السبت - 18 شوّال 1445 هـ - 27 ابريل 2024 م

الزيارة وشد الرحال .. بين أهل السنة والصوفية “الجزء الأول”

A A

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

أولاً: تعريف الزيارة:

أولاً: في اللغة: مأخوذة من الزور وهو الميل، فالزاء والواو والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على المَيْل والعدول، فمن زار قوماً فقد مال إليهم بنفسه([1]) ، وتأتي بمعنى: الإتيان بقصد الالتقاء([2])،  أوهي:  في العرف قصد المزور إكراماً له واستئناساً به([3]) .

ثانياً: في الاصطلاح العام: أما عند أهل السنة فهي لا تخرج عن معناها في اللغة وهو الإتيان بمعنى الالتقاء ([4]).

وأما الزيارة في الاصطلاح الصوفي: إتيان بقصد الحج أو التبرُّك([5]).

تعريف الرحال: –

(الرحال): جمع رحل وهو كور البعير وهو للبعير كالسَرج للفرس، وكني بشد الرحال عن السفر؛ لأنه لازمه، وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر، وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل والخيل والبغال والحمير، والمشي في المعنى المذكور ([6]).

معني شد الرحال اصطلاحاً: هو أن يقصد بسفره موضع من المواضع غير المساجد الثلاثة بنية العبادة والتقرب إلي الله عز وجل، وتعظيماً لشأنها وتشريفاً لها، وعبر بذلك لأن من أراد سفراً شد رحله ليركب ويسير([7]).

ثانياً: تحرير الفارق بين أهل السنة والصوفية في هذه المسألة:

أما عند أهل السنة: فإنه لا تشد الرحال لمكان أو بقعة من البقاع طاعةً لله تعالى وتقرباً إليه إلا إلي المساجد الثلاثة لما لها من مزيد فضل على سائر البقاع، ولما جاء في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى ([8])“، أما زيارة القبور بأن يقوم شخص من بيته إلى مقابر قريته أو مدينته أو إلى مكان قريب لا يتطلب شد رحل أو سفر فيقوم على قبور المسلمين فيدعو ويستغفر لهم فهذا مشروع عند أهل السنة، كما سنبين ذلك لاحقاً.

أما عند الصوفية: فإن شد الرحل من أجل زيارة قبور الأنبياء والصالحين وسائر العلماء والأولياء تعبداً وتقرباً إلي الله عز وجل وتبركاً بها والتماس إجابة الدعاء وقضاء الحوائج عندها، كل هذا جائز عندهم، بل مستحب وينقلون الإجماع عليه، بل يسيئون الظن بمن أنكر ذلك أو تردد في الجزم بمشروعيته ([9]).

جاء في موسوعة الكسنزان: ” الحقيقية أن ( زيارة شيخ الطريقة ) تعني معنوياً زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأن حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم  خلَّف من بعده الخلفاء الروحيين عن طريق المبايعة أو ما نسميه بـ ( اللمسة الروحية ) ، فعندما صافح الإمام علي كرم الله وجهه حضرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم لأخذ عهد الطريقة انتقلت الإشعاعات النورانية المحمدية من يد الرسول صلى الله عليه وسلم  إلى يد الإمام كرم الله وجهه ، فصار على أثرها حضرة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه مشعاً بالنور المحمدي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، وهو معنى قولنا: (الوارث الروحي المحمدي)، ومن يد الإمام علي كرم الله وجهه انتقلت الإشعاعات النورانية المحمدية إلى أيدي ورثة الطريقة من بعده ….إلى أن يقول: “يجوز لأي مسلم أن يزور مقامات الأولياء ومشاهد الصالحين للتبرك بهم والاستفادة الروحية من نورانيتهم، ولكن ذلك يصح قبل أخذ الطريقة والارتباط بشيخ حي، فإذا ما أخذ المريد الطريقة فإن روحه من الناحية الروحية قد ارتبطت بروح شيخه دون سواه ، وروح شيخه مرتبطة بأرواح سلسلة مشايخ الطريقة أجمعهم إلى حضرة الرسول الأعظم…([10]).

ثالثاً: الأدلة التي استدلوا بها على مقالتهم:

من العبارات الجميلة التي يرددها علماء أهل السنة، لاسيما في ردهم على الخصوم، قولهم: ” ثبت العرش ثم أنقش”، فإذا كان العرش مفقوداً فأنت تنقش في الهواء، وهذا ينطبق تماماً على أدلة الصوفية ومن وافقهم على مقالتهم هذه.

ونحن سنناقشهم فيها، وسيظهر لكل ذي عقل وإنصاف أنهم لم يستدلوا بدليل صحيح صريح واحدٍ في المسألة، فكل ما جاء عنهم من أدلة إما صحيح غير صريح، أو صريح غير صحيح، كما سيظهر من خلال أدلتهم التالية.

أولاً: الأدلة من القرآن الكريم: –

الدليل الأول:

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} [النساء: 64]

قال عمر عبد الله كامل: ” يرشد الله تعالي العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلي الرسول صلي الله عليه وسلم فيستغفروا الله عنده، ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنهم إن فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم إلى أن قال: ولا يقال: إن ذلك إنما يكون في حياته، فوجه الاستدلال بهذه الآية على مشروعية المجيء والاستغفار عند القبر الشريف أنها علقت وجدان الله تواباً رحيماً على ثلاثة أمور هي: المجيء، والاستغفار، واستغفار الرسول.

والمجيء بعد انتقال الرسول هو مجيء إلى قبره الشريف، فالآية تشير إلى استحباب المجيء عند القبر والدعاء وطلب الاستغفار عنده” ([11]).

