الثلاثاء - 18 ربيع الأول 1445 هـ - 03 أكتوبر 2023 م

التعلُّق بالماضي لدى السلفية ودعوى عرقلتُه للحضارة الإسلامية!

A A

تظلُّ السجالات حول سُبُل تقدم المسلمين في كافَّة الجوانب الدينية والفكرية والعلمية والحضارية مستمرةً، والتباحث في هذا الموضوع لا شكَّ أنه يثري الساحة العلميةَ والحضارية، لكن يتَّخذ بعض الكتاب هذا الموضوع تكأةً للطَّعن في المنهج السلفي بادّعاء وقوف السلفية حجرَ عثرة أمام تقدّم الأمَّة الإسلامية؛ وذلك لأنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالماضي ومكبَّلة به -حسب زعمهم-، فهم يرون أنَّ ما يعيق تقدّم الأمة هو الارتباط بالسلف الصالح أو حتى بزمن الصحابة رضوان الله عليهم، ومتى ما استطعنا الانفكاكَ عن هذه العلاقة يمكننا أن نتقدَّم في كل الجوانب.

ومن يطرح هذا الأمر لا يطرحه في جانبٍ دون آخر، أعني أنَّهم لا يتكلّمون عن الحضارة الماديَّة فحسب، بل عن العلاقة بين الماضي والحاضر ككلّ؛ سواء كانت في الجانب الديني والخلقي والعلمي، أو الدنيوي المادي العمراني، فيجعلون السلفية وراء كل تخلف للأمة الإسلامية، ويربطون التقدم الحضاري والمادي بنبذ الماضي وترك التعلق بالنصوص وفق فهمٍ معين؛ ليبحر العقل -حسب زعمهم- في معانٍ تتوافق مع الوقت المعاصر، وتجعل المسلمين يتقدَّمون حضاريًّا وماديًّا.

ولذلك يرون أنَّ التعامل السلبي مع الماضي هو التعامل الذي يفضي بنا إلى جعل سلوك السلف الصالح صالحًا لكل وقت، ويعزو البعض هذا إلى التَّيار الحنبلي المتشدّد متمثلًا في ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ومدرستهما([1])، وينادي كثيرٌ من الحداثيين إلى قطع كل العلاقات بالماضي؛ لأنَّ الحاضر يجب أن ينطلق من الحاضر نفسه حتى في المسائل القطعيَّة في الدين، فالقطيعةُ مع الماضي ككلّ سمة بارزة من سمات الكتابات الحداثيَّة، يقول إسماعيل مظهر: “والمحصّل من مجمل هذا أنَّنا لا نكون أبعدَ عن الإقساط في القول وأقرب إلى الشَّطط منَّا إذا اعتقَدنا أنَّ تراثَ الماضي يجب أن يكونَ نبراسَنا الذي ينير لنا مفاوزَ الحاضر، فإنَّ الحاضرَ هو في الواقع قائدنا وهادينا، وما الماضي إلا صفحة بائدة نستقرئ فيها بعض ما يبرِّر لنا نظامات الحاضر التي نشعر بأننا في حاجة إليها، على هذا يجب أن نقتلَ في عقولنا فكرةَ التأثُّر بالماضي، وأن نقوّيَ في عقلياتنا ما استطعنا فكرةَ عبادة الحاضر!”([2]).

فهل السلفية حقًّا تقِف حجر عثرة أمام التقدّم الحضاري للمسلمين بسبب تمسكها بالماضي؟ هذا ما أروم الإجابة عنه في هذا المقال عبر الآتي:

أولًا: التَّعلق بالماضي بعمومه ليس عيبًا:

