السبت - 19 جمادى الآخر 1446 هـ - 21 ديسمبر 2024 م

السّلفيّة من الإقبال عليها إلى التنكُّر لها

A A

 

١٢

لأزمانٍ متعاقبةٍ ظلَّت البدَعُ في الدين تتوالى على أمّة الإسلام حتى أثقلت كاهلَها بأشتاتٍ لا تُحصى من الخرافات والخيالات والأوهام، سدَّت عليها آفاق الحياة الرّحبة، وجعلتها أسيرةً للمنامات وشيوخ الدَّجَل والشعوذة والخرافة، وكل ذلك باسم الدين، وآلِ البيت، والمحبة الإلهية، وآصنافٍ من القوالب التي رُكِّب بها الاستعبادُ للشياطين وكهّانهم.

وجاء الاستعمار إلى المسلمين وهم في هذا الجوّ البائس من انحسار سُلطة النقل الصحيح والعقل السليم، فوَطَّدَ لهم بِدِعَايَتِه سُبُلَ الانهزام للأهواء، تحت شعارات تحدِّي الكهنوت، والانعتاق من سلطة رجال الدّين، وتحرير العقل من القيود التراثية؛ وسرعان ما انتصرت الأهواء وبدأت خسائر القِيَمِ الإسلامية تتوالى إلى أن مَسَخَت أو اقتربت من مَسْخ المجتمع مسخًا آخر غير الذي كانت فيه، فإذا أدركنا أنّ المسخ الأول هو في اتجاهِ الغيبوبَة الاعتقادية والاستئسار للخرافات والكهانات وسدنة الأضرحة وكهّان الزوايا والخلاوي والتكايا والمقامات، فإن المسخ الجديد توجَّهَ للقِيَم المأثورة والانتماء للأمة والاعتزاز بالهُويّة.

والحاصل أنهما مسخان ليس منهما الحقّ الذي هو ما طلبه الله من هذه الأمّة وما أرادها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكونه؛ فالأوّل نستطيع أن نقولإنه كان مسخًا باتباع أمم الشرق الغائرة في روحانيتها، والآخر مسخٌ باتّباع أمم الغرب الكالحة في مادِّيَّتِها.

وقد كانت رَحْمَةُ الله تعالى بأمّة نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم متجلّيةً بظهور الدعوةِ السلفية في وسط العالم الإسلامي أواخر القرن الثاني عشر الهجري، بحسام الدولة السعودية ويَراع علمائها، فقد انتشلت هذه الدعوةُ الإسلامَ من الخرافة التي كانت مقترنةً به لدرجة جعلت المسلمين يظنونها الجزء الأساس من مادته، ومن جهة أخرى قَدَّمَت للمسلمين الجانب العقلي والحضاري الذي يملأُ حياتهم في مواجهة الفلسفات والقِيَم الغربية التي اكتسحت بلدانهم.

وبصرف النّظر عن العداء الذي وصل درجةَ الاستئصال مما وُوجهت به الدعوة السلفية أولَ ظهورها، وهو ما سبق أن عالجناه في كتابات أُخَر، فإنه منذ ظهور هذه الدعوة والمسلمون في مواجهة حقيقيّة مع الاستعمار الفكري أولًا، ثم العسكري تاليا؛ وبلغ استئناس المسلمين بالسلفية أنها أثَّرَت حتى على العلمانيين والليبراليّين الذين اختطفتهم الثقافة الغربية مبكّرًا من حيث إنها أيالسلفية– صنعت فيهم اعتزازًا بإسلامهم كتراثٍ لم يكونوا ليعتَزُّوا به لو كان كما خَبَرُوه قبل ظهور السلفية– عبارةً عن طقوس خرافية ظلامية تَسْخَرُ منها العقول ولا تنفرج إليها الأرواح.

وحين نَدْرُس فترة النهضة الحديثةِ العلمية والأدبية والفكرية في العالم الإسلامي بإنصاف، ستجد أن التأثر بالدعوة السلفية كان أحدَ أكبر المؤثّرات في جعل الشعوب أكثرَ قبولًا وإقبالًا على النهوض، وفي جعل علماء الشريعة أكثرَ انفتاحًا منضبطًا على الثقافات، وفي جعل المثقفين والمفكرين أكثر اعتزازًا بانتمائهم الثقافي.