وقال الدكتور علي جمعة: “آية مطلقة ليس لها مقيد نصي ولا عقلي، فليس هناك ما يقيد معناها بحياة النبي الدنيوية”([12]).

والجواب أن نقول لهم: استدلالكم خاطئ، وقد أجاب عن هذا الاستدلال الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي –رحمه الله تعالى فقال: ” أما استدلاله ([13]) بقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} [النساء: 64] الآية، فالكلام فيها في مقامين: أحدهما: عدم دلالتها على مطلوبة، الثانية: بيان دلالتها على نقيضه.

وإنما يتبين الأمران بفهم الآية، وما أريد بها، وسيقت به، وما فهمه منها أعلم الأمة بالقرآن ومعانية، وهم سلف الأمة، ومن سلك سبيلهم.

ولم يفهم منها أحد من السلف والخلف إلا المجيء إليه في حياته ليستغفر لهم، وقد ذم تعالى من تخلف عن هذا المجيء، إذ ظلم نفسه، وأخبر أنه من المنافقين، فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [المنافقون:5].

وكذلك هذه الآية إنما هي في المنافق الذي رضي بحكم كعب بن الأشرف وغيره من الطواغيت، دون حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظلم نفسه بهذا أعظم ظلم، حيث لم يجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر له، فإن المجيء إليه يستغفر له توبة وتنصل من الذنوب، وهذه كانت عادة الصحابة معه صلى الله عليه وسلم أن أحدهم متى صدر منه ما يقتضي التوبة، جاء إليه فقال: يا رسول الله إني فعلت كذا وكذا فاستغفر لي، وهذا كان فرقاً بينهم وبين المنافقين.

فلما استأثر الله عز وجل بنبيه صلى الله عليه وسلم، ونقله من بين أظهرهم إلى دار كرامته، لم يكن أحد منهم قط يأتي إلى قبره ويقول: يا رسول الله فعلت كذا وكذا فاستغفر لي، ومن نقل هذا عن أحد منهم فقد جاهر بالكذب والبهت، وأفترى على الصحابة والتابعين  وهم خير القرون على الإطلاق هذا الواجب الذي ذم الله سبحانه من تخلف عنه، وجعل التخلف عنه من أمارات النفاق، ووفق له من لا يؤبه له من الناس، ولا يعد في أهل العلم. فكيف أغفل هذا أئمة الإسلام وهداة الأنام من أهل الحديث والفقه والتفسير، ومن لهم لسان صدق في الأمة، فلم يدعوا إليه، ولم يحضوا عليه، ولم يرشدوا إليه، ولم يفعله أحد منهم ألبته؟!!

بل المنقول الثابت عنهم ما قد عرف مما يسوء الغلاة فيما يكرهه وينهى عنه من الغلو والشرك الجفاة عما يحبه ويأمر به من التوحيد والعبودية.

ولما كان هذا المنقول شجي في حلوق الغلاة، وقذى في عيونهم، وريبة في قلوبهم، قابلوه بالتكذيب والطعن في الناقل، ومن استحيا منهم من أهل العلم بالآثار قابله بالتحريف والتبديل. ويأبى الله إلا أن يعلي منار الحق، ويظهر أدلته ليهتدي المسترشد، وتقوم الحجة على المعاند فيعلي الله بالحق من يشاء، ويضع برده وبطره وغمص أهله من يشاء.

ويا لله العجب أكان ظلم الأمة لأنفسها ونبيها بين أظهرها موجود، وقد دعيت فيه إلى المجيء إليه ليستغفر لها، وذم من تخلف عن المجيء، فلما توفي صلى الله عليه وسلم ارتفع ظلمها لأنفسها بحيث لا يحتاج أحد منهم إلى المجيء إليه يستغفر له.
وهذا يبين أن هذا التأويل الذي تأوله عليه المعترض هذه الآية تأويل باطل قطعاً، ولو كان حقاً لسبقونا إليه علماً وعملاً، وإرشاداً ونصيحة.

ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو سنة، لم يكن على عهد السلف، ولا عرفوه، ولا بينوه للأمة، فإنه يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا، وضلوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر، فكيف إذا كان التأويل يخالف تأويلهم ويناقضه؟!!
وبطلان هذا التأويل أظهر من أن يطنب في رده، وإنما ننبه عليه بعض التنبيه
ومما يدل على بطلانه قطعاً: أنه لا يشك مسلم أن من دعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، وقد ظلم نفسه ليستغفر له، فأعرض عن المجيء وأباه، مع قدرته عليه، كان مذموماً غاية الذم، مغموصاً بالنفاق. ولا كذلك من دعي إلى قبره ليستغفر له، ومن سوى بين الأمرين، وبين المدعوين، وبين الدعوتين، فقد جاهر بالباطل، وقال على الله وكلامه ورسوله وأمناء دينه غير الحق.

وأما دلالة الآية على خلاف تأويله فهو أنه سبحانه صدرها بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} [النساء:64] وهذا يدل على أن مجيئهم إليه ليستغفر لهم إذ ظلموا أنفسهم طاعة له، ولهذا ذم من تخلف عن هذه الطاعة، ولم يقل مسلم قط إن على من ظلم نفسه بعد موته أن يذهب إلى قبره، ويسأله أن يستغفر له، ولو كان هذا طاعة له لكان خير القرون قد عصوا هذه الطاعة، وعطلوها، ووفق لهذا هؤلاء الغلاة العصاة، وهذا بخلاف قوله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:65] فإنه نفى الإيمان عمن لم يُحكًّمه، وتحكيمه هو تحكيم ما جاء به حياً وميتاً، ففي حياته كان هو الحكم بينهم بالوحي، وبعد وفاته نوابه وخلفاءه، يوضح ذلك أنه قال: ” لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا “([14])، ولو كان يشرع لكل مذنب أن يأتي إلى قبره ليستغفر له لكان القبر أعظم أعياد المذنبين، وهذا مضادة صريحة لدينه، وما جاء به، ولو كان مشروعاً لأمر به أمته، وحضهم عليه، ورغبهم فيه، ولكان الصحابة وتابعوهم بإحسان أرغب شيء فيه، وأسبق إليه. ولم ينقل عن أحد منهم قط وهم القدوة بنوع من أنواع الأسانيد أنه جاء إلى قبره ليستغفر له، ولا شكا إليه، ولا سأله.

