إهدار النص بدعوى المصلحة!!
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
الحمد لله القائل في محكم التنزيل: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 71]؛ ذلك بأن الربّ تعالى ذكره لو عمل بما يهوى هؤلاء المشركون وأجرى التدبير على مشيئتهم وإرادتهم وترك الحق الذي هم له كارهون، لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن; وذلك أنهم لا يعرفون عواقب الأمور والصحيح من التدبير والفاسد، فلو كانت الأمور جارية على مشيئتهم وأهوائهم مع إيثار أكثرهم الباطل على الحقّ، لم تقرّ السموات والأرض ومن فيهنّ من خلق الله؛ لأن ذلك قام بالحق([1]).
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمصد وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ القائل فيما صح عنه: “قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك…”([2])؛ فقد تركنا النبي صلى الله عليه وسلم على شريعة بيضاء ليلها كنهارها لا تحتاج إلى تتمة، ولا تفتقر إلى زيادة([3]).
أما بعد؛ فقد تنامى في الآونة الأخيرة وكثر التشويش، وتعالت الأصوات من دعاة التغريب والعلمانية، وكذا من الحداثيين العصريين؛ فنادوا بتعطيل بعض النصوص الشرعية وبمخالفة أحكامها بدعوى أنها لا تحقق المصلحة للناس، بل ذهبوا إلى ما هو أبعد من هذا؛ فقالوا بتقديم المصلحة على النصوص الشرعية، ورَمَوْا جميعًا الشريعة عن شِرْيانَةٍ([4]). {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5].
معاني مفردات العنوان:
الإهدار: بمعنى الإبطال والإلغاء والإهمال([5]).
والنص: كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
والمراد بالمصلحة هنا: جلب المنفعة أو دفع المضرة([6]).
منشأ شبهة إهدار النص بدعوى المصلحة:
أصل تلك الشبهة وبؤرتها التي ارتكزوا عليها في أطروحاتهم أمران:
أولهما: توهمهم أن ما يتعلق بتنظيم أمور الدنيا والمعاش ومسائل الاجتماع والحكم متروكة للعقل، ولا دخل للتشريع في تنظيمها، ويتبع ذلك رد جميع الأحكام المتعلقة بها.
يقول محمد عابد الجابري – أحد دعاة تلك الفكرة -: “ما يخص مسائل وقضايا العالم المادي المحسوس، وبصفة عامة شؤون الاجتماع، فإن ابن خلدون يرى أن الشارع لا يفرض علينا نظامًا معينًا محددًا يشمل جميع جزئيات وتفاصيل حياتنا، ولذلك كان الوحي في الأعم الغالب خاصًّا بالتكاليف الشرعية، أما شؤون الدنيا وأمور المعاش ومسائل الاجتماع والحكم، فهي متروكة للعقل”([7])، ويقول أيضًا: “قوانين الحكم والسياسة يمكن أن تعتمد على العقل وحده، دون الحاجة إلى شرع؛ لأن جوهرها إنما هو اجتناب المفاسد إلى المصالح، والقبيح إلى الحسن، وهذا وذاك تتم معرفته بالتجربة”([8]).
الثاني: زعمهم بأن النصوص الشرعية تعارض تحقيق المصالح للناس، ومن ثم تقدم رعاية المصالح على النص، ولعل أشهر من فُهم عنه ذلك هو نجم الدين الطوفي (716 ه) في ثنايا كلامه عن رعاية المصالح في كتابيه: “شرح مختصر الروضة”، و”التعيين في شرح الأربعين” في شرحه للحديث الثاني والثلاثين = “لا ضرر ولا ضرار”([9])، على أن الطوفي قد صرح ببيان مذهبه، وأنه إنما يرجح رعاية المصالح في العادات والمعاملات ونحوها، وليس في العبادات.
يقول الطوفي: “فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون من جملة ما راعاه من مصالحهم نصب النص والإجماع دليلًا لهم على معرفة الأحكام؟
قلنا: هو كذلك، ونحن نقول به في العبادات، وحيث وافقا المصلحة في غير العبادات، وإنما نحن نرجح رعاية المصالح في العادات والمعاملات ونحوها؛ لأن رعايتها في ذلك هي قطب مقصود الشرع منها، بخلاف العبادات؛ فإنها حق الشرع، ولا يعرف كيفية إيقاعها إلا من جهته نصًّا أو إجماعًا”([10]).