فالتأثر بالسلفية تجلَّى للأعين عند علماء المشرق والمغرب حتى مِن خصوم السلفية، الذين ظهر تأثّرُهم باشتغالهم بمحاربة بعض البدع العملية التي أصبحت غرضًا يرميهم من خلالها السلفيون، فلم يَجدوا بُدًّا من المشاركة في إنكارها، وهو أمر جديد على العلماء الذين كانوا داعمين للبدع وأهلها وركيزة من ركائز وجودها، أما البدع العملية التي كانت شعارًا مميِّزًا لمذاهبهم المنحرفة، ولا يستطيعون التخلّي عنها لرمزية وجودها، فإنّا وجدناهم يُلَطِّفونها، ويُحَسِّنُون مِن مَظْهرها، كي يرفعوا شأنها في أنفس العامة، وتُحفظ رمزيتها في طُرُقِهم الصوفية، كبدعة إقامة المولد التي تشتمل في أصلها الموروث عن الدولة العُبَيدِيّة على رقص وطبل وزمر واستغاثات شركية، وادِّعاء حضور النبي صلى الله عليه وسلم بجسده، فوجدناهم يُجَرِّدونها خاصة عند المناظرات– من هذه الخزعبلات، ولا يسْتبقون فيها إلا قراءة إحدى المدائح النبوية أو مختصر للسيرة النبوية، ليجعلوها أكثر قبولًا؛ لأن الفكر السلفي نشر بين المسلمين عقلانية لم تعد تتقبل الإيغال في الترهات، وبدأنا أيضا نجد خفَّةً في التشدّد بالالتزام بالمذاهب والتعصُّب لها، فالحنفيُّ قد يفتي بغير مذهبه، وكذلك المالكي والشافعي والحنبليّ، وربما خرجوا عن الأقوال المعتمدة في المذاهب لاجتهادات أُخَر، تأثّرًا بالدعوة السلفية التي أعادت إلى الميدان فتح باب الاجتهاد لمن توفّرت فيه شروطه، والأخذ بمقتضى الأدلة الشرعية وإن خالف اختيارات المتأخرين من أتباع المذاهب كما كان الأمر قبل ذلك.

واستفاد الجميع من هذا الانفتاح الذي صنعته السلفية في العالم الإسلامي حتى واضعو القوانين في عدد من الدول الإسلامية، إذ استطاعوا أن يُقنّنوا بعض الأحكام من شتى المذاهب دون أن يخرجوا عن مجمل الشرع الإسلامي، وأن يُطعِّموا معظم قوانين الأحوال الشخصية باجتهادات جديدة ليست من المختار في المذهب المعمول به في بلادهم.

كل هذا لم يكن ليكون لولا التأثر الكبير بالسلفية التي كان ما فيها من العقلانية والسماحة والسعة وتعظيم النصوص سببًا لشيوع القبول لها، والثناء عليها من علماء المسلمين وأدبائهم ومفكريهم، من انتمى منهم إلى السلفية ومن لم ينتمِ، كالشيوخمحمد عبده ومحمد المراغي وأحمد المراغي ومحمود شلتوت والخضر حسين والطاهر بن عاشور ومحمود خطاب السبكي وعبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي والثعالبي الحجوي وعلال الفاسي والمودودي، وغيرهم كثير من أعلام طلائع القرن العشرين، ومثلهم من الأدباء والمفكرينعباس العقاد وطه حسين وأحمد أمين وعبد المتعال الصعيدي ومحمود تيمور وشكيب أرسلان ومحمد كرد علي ومحمد بهجة الأثري ومالك بن نبي وأحمد بن خالد الناصري وكثيرون غيرهم أيضا.

فقد كان التأثر بالسلفية أو الشعور بأثرها وفضلها على النهضة العلمية والفكرية والسياسية الحديثة شعورًا عامًّا، لذلك كان القبول لها أيضًا قبولًا عامًّا في منابر علمية لم تكن تقليديًّا موالية أو مهادنة للسلفية، فالأزهر في أوائل القرن الماضي، والزيتونةُ والقرويون وهي من أقدم الجامعات في العالم الإسلامي– انفتحوا على كتب ابن تيمية وابن القيم، وأصبحنا نرى بعض مؤلفات الشيخين تُدرّس هناك، ويقوم بتحقيق بعضها وبدراستها والإفادة البحثية منها شيوخ من تلك الجامعات، ولن يفوتنا أن نذكر من الأزهر الشيخين محمد محيي الدين عبد الحميد ومحمد حامد الفقي.