التَّعلق بالماضي بعمومه ليس عيبًا، وهنا ينبغي التَّنبّه لنقطة مهمة؛ وهي أنَّ هناك من ينفي -في حال الدفاع عن السلفيَّة- تعلقَ السلفية بالماضي بالعموم. وهذا نفيٌ خاطئ، ولسنا بحاجة إلى نفي كلّ ما يثار ضدَّ السلفيَّة، فإنَّ بعض ما يثار هو الحق بعينه، إلا أنَّهم لا يريدون ذلك الحقّ، فيدفعونه بربطه بالسلفيَّة، وحقيقة الأمر أنَّهم ضد السلفية وضد ذلك الأمر أيضًا، وهو الذي لو فصل بينه وبين السلفية وردَّ بمفرده لربما كان ردهم له مستشنعًا أكثر، فإذا أرادوا نقد أمرٍ شرعيٍّ يربطونه بالسلفية إيحاءً منهم بأن هذا من نتاج فكرهم الخاص، وهم إنما يرفضون هذا الفكر لا الأمر الشرعي، فهذه نقطة ينبغي التنبه لها، وموضوع المقال من أقرب الأمثلة أيضًا لذلك، فإنَّهم يشنعون على السلفيَّة تعلّقَهم بالماضي، ويدَّعون أنَّ هذا المنهج هو ما يؤخّر المسلمين ويمنعهم من التقدم الحضاري، لكن ما الماضي الذي يجب علينا أن لا تتمسّك به؟ وفي أي جانب؟ وما وجه كون التمسك بذلك الماضي سببًا في التخلف والرجعيَّة أو مانعًا من التقدم؟ كل هذه التفصيلات مهمٌّ جدًّا استحضارها أثناء مناقشة مثل هذا الأمر الفضفاض الذي يطلقونه.

وبدون الخوض في التفاصيل فإنَّ السلفية لديهم منهجٌ متكاملٌ، يبدأ من الماضي ويمتدُّ إلى الحاضر والمستقبل، فلا انقطاع بين الحاضر والماضي، كلُّ ما يمكن أن يقال: إنَّ التعلق بالماضي ليس في كل جزئيَّاته ولا تفاصيله، وإنَّما هناك انطلاقة من الماضي وتمسك به في جوانب، وتجديد في جوانب أخرى، وبعثٌ لجديد في جوانب ثالثة وهكذا، فالسلفية لا تجعل التَّعلق بالماضي قانونًا واحدًا في كل حالاته، وهو عين التكامل، فكيف يصبح هذ المنهج حجر عثرة أمام تقدم المسلمين؟! بل حتى الحضارة المادية لا تُبنى بشكلٍ منبتٍّ منفصلٍ بكليَّةٍ عن الماضي برمَّته.

وخلاصة هذا أن نقول: إنَّ السلفية لا تنفي تعلقَها بالماضي، ولا تعدّ ذلك مثلبةً عليها؛ لأنَّها تفصل وتفرق بين ما يجب التعلق فيه بالماضي وبين ما يدخله التَّجديد، وهذا منهجٌ عقليّ سليم؛ ولذلك الإسلام نفسه لم يكن منقطعًا عن الماضي، بل قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 9]، وهكذا تُبنى الأمم والحضارات بالاتصال بالماضي والاستفادة منه، لا بالانقطاع عنه.

ثانيًا: السلفية تتمسك بالقطعيات:

السلفيَّة تتعلق بالماضي وتبني عليه في أمورٍ محدَّدة واضحة، فهم يؤمنون أنَّ القطعيات في الدين كأصول الاعتقادات وأصول الأحكام الشرعية لا مجال لتغييرها؛ بل لا صلاح في تغييرها، وهذا أمرٌ لا تنكره السلفية، بل ترى أنَّه هو المتعين على كل المسلمين، ومن هنا ينطلقون في تأطير الحياة المعاصرة وفق هذه القطعيات والأصول، والتَّجديد في هذه المسائل هو بإظهار حقيقتها إذا لحقها زيفٌ أو تشويهٌ، والانطلاق منها في صناعة الحضارة المادية المعاصرة.