وقد حاول بعض المعاصرين([11]) أن يتخذ من كلام الطوفي متكأً يستند إليه في تأصيل فكرة تقديم الأهواء والمصالح المتوهمة على النص الشرعي، ومنه يتوصل إلى التحلل من ربقة التكاليف الشرعية، وببيان حقيقة مذهب الطوفي ينهدم هذا الأساس الذي ارتكنوا إليه.
تحقيق مذهب الطوفي:
لا يفوتني في هذا المقام التنبيه على حقيقة مذهب الطوفي: وقد عبرت عنه – قبل قليل – بقولي: “فُهم عنه”، وعدلت عن قول بعضهم: “نُقل عنه”؛ لأن الطوفي نفسه أرجع تقديم المصلحة على النص بقيودها؛ اعتمادًا على الحديث: “لا ضرر ولا ضرار”.
وبيان ذلك: أن الطوفي يوجب تقديم رعاية المصلحة بطريق التخصيص والبيان، لا بطريق التعطيل والإهدار، وشتان بين الأمرين، فإن الطوفي يُعمِل النصوص ولا يهملها، بخلاف من يقول بتقديم المصلحة المجردة عن الدليل على النص، وهم دعاة إهدار النص بدعوى مخالفته للمصلحة([12]).
والقارئ الحصيف مدعو إلى النظر في قول الطوفي: “ثم إن قوله عليه الصلاة والسلام: “لا ضرر ولا ضرار” يقتضي رعاية المصالح إثباتًا، والمفاسد نفيًا؛ إذ الضرر هو المفسدة، فإذا نفاها الشرع لزم إثبات النفع الذي هو المصلحة؛ لأنهما نقيضان لا واسطة بينهما.
وهذه الأدلة التسعة عشر([13]) أقواها النص والإجماع، ثم هما إما أن يوافقا رعاية المصلحة، أو يخالفاها، فإن وافقاها فَبِهَا وَنِعْمَت، ولا نزاع؛ إذ قد اتفقت الأدلة الثلاثة على الحكم، وهي النص والإجماع ورعاية المصلحة المستفادة من قوله عليه الصلاة والسلام: “لا ضرر ولا ضرار”، وإن خالفاها وجب تقديم رعاية المصلحة عليهما بطريق التخصيص والبيان لهما، لا بطريق الافتيات عليهما والتعطيل لهما، كما تقدم السنة على القرآن بطريق البيان”([14]).
وعلى التنزل والتسليم للخصم:
وعلى طريقة الجدل العلمي يقال لهؤلاء: سلمنا – جدلًا – بأن الطوفي يقول بتقديم المصلحة على النص، فإن خلافه مع جماهير العلماء – من السابقين والمعاصرين له واللاحقين – من قبيل الخلاف النظري الذي لا ينبني عليه عمل في واقع الناس، وإنما هو أشبه بالقسمة العقلية؛ لأن الطوفي نفسه لم يأت بمثال واحد يصلح تطبيقًا لتلك الدعوى؛ يقول الدكتور الريسوني: “لم يأت [يعني: الطوفي] بمثال واحد حقيقي يدل على التعارض الذي افترضه بين النص والمصلحة، فبقي رأيه مجرد افتراض نظري”([15]) .
تحرير محل النزاع:
قبل الخوض في تفنيد تلك الشبهة – إهدار النص بدعوى رعاية المصلحة – لا بد من فصل النزاع بين المختلفين، فيقال:
محل النزاع في هذه القضية: هو افتراض وجود تعارض بين دلالة النصوص الشرعية ورعاية المصلحة.
- فبينما نرى أصحاب تلك الشبهة يقدمون المصلحة المتوهمة – المتضمنة إلغاء النص – على النص، فيُعمِلون تلك المصلحة الملغاة ويهدرون النص.
- فإننا نرى علماء الشريعة قاطبة قد خالفوهم في ذلك([16])، ويمكن إجمال مذهبهم في أمرين:
أولهما: لا وجود لتعارضٍ حقيقيٍّ بين النصوص الشرعية والمصالح المعتبرة، بل بينهما تطابق تام.