وقد بلغت السلفيةُ من العلو المعاصر بالأمّة العربية والإسلامية أن كادت إلى ما قبل ثلاثة عقود من الزمان أن تكون المذهب الذي تتوحّد عليه الأمة، فمن يذكر العام العاشر بعد الأربعمائة والألف وما قبله بعقود يسيرة يُدرك حجم التقارب الذي حصل بين المسلمين، مُمَثَّلِين في المؤسسات العلمية الشرعية والمؤسسات الدعوية، فلم تَكُنْ تُحِسُّ الفروقَ رغم وجودها– بين الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وبين الأزهر، ويمكننا اختصار تعريف كلٍّ منهما في تلك العقود بأن الجامعة الإسلامية مؤسّسة سلفية لا يُدَرَّسُ فيها التصوفُ ولا علمُ الكلام، والأزهرُ كان مؤسّسةً سلفيةً يُدَرَّسُ فيها التصوّفُ وعلمُ الكلام، فحجم الفرق بين التعريفين كان حجمَ الفرق بين المؤسّستين؛ وربما تلقَى أساتذة أشعريي المعتقد لا يجدون حَرَجًا في العمل في الجامعة الإسلامية وتدريس العقيدة السلفية فيها من منطلق مذهب السلف أحكَم، ومثلهم سلفيّون يُدَرِّسُون عقيدة الأشاعرة في الأزهر باعتباره هو المنهج المقرَّر هناك، وكانت العقيدة السلفيّة تُدْرَس في كثير من مساجد المغرب والجزائر وموريتانيا ومدارسها العتيقة؛ بل حتى في العراق وليبيا دون إنكار من السلطات في كل تلك البلاد؛ لما ثبت عندهم أن النشأة السلفية بطابعها العلميّ الإيماني تحفظ الشباب من الانحراف الأخلاقيّ، ولِمَا استقرّ عندهم من تقديم السلفيين للدعوة والتربية العقدية على العمل السياسي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع 

السّلفيّة من الإقبال عليها إلى التنكُّر لها

٢/٢

وقد ظلّ الحال بالسلفية من التقدير والإقبال عليها بالمكان المحمودحتى لم يعد في المنظور إلا مراحل يسيرة ويصبح المنهج السلفي رسالة إسلامية واحدة جامعة للجميع، وكان ذلك يؤذن لو تحقّق– بقوة إسلامية دينية وعلمية وشعبية وسياسية وصناعية وعسكرية؛ لأن السلفية حين تنتهي من مرحلة الدعوة والتربية ستنصرف إلى مرحلة البناء والتنمية، فالمنهج السلفيّ يُعَبِّر عن الإسلام الصحيح المتّسم بالكياسة في التعامل مع الواقع، وذلك بالإصلاح من بنية المجتمع، وفي بنية الدين وهو أصول العقيدة وأصول العبادات القلبية والبدنية.

لكن الثغرة التي حدثت في مشروع البناء السلفي تمثّلت في أن بعض المناهج التي وُصِفَت فيما بعد بأنها حَرَكِيَّة كانت تشترك مع السلفية في أصول العقائد أحيانًا وفي التربية والأخلاق أحيانا؛ لكنها تُبَاينُها في أسلوب البناء والإصلاح وترتيب المصالح والمفاسد ومقاصد الشريعة، وهذه المناهج اختلط دُعاتُها ومُنَظِّرُوها بالسلفيين، ولم يكن هناك تفكير كبير بمخاطر جَرَّاء هذا الخلط، فلم يتمّ التمييز بشكل جيّد ودقيق بين السلفية المحضة التي كما تتبع السلف في أصول العقائد وتعظيم مصادر التلقي تتبعهم في مفهوم الإصلاح وأولوياته وطرائقه، الأمر الذي أسهم في ترويج الأفكار الثورية والتكفيرية تحت الشعار السلفيّ أو شعار حُسن الظن بِحَمَلَة الفكر الإسلامي ونصرتهم وعدم خذلانهم أينما وقفوا، وأدى هذا الخلط إلى ارتكاب الكثير من المواقف المحرّمة والمُجَرَّمة، ونسبتها زورًا وبهتانًا إلى السلفية، بدءًا بالتحريض على الحكومات، وانتهاء بالغلو والتكفير والقتل، وكل ذلك وإن ظهر وكأنه تطوّر تلقائي، إلا أن أصابع التآمر والتدبير الدوليّ لم تكن بمعزل عنه، وهذا مما أغنتنا الفضائح السياسية في الولايات المتحدة وفرنسا وإيران وغيرها عن تكلّف الانشغال بإثباته.

