسلم- الملك؟ قالوا: إن أردت ملكاً ملَّكناك علينا، إذًا كان يمكنه أن يقول: أُصبح ملكًا ثم آمرهم بالإسلام، لكن الإسلام والإصلاح الذي يفرض بسلطة نظام لا يكون هو الإصلاح الحقيقي الذي وعد الله -عز وجل- به النَّاس، أعني الذي تتحقق على أثره الوعود.

ولهذا- يا إخوان- حينما نتأمل في قصة يوسف -عليه السلام- نجد مسألة عجيبة جدًّا، يقال إن يوسف -عليه السلام- حكم مصر مائة سنة، يعني كان عزيزاً لمصر، وهو الآمر والناهي والمفَوّض -هكذا يقال والله أعلم- ولنفترض أنه حكم خمسين سنة مثلا، خمسين سنة حكم مصرَ ماذا صنع فيها؟ لا شكَّ أنَّه يحاول أو يسعى إلى إقامة شرع الله من منطق أعلى منصب يقيم الشرع، لكن بعد هذا الحكم ما الذي حصل وهو نبي؟ هل مات وترك مصر مسلمة؟ لا، {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ} [غافر: 34]، يوسف عليه السلام موجود، ويصلح بنفسه، ومع ذلك: {فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} [غافر: 34] كانوا في شك، يوسف -عليه السلام- اشتغل بالإصلاح السياسي والإصلاح المالي، حفر -مثلما يقول المصريون- بحر يوسف، يوسف -عليه السلام- حفر بحراً أو نهراً بطريقة هندسية عجيبة مدَّه من النيل إلى الفيوم، الفيوم ليس فيها نهر، ولا يمر عليها النيل، وإنما يمر عليها ماذا؟ وصارت الفيوم من أخصب مناطق مصر، ومن أكثرها إنتاجًا، حتى في عهد الدولة الأموية والعباسية والإخشيدية كانت الفيوم من أكثر مناطق مصر إنتاجًا، ظلَّ هذا الإنجاز ليوسف الذي كان ينجز إنجازاً عمرانيًّا، وإنجازًا مائيًّا، كان يقوم بإصلاح اقتصادي، ولا شكَّ أنه يشرع أنظمة تخدم الدين، لكن {حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا } [غافر: 34] إذًا ما الذي حدث؟ بعد يوسف انقسم الناس، فمنهم -وهم الأكثر- كفروا منذ أن مات يوسف -عليه السلام- {حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا } [غافر: 34] مع أنهم أصلاً كانوا شاكين فيه، فلما مات قالوا الحمد لله أراحنا!

كان إصلاحًا نظاميًّا فقط، ولم يكن إصلاحًا من القاعدة، الذين بقوا يحافظون ويصبرون على الدين هم الذين أصلحهم الأنبياء من قبل، اشتغلوا عليهم في التربية الدينية، بنوا إسرائيل كان لديهم إرثٌ من يعقوب، ومن إسحاق، ومن إبراهيم -عليهم السلام-، فكان عندهم هذا الإرث الإصلاحي الذي يصلح النفوس، هؤلاء ماذا بهم؟ صبروا على الدين، تعرضوا للاضطهاد بسبب صبرهم على الدين، ما الذي حصل؟ {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الأعراف: 137] بماذا؟ {بِمَا صَبَرُوا } [الأعراف: 137] فهذا مثال لما إذا كان الإصلاح من النفس والجذور إصلاحًا حقيقيًّا، فهذا هو الذي يبقى؛ ولذلك يبتلي الله -عز وجل- كثيراً من الناس بأن تطبق عليهم الشريعة فترة من الزمن ثم يكلهم الله عز وجل إلى أنفسهم، أعني بذهاب الدولة، فيكلهم الله -عز وجل- إلى أنفسهم، فهل أنتم أسلمتم وتدينتم بالشريعة إيمانًا بالدولة أم إيماناً بالله؟ أحياناً ترفع الدولة سقف أنظمتها، فيُختبر الناس هل يسيؤون أم يحسنون؟ هل كانوا متدينين، ونساؤهم محجبات لأجل الأنظمة أم لأجل الدين؟ هذا ابتلاء من الله عز وجل لأن الله عز وجل يختبر في هذه الدنيا.