ثانيهما: قد نجد تعارضًا حقيقيًا بين النصوص الشرعية والمصالح المتوهمة التي لم يعتبرها الشارع الحكيم، بل إن الشارع قصد إلى مخالفة تلك المصالح المتوهمة وجعلها ملغاة، وبالتالي لا يجوز تقديمها على النص؛ لما تضمنته تلك المصلحة من إلغاء النص.
وقد أجاد شيخ الإسلام ابن تيمية في تفصيل ذلك بقوله: “ما اعتقده العقل مصلحة وإن كان الشرع لم يرد بها فأحد أمرين لازم له:
- إما أن الشرع دل عليه من حيث لم يعلم هذا الناظر.
- أو أنه ليس بمصلحة وإن اعتقده مصلحة؛ لأن المصلحة هي المنفعة الحاصلة أو الغالبة، وكثيرًا ما يتوهم الناس أن الشيء ينفع في الدين والدنيا، ويكون فيه منفعة مرجوحة بالمضرة، كما قال تعالى: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219].
وكثير مما ابتدعه الناس من العقائد والأعمال من بدع أهل الكلام، وأهل التصوف وأهل الرأي، وأهل الملك، حسبوه منفعة أو مصلحة نافعًا، وحقًّا وصوابًا، ولم يكن كذلك.
بل كثير من الخارجين عن الإسلام من اليهود والنصارى والمشركين والصابئين والمجوس، يحسب كثير منهم أن ما هم عليه من الاعتقادات والمعاملات والعبادات مصلحة لهم في الدين والدنيا ومنفعة لهم، {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104]، وقد زين لهم سوء عملهم فرأوه حسنًا.
فإذا كان الإنسان يرى حسنًا ما هو سيئ، كان استحسانه أو استصلاحه، قد يكون من هذا الباب”([17]).
نخلص مما سبق: أنه يمكن إرجاع القضية إلى التمييز بين المصالح، فما كان منها معتبرًا عند الشارع اعتبرناه، وما كان ملغيًّا مهملًا عند الشارع أهملناه وأهدرناه، وأما النص فهو معمول به بكل حال، ولا خلاف بين أهل العلم قاطبة في ذلك([18]).
إذا تبين هذا: فإنه يمكن الرد على شبهة “إهدار النصوص بدعوى المصلحة” من جهتين؛ كل واحدة منهما كافية في تحقيق المقصود، وباجتماعهما تدمغ الشبهة، ويندفع الاغترار بها؛ قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18]:
الجهة الأولى: النظرية العلمية.
والجهة الثانية: التطبيقية العملية.
الجهة الأولى: دفع إهدار النصوص بدعوى المصلحة من الجهة النظرية العلمية:
يمكن دفع شبهة إهدار النصوص الشرعية بدعوى رعاية مصالح العباد من وجوه علمية كثيرة، وبمجموعها يحصل القطع ببطلان تلك الشبهة:
أولًا: جاءت الشريعة لتحقيق مصالح العباد:
قد دلت نصوص الكتاب الكلية على أن تشريع الأحكام وفرض التكاليف إنما جاء لتحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل؛ بجلب النفع والمصلحة لهم، أو بدفع الضرر والمفسدة عنهم، ومن النصوص الدالة على ذلك:
- يقول الله جل ثناؤه: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة : 3].
وجه الدلالة:
أن الكمال المذكور في الآية الكريمة هو أن الله تعالى شرع على لسان خاتم النبيين من الأعمال ما فيه صلاح الخلق على أتم الوجوه([19]).
- ويقول الله سبحانه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الدخان: 38- 39].
- وقال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115].
وجه الدلالة من الآيتين:
يقول الطبري: “ما خلقنا السموات والأرض إلا بالحقّ الذي لا يصلح التدبير إلا به”([20]).
- وقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]. أي: لكي يقوموا بالعدل([21]).
- قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، أي: إن القرآن يهدي للتي هي أصوب([22]).