وقد كان التفوق السلفيّ في الانتشار بين الشعوب العربية والإسلامية وبين طلبة العلم والعلماء دافعًا للتيارات البدعية لتعيد حساباتها مع السلفية، فبدلًا من أن تنظر إليها أنها منهج تصحيح وتجديد وجمع كلمة وإحياء لمكانة النصّ، عادت بالنظرة الضيقة الدنيوية من أن السلفية منهج منافس، والمعركة معه معركة وجود تعني فقدان السلطات الكهنوتية لسدنة القبور ومشايخ الطرق والمقامات والزوايا، فأخذت أقطاب البدع بأنواعها تقوّي التفافها ضد السلفية، مستغلةً التآمر الدولي في مواجهتها ومتضامنة معه، لذلك رأينا النشاطات الكبيرة في الانقلاب على كلّ تسامح كان مع السلفية ليحلّ محلّه تحريضٌ وتأليب وتشويه ودِعاية، حتى من الجامعات والمؤسسات العلمية التي كانت تحترم السلفية وتُظهر التأثر بها كجامعة الأزهر التي بلغ اليوم من اضطهادها للسلفية وانقلابها عليها منعُ دخول كتب علماء سلفيين كبار لم يُعْلَم عنهم أيٌّ مما يؤفك من تهم التكفير والخروج والثورية، ككتب الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ صالح الفوزان.

وبَدَأَ في التصريح ضدَّ السلفية رموز كبار، وللأسف يقولون عن السلفية ما أظنّ أنهم أعرفُ الناس بأنه خلاف الحقيقة، كشيخ الأزهر الذي رمى في لقاء تلفزيوني السلفية بما جاءت هي من أجل رفعه، وهو التعصب المذهبي، الذي كان هو طابع الأزهر قَبل تأثره بالسلفية، فقد كان الالتزام والتقيُّد بالمذهب فرضًا، ولم يكن لعالمٍ أزهريّ أن يخرج عن مذهبه، لا فتوى ولا تدريسًا، حتى دخلت السلفية في الأزهر وتأثرت بها أعرافه، فالتعدّدية المُتَّزِنَة إن كان الأزهر يفاخر بها، فإنما هي بضاعة السلفية رُدَّت إليها، وأيّ رفض للتعدّدية أكثر فجاجةً من أن يقبل الأزهر الآن كُتُبَ الإسماعيلية والزيدية والاثني عشرية ويمنع كتب مشايخ السعودية لكونها سلفية؟!

وكيف يسوغ لشيخ الأزهر أن يَتَّهم السلفيةَ بالتعصب وهو نفسه قد استقبلته الجامعات السلفية في السعودية مدرّسًا فيها رغم علمهم بأشعريته وريادته في الطرق الصوفية؟ويعلم هو جيدًا أن الكثيرين من مشايخ الأزهر ممن لا ينتسبون للسلفية كانوا يعملون في جامعاتها دون تعصّب أو تمييز.