والذي صح عنه مجيء القبر للتسليم فقط، هو ابن عمر، وكان يفعل ذلك عند قدومه من السفر، ولم يكن يزيد على التسليم شيئاً ألبتة، ومع هذا فقد قال عبيد الله بن عمر العمري الذي هو أجل أصحاب نافع، أو من أجلهم: ” ما نعلم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك إلا ابن عمر”.

ومعلوم أنه لا هدي أكمل من هدي الصحابة، ولا تعظيم لرسول الله فوق تعظيمهم، ولا معرفة لقدرة فوق معرفتهم، فمن خالفهم إما أن يكون أهدى منهم، أو يكون مرتكباً لنوع من البدع، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لقوم رآهم اجتمعوا على ذكر يقولونه: لأنتم أهدى من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم… أو أنتم على شعبة الضلال ([15]).

فتبين أنه لو كان استغفاره لمن جاءه مستغفراً بعد موته ممكناً أو مشروعاً، لكان كمال شفقته ورحمته بالأمة تقتضي ترغيبهم في ذلك، وحضهم عليه. انتهى ([16]).
وقال الشيخ السعدي رحمه الله: { فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } أي: لتاب عليهم بمغفرته ظلْمَهم، ورحمهم بقبول التوبة والتوفيق لها والثواب عليها، وهذا المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مختص بحياته؛ لأن السياق يدل على ذلك لكون الاستغفار من الرسول لا يكون إلا في حياته، وأما بعد موته فإنه لا يطلب منه شيء بل ذلك شرك” ([17]).

الدليل الثاني:

قـال تعالى: ] وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [ [آل عمران: 196].

قال الكسنزاني في المعجم الصوفي: وفي قوله تعالى: ]  يُرْزَقونَ [ فهذا فضل رباني لا حدَّ، ولا عدَّ، ولا انقطاع له: نور، ورحمة، وأمان، وبشرى … فمن زارهم حباً وتبركاً وتعظيماً يكرم من فيض هذا الرزق الرباني فينتفع به الزائر قلباً وقالباً، جسداً وروحاً ([18]).

والجواب أن يقال: هذه الآيات وما في معناها إنما نزلت لتبين نعيم الشهداء عند ربهم في الجنة، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وتنهانا أن نقول لمن يقتل في سبيل الله هو ميت بل هو حي حياة برزخية لا يعلم كنهها إلا الله سبحانه لا تقاس بالحياة الدنيا ولا تعطي أحكامها، كما قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} [البقرة: 154].

قال ابن جرير: “ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله: هو ميت، فإن الميت من خَلقي مَنْ سلبته حياتَه وأعدمتُه حواسَّه، فلا يلتذّ لذة ولا يُدرك نعيما، فإنّ من قُتل منكم ومن سائر خَلقي في سبيلي، أحياءٌ عندي، في حياة ونعيم، وعيش هَنِيّ، ورزق سنيّ، فَرحين بما آتيتهم من فضلي، وَحبوتهم به من كرامتي….. ثم أورد بن جرير هذا الإشكال أن الكل حتى الكافر حي في قبره فلما خص الله الشهداء بالذكر؟ فقال: إنّ الذي خَصّ الله به الشهداء في ذلك، وأفادَ المؤمنين بخبره عنهم تعالى ذكره، إعلامه إياهم أنهم مرزوقون من مآكل الجنة ومطاعمها في بَرْزَخِهم قَبل بعثهم، ومنعَّمون بالذي ينعم به داخلوها بعد البعث من سائر البشر، من لذيذ مطاعمها الذي لم يُطعمها الله أحدًا غيرَهم في برزخه قبل بعثه. فذلك هو الفضيلة التي فضَّلهم بها وخصهم بها من غيرهم ([19]).

وقال الشيخ سيد طنطاوي -شيخ الأزهر-بعد أن ذكر الخلاف في هذه الحياة وفي حقيقتها: “والذي نراه أن الآية الكريمة قد نبهتنا إلى أن للشهداء مزية تجعلهم مفضلين عمن سواهم من كثير من الناس ، وهي أنهم في حياة سارة ، ونعيم مقيم عند ربهم ، وهذه الحياة الممتازة تسمو بهم عن أن يقال فيهم كما يقال في غيرهم إنهم أموات وإن كان المعنى اللغوي للموت حاصلاً لهم ، ونحن نؤمن بهذه الحياة السارة لهم عند ربهم ونعتقد صحتها كما ذكرها الله -تعالى إلا أننا نفوض كيفيتها وكنهها إليه  سبحانه  إذ لا يمكن إدراكها إلا من طريق الوحي، كما قال  تعالى  : {وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} أي : لا تشعرون بحياتهم بعد مفارقتهم لهذه الدنيا ، لأنها حياة من نوع معين لا يعلمها إلا علام الغيوب([20]).

فإن زعمتم أن حياتهم كحياة الحي فقد صادمتم كتاب الله عز وجل ؛ لأن الله يقول: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22]

الدليل الثالث:

 قال تعالى: ] وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوى الْقُلوبِ [ [الحج: آية 302].