كما صرحت كثير من الأدلة الجزئية – في العبادات وغيرها – على العلة أو الحكمة من تشريع الأحكام التي دلت عليها، وهي ترجع في جملتها إلى تحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة، وهي مع كثرتها يمتنع إحصاؤها، ومنها:
- تشريع الصلاة يقول تعالى ذكره: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].
- وفي تشريع الزكاة يقول سبحانه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
- وفي تشريع الصوم يقول جل وعز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
- وفي تشريع الحج يقول تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاًوَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ} [الحج: 27- 28].
- وفي الجهاد يقول سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه} [الْأَنْفَال: 39]. والمعنى: لئلا يفتنهم الله، أي: يزيدهم ضلالًا بسبب مخالفتهم عن أمره سبحانه، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم([23]).
- وفي تشريع القصاص يقول تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179]. يقول الشيخ السعدي: “أي: تنحقن بذلك الدماء، وتنقمع به الأشقياء؛ لأن من عرف أنه مقتول إذا قتل، لا يكاد يصدر منه القتل، وإذا رئي القاتل مقتولًا انذعر بذلك غيره وانزجر، فلو كانت عقوبة القاتل غير القتل، لم يحصل انكفاف الشر، الذي يحصل بالقتل، وهكذا سائر الحدود الشرعية، فيها من النكاية والانزجار، ما يدل على حكمة الحكيم الغفار”([24]).
- وفي تشريع النكاح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “يَا معشر الشَّبَاب من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوج؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاء”([25])، وفيه التصريح بالمصلحة من ترغيب الشباب في الزواج، والعلاج لمن عجز عن تحصيل متطلباته.
- وفي تشريع العلاقات الاجتماعية بين المسلمين يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ»([26]).
لذا كان من الشائع المشهور لدى جمهور العلماء، ووصل إلى حد التسليم والقطع به عند المسلمين كافة على اختلاف ثقافاتهم: أن أحكام الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مصالح العباد في الدارين؛ وقد تكرر ذكر ذلك على لسان العلماء:
يقول العز بن عبد السلام: “من مارس الشريعة وفهم مقاصد الكتاب والسنة علم أن جميع ما أمر به لجلب مصلحة أو مصالح، أو لدرء مفسدة أو مفاسد، أو للأمرين، وأن جميع ما نهي عنه إنما نهى عنه لدفع مفسدة أو مفاسد، أو جلب مصلحة أو مصالح أو للأمرين”([27]).
ويقول الشاطبي: “الأحكام الشرعية إنما شرعت لجلب المصالح أو درء المفاسد”([28]).
ثانيًا: أن الشريعة الإسلامية قد جمعت المصالح كلها.
يدعي هؤلاء – أعني أصحاب تلك الشبهة – أن هناك مصالح للناس في معاشهم لم تلتف الشريعة المطهرة إليها، وبالتالي تقدم رعاية تلك المصالح على النصوص الشرعية.
ومن أمثلة ذلك قول عبد المجيد الشرفي بعدم فرضية صيام رمضان؛ معللًا ذلك بتعارض صوم رمضان مع مصلحة العمل والإنتاج اللذين يحتاجان لجهد كبير!([29]).
والجواب عن شبهتهم في ذلك:
أن يقال: أن الشريعة الإسلامية قد جمعت المصالح كلها، وأنها لم تهمل العمل بمصلحة معتبرة قط، ومن يقول بغير ذلك فقد اتهم الشريعة بأنها ناقصة غير كاملة، وفي هذا تكذيب للقرآن الكريم؛ وهذا المعنى قد ورد في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، فقد قال: “والقول الجامع: أن الشريعة لا تهمل مصلحة قط، بل الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأتم النعمة، فما من شيء يقرب إلى الجنة إلا حدثنا به النبي صلى الله عليه وسلم، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك”([30]).
ويقول الدكتور الريسوني: “ومعنى هذا أن الشريعة لم تهمل من أمر المصالح والمفاسد شيئًا، قليلًا كان أو جليلًا، وما لا تشمله نصوصها الخاصة، فقد شملته نصوصها العامة.
وقد يشكل هذا مع ما هو معروف من تقسيم المصلحة – بالنظر إلى حكم الشرع فيها – إلى ثلاثة أنواع: مصلحة معتبرة، ومصلحة ملغاة، ومصلحة مرسلة”([31]).