ومن أمثلتهم الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم الذي عمل في جامعة الإمام محمد بن سعود ثمانية عشر عامًا، دَرَّسَ فيها في أقسام العقيدة والحديث والفقه، أيأن السلفيين لم يتعصّبوا ضدّه أو يناله منهم أذى، وقد بلغ تسامحهم معه أن تمّ منحه درجتي الأستاذ المساعد والمشارك وهو في الرياض، ولما عاد إلى الأزهر أُعيد هناك إلى درجة الأستاذ المساعد، فإما أن الأزهر لم يعترف بالدرجة التي منحته جامعة الإمام، أو أنه لم يعترف بأهلية الدكتور لهذه الدرجة، ويعني هذا في كلتا الحالتين أنه وجد التسامح في جامعة الإمام وليس في الأزهر جامعتِه التي يعتزّ بتسامحهاولستُ هنا لأردّ عليه، ولكن لأضرب به مثالًا على الانقلاب على السلفية، واخترته بعينه لأنه ظهر في لقاء قريب وهو يُقدِّم المقترحات للحدّ من انتشار السلفية في مصر، ويرى أنها انتشرت بالمال ولأجل الدنيا وليست للآخرة.

وهو انقلابٌ يظهر مِن تتبُّعِ جذوره وحاله ومآله العملُ على العودة بالأمة للخرافة والخزعبلات، أو إلجاء الشباب المنبهر بالعقلانية إلى عدم الثقة بالإسلام؛ لأن الإسلام الذي طابعه الخرافة لا يمكن أن يكون مقنعًا لباحث عن تصالح دينه وعقله.

وقد رأينا مصداقًا لذلك من مظاهر هذا الانقلاب غير ما ذكر جُرأة الخرافيين التي لم تكن سابقًا– على إظهار خرافاتهم أمام الكاميرات، فأصبحنا نسمع مشايخهم يتحدّثون أمام الكاميرات وينشرون مقاطعهم عَمَّا يحدث لهم من كرامات مزعومة، أو حدث لشيوخهم أو مؤسّسي طُرُقِهم؛ لِيُرَسِّخوا بها الإيمان بولاياتهم، فمنهم من يلتقط صور نفسه في لحظة تجلِّي الملائكة له، وآخر يتحدّث عَمَّا أمره به الرسول صلى الله عليه وسلم حين زاره في بيته، كما ينقلون على الهواء حفلات الذكر التي يستخدمون فيها الرقص والضرب بالآلات والدوران حتى الصرع، الحاصل أنهم لم يعودوا يستحون من نشر هذه الخزعبلات بعد أن كانت سياستهم الاتقاء عليها، والظاهر أنها إستراتيجية جديدة، فإن التقية أو إخفاء ممارساتهم الحقيقية هي في نظرهم مما أدى إلى انحسار بدعهم لصالح السلفية، فرأوا الإعلان الصريح بها.

والأمر كذلك في القضايا العلمية، فقد كان الخلاف السلفي الأشعري في قضايا الأسماء والصفات حبيس المجالس العلمية، ولم يكن الأشاعرة يعلنون مذهبهم في تأويل صفات الله ويرون كما كان أبو حامد الغزالي يرىأن قضايا علم الكلام مما تمنع منها أسماع العوام وألسنتهم، وكأن الأشاعرة اليوم رأوا أن العمل بهذه الفكرة أدى إلى تغلغل السلفية بين العوام، فبدؤوا وبقوة بنشر هذا الانحراف دون مراعاة للأضرار التي تحيط به.

والأمر الأطمّ الاستغاثة بغير الله تعالى بطلب المدد أو الغوث أو الشفاء، فهي مما تراجع الإعلان عنها أو تبريرها في الحراك العلمي الصوفي والأشعري؛ لكن الأمر انقلب مؤخَّرًا وأصْبَحْتَ ترى مؤسّساتٍ رسميةً تُعلن عن جواز الاستغاثة بغير الله من أهل القبور كما فعلت دار الإفتاء المصرية.

والذي يظهر لي أن هذا الانقلاب على السلفية، والرجوع إلى مكاشفتها العداء قد يبدو منه بادي الأمر تضييقًا على السلفيين، لكن عاقبته ستكون كشفًا لمغبّات البدع، وإبرازًا لفضائل منهج السلف على العقل والعلم {وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنصُرُهُ}.

التعليقات مغلقة.