ثالثًا: هل التَّقدم يكون بالانقطاع عن الأصول؟

لا تقول السلفية: إنَّ كل القطعيات في الدين والأصول لا تتعارض بأيِّ شكل مع الحضارة المادية الغربيَّة المعاصرة، ومع ذلك فإنَّ إقامة الحضارة يجب أن تكون وفق هذه الأصول، والمنع من إقامتها إذا كانت معارضة لأصول الشريعة لا يعني أنَّ السلفية تقف حجر عثرة أمام الحضارة؛ وإنَّما يعني أنَّ السلفية ترى أن هذه الأصول والمحكمات هي التي تجعل الحضارة المبنيَّة عليها حضارة أفضل وأرقى وأكثر بقاء، فالذين ينعتون السلفية بأنهم يمنعون التقدم والحضارة لتمسّكهم بالمحكمات مشكلتُهم أنَّهم يرون الحضارة الغربية المعاصرة هي المعيار الوحيد للحضارة الناجحة، بينما لا يدركون -أو يتعامون عن- المشكلات الكبرى داخل تلك الحضارة نفسها.

ومن أمثلة المحكمات في الدين والتي تعارضها الحضارة الغربية المعاصرة: الربا مثلًا، ولا شك أنَّ المسلم يحرّمه كما حرَّمه الله في كتابه، والتمسك بهذا التحريم تمسكٌ بالماضي، وهو متعارضٌ مع الحضارة الغربيَّة بلا ريب، ولذلك ينادي كثير من الحداثيين وأبناء المستشرقين إلى إعادة قراءة مثل هذه المسائل لأنها -ظنًّا منهم- تمنع من تقدم المسلمين، بينما في الواقع لا شك أنَّ الحضارة التي تقوم على نبذ الربا أفضل وأرقى وأكثر تماسكًا في الجانب الاقتصادي من الحضارة التي تقوم على الربا، فالمشكلة هي وضع حضارة معينة معيارًا للحضارة الفاضلة المرجوَّة من المسلمين دون النظر في مشكلاتها.

رابعًا: مجرد مغالطة!

السلفيَّة لم تناد يومًا بإقامة الحضارة المعاصرة في الأمور الحياتيَّة الدنيوية وفق الحياة الدنيوية في الماضي، فليس منهم معتبَرٌ ينادي بتحريم المركبات والمخترعات لذاتها، ولا من ينادي بوجوب الأخذ بالماضي في السَّكن والسَّفر ووسائل الاتصال والإعلام وغير ذلك من أعمدة الحضارة المادِّيَّة المعاصرة، فقول الحداثيين: “إن السلفية تتعلّق بالماضي وهذا يمنع من الحضارة والتقدم” هو نقدٌ لشيءٍ غير موجود بهذا العموم، فهم يمارسون مغالطَة رجل القشّ في هجومهم على السلفية، بينما كان من المفترض أنهم يبيّنون نوعَ الماضي الذي يتمسّكون به وحقيقة قول السلفية في الحضارة المادية المعاصرة؛ حتى تكون الصورة واضحة قبل نقدها، لكنهم لا يفعلون ذلك لسببين:

1- لأنهم يعلمون أن المعتبَرين من السلفية لم يحرّموا الحضارة المادية المعاصرة، ولم ينادوا بتحريم المخترعات والمكتشفات الحديثة، ولم يقولوا ببناء الحضارة وفق الحضارة المادية القديمة.

2- لأن نزاعهم ليس فقط مع السلفية، وإنما مع أمور قطعية في الدين، يرون أنها تعارض الحضارة المعاصرة، ويسعون إلى إلغائها.

فهم يتحدّثون عن منعٍ للتقدّم؛ وذلك لأنَّ السلفيَّة تحرِّم أمورًا يرونها هم من الحضارة المعاصرة؛ مثل الربا وتنحية الشريعة عن الحكم والقضاء وإباحة بعض المحرمات القطعية المصاحبة لبعض مظاهر الحضارة المعاصرة، وهي التي تعرقل الحضارة التي يريدونها لا الحضارة الحقيقية، فصدامهم معها لا مع السَّلفيَّة؛ ولذلك يصرح بعضهم بوجوب تنحيتها، ويربطونها بالسلفية والتخلف والرجعية كنوعِ تشويهٍ لهذه القضايا حتى يسهل نقدها.