مداخلة: شيخنا ممكن توضح الفرق بين الضرورات والحاجات؟

د. محمد السعيدي: الضرورات هي التي إذا لم توجد هلك الناس، هذه الضرورات مثل الماء، فلو انقطعت محطات التحلية هنا في الكويت -مثلا- ما الذي سيحصل؟ سيهلك الناس إذا انقطعت، فلذلك نقول: توفير الماء توفير ضرورات، يعني يحل لمن أصبح الأمر بينه وبين الهلكة أن يرتكب المحظور، ولذلك قالوا: (الضرورات تبيح المحظورات) مع أنهم ربما توسعوا الآن في الضرورات.

(الضرورات تبيح المحظورات) يعني الأشياء التي إذا تركها الإنسان هلك، فمثلًا متى يجوز له أن يأكل من لحم الميتة؟ إذا شارف على الهلاك، وليس أول ما يجوع يجوز له أن يقول: هذه ميتة وسآكلها.

أذكر أنني  كنت مع أحد الزملاء في لندن، وكان يقول: يا أخي هذه ذبائح أهل الكتاب، ويريدنا أن نأكل، فقلت له: ليست ذبائح، هذه كلها مصعوقة، قال: هذه فتوى الشيخ القرضاوي، قلت: لا تأخذ، خذ بكلام الله عز وجل في ذبائح أهل الكتاب فأما هذه فليست بذبائح، وكنا نتعب في الحصول على المطعم الذي عنده الحلال أو نأكل سمكًا، فكان من حججه أن يقول: (الضرورات تبيح المحظورات)، لكن يا أخي هذه ليست ضرروة، نستطيع أن نأكل الخضروات، والفواكه، فلا توجد ضرورة، ولكن هناك من يتعجل فيستحل وهذا غير صحيح، فالضرورة هي أن تشرف على الهلاك.

وماهي الحاجة؟ الحاجة هي التي يصبح الإنسان في ضيق إذا لم تتوفر، فحياته ستسير إن لم تتوفر لكن سيعيش في ضيق، وذلك مثل البيوت، فلو أنَّ الناس كلهم عاشوا في خيام لكانوا في ضيق، فالمنازل المسقوفة والحديد وغير هذه الأمور تعتبر حاجة، لكن لو لم توجد بيوت هل سيموت الإنسان؟ لا، سيبنون خيامًا، وقد خلق الله -سبحانه وتعالى- لنا أشياء تقوم مقامها، وامتن علينا في القرآن الكريم بها، مع أنها تجعل الإنسان في ضيق.

أما التحسينات: فهي التي تجعل عيشك أكثر هناءً ولذَّةً وجمالاً، فإذا كان لديك بيت فالحوش الكبير له -مثلًا- من التحسينات، وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “ثلاث من السعادة” ذكر منها: “الدار الواسعة”([2])، مع أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانت داره أربعة أذرع في ثلاثة أذرع -صلى الله وسلم عليه-، ومع ذلك يقول: ” ثلاث من السعادة” وذكر منها: “الدار الواسعة”، ويعني بالسعادة: شيء يحدثك لك مزيداً من الاستمتاع بهذه الدنيا، الله عز وجل يريدك أن تتلذَّذ، يريدك أن تتنعَّم بالطيبات، يريدك أن تستأنس في حياتك، لا يريد أن يضيق عليك، فمِن شُكْر الله -عز وجل- أن يرى أثر نعمته، مثلما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده”([3])، فهذا من التحسينات.