جديد سلف

هل مُجرد الإقرار بالربوبية يُنجِي صاحبه من النار؟

مقدمة: كثيرٌ ممن يحبّون العاجلة ويذرون الآخرة يكتفون بالإقرار بالربوبية إقرارًا نظريًّا؛ تفاديًا منهم لسؤال البدهيات العقلية، وتجنُّبا للصّدام مع الضروريات الفطرية، لكنهم لا يستنتجون من ذلك استحقاق الخالق للعبودية، وإذا رجعوا إلى الشرع لم يقبَلوا منه التفصيلَ؛ حتى لا ينتقض غزلهم مِن بعدِ قوة، وقد كان هذا حالَ كثير من الأمم قبل الإسلام، وحين […]

هل كان شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني أشعريًّا؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: مِن مسالك أهل الباطل في الترويج لباطلهم نِسبةُ أهل الفضل والعلم ومن لهم لسان صدق في الآخرين إلى مذاهبهم وطرقهم. وقديمًا ادَّعى اليهود والنصارى والمشركون انتساب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام إلى دينهم وملَّتهم، فقال تعالى ردًّا عليهم في ذلك: ﴿‌مَا ‌كَانَ ‌إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصۡرَانِيّا وَلَٰكِن كَانَ […]

هل علاقة الوهابية بالصوفية المُتسنِّنة علاقة تصادم؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: تعتبر الصوفيةُ أحدَ المظاهر الفكرية في تاريخ التراث والفكر الإسلامي، وقد بدأت بالزهد والعبادة وغير ذلك من المعاني الطيِّبة التي يشتمل عليها الإسلام، ثم أصبحت فيما بعد عِلمًا مُستقلًّا يصنّف فيه المصنفات وتكتب فيه الكتب، وارتبطت بجهود عدد من العلماء الذين أسهموا في نشر مبادئها السلوكية وتعدَّدت مذاهبهم […]

مناقشة دعوى بِدعية تقسيم التوحيد

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة    مقدّمة: إن معرفة التوحيد الذي جاء به الأنبياء من أهم المهمّات التي يجب على المسلم معرفتها، ولقد جاءت آيات الكتاب العزيز بتوحيد الله سبحانه في ربوبيته وأنه الخالق الرازق المدبر، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، كما أمر الله تبارك وتعالى عباده […]

اتفاق علماء المسلمين على عدم شرط الربوبية في مفهوم العبادة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدّمة: كنّا قد ردَدنا في (مركز سلف) على أطروحة أحد المخالفين الذي راح يتحدّى فيها السلفيين في تحديد ضابط مستقيم للعبادة، وقد رد ردًّا مختصرًا وزعم أنا نوافقه على رأيه في اشتراط اعتقاد الربوبية؛ لما ذكرناه من تلازم الظاهر والباطن، وتلازم الألوهية والربوبية، وقد زعم أيضًا أن بعض العلماء […]

هل اختار السلفيون آراءً تخالف الإجماع؟

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة  مقدمة: كثير من المزاعم المعاصرة حول السلفية لا تنبني على علمٍ منهجيٍّ صحيح، وإنما تُبنى على اجتزاءٍ للحقيقة دونما عرضٍ للحقيقة بصورة كاملة، ومن تلك المزاعم: الزعمُ بأنَّ السلفية المعاصرة لهم اختيارات فقهية تخالف الإجماع وتوافق الظاهرية أو آراء ابن تيمية، ثم افترض المخالف أنهم خالفوا الإجماع لأجل ذلك. […]

الألوهية والمقاصد ..إفراد العبادة لله مقصد مقاصد العقيدة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: مما يكاد يغيب عن أذهان بعض المسلمين اليوم أن العبودية التي هي أهمّ مقاصد الدين ليست مجرد شعائر وقتيّة يؤدّيها الإنسان؛ فكثير من المسلمين لسان حالهم يقول: أنا أعبدُ الله سبحانه وتعالى وقتَ العبادة ووقتَ الشعائر التعبُّدية كالصلاة والصيام وغيرها، أعبد الله بها في حينها كما أمر الله […]

تحقيق القول في زواج النبي ﷺ بأُمِّ المؤمنين زينب ومعنى (وتخفي في نفسك ما الله مبديه)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لهج المستشرقون والمنصّرون بالطعن في مقام النبي صلى الله عليه وسلم بسبب قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، حتى قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: (دُعاة النصرانية يذكرون هذه الفرية في كل كتابٍ يلفِّقونه في الطعن على الإسلام، والنيل من […]