خامسًا: السلفية تدعو إلى الاجتهاد وتنبذ التقليد:

مما يبين عدم تمسُّك السلفيَّة بكل الماضي أنَّها تدعو إلى الاجتهاد والتجديد الصحيح في كثير من القضايا، خاصة تلك القضايا التي تتعلق بالمتغيرات الحياتيَّة، فلا شك أنَّ النصوص الشرعية القطعية محددة والوقائع لا تنحصر، فيتركون المجال مفتوحًا للمتخصص بأن يقدم رأيه وفق الأدلة العامة والقواعد الشرعية، يقول الشاطبي رحمه الله: “الوقائع في الوجود لا تنحصر؛ فلا يصح دخولها تحت الأدلَّة المنحصرة، ولذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من القياس وغيره، فلا بد من حدوث وقائع لا تكون منصوصًا على حكمها ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد، وعند ذلك فإمَّا أن يُترك الناس فيها مع أهوائهم، أو ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي، وهو أيضًا اتباع للهوى، وذلك كله فساد؛ فلا يكون بد من التَّوقف لا إلى غاية، وهو معنى تعطيل التكليف لزومًا، وهو مؤدٍّ إلى تكليف ما لا يطاق، فإذًا لا بد من الاجتهاد في كل زمان؛ لأن الوقائع المفروضة لا تختصُّ بزمان دون زمان”([3])، ومن يعرف السلفيَّة -قديمًا وحديثًا- يعرف أنَّها تدعو إل الاجتهاد وفتح بابه، فعلماؤها من أكثر من يدعون إلى الاجتهاد ونبذ التقليد والجمود، ولا يختصُّ هذا الاجتهاد بالمسائل الشرعيَّة الخالصة، بل كثيرًا ما تناقش القضايا الحياتية الدنيوية في جانب تعلقها الديني.

سادسًا: ربط الحضارة والتَّقدم بالزمن ليس ربطًا صحيحًا:

فمن الخطأ جعل كل الماضي وكل ما يتعلق به خطأ وتخلفًا لمجرد أنَّه من الماضي! فكم دولة كانت عظيمة في الماضي وقد تأخرت اليوم! بل حتى على مستوى الجانب الأخلاقي والقيمي؛ هل ما عليه الناس اليوم هو المعيار للأخلاق الصحيحة، أم أنَّ المعيار يجب أن يكون منضبطًا لا يختلف من زمن لآخر؟ خاصة وأن حاضر اليوم والذي يتحدثون عنه هو ماضي المستقبل، فهل يصبح ما نحن عليه الآن خطأ وتخلفًا لمجرد أنه سيصبح ماضيًا بعد عدة سنوات؟! إذن فمعيار التَّخلّف أو التَّقدم ليس باعتبار الزمن فقط، بل باعتبارات أخرى عديدة حتى في الجانب المادي.

وسبب هذا الربط لديهم هو أنَّهم جعلوا التاريخ الغربي هو الحكم، يقول د. مصطفى حلمي: “إنَّ الفكرة مرتبطة بالمراحل التَّاريخية التي مرَّ بها الغرب؛ إذ انتقل في تطوره المادي من العصور القديمة إلى الوسطى فالحديثة والمعاصرة، وفي ضوء هذا التَّقسيم واقتران كل مرحلة بظروفها أصبح الغربيُّ عندما ينظر إلى تاريخه يفزعه المدلول السلفي؛ لأنَّ مضمونه التاريخي والحضاري يلقي في قلبه الرُّعب، فالسلفية في نظر الإنسان هناك عمومًا تعوقه عن التقدم المادي في الصناعة والزراعة وحقول العلوم والمعارف المختلفة”([4])، فهل شاركت السلفية الإسلامية سلفية الغرب في هذه التصورات والاعتقادات الباطلة وعرقلة أي علم دنيوي كما كانت تفعله الكنيسة؟! والجواب أنَّ ذلك لم يكن؛ فمن الخطأ أن نقرن السلفيَّة الإسلامية بالسلفية الغربية -إن صحت التسمية- لمجرد أنَّهما مرتبطتان بالماضي، بل يجب الانطلاق في الحكم من خلال معرفة هذا الماضي ومدى عرقلته لقيام الحضارة.