وحل هذا الإشكال هو ما سنتطرق إلى تفصيله في النقطة الآتية.
ثالثًا: المصالح على ثلاثة أقسام:
المصالح من جهة اعتبار الشارع الحكيم لها تنقسم إلى ثلاثة أقسام([32]):
- الأول: أن يدل دليل خاص من الشرع على اعتبار تلك المصلحة وعدم إهدارها؛ ومثال ذلك: الإسكار بالنسبة إلى تحريم الخمر؛ فإن الشارع الحكيم حرم كل مسكر؛ تحقيقًا لمصلحة الحفاظ على العقل.
- الثاني: أن يدل دليل خاص من الشرع على إهدار تلك المصلحة وعدم اعتبارها، كما لو ظاهَرَ الملكُ من امرأته، فمصلحة الزجر والردع في تخصيص تكفيره بالصوم؛ لأن الصوم هو الذي يردعه عن العود إلى مثل ذلك، أما الإعتاق والإطعام فهو أسهل شيء على الملوك؛ لأنهم لا يبالون به لِخِفَّته عليهم، ولكن الشرع الكريم ألغى هذه المصلحة وأهدرها، كما قال تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3].
يقول الغزالي – في استنكار هذا القول -: “فهذا قول باطل ومخالف لنص الكتاب بالمصلحة، وفتح هذا الباب يؤدي إلى تغيير جميع حدود الشرائع ونصوصها بسبب تغير الأحوال”([33]) .
مع العلم بأن الشرع الكريم لا يُلْغي اعتبارَ مصلحةٍ ويحكم بإهدارها إلا لتحصيل مصلحة أخرى أهم في نظر الشرع منها؛ لأن عتق الرقبة وإخراجها من الرِّق أهم في نظر الشرع من التضييق على المـَلكِ بالصوم لينزجر بالتكفير بذلك.
- الثالث: ألا يدل دليل خاص من الشرع على اعتبار تلك المصلحة ولا على إهدارها، وهي ما يطلق عليه الأصوليون “المصلحة المرسلة”.
وقد عمل بالمصالح المرسلة جمهور العلماء، ومن أكثرهم إعمالًا لها الإمام مالك رحمه الله؛ باعتبار أنه قد شهد لها أصلٌ كليٌ، ومن أوضح الأمثلة على العمل بتلك المصالح: جمع المصحف وكتابته؛ فإنه لم يدل عليه نص من قبل الشارع، ولذا توقف فيه أبو بكر وعمر أولًا، حتى تحققوا من أنه مصلحة في الدين تدخل تحت مقاصد الشرع في ذلك، ومثله ترتيب الدواوين وتدوين العلوم الشرعية وغيرها؛ ففي مثل تدوين النحو مثلًا لم يشهد له دليل خاص، ولكنه شهد له أصل كلي قطعي يلائم مقاصد الشرع وتصرفاته، بحيث يؤخذ حكم هذا الفرع منه، وأنه مطلوب شرعًا وإن كان محتاجًا إلى وسائط لإدراجه فيه([34]).
مقصود ذلك: أن الشارع الحكيم اعتبر قسمين من أقسام المصالح، وأهدر الثالث وهو المصالح الملغاة، والسبب في رد الشارع لتلك المصالح المتوهمة هو مصادمتها ومعارضتها للنص الشرعي، تعارضًا يتضمن إلغاء النص بالكلية؛ يقول الغزالي: “ما يصادم في محلٍّ نصًّا للشرع، يتضمن اعتباره تغيير الشرع؛ فهو باطل عندنا”([35]).
رابعًا: الضوابط الحاكمة للمصلحة المعتبرة:
هناك مجموعة من الضوابط الحاكمة لاعتبار المصلحة أو إهدارها، فعلى كل من يتصدى للكلام عن المصلحة والاستدلال بها أن يقوم بمراعاة تلك المصالح وإعمالها على وجهها الصحيح، وإلا وقع في رد النصوص.
ومن فوائد تلك الضوابط الحاكمة تحديد المعيار الذي يحكم المصالح؛ لأن المصالح الشخصية للأفراد تختلف، فما يكون مصلحة لشخص قد يكون ضررًا على شخص آخر، وما يكون مصلحة في وقت معين قد يكون مفسدة في وقت آخر.