مداخلة: شيخنا،كيف نوفِّق ما بين العمل الدعوي الإصلاحي والعمل الدنيوي، كالعمل والعائلة وغير ذلك؟

د. محمد السعيدي: يبدو لي -والله أعلم- أنَّك لست محتاجًا إلى التوفيق، لماذا؟ لأنَّ المفترض أن يكون عملك كله دعويَّا، يعني عملك العائلي وأنت مع زوجتك هذا عملٌ دعوي، ومع أولادك عملٌ دعوي، حينما تذهب وتشتري لأولادك وتكدح، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: “حتى اللقمة يضعها الرجل في فيِّ امرأته يكون له فيها أجر”([4])، التبسط معها مثلًا عمل دعوي يجعلك قدوة حتى أمام الناس، فلا تحتاج إلى توفيق.

ليس من الضرورة أن يكون العمل الدعوي بأن تكون لديك مجموعات تدعوهم، لا؛ الدعوة بأن يراك أحد على خير، هذه تعتبر دعوة؛ لذلك ينبغي على الإنسان أن يكون في لحظة احتساب دائم حتى لا يفوته شئ، هناك أشياء أنت لا تدري عنها، أشياء أنت لا تعلم بها عن نفسك، فقد يراك أحدٌ تسير سيراً متزناً وقورواً في سمت جيد فأعجبه ذلك وبدأ يعمل مثلك، السمت الطيب هذه حسنة أم ليس حسنة؟ حسنة، رآك في سمت طيب فأراد أن يعمل مثلك، إذا كنت محتسبًا يكون لك أجر وأنت لا تدري وأنت لا تعلم؛ لذلك يكون الإنسان دائماً في حالة احتساب، فليس عندنا هذا التَّضاد، ومثلما يقولون: كيف توفق المرأة بين عملها وبين خدمة زوجها؟ هذا صحيح ممكن نتكلم فيه عن التوفيق، لكن الدعوة لا، الدعوة ليس فيها أيُّ تعارض.

مداخلة: يا شيخ -جزاك الله خير- في مسألة الخروج على الحاكم ومسألة المظاهرات، حدث بعض اللبس عند بعض العوام وبعض طلبة العلم، وذلك في قضيَّة الطعن في المشايخ الذين أباحوا المظاهرات، واتهامهم بالخروج على الحكام، فلعلك تفصل لنا في هذه المسألة؟ خصوصاً وأنه حدث كلام كثير على بعض المشايخ.

د. محمد السعيدي: أخي الكريم المظاهرات جاءتنا من أين؟ هي نظام غربي أصلاً أليس كذلك؟ الغرب حينما أجازوا المظاهرات أجازوها بضوابط أم أجازوها عامَّة بهذا الشكل؟

بل بضوابط، ففي بريطانيا -أُمّ الديمقراطية- حينما تريد أن تصنع مظاهرة ما الذي عليك؟ عليك أن تذهب إلى قسم الشرطة، وتحدد المدَّة الزمنية، فتقول: أنا مظاهرتي من الساعة 4 إلى 6، ومظاهرتي ستكون في الشارع الفلاني والشارع الفلاني، والعدد المتوقع للحضور كذا وكذا، وبهذا الشكل تكون منضبطة، لكن حينما تكون المظاهرات عند البريطانيين مظاهرات عامَّة، يخرج لها الشعب بالكلية، وتكون دون تصاريح، ماذا يُصنع بها؟ تُقمع، مثلما حصل في عهد قولدن براون، فقد خرج الناس في تظاهرات وقمعهم، وسُئل في مجلس الشعب، فماذا قال؟ قال: حينما يتعرض أمن بريطانيا للخطر فلا تسألني عن حقوق الإنسان! هكذا فحسب، لاتوجد حقوق إنسان ولا شيء، بل رماهم في السجون، صغارًا  وكبارًا وأطفالًا، وقال هذه الكلمة: حينما يتعرض أمن بريطانيا للخطر فلا تسألني عن حقوق الإنسان.