قال الكسنزان: ” فنفوس الأنبياء والأولياء، هي الأنفس الكاملة الهادية إلى الله الموفقة من الله أينما حلت وفي أي حال وهيئة كانت، وهي شعيرة من شعائر الله.

فزيارة الأولياء والصالحين تدخل في الندب المؤكد لما لهم من حقوق التعليم، ونشر الدين والتضحية في سبيل الإسلام والمسلمين، وتدخل في نطاق زيارة المؤكد، لأن أرواحهم كانت ولا تزال منورة بأنوار الله تعالى في الدنيا وفي البرزخ ويوم يقوم الأشهاد”([21]).

والجواب عليهم نقول:

إن شعائر الله المقصودة في الآية هي ما يتعلق بالحج من مناسك، قال ابن عباس: “البدن من شعائر الله”، وقال محمد بن أبي موسي: “الوقوف (يعني بعرفة) ومزدلفة والجمار والرمي والحلق والبدن من شعائر الله”([22]).

والشعائر تطلق أيضًا على أوامر الله ونواهيه، فإن قيل: المسح والتقبيل من شعائر الله، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قلنا: هل فهم السلف من الآية أن المسح والتقبيل للقبور والأضرحة من تعظيم شعائر الله؟!

قال بن جرير: ” يقول تعالى ذكره: هذا الذي ذكرت لكم أيها الناس وأمرتكم به من اجتناب الرجس من الأوثان واجتناب قول الزور، حنفاء لله، وتعظيم شعائر الله، وهو استحسان البُدن واستسمانها وأداء مناسك الحجّ على ما أمر الله جلّ ثناؤه، من تقوى قلوبكم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ([23]).

وقال ابن كثير: يقول تعالى: هذا {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} أي: أوامره، {فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن، كما قال الحكم، عن مقْسَم، عن ابن عباس: تعظيمها: استسمانها واستحسانها.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشجّ، حدثنا حفص بن غياث، عن ابن أبي ليلى، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد، عن ابن عباس: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} قال: الاستسمان والاستحسان والاستعظام.

وقال أبو أمامة بن سهل: كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يُسمّنون ([24])([25]).

وقال البغوي: قال ابن عباس “شعائر الله” البدن والهدي، وأصلها من الإشعار، وهو إعلامها ليعرف أنها هدي، وتعظيمها: استسمانها واستحسانها ([26]).

وقال الشيخ سيد طنطاوي: فشعائر الله: إعلان دينه لا سيما ما يتعلق بالمناسك. وقال قوم: المراد هنا تسمين البدن. والاهتمام بأمرها…

والمعنى: ذلك الذي أمرناكم به أو نهيناكم عنه عليكم امتثاله وطاعته، والحال أن من يعظم شعائر الله، التي من بينها الذبائح التي يتقرب بها إليه  تعالى  يكون تعظيمه إياها عن طريق تسمينها، وحسن اختيارها يكون دليلا على تقوى القلوب، وحسن صلتها بالله  سبحانه  وخشيتها منه، وحرصها على رضاه -عز وجل-([27])

 

ثانياً: الأحاديث التي استدلوا بها على استحباب شد الرحال:

وقسموا هذه الأحاديث إلى قسمين:

القسم الأول: الأحاديث الدالة علي مطلق الأمر بزيارة القبور:

الحديث الأول:

قوله صلي الله عليه وسلم: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ» ([28]).

والجواب عن ذلك نقول:

أولاً: أن النبي صلي الله عليه وسلم كان قد نهى عن زيارة القبور في أول الأمر سدًا للذريعة، فلما تمكن التوحيد في قلوبهم أذن النبي لهم في زيارتها على الوجه الذي شرعه الله عز وجل.

ثانياً: أن العلماء اتفقوا على أن النبي قد نهى عن زيارة القبور إلا أنهم اختلفوا هل نسخ هذا الحكم أم لا، وبالتالي اختلفوا في حكم زيارة القبور بين قائل بأنها مكروهة، وقائل بأنها مستحبة، وقائل بأنها مباحة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ” وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ نَهَى عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ. وَنَهَى عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالْمُقَيَّرِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ نُسِخَ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَمْ يُنْسَخْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحَادِيثَ النَّسْخِ لَيْسَتْ مَشْهُورَةً. وَلِهَذَا لَمْ يُخَرِّجْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ مَا فِيهِ نَسْخٌ عَامٌّ.، وَقَالَ الْآخَرُونَ: بَلْ نُسِخَ ذَلِكَ.

ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إنَّمَا نُسِخَ إلَى الْإِبَاحَةِ فَزِيَارَةُ الْقُبُورِ مُبَاحَةٌ لَا مُسْتَحَبَّةٌ. وَهَذَا قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد. قَالُوا: لِأَنَّ صِيغَةَ افْعَلْ بَعْدَ الْحَظْرِ إنَّمَا تُفِيدُ الْإِبَاحَةَ. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَكُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ فَانْتَبِذُوا وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا} وَرُوِيَ {فَزُورُوهَا وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا} ([29]). وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ كَانَ لِمَا كَانَ يُقَالُ عِنْدَهَا مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُنْكَرَةِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ كَالنَّهْيِ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ أَوَّلًا لِأَنَّ الشِّدَّةَ الْمُطْرِبَةَ تَدِبُّ فِيهَا وَلَا يُدْرَى بِذَلِكَ فَيَشْرَبُ الشَّارِبُ الْخَمْرَ وَهُوَ لَا يَدْرِي.

وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: زِيَارَةُ قُبُورِ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَحَبَّةٌ لِلدُّعَاءِ لِلْمَوْتَى مَعَ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ إلَى الْبَقِيعِ فَيَدْعُو لَهُمْ. وَكَمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، أَنَّهُ خَرَجَ إلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ فَصَلَّى عَلَيْهِمْ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَوْتَى كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ.

وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إذَا زَارُوا الْقُبُورَ أَنْ يَقُولُوا: ” السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِين نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ”([30]). “اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ”([31]). وَهَذَا فِي زِيَارَةِ قُبُورِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَأَمَّا زِيَارَةُ قَبْرِ الْكَافِرِ فَرُخِّصَ فِيهَا لِأَجْلِ تِذْكَارِ الْآخِرَةِ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِغْفَارُ لَهُمْ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ “زَارَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ. وَقَالَ: ” اسْتَأْذَنْت رَبِّي فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي وَاسْتَأْذَنْته فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يَأْذَنْ لِي فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ”([32]).

وَالْعُلَمَاءُ الْمُتَنَازِعُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَحْتَجُّ بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ وَيَكُونُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْآخَرِ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ  وَقَالَ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}.

وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ صَحِيحَةٌ بِاعْتِبَارِ؛ فَإِنَّ الزِّيَارَةَ إذَا تَضَمَّنَتْ أَمْرًا مُحَرَّمًا: مِنْ شِرْكٍ، أَوْ كَذِبٍ، أَوْ نَدْبٍ، أَوْ نِيَاحَةٍ وَقَوْلِ هُجْرٍ: فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ بِالْإِجْمَاعِ كَزِيَارَةِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ وَالسَّاخِطِينَ لِحُكْمِ اللَّهِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ زِيَارَتُهُمْ مُحَرَّمَةٌ.

وَالنَّوْعُ الثَّانِي: زِيَارَةُ الْقُبُورِ لِمُجَرَّدِ الْحُزْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لِقَرَابَتِهِ أَوْ صَدَاقَتِهِ فَهَذِهِ مُبَاحَةٌ كَمَا يُبَاحُ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ بِلَا نَدْبٍ وَلَا نِيَاحَةٍ. كَمَا ” زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ وَقَالَ: زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ”. فَهَذِهِ الزِّيَارَةُ كَانَ نَهَى عَنْهَا لِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنْ الْمُنْكَرِ فَلَمَّا عَرَفُوا الْإِسْلَامَ أَذِنَ فِيهَا لِأَنَّ فِيهَا مَصْلَحَةٌ وَهُوَ تَذَكُّرُ الْمَوْتِ. فَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ إذَا رَأَى قَرِيبَهُ وَهُوَ مَقْبُورٌ ذَكَرَ الْمَوْتَ وَاسْتَعَدَّ لِلْآخِرَةِ وَقَدْ يَحْصُلُ مِنْهُ جَزَعٌ فَيَتَعَارَضُ الْأَمْرَانِ. وَنَفْسُ الْحُزْنِ مُبَاحٌ إنْ قَصَدَ بِهِ طَاعَةً كَانَ طَاعَةً وَإِنْ عَمِلَ مَعْصِيَةً كَانَ مَعْصِيَةً.

وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّالِثُ: فَهُوَ زِيَارَتُهَا لِلدُّعَاءِ لَهَا كَالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ. فَهَذَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ الَّذِي دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ وَكَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ مَا يَقُولُونَ إذَا زَارُوا الْقُبُورَ”([33]).

ثالثاً: لابد أن نفرق بين الزيارة المشروعة وشد الرحال؛ لأن قوله صلي اله عليه وسلم: “زُورُوا الْقُبُورَ” مطلق قيده قوله: “لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ ([34]) “ولو ساغ الاستدلال بمثل هذه الإطلاقات في قوله: “زُورُوا الْقُبُورَ”: لساغ إقامة الصلاة في كل وقت والحج في كل وقت بدعوى أن الله قال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} ([35]).

الحديث الثاني:

عن بريدة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:” وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَزُورَ فَلْيَزُرْ، وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا»([36]).

قال عمر عبد الله كامل بعد هذين الحديثين: “ولفظ الزيارة يلزم منه الانتقال من مكان لأخر، فالشارع يحض على الانتقال من مكان لآخر من أجل زيارة القبور، وعليه فإذا تعلقت الزيارة بانتقال من مكان لأخر فلا يوجد نص يمنع من هذا السفر، وقد سمى الشارع السفر زيارة وهو نص لا يحتمل التأويل ([37]).

والجواب على هذا الحديث كسابقه:

أن هناك فرق بين الزيارة وشد الرحال، وأن غاية ما فيه أن النبي صلي الله عليه وسلم أباح لهم الزيارة بعد أن كانت ممنوعة عليهم.

ولذلك قَالَ ابْن حبيب: “لَا بَأْس بزيارة الْقُبُور وَالْجُلُوس إِلَيْهَا وَالسَّلَام عَلَيْهَا عِنْد الْمُرُور بهَا، وَقد فعل ذَلِك رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسُئِلَ مَالك عَن زِيَارَة الْقُبُور؟ فَقَالَ: قد كَانَ نهى عَنهُ ثمَّ أذن فِيهِ، فَلَو فعل ذَلِك إِنْسَان وَلم يقل إلاَّ خيرا لم أر بذلك بَأْسا”([38]).

قال العيني: “وَفِي (التَّوْضِيح) أَيْضا: وَالْأمة مجمعة على زِيَارَة قبر نَبينَا، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأبي بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. وَكَانَ ابْن عمر إِذا قدم من سفر أُتِي قَبره المكرم فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله، السَّلَام عَلَيْك يَا أَبَا بكر، السَّلَام عَلَيْك يَا أبتاه. وَمعنى النَّهْي عَن زِيَارَة الْقُبُور إِنَّمَا كَانَ فِي أول الْإِسْلَام عِنْد قربهم بِعبَادة الْأَوْثَان واتخاذ الْقُبُور مَسَاجِد، فَلَمَّا استحكم الْإِسْلَام وَقَوي فِي قُلُوب النَّاس وَأمنت عبَادَة الْقُبُور وَالصَّلَاة إِلَيْهَا نسخ النَّهْي عَن زيارتها لِأَنَّهَا تذكر الْآخِرَة وتزهد فِي الدُّنْيَا”([39]).