يقول الشاطبي: “كثير من المنافع تكون ضررًا على قوم لا منافع، أو تكون ضررًا في وقت أو حال، ولا تكون ضررًا في آخر، وهذا كله بيِّنٌ في كون المصالح والمفاسد مشروعة أو ممنوعة لإقامة هذه الحياة، لا لنيل الشهوات”([36]) .
الضابط الأول: المصلحة المعتبرة هي التي تحافظ على مقصود الشرع:
الطريق لضبط المصالح المعتبرة هو محافظة تلك المصالح على مقاصد الشريعة المتفق عليها، الضروريات والحاجيات والتحسينيات.
يقول الشاطبي: “انبنت الشرعية على قصد المحافظة على المراتب الثلاث من الضروريات والحاجيات والتحسينات، وكانت هذه الوجوه مبثوثة في أبواب الشريعة وأدلتها”([37]).
ويقول الغزالي: “فإن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق، وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكنا نعني بالمصلحة: المحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة”([38]) .
الضابط الثاني: العقل لا يستقل بإدراك المصلحة الشرعية المعتبرة:
ليس كل مصلحة معتبرة شرعًا([39])، وقد اتفق المسلمون على أن المصلحة لا تكون معتبرة إلا إذا شهد لها الشرع، ولا يستقل العقل بدركها بمفرده، بل لا بد له من نور الشرع؛ ليستضيء به.
وفي هذا المعنى يقول بدر الدين الزركشي: “والعقل لا يستقل بإدراك الطريق الخاص في جلب المصلحة إلا بدليل يعين له ذلك الطريق، فهو أمر مسلم، فلا بد من وجود دليل يرشد العقل إلى الطريق الخاص في معرفة المصلحة، سواء أكان الدليل نصًّا أم غيره ([40]).
ويقول الشاطبي: “المراد بالمصلحة عندنا ما فهم رعايته في حق الخلق من جلب المصالح ودرء المفاسد، على وجه لا يستقل العقل بدركه على حال، فإذا لم يشهد الشرع باعتبار ذلك المعنى، بل شهد برده، كان مردودًا باتفاق المسلمين”([41]).
فأين ما ينتهجه أصحاب تلك الشبهة من اعتبار المصالح بالعقل المجرد، بل وتقديمها على نصوص الشرع؟!
ولا غرو في هذا فإنك تجدهم يأتون بأحكام لم يقل بها أحد من أهل الإسلام قاطبة، بل ويخالفون المعلوم من الدين بالضرورة، ومن الأمثلة على ذلك: دعوة بعضهم إلى تخلي المرأة عن الحجاب تحقيقًا للمصلحة؛ بدعوى أن الحجاب يعوق حركة المرأة ويعرقل مصالحها([42]).
الضابط الثالث: المصالح لا تتبع الأهواء:
مما لا شك فيه أن أهواء الناس وطبائعهم مختلفة، ولا يمكن أن تستقيم حياة الناس، ولا تتحقق مصالحهم الحياتية مع اتباع كل واحد من الناس لهواه.
يقول الشاطبي: “المصالح المجتلبة شرعًا والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية، أو درء مفاسدها العادية”([43]).
ودليل ذلك في كتاب الله تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 71].
الجهة الثانية: دفع إهدار النصوص بدعوى المصلحة من الناحية التطبيقية العملية:
وصلنا إلى الرد على بعض الجزئيات التي ادعوا فيها رعاية المصلحة، وأهدروا في مقابل ذلك النص الشرعي، وسبيلنا في ذلك هو إعمال ما تقدم بيانه في الجهة الأولى النظرية العلمية.
شبهة إسقاط صيام رمضان بدعوى المصلحة:
ذهب الرئيس التونسي السابق بورقيبة إلى أن صيام المسلمين لشهر رمضان يسبب تعطيل الأعمال، ويؤدي إلى ضعف الإنتاج – زعم –، وفي عام 1961م دعا العمال إلى الإفطار تحقيقًا لرفع الإنتاج الذي يُعد من الجهاد الأكبر([44]).