جُهود الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي في نشر الدعوة السلفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الشيخ صالح بن أحمد الْمُصَوَّعي من العلماء البارزين في القرن الرابع عشر الهجري، وقد برزت جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تأثر رحمه الله بالمنهج السلفي، وبذل جهودًا كبيرة في نشر هذا المنهج وتوعية الناس بأهميته، كما عمل على نبذ البدع وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي قد تنشأ في […]

صيانة الشريعة لحق الحياة وحقوق القتلى، ودفع إشكال حول حديث قاتل المئة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: إنّ أهلَ الأهواء حين لا يجدون إشكالًا حقيقيًّا أو تناقضًا -كما قد يُتوهَّم- أقاموا سوق الأَشْكَلة، وافترضوا هم إشكالا هشًّا أو مُتخيَّلًا، ونحن نهتبل فرصة ورود هذا الإشكال لنقرر فيه ولنثبت ونبرز تلك الصفحة البيضاء لصون الدماء ورعاية حقّ الحياة وحقوق القتلى، سدًّا لأبواب الغواية والإضلال المشرَعَة، وإن […]

برهان الأخلاق ودلالته على وجود الله

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: إنَّ قضيةَ الاستدلال على وجود الله تعالى، وأنه الربّ الذي لا ربّ سواه، وأنه المعبود الذي استحقَّ جميع أنواع العبادة قضية ضرورية في حياة البشر؛ ولذا فطر الله سبحانه وتعالى الخلق كلَّهم على معرفتها، وجعل معرفته سبحانه وتعالى أمرًا ضروريًّا فطريًّا شديدَ العمق في وجدان الإنسان وفي عقله. […]

التوظيف العلماني للقرائن.. المنهجية العلمية في مواجهة العبث الفكري الهدّام

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة     مقدمة: حاول أصحاب الفكر الحداثي ومراكزُهم توظيفَ بعض القضايا الأصولية في الترويج لقضاياهم العلمانية الهادفة لتقويض الشريعة، وترويج الفكر التاريخي في تفسير النصّ، ونسبية الحقيقة، وفتح النص على كلّ المعاني، وتحميل النص الشرعي شططَهم الفكري وزيفَهم المروَّج له، ومن ذلك محاولتُهم اجترار القواعد الأصولية التي يظنون فيها […]

بين عُذوبة الأعمال القلبية وعَذاب القسوة والمادية.. إطلالة على أهمية أعمال القلوب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدمة: تعاظمت وطغت المادية اليوم على حياة المسلمين حتى إن قلب الإنسان لا يكاد يحس بطعم الحياة وطعم العبادة إلا وتأتيه القسوة من كل مكان، فكثيرا ما تصطفُّ الجوارح بين يدي الله للصلاة ولا يحضر القلب في ذلك الصف إلا قليلا. والقلب وإن كان بحاجة ماسة إلى تعاهُدٍ […]

الإسهامات العلمية لعلماء نجد في علم الحديث.. واقع يتجاوز الشائعات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: لا يخلو زمن من الأزمان من الاهتمام بالعلوم وطلبها وتعليمها، فتنشط الحركة التعليمية وتزدهر، وربما نشط علم معين على بقية العلوم نتيجة لاحتياج الناس إليه، أو خوفًا من اندثاره. وقد اهتم علماء منطقة نجد في حقبهم التاريخية المختلفة بعلوم الشريعة، يتعلمونها ويعلِّمونها ويرحلون لطلبها وينسخون كتبها، فكان أول […]

عرض وتعريف بكتاب: المسائل العقدية التي خالف فيها بعضُ الحنابلة اعتقاد السّلف.. أسبابُها، ومظاهرُها، والموقف منها

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة تمهيد: من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة أن جعلها أمةً معصومة؛ لا تجتمع على ضلالة، فهي معصومة بكلِّيّتها من الانحراف والوقوع في الزّلل والخطأ، أمّا أفراد العلماء فلم يضمن لهم العِصمة، وهذا من حكمته سبحانه ومن رحمته بالأُمّة وبالعالـِم كذلك، وزلّة العالـِم لا تنقص من قدره، فإنه ما […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017