سابعًا: هل فعلًا تخلصت الحداثة من الماضي؟

النَّاظر في أفكار الحداثيين يجد أن كثيرًا منها مجرد جرٍّ لحمولات ثقافية أخرى وبثها بين المسلمين دون أن يكون هناك تجديدٌ حتى في موضوع التلاؤم بين الفكرة وروح الحضارة الإسلامية، فالتَّحرر من الماضي والانفكاك الكلِّي عنه مجرَّد وهْمٍ وتخيل غير متحقق في الواقع، بل الغرب نفسه لم يثر على الماضي حين بنى حضارته الماديَّة المعاصرة، يقول محمد عزيز الحبابي: “ادَّعت الحركة الثَّقافية في عصر النهضة الأوروبيَّة أنَّها فرصة للحرية والتَّجديد، إلا أنَّها لم تكن تحررًا حقيقيًّا، فهي لم تتحرر من النير الكليريكالي في العصور الوسطى إلا لتخضع بطريقةٍ ما لثقافة اليونان والرومان (خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الوراء)… هكذا التجأ مفكرو النهضة إلى قداسة الكلاسيكيين لكي يبرروا كل ما يبدعونه ويسبغوا عليه المشروعية”([5])، وكل ما فعله الحداثي هو أنَّه تنصَّل من التمسك بالشريعة الإسلامية وراح يتمسك بأعتاب ماضي أوروبا وحاضره، وهذا يعترف به الجابري ويبينه فيقول: “إذا كان المصلح السَّلفي قد فكَّر في الإصلاح والتحرير بعقلٍ ينتمي إلى الماضي العربي الإسلامي ويتحرك ضمن إشكاليَّته فإنَّ الليبرالي العربي قد بشَّر بالنَّهضة والتقدم بواسطة مُركّبات ذهنية تنتمي إلى الماضي/ الحاضر الأوروبي، ومركبات التقطها -كما يقول- من أفواه كلٍّ من أبسن وشولز وفولتير وروسو وداروين وفرويد وماركس وغيرهم من أقطاب الفكر الأوروبي الحديث والمعاصر، إنَّ الليبرالي العربيَّ هنا يسكت تمامًا عن الماضي العربي، فهو لا يدخل في اهتمامه بل يبعده بكل إصرار”([6])، فلا يوجد إذن انعتاقٌ من الماضي، وإنما يوجد فقط اختلافٌ فيمن نتمسك بهم، فإمَّا الوحي المعصوم عند السلفية، وإما فتات أفكار غربية كما عند الحداثيين.

وأخيرًا: الماضويَّة ليست تهمة ينبغي التخلص منها، بل المنهج السليم المعتدل هو أن يأخذ الإنسان من ماضيه ليبني عليه حاضره ومستقبله في كل الجوانب، والسلفية دعت إلى التمسك بالأصول والقطعيَّات، وفتحت باب الاجتهاد فيما سواها، مع عدم الأخذ بكل ما يتعلق بالماضي، خاصَّة فيما يتعلق بالحضارة المادية، فالقول بأنها تقف حجر عثرة أمام التقدم والحضارة أمرٌ غير صحيح، بل “العديد من المثقفين المتشبعين بالتُّراث وروحه تخطوا هذا الطَّرح الهزيل لقضيَّة التراث التي يرونها تتمثل في بعث روح حضاريَّة تربط الحاضر بالماضي، وتؤكِّد على الأصالة تأكيدها على المعاصرة، ورغم أنَّهم لا يؤمنون بشد العربة إلى الوراء ولا الالتزام الحرفي بكل جوانب الماضي، بل يؤكدون على عوامل التَّقدم الحضارية؛ لكنهم يضعون إطارًا عامًّا للتَّطور يحكمه الوحي الإلهي الذي ينبغي أن يشكّل روح الحاضر ودستوره العام كما كان في عصور الإسلام الذهبية، وهذا التيار يمثله الاتجاه السلفي”([7])، كل ما في الأمر أنَّ السلفية أكدت على أنَّ الحضارة لا يمكن أن تكون متينةً صالحةً إلا إذا راعت قواطع الشريعة ومحكماتها، والدعوة إلى القطيعة مع هذه المحكمات هي دعوة إلى القطيعة مع الدين كله، وبناء حضارة خالية من القيم والأحكام الإسلامية، فهي إذن حضارة أخرى لا يمكن أن تدعى أنَّها حضارة إسلامية.

والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) ينظر مقال بعنوان: “السلفية والماضوية” على الرابط التالي:

https://elaph.com/NewsPapers/2004/9/8415.html

([2]) مجلة العصور (ع/ 11، م/ 2، ص: 1180، يوليو 1928م).

([3]) الموافقات (5/ 38-39).

([4]) المنهج السلفي لا الحداثة طريق النهضة (ص: 45-46).

([5]) الشخصانية الإسلامية (ص: 122).

([6]) الخطاب العربي المعاصر (ص: 40).

([7]) التراث والمعاصرة لأكرم ضياء العمري (ص: 23).

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

عرض وتعريف بكتاب (الأشاعرة والماتريدية في ميزان أهل السنة والجماعة) الصادر عن مؤسسة الدرر السنية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: وقع الخلاف في الأيام الماضية عن الأشاعرة والماتريدية وكان على أشدِّه، ونال مستوياتٍ كثيرةً بين الأفراد والمراكز والهيئات، بل وتطرَّق إلى الدول وتكتَّل بعضها عبر مؤتمرات تصنيفيّة، وكذلك خلاف كبير وقع بين المنتسبين إلى أهل السنة والجماعة في الحديث عن بعض من نُسب إلى الأشعرية أو تقلَّد بعض […]

فضائل عمرو بن العاص رضي الله عنه .. والرد على الشبهات المثارة حوله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: تطاول أقوام على الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه، القائد العظيم المحنك، الذي حمل أعباء الجهاد في سبيل الله بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي توِّجت فتوحاته العظيمة بالنصر على أعداء الإسلام، فنالوا من صدقه وأمانته، ووصفوه بالغدر والخبث زورًا وبهتانًا، ولكن هيهات […]

التكفير عند الفرق المخالفة لمنهج السَّلف

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: وقوع التناقض في الأقوال وفي التأصيل ناتج عن خلل في فهم النصوص، والبعد عن منهج السلف في التقعيد، وهذا التناقض يختلف بحسب طبيعة المسألة أهمية وقدرًا، وأشدها الوقوع في التكفير؛ لما ينتج عنه من آثار مدمرة على حياة الناس، وتكفير أي فرقة لفرقة أخرى لربما انتشر وذاع لدى […]

دعوى تلقي البردة بالقبول وانفراد علماء نجد بنقدها.. تحليل ونقاش

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة قصيدةُ البردة هي أحد أشهر القصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، كتبها محمد بن سعيد البوصيري في القرن السابع الهجري، وهي قصيدة عذبة رائقةُ البناء اللغوي والإيقاع الشعري، ولذلك استعذبها كثير من العلماء والأدباء والشعراء، إلا أنها تضمَّنت غلوًّا في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها […]

قَولُ ابن عربي الاتّحاديّ بإيمان فِرْعون وموقفُ العلماء مِنه

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إن المسلم الموحِّد الذي قرأ القرآن العظيم، وآمن بصدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من أخبار الأمم السابقين، لا يخالجه أدنى تردّد في هلاك فرعون على الكفر بالله تعالى وبنبيه موسى عليه السلام. ولو قيل لأي مسلم: إن ثمّة من يدافع عن فرعون، ويحشد الأدلة لإثبات […]

مفارقة الأشاعرة لمنهج أهل السنة والجماعة (2)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فقد ذكرنا في المقال السابق، أن المتكلمين يُوجبون النظر، ويُوجبون نظرا محددا، وليس مطلق النظر وفي مطلق الأوقات، كما هو الواقع في دعوة القرآن، الذي يدعو إلى النظر والتأمل والتفكر […]