ثم رأينا عبد المجيد الشرفي ينظِّرُ لهذه الدعوة، ويزعم مخالفة الصيام لمصلحة العمل!([45]).
الجواب عن الشبهة:
شرع الله تعالى الصيام في رمضان لتحقيق مصلحة العباد في الدنيا والآخرة؛ فيقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، والتقوى تُكسب صاحبها المراقبة لله تعالى سرًّا وعلانية، ولا يخفى انعكاس ذلك على أداء الصائم لعمله.
ثم يقال لهؤلاء: إن نقص الإنتاج بسبب الصيام ادعاء بغير دليل، ويمكن لمن خالفهم – وهم الأمة الإسلامية بأسرها – أن يقولوا بعكس كلامهم فيقولوا: إن الصيام يزيد الإنتاج، وهو في مصلحة العمل.
وأصل نظريتهم هذه آتية من الشيوعية التي تنظر إلى الإنسان على أنه كالسن في الدولاب أو أنه ماكينة إنتاج، وعطلوا الناحية الروحية والدوافع الايمانية؛ وهي أكبر محفز للعمل لدى الإنسان، وعندما حرم الإنسان من هذه القيمة حدثت ثورات الإنتاج؛ كثورة العمال على الرأسماليين وغيرها.
وكذلك فإن الصائم الذي يترك الحلال الذي اعتاده استجابة لأمر الله؛ يسهل عليه ترك الحرام الذي نُهي عنه؛ وهذا بلا شك حافز للإنتاج ودافعٌ للجودة والإتقان.
وإلى القارئ الكريم هذه القصة التي تدل على أن للصيام تأثيرًا إيجابيًّا على العمل وزيادة الإنتاج، فيحكي الدكتور الريسوني عن أحد أقاربه أن رجلَ أعمال إسبانيًّا كان يحتفي بعماله المغاربة الذين كانوا يصومون ويصلون، وكان يشجعهم على الصيام، ويعتني بتهيئة طعام فطورهم وسحورهم؛ لأنه كان يجد من الإخلاص والجدية والأمانة ما لا يجده في غيرهم من المسلمين غير المتدينين([46]).
شبهة خلع المرأة لحجابها بدعوى المصلحة:
قد أشرت إلى تلك الشبهة والقائلين بها سابقًا عند الكلام على الضابط الثاني من الضوابط الحاكمة للمصلحة المعتبرة، فلا حاجة للتكرار.
الجواب عن تلك الشبهة:
جاءت الشريعة بصيانة المرأة والحفاظ عليها، ولم تجعلها سلعة يستمتع بها، وهذه الدعوات الغريبة لخلع الحجاب وسفور المرأة لا تستند إلى عقل ولا منطق صحيح، ويبقى السؤال لهؤلاء: أي مصلحة في الازدراء بالمرأة وكشفها لمفاتنها؟! وأي علاقة بين عمل المرأة بضوابطه وحجابها؟! وأي مصلحة حصلتها المرأة في الغرب نتيجة تكشفها؟! إنك إذا وجهت تلك الأسئلة إلى دعاة تلك الشبهة فلن تجد جوابًا مقنعًا، ولو من الجهة العقلية.
ولو ذهبتُ لأعدِّد فوائد الحجاب للمرأة وتحقيقه للمصالح لها وللمجتمع لطال المقام، وسأكتفي في هذا الصدد بشهادة واحدة من شهادات كثيرة للغربيين في أوروبا وغيرها يشهدون بفوائد الحجاب للمرأة وتحقيقه للمصالح.
تقول روز ماري: “الحجاب شيء أساس في الدين الإسلامي؛ لأن الدين ممارسة عملية أيضًا، والدين الإسلامي حدد لنا كل شيء، كاللباس، والعلاقة بين الرجل والمرأة، والحجاب يحافظ على كرامة المرأة، ويحميها من نظرات الشهوات، ويحفظ كرامة المجتمع، ويكفّ الفتنة بين أفراده؛ لذلك فهو يحمي الجنسين من الانحراف، وأنا أؤمن أن السترة ليست في الحجاب فحسب، بل يجب أن تكون العفة داخلية أيضًا، وأن تتحجب النفس عن كل ما هو سوء”([47]).