فنحن نتكلم ونقول: المظاهرات خروج. نعم المظاهرات إذا كانت في دولة تبيح المظاهرات مثل الدول الديمقراطية العربية التي تعمل بالأنظمة الديمقراطية، وقمت أنت من باب التعبير عن رأيك وفقًا للأنظمة التي عندهم التي أباحها الحاكم -سواء سميناه وليَّ أمر أو سميناه حاكمًا- فجئت وأخذت تصريحًا من وقت كذا إلى كذا، وعبَّرت عن وجهة نظرك، فهذه ليست خروجًا، لكن حينما تقوم بمظاهرة وتدعو إلى أن يخرج الشعب بالكامل بهذا الشكل حتى لو لم يكن فيها حمل سلاح؛ فهذه خروج، ومفاسدها أعظم من مصالحها، بل هي مقدمة للخروج بالسيف! حينما قامت المظاهرات على الطاغوت الخبيث “القذافي” بهذا الشكل ما الذي حصل؟ حصل بعدها مفاسد كبيرة، واضطروا إلى أنَّهم يستعينون بحلف النَّاتو، وجاء حلف الناتو بدعوى الضرورة، وهنا أتذكر القرضاوي حينما حصلت أزمة الخليج كان يحرِّم استدعاء القوات الأجنبية، وكان علماء السعودية يقولون: ضرورة، فيقول: لا، ليست ضرورة، لكن حينما جاءت قضية القذافي قال: ضرورة، وأحضروا الناتو! المسألة ليست مسألة هوى، فالمهم حدثت المفاسد، ونحن نرى إلى يومنا هذا مفاسدها، صحيح أن الله جنب تونس أن تستمر مع أن ذلك النظام في تونس فيه تقهقر، لكن اليمن تورط، السودان إلى الآن متورط، وليس كل مرة تسلم الجرة -كما يقال- وهؤلاء دائماً ليس لديهم مثال ناجح إلا تونس.

مداخلة: وكذلك مصر ياشيخ لم يحصل فيها شيء فهي مثل تونس، لماذا لا يعدون ثورتها ناجحة أيضًا؟

د. محمد السعيدي: لا، مصر تختلف عن تونس في نظرهم؛ لأنهم يرون أن الجيش أبطل الثورة بما يسمونه انقلابا، ويسميه الجيش ثورة.

مداخلة: شيخنا: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [النور: 55]، نستدل بهذه الآيات على أننا إذا طبقنا الشروط نستحق الوعد بالتمكين، لكن قوله “منكم” خطابٌ موجَّه للصَّحابة، والوعد أصلًا وقع، فكيف نستدلُّ بها؟

د. السعيدي: سؤال: القرآن نزل للصحابة أم نزل للأمة جمعاء؟ للأمة جمعاء، وكذلك هذه الآية، فإذا انتهى التمكين للصحابة ألا يوجد لغيرهم؟ هذا غير صحيح، القرآن باقٍ، ووعود القرآن باقية: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور: 55]، لماذا نخصصها بالصحابة؟ لماذا لا نقول (منكم) يعني: من هذه الأمة؟ فـ(منكم) على فرض أن السياق للصحابة، فمن بعدهم أولى بالحكم منهم؛ لأنَّ الصحابة كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- آمنوا بالرَّسول لأنهم شهدوه وشهدوا معجزاته، نحن آمنَّا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم نشهده ولم نشهد معجزاته، فنحن أولى بمثل هذه البشائر([5]) .

مداخلة: إذا جئنا إلى الخلاف الداخلي بين الجماعات السلفية في مسألة الإصلاح نجد أنَّ أغلب الجماعات متَّفقة في القواعد التي ذكرتموها، فإذا أردنا أن نعرف موضع الخلاف بالضَّبط بين هذه الجماعات، هل يمكن أن نقول: الخلاف هو في مسألة تقديم موضوع الضروريات الخمس، أعني: الخلاف في مسألة أي الضروريات أولى بالتقديم؟ هل هذا هو موضع الخلاف بين هذه الجماعات السلفية؟

د. محمد السعيدي: في بعض السلفيين لا، ولكن الذي نتكلم عنه في قضيَّة الإصلاح هم لا يرونه، فالجماعات الأخرى وهم سلفيُّون يرون أنَّ الإصلاح من فوق، ولديهم دائمًا شكوك حتى في الحكومات، ورغبة في التأليب عليها، وإذا جاءت مثل هذه الفتن يسارعون فيها، وبعض هؤلاء يخالفوننا أصلاً وإن كانوا في جوانب كثيرة من جوانب العقيدة معنا.