الحديث الثالث:

أخرج الأمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ” أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ، عَلَى مَدْرَجَتِهِ، مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ “([40]).

هذا الحديث، استدل به السبكي في شفاء السقام، وعمر عبد الله كامل في الإنصاف، وقال: “فالشارع سمى السفر هو الانتقال من قرية لأخرى – زيارة، وعليه فلفظ الزيارة يحتمل السفر وعدمه”([41]).

وللجواب عن ذلك نقول:

أولاً: قياس قبر الميت على زيارة الأخ الحي قياس فاسد يل هو من أفسد أنواع القياس، قال ابن عبد الهادي في رده على السبكي: “أما جعل زيارة القبر كزيارته حياً كما قاسه هذا المعترض، فهذا قياس ما علمت أحداً من علماء المسلمين قاسه، ولا علمت أحداً منهم احتج في زيارة قبره بالقياس على زيارة الحي المحبوب في الله، وهذا من أفسد القياس، فإنه من المعلوم أن من زار الحي حصل له بمشاهدته وسماع كلامه ومخاطبته وسؤاله وجوابه وغير ذلك مما لا يحصل لمن لم يشاهده ولم يسمع كلامه.

وليس رؤية قبره أو رؤية الجدار الذي بنى على بيته بمنزلة رؤيته ومشاهدته ومجالسته وسماع كلامه، ولو كان هذا مثل هذا لكان كل من زار قبره مثل واحد من أصحابه ومعلوم أن هذا من أباطل الباطل”([42]). وقد استفاد ابن عبد الهادي هذا الموضع من كلام شيخ الإسلام في الرد على الإخنائي([43]).

ثانياً: قول عمر عبدالله كامل وقول السبكي: «إنّ لفظ (الزّيارة) يتناول شدّ الرحل وغيره من المعاني»؛ فمردود بفعله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه ما ثبت عنه في حديث صحيح ولا ضعيف ولا مكذوب أنه شد رحله إلى زيارة قبرٍ من قبور الأنبياء ولا غيرهم من قبور المؤمنين، ومعلوم أن قبور الأنبياء وغيرهم كانت موجودة في زمانه صلى الله عليه وسلم وفي زمان أصحابه؛ فما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم إلا أنه كان يزور قبور أهل البَقيع وغيرهم،  من غير شد رحل ولا سفر؛ فهل يقول مسلم: إنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه تركوا أمرًا مشروعًا محبوبًا لله ـ سبحانه وتعالى ـ واهتدى إليه السبكي وأضرابه؟؟! فسبحانك هذا بهتان عظيم.

فلما لم يفعله صلى الله عليه وسلم ولم يأمر أمته به بل نهاهم عنه؛ تبيَّن أن شد الرحل لمجرد الزيارة أمر غير مشروع؛ بل هو محدَث في الدين، ولم يعرف في زمان سلفنا الصّالحين ([44]).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

[1]) معجم مقاييس اللغة، ط: اتحاد الكتاب العرب، (3/27).

[2]) المعجم العربي الأساسي (ص:593)

[3]) المصباح المنير كتاب الزاي.

[4]) انظر: الكشف المبدي لتمويه أبي الحسن السبكي، لمحمد بن حسين بن سليمان بن إبراهيم الفقيه، ط: دار الفضيلة (ص: 60).

[5]) انظر: موسوعة الكسنزان لما اتفق عليه أهل التصوف والعرفان. محمد الكسنزان الحسني حرف الزاي.، (ص: 338).

[6]) انظر: لسان العرب، لابن منظور، ط: دار صادر – بيروت، (11/275).

[7]) انظر: ” جامع الأصول ” لابن الأثير :(1/367)

[8] ) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة ، بَابُ فَضْلِ الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ ، (1189) ، ومسلم ، كتاب الحج ، بَابُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ ، (1397).

[9] ) انظر الإحياء للغزالي (2/270) والمدخل لابن الحاج (1/257)

[10] ) موسوعة الكسنزان لما اتفق عليه أهل التصوف والعرفان. محمد الكسنزان الحسني، حرف الزاي (ص: 340).

[11] ) الإنصاف فيما أثير حوله الخلاف. د/ عمر عبد الله كامل ص (425)

[12] ) البيان القويم ص (76).

[13] ) أي تقي الدين السبكي في إجازته التوسل بالنبي بعد وفاته وشد الرحال إلي قبره.

[14] ) أخرجه الإمام أحمد في “المسند” 2/367، وأبو داود في كتاب المناسك في “سننه” 2/534 من طريق عبد الله بن نافع أخبرني ابن ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا، وَلَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَصَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي ” هذا لفظ أحمد ، ولفظ أبي داود: ” لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ “.

قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية بعد أن ساق سند الحديث في “الاقتضاء” 2/654: ” وهذا إسناد حسن، فإن رواته كلهم ثقات مشاهير”.

[15] ) انظر: البدع لابن وضاح ص11 فما بعدها.

[16] ) انظر: الصَّارِمُ المُنْكِي في الرَّدِّ عَلَى السُّبْكِي ، لشمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي (المتوفى: 744هـ) ، ط: مؤسسة الريان، بيروت – لبنان. (ص 317-319).

[17] ) تفسير بن سعدي (2/44) الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي . ط : مؤسسة مكة للطباعة.