شبهة رفض قطع يد السارق بدعوى المصلحة:
يرى الدكتور محمد عابد الجابري أن قطع يد السارق كان مناسبًا في وقته وظروفه، حيث لم تكن سجون ولا سلطة تقوم بحراستها والقيام على شؤون من فيها، ثم يقول: “وإذن فقطع يد السارق تدبير معقول تمامًا في مجتمع بدوي صحراوي يعيش أهله على الحل والترحال”([48]).
الجواب عن الشبهة:
شرعت الحدود في الإسلام لتحقيق مقاصد ثلاثة: تأديب الجاني، وإرضاء المجني عليه، وزجر المقتدي بالجناة([49]).
وهذه المقاصد لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وقوة العقوبة تؤدي إلى زجر الناس عن اقترافها، وبأدنى مقارنة بين تطبيق عقوبة قطع يد السارق أو بإعلان تطبيقه، وعقوبة سجنه، سيتضح أنه بتطبيق عقوبة قطع يد السارق أو حتى بالإعلان عن تطبيقه ستنخفض نسبة السرقات بنسبة كبيرة، ولا يخفى ما في هذا من تحقيق المصالح على مستوى الفرد والمجتمع.
يقول الدكتور الريسوني – في معرض رده على تلك الشبهة -: “وفضلًا عن ذلك فإن السجن يشكل – في كثير من الحالات – مدرسة ممتازة لتعليم الإجرام وربط العلاقات بين المجرمين…فهاتان مفسدتان لا بد من وضعهما في الميزان”([50]).
وبعد عرض تلك الشبهات والرد الإجمالي عليها يتضح لنا مدى انحطاط العقل البشري في تصور المصلحة، وليتأمل القارئ الحصيف الصورة الناتجة عن ترك المسلم للصيام، وخلع المرأة للحجاب، وتعطيل قطع يد السارق، ماذا ستكون النتيجة: غياب التقوى، وضياع كرامة المجتمع وانتشار للفساد، أليس في هذا مصادمة صريحة لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]؟!.
فليحذر المؤمن من تلك الدعوات التي تهدم القيم وتفسد الأخلاق وتسعى لنشر الفساد، وليستمسك بالعروة الوثقى؛ فإن الله تعالى هو الخالق وهو أعلم بما يَصلح لخلقه ويُصلحهم؛ {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].
ومن أجمل ما قاله ابن القيم: “فالشريعة التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم هي عمود العالم، وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة”([51]).
ــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([2]) أخرجه أحمد في المسند (17142)، وابن ماجه (43)، وأبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح مسلم (2)، من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وقال أبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح مسلم (1/ 36): وهذا حديث جيد من صحيح حديث الشاميين. اهـ. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (937).
([3]) فيض القدير للمناوي (6/ 216).
([4]) رموه عن شريانة: مثل يقال لمن اجتمعوا عليه ورموه عن قوس واحدة. والشريان: شجر يتخذ منه القسي. ينظر: مجمع الأمثال (1/ 295).
([5]) ينظر: الصحاح للجوهري (2/ 852)، ومشارق الأنوار للقاضي عياض (2/ 266).
([6]) روضة الناظر لابن قدامة (2/ 238).
([7]) “فكر ابن خلدون: العصبية والدولة” لمحمد عابد الجابري (ص: 79) .
([9]) وكلام الطوفي ليس في رسالة مستقلة، وإنما استلَّ كلامَه الشيخُ جمال الدين القاسمي ونشره ضمن مجموعة رسائل في الأصول بالاعتماد على نسخة واحدة مخطوطة، ثم محمد رشيد رضا في مجلة المنار العدد العاشر، ثم مصطفى زيد في رسالته المصلحة في التشريع الإسلامي بالاعتماد على نسختي دار الكتب المصرية، ثم الأستاذ عبد الوهاب خلاف في كتابه مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نصَّ فيه، ثم الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح باسم رسالة في رعاية المصلحة! وهو عنوان موهم. وهذه الفائدة ذكرها الأستاذ أحمد حاج محمد عثمان في هامش (ص: 19) من كتاب “التعيين”.
([10]) التعيين في