آخرون من السلفيين، يخالفوننا في قضيَّة الشطط في تطبيق قضية الجماعة، أعني أننا نحن نرى الجماعة بالطبع، لكن حينما تعتقد أن من يخالفك في أيِّ جزئية من الجزئيات يخرج عن الجماعة فلا، فمثلًا الجزئية التي تكلمت عنها، مرةً كنَّا في محاضرة فتكلمت أنا عن المظاهرات، وقلت: إذا كانت في بلدٍ يأذن بالتظاهر والتظاهر من نظامه فتطبق التظاهر وفق النظام، وتتقدم باستئذان، هذا لا بأس به؛ لأن الحاكم أصلاً أذن لك، فجاء أحدهم وردَّ علي فقال: حتى لو أَذِن الحاكم لكن هذه معصية، فخالفني واعتقد أنني خارج عن منهج السلف بهذه، هذا الخلاف الجزئي البسيط لا يستدعي الخروج.

كذلك يجعلون الخلافات الفقهية خلافات عقديَّة، أعني المسائل التي هي من فقه النوازل، أو الفقه السياسي، يجعلونها خلافًا عقديًّا، ويبنون عليه فيقولون: أنت خرجت عن العقيدة السلفية وأصبحت مبتدعًا، وأصبحت كذا، وهذا شطط.

فأرجو -إن شاء الله- أن يكون الاتزان هو الذي نتكلَّم فيه الآن، لا تشطط في تجريح الناس وتبديعهم، ولا تشطط أيضًا في التَّأليب على الحكَّام والحكومات وإثارة الناس عليهم، خاصة وأنك أنت أصلًا ليس عندكَ البديل، لا أحد يملك البديل.

بعض الناس يقولون، وقد قالها بعض الكتاب والعقَّال: من عيوب السلفيين أنهم يقولون “أطيعوا الحاكم”، وإذا جاء أحد وأخذ السلطة بالقوة يقولون أيضًا: أطيعوه!

نحن نقول: هذا صحيح، لكن لا تجعل هذا الأمر هو الأساس، الفرق بيننا وبينكم أنَّكم تجعلون هذا هو الأساس، أي أنَّ الخروج وأخذ الحكم بالقوَّة هو الأساس، يخرج ناس على هذا، ثم يخرج عليه آخرون، ثم لا تتوقف الدائرة، نظلُّ في عهدٍ مثل عهد ملوك الطَّوائف في الأندلس، أو عهد الضعف الأول للدولة السلجوقية بعد موت ألب أرسلان، ما هي المعركة المشهورة التي قادها ألب أرسلان ضد الأوربيين؟ معركة ملاذكر، بعد وفاة ألب أرسلان تدهورت الدولة السلجوقية وأصبح السلاجقة كل واحدٍ منهم حاكم مدينة، واحدٌ حاكم دمشق، واحد حاكم إنطاكية، واحد حاكم الموصل، واحد حاكم الكرك، واحد حاكم بغداد، وأصبح هؤلاء السلاجقة بينهم فتن كثيرة، وكل واحد يريد أن يتغلب على الحكم؟ ما الذي حصل؟

جاء الصليبيون وأخذوا بيت المقدس في أقل من ثلاثةِ أشهر، وأخذوا كل بلاد الشام والساحل الشمالي، تأتي وتقرأ الحروب الصليبية ودخول الصليبيين فتتعجب، وتقول: كيف أخذ هؤلاء أنطاكية، ثم أخذوا طرابلس، ثمَّ أخذوا دمشق، ثم أخذوا كل الساحل، أين المقاومة؟ وأين الناس؟ وأين البشر؟ لايوجد، والسبب في هذا أنَّ هذا يثور، وذلك يثور، وأصبحت هي الأصل.