[18] ) موسوعة الكسنزان لما اتفق عليه أهل التصوف والعرفان . محمد الكسنزان الحسني حرف الزاي (ص: 351).

[19]) انظر تفسير الطبري (3/216) ط: ومؤسسة الرسالة

[20]) التفسير الوسيط محمد سيد طنطاوي، ط: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الفجالة – القاهرة، (1/314).

[21] ) موسوعة الكسنزان لما اتفق عليه أهل التصوف والعرفان. محمد الكسنزان الحسني حرف الزاي (ص: 351).

[22] ) تفسير القرآن العظيم: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي [700 -774 هـ](5/420) ت:  سامي بن محمد سلامة الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع  ، (5/423).

[23] ) انظر: تفسير الطبري، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، (16/539).

[24] ) صحيح البخاري (10/9) “فتح” معلقاً.

[25] ) تفسير القرآن العظيم: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي [700 -774 هـ](5/420) ت:  سامي بن محمد سلامة الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ، (5/423)..

[26] ) معالم التنزيل: محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي [المتوفى 516 هـ] (5/384): حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر – عثمان جمعة ضميرية – سليمان مسلم الحرش، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع

[27] ) التفسير الوسيط: محمد سيد طنطاوي، ط: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الفجالة – القاهرة، (9/308).

[28] ) رواه مسلم، كتاب الجنائز، بَابُ اسْتِئْذَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ،برقم (977).

[29] ) رواه أحمد في مسنده رقم (13487)، والنسائي في سننه، كتاب الجنائز، باب زِيَارَةُ الْقُبُورِ ، رقم (2033) .

[30]) رواه مسلم، كتاب الجنائز، بَابُ مَا يُقَالُ عِنْدَ دُخُولِ الْقُبُورِ وَالدُّعَاءِ لِأَهْلِهَا، رقم (975).

[31]) رواه أبو داود في سننه، كتاب الجنائز، بَابُ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ، رقم (3201)، وصححه الألباني في السنن.

[32]) رواه مسلم، كتاب الجنائز، بَابُ اسْتِئْذَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ، رقم (976).

[33] ) مجموع الفتاوي (27/376)

[34] ) متفق عليه، رواه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، بَابُ فَضْلِ الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، رقم (1189) ، ومسلم ، كتاب الحج ، بَابُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ رقم (1397).

[35] ) انظر: صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان للسهسواني ً (ص: 76)

[36] ) رواه أحمد في مسنده برقم (11606)، والنسائي في سننه، زِيَارَةُ الْقُبُورِ، برقم (2033)، وصححه الألباني في السنن.

[37] ) انظر: الإنصاف (ص:428).

[38] ) انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، لبدر الدين العيني، ط: دار إحياء التراث العربي – بيروت، (8/70).

[39] ) عمدة القاري شرح صحيح البخاري، (8/70)، شرح صحيح البخاري لابن بطال، ط: مكتبة الرشد، (5/298).

[40]) رواه مسلم، كتاب البر والصلة، بَابٌ فِي فَضْلِ الْحُبِّ فِي اللهِ، برقم (2567)

[41]) انظر: الإنصاف فيما أثير حوله الخلاف. د/ عمر عبد الله كامل (ص:428)، الصارم المنكي في الرد على السبكي لابن عبد الهادي (ص:76).

[42]) انظر: الصارم المنكي في الرد على السبكي، لشمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي، ط: مؤسسة الريان، بيروت، (ص:76).

[43] ) انظر الرد على الإخنائي ، لشيخ الإسلام بن تيمية ، ط: دار الخراز- جدة ،  (ص:362).

[44] )  الكَشْف المُبْدِي لتمويه أبي الحسن السُّبكيّ ، (ص: 68).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

ابن سعود والوهابيّون.. بقلم الأب هنري لامنس اليسوعي

 للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   بسم الله الرحمن الرحيم هنري لامنس اليَسوعيّ مستشرقٌ بلجيكيٌّ فرنسيُّ الجنسيّة، قدِم لبنان وعاش في الشرق إلى وقت هلاكه سنة ١٩٣٧م، وله كتبٌ عديدة يعمَل من خلالها على الطعن في الإسلام بنحوٍ مما يطعن به بعضُ المنتسبين إليه؛ كطعنه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وله ترجمةٌ […]

الإباضــــية.. نشأتهم – صفاتهم – أبرز عقائدهم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من الأصول المقرَّرة في مذهب السلف التحذيرُ من أهل البدع، وذلك ببيان بدعتهم والرد عليهم بالحجة والبرهان. ومن هذه الفرق الخوارج؛ الذين خرجوا على الأمة بالسيف وكفَّروا عموم المسلمين؛ فالفتنة بهم أشدّ، لما عندهم من الزهد والعبادة، وزعمهم رفع راية الجهاد، وفوق ذلك هم ليسوا مجرد فرقة كلامية، […]

دعوى أن الخلاف بين الأشاعرة وأهل الحديث لفظي وقريب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعتمِد بعض الأشاعرة المعاصرين بشكلٍ رئيس على التصريحات الدعائية التي يجذبون بها طلاب العلم إلى مذهبهم، كأن يقال: مذهب الأشاعرة هو مذهب جمهور العلماء من شراح كتب الحديث وأئمة المذاهب وعلماء اللغة والتفسير، ثم يبدؤون بعدِّ أسماء غير المتكلِّمين -كالنووي وابن حجر والقرطبي وابن دقيق العيد والسيوطي وغيرهم- […]