عرض وتعريف بكتاب (دعوى تعارض السنة النبوية مع العلم التجريبي) دراسة نقدية تطبيقية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المعلومات الفنية للكتاب: عنوان الكتاب: دعوى تعارض السنة النبوية مع العلم التجريبي، دراسة نقدية تطبيقية. اسم المؤلف: د. راشد صليهم فهد الصليهم الهاجري. رقم الطبعة وتاريخها: الطبعة الأولى، طباعة الهيئة العامة للعناية بطباعة ونشر القرآن والسنة النبوية وعلومها، لسنة (1444هــ- 2023م). حجم الكتاب: يقع في مجلدين، عدد صفحات المجلد […]

جهود علماء الحنابلة في الدفاع عن الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة هذا تجريد لأقوال علماء الحنابلة في الثناء على الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله، والذبّ عنه، جمعته من مصنفات أعيانهم عبر القرون حتى وقتنا الحاضر. وستجد فيه الكثير من عبارات الثناء والمدح للإمام، وبيان إمامته وفضله ومنزلته، والاعتداد بخلافه في مسائل الفقه، والاستشهاد بكلامه في عدد من مسائل الاعتقاد، […]

الحقيقة المحمدية عند الصوفية عرض ونقد – الجزء الأول

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة في خطر التصوف الفلسفي وأهم نظرياته: من المعروف أن التصوف مر بأدوار مختلفة، فبدأ بطبقة الزهاد والعباد الذين كانوا في الجملة على طريقة أهل السنة والجماعة، وكانوا مجانبين لطرائق الفلاسفة والمتكلمين، وإن كان وُجِد منهم شيءٌ من الغلو في مقامات الخوف والمحبة والزهد والعبادة. ثم وُجِدت طبقة أخرى […]

مفارقة الأشاعرة لمنهج أهل السنة والجماعة (1)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فقد بيّنت في مقال سابق، أن مذهب الأشاعرة ليس ثابتا، بل مرَّ بمراحل وانقسم إلى طبقات. فالطبقة الأولى: وهي طبقة الشيخ أبي الحسن الأشعري، والقاضي أبي بكر الباقلاني، ونحوهما، […]

رفع الاشتباه عن موقف أئمة الدعوة النجدية من الحلف بغير الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وبعد: فإن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ت:1206) السلفية، هي امتدادٌ لأولئك الأئمة المحققين الذين حفظوا مفهوم التوحيد وذبوا عنه وبلغوه للناس، وبذل أئمة هذه الدعوة جهودهم في إحياء تراث أئمة السلف، ومحققي العلماء الذين اعتنوا بتحرير […]

هل الأشاعرة من أهل السنة؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا مبحث مختصر في الجواب عن إشكالية الخلط بين المفاهيم. هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة؟ وهل التقاء بعض العلماء مع بعض […]

كيفَ نُثبِّتُ السُّنة النبويَّة ونحتَجُّ بها وهي ظَنِّيَّة؟!

من الشُّبهات التي أثارها المنكِرون للسنةِ النبويةِ شبهةٌ حاصلُها: أنَّ السُّنةَ النبويَّة ظنيَّةٌ، فكيف نقبلُ بهَا ونعُدُّها مَصدرًا للتشريع؟! واستنَدُوا في ذلك إلى بعضِ الآيات القرآنية التي أساؤُوا فهمَهَا، أو عبَثُوا بدلالتها عمدًا، لكي يوهموا الناس بما يقولون، من تلك الآيات قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ […]

دعوى افتقار علماء السلفية لعلوم الآلة.. عرض ونقد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة من العبارات الفاسدة التي يقول بها المناوؤون للدعوة السلفية، التي يُدرك فسادها بالضرورة قول بعض المناوئين: (لو تعلَّموا وفق المنظومة العلمية التراثية ودرسوا العلم الصناعي لتمشعروا، ولساروا في ركاب الأمة الإسلامية، ولتركوا ما هم عليه من توهبُن وتسلُّف، ولذهبوا إلى القبور يعفرون الخدود ويجأرون بطلب الحاجات). وهذه مقالة يؤسفني […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017