مداخلة: كثير من الناس يستدلون بالعز بن عبد السلام، فيقولون: أين العلماء من العز بن عبد السلام الذي كان يتكلم عليهم؟ وجيَّش الناس وما إلى ذلك؟

د. محمد السعيدي: ما الذي حصل مع العز بن عبد السلام؟ العز بن عبد السلام ذهب للممَاليك نفسهم وقال لهم: بيعوا أنفسكم. قال للمماليك: أنتم ولايتكم غير صحيحة، وغير منعقدة، ولم يطالب الشعب، حتى لما رفضوا خرج هو بنفسه، فلم يُثِرِ النَّاس ولم يقل لهم ثُوروا، النَّاس خرجوا معه، أي: خرجوا مع العز بن عبد السلام، فالعز بن عبد السلام عمله هو الموافق للشرع، فهل العز بن عبد السلام أمر النَّاسَ بالخروج، وقَتْلِ المماليك، والخروج في الشَّوارع وملئها؟ لم يعمل هذا أبدًا، خرج بهدوء وأخذ أثاثه وذهب متجهًا للشام، عاد إلى بلده، فأدركه هؤلاء المماليك وقالوا: تعال نرضيك، وكان طلبه منهم بسيطًا، طلبه أن يقيموا أنفسهم في بيت المال عند الخبراء بالعبيد، ويعملوا لهم مزادا علنيًّا، ونفس الحكام دفعوا هذا المزاد إلى بيت مال المسلمين وانتهى الأمر.

مداخلة: المعروف حاليًّا في النَّظرة العامة عن السلفيين أنَّ لديهم غلظة في الردِّ على المخالف، أو أنَّ لديهم عدم تقبُّل للرأي الآخر، وهذا نحن نراه للأسف، فما هو سبب ظهور مثل ذلك؟ مع أنَّ المفروض أن يكون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة، وهو قوله: “ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه”([6])، هذه قاعدة، فلماذا هذه السَّقطة من السلفيين، ما هي أسبابها، وما هو علاجها؟

د. محمد السعيدي: أمَّا أسبابها فأحيانًا التقصير، ولا شكَّ أنَّ هذا تقصيرٌ، ويُذمُّ صاحبه في قضيَّة تقصيره، لا سيما في قضية دعوية مهمَّة جدًّا، ومنصوص عليها في القرآن: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53] فتركها تقصير، لكن لعلَّ من أسبابها أنَّ السلفيين يعانون من هجوم كبير جدًّا، ومن غلظةٍ من الناس فيقابلونهم بمثل هذه الغلظة، تجد أنَّ السلفيين يعامَلون بغلظة ولا يعاملون برفق، فلا تجدُ أحدًا من أصحاب المناهج الأخرى لطيفًا مع السلفيين، أو يقول لك: هم إخواننا، لا؛ بل يقول فيهم وفيهم وفيهم، وردودهم قاسية جدًّا، فيردُّون عليهم بنفس المستوى، ويبرِّرون لأنفسهم، هذا ربَّما يكون جزءًا من السبب وليس السبب كله، لكن الحل هو في العودة إلى كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله.

ــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 152).

([2]) انظر: المستدرك على الصحيحن، حديث رقم (2684).

([3]) أخرجه الترمذي في سننه برقم (2819).

([4]) انظر في هذا المعنى ما أخرجه البخاري برقم (6733)، ومسلم برقم (1628).

([5]) مما يدل عليه حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وددت أني لقيت إخواني”، قال: فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أوليس نحن إخوانك؟ قال: “أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني” أخرجه أحمد في مسنده برقم (12579).