التداخل العقدي بين الفرق المنحرفة (الأثر النصراني على الصوفية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: بدأ التصوُّف الإسلامي حركة زهدية، ولجأ إليه جماعة من المسلمين تاركين ملذات الدنيا؛ سعيًا للفوز بالجنة، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم تطور وأصبح نظامًا له اتجاهاتٌ عقائدية وعقلية ونفسية وسلوكية. ومن مظاهر الزهد الإكثار من الصوم والتقشّف في المأكل والملبس، ونبذ ملذات الحياة، إلا أن الزهد […]

فقه النبوءات والتبشير عند الملِمّات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منَ الملاحَظ أنه عند نزول المصائب الكبرى بالمسلمين يفزع كثير من الناس للحديث عن أشراط الساعة، والتنبّؤ بأحداث المستقبَل، ومحاولة تنزيل ما جاء في النصوص عن أحداث نهاية العالم وملاحم آخر الزمان وظهور المسلمين على عدوّهم من اليهود والنصارى على وقائع بعينها معاصرة أو متوقَّعة في القريب، وربما […]

كيف أحبَّ المغاربةُ السلفيةَ؟ وشيء من أثرها في استقلال المغرب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدّمة المعلِّق في كتابِ (الحركات الاستقلاليَّة في المغرب) الذي ألَّفه الشيخ علَّال الفاسي رحمه الله كان هذا المقال الذي يُطلِعنا فيه علَّالٌ على شيءٍ من الصراع الذي جرى في العمل على استقلال بلاد المغرب عنِ الاسِتعمارَين الفرنسيِّ والإسبانيِّ، ولا شكَّ أن القصةَ في هذا المقال غيرُ كاملة، ولكنها […]

التوازن بين الأسباب والتوكّل “سرّ تحقيق النجاح وتعزيز الإيمان”

توطئة: إن الحياةَ مليئة بالتحدِّيات والصعوبات التي تتطلَّب منا اتخاذَ القرارات والعمل بجدّ لتحقيق النجاح في مختلِف مجالات الحياة. وفي هذا السياق يأتي دورُ التوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله كمفتاح رئيس لتحقيق النجاح وتعزيز الإيمان. إن الأخذ بالأسباب يعني اتخاذ الخطوات اللازمة والعمل بجدية واجتهاد لتحقيق الأهداف والأمنيات. فالشخص الناجح هو من يعمل […]

الانتقادات الموجَّهة للخطاب السلفي المناهض للقبورية (مناقشة نقدية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: ينعمُ كثير من المسلمين في زماننا بفكرٍ دينيٍّ متحرِّر من أغلال القبورية والخرافة، وما ذاك إلا من ثمار دعوة الإصلاح السلفيّ التي تهتمُّ بالدرجة الأولى بالتأكيد على أهمية التوحيد وخطورة الشرك وبيان مداخِله إلى عقائد المسلمين. وبدلًا من تأييد الدعوة الإصلاحية في نضالها ضدّ الشرك والخرافة سلك بعض […]

كما كتب على الذين من قبلكم (الصوم قبل الإسلام)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: مما هو متَّفق عليه بين المسلمين أن التشريع حقٌّ خالص محض لله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، فالتشريع والتحليل والتحريم بيد الله سبحانه وتعالى الذي إليه الأمر كله؛ فهو الذي شرَّع الصيام في هذا الشهر خاصَّة وفضَّله على غيره من الشهور، وهو الذي حرَّم […]

مفهوم العبادة في النّصوص الشرعيّة.. والردّ على تشغيبات دعاة القبور

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا يَخفَى على مسلم أنَّ العبادة مقصَد عظيم من مقاصد الشريعة، ولأجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت فيصلًا بين الشّرك والتوحيد، وكل دلائل الدّين غايتها أن يَعبد الإنسان ربه طوعًا، وما عادت الرسل قومها على شيء مثل ما عادتهم على الإشراك بالله في عبادتِه، بل غالب كفر البشرية […]

تحديد ضابط العبادة والشرك والجواب عن بعض الإشكالات المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومدار العبادة في اللغة والشرع على التذلُّل والخضوع والانقياد. يقال: طريق معبَّد، وبعير معبَّد، أي: مذلَّل. يقول الراغب الأصفهاني مقررًا المعنى: “العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغُ منها؛ […]

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة.. بين أهل السنة والصوفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الناظر المدقّق في الفكر الصوفي يجد أن من أخطر ما قامت عليه العقيدة الصوفية إهدار مصادر الاستدلال والتلقي، فقد أخذوا من كل ملة ونحلة، ولم يلتزموا الكتاب والسنة، حتى قال فيهم الشيخ عبد الرحمن الوكيل وهو الخبير بهم: “إن التصوف … قناع المجوسي يتراءى بأنه رباني، بل قناع […]

دعوى أن الحنابلة بعد القاضي أبي يعلى وقبل ابن تيمية كانوا مفوضة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إن عهدَ القاضي أبي يعلى رحمه الله -ومن تبِع طريقته كابن الزاغوني وابن عقيل وغيرهما- كان بداية ولوج الحنابلة إلى الطريقة الكلامية، فقد تأثَّر القاضي أبو يعلى بأبي بكر الباقلاني الأشعريّ آخذًا آراءه من أبي محمد الأصبهاني المعروف بابن اللبان، وهو تلميذ الباقلاني، فحاول أبو يعلى التوفيق بين مذهب […]

درء الإشكال عن حديث «لولا حواء لم تخن أنثى»

  تمهيد: معارضة القرآن، معارضة العقل، التنقّص من النبي صلى الله عليه وسلم، التنقص من النساء، عبارات تجدها كثيرا في الكتب التي تهاجم السنة النبوية وتنكر على المسلمين تمسُّكَهم بأقوال نبيهم وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم، فتجدهم عند ردِّ السنة وبيان عدم حجّيَّتها أو حتى إنكار صحّة المرويات التي دوَّنها الصحابة ومن بعدهم يتكئون […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017