([6]) انظر: مسند الإمام أحمد، حديث رقم (13531).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جديد سلف

هل مُجرد الإقرار بالربوبية يُنجِي صاحبه من النار؟

مقدمة: كثيرٌ ممن يحبّون العاجلة ويذرون الآخرة يكتفون بالإقرار بالربوبية إقرارًا نظريًّا؛ تفاديًا منهم لسؤال البدهيات العقلية، وتجنُّبا للصّدام مع الضروريات الفطرية، لكنهم لا يستنتجون من ذلك استحقاق الخالق للعبودية، وإذا رجعوا إلى الشرع لم يقبَلوا منه التفصيلَ؛ حتى لا ينتقض غزلهم مِن بعدِ قوة، وقد كان هذا حالَ كثير من الأمم قبل الإسلام، وحين […]

هل كان شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني أشعريًّا؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: مِن مسالك أهل الباطل في الترويج لباطلهم نِسبةُ أهل الفضل والعلم ومن لهم لسان صدق في الآخرين إلى مذاهبهم وطرقهم. وقديمًا ادَّعى اليهود والنصارى والمشركون انتساب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام إلى دينهم وملَّتهم، فقال تعالى ردًّا عليهم في ذلك: ﴿‌مَا ‌كَانَ ‌إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصۡرَانِيّا وَلَٰكِن كَانَ […]

هل علاقة الوهابية بالصوفية المُتسنِّنة علاقة تصادم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تعتبر الصوفيةُ أحدَ المظاهر الفكرية في تاريخ التراث والفكر الإسلامي، وقد بدأت بالزهد والعبادة وغير ذلك من المعاني الطيِّبة التي يشتمل عليها الإسلام، ثم أصبحت فيما بعد عِلمًا مُستقلًّا يصنّف فيه المصنفات وتكتب فيه الكتب، وارتبطت بجهود عدد من العلماء الذين أسهموا في نشر مبادئها السلوكية وتعدَّدت مذاهبهم […]

مناقشة دعوى بِدعية تقسيم التوحيد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة    مقدّمة: إن معرفة التوحيد الذي جاء به الأنبياء من أهم المهمّات التي يجب على المسلم معرفتها، ولقد جاءت آيات الكتاب العزيز بتوحيد الله سبحانه في ربوبيته وأنه الخالق الرازق المدبر، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، كما أمر الله تبارك وتعالى عباده […]

اتفاق علماء المسلمين على عدم شرط الربوبية في مفهوم العبادة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدّمة: كنّا قد ردَدنا في (مركز سلف) على أطروحة أحد المخالفين الذي راح يتحدّى فيها السلفيين في تحديد ضابط مستقيم للعبادة، وقد رد ردًّا مختصرًا وزعم أنا نوافقه على رأيه في اشتراط اعتقاد الربوبية؛ لما ذكرناه من تلازم الظاهر والباطن، وتلازم الألوهية والربوبية، وقد زعم أيضًا أن بعض العلماء […]

هل اختار السلفيون آراءً تخالف الإجماع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: كثير من المزاعم المعاصرة حول السلفية لا تنبني على علمٍ منهجيٍّ صحيح، وإنما تُبنى على اجتزاءٍ للحقيقة دونما عرضٍ للحقيقة بصورة كاملة، ومن تلك المزاعم: الزعمُ بأنَّ السلفية المعاصرة لهم اختيارات فقهية تخالف الإجماع وتوافق الظاهرية أو آراء ابن تيمية، ثم افترض المخالف أنهم خالفوا الإجماع لأجل ذلك. […]

الألوهية والمقاصد ..إفراد العبادة لله مقصد مقاصد العقيدة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: مما يكاد يغيب عن أذهان بعض المسلمين اليوم أن العبودية التي هي أهمّ مقاصد الدين ليست مجرد شعائر وقتيّة يؤدّيها الإنسان؛ فكثير من المسلمين لسان حالهم يقول: أنا أعبدُ الله سبحانه وتعالى وقتَ العبادة ووقتَ الشعائر التعبُّدية كالصلاة والصيام وغيرها، أعبد الله بها في حينها كما أمر الله […]

تحقيق القول في زواج النبي ﷺ بأُمِّ المؤمنين زينب ومعنى (وتخفي في نفسك ما الله مبديه)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لهج المستشرقون والمنصّرون بالطعن في مقام النبي صلى الله عليه وسلم بسبب قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، حتى قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: (دُعاة النصرانية يذكرون هذه الفرية في كل كتابٍ يلفِّقونه في الطعن على الإسلام، والنيل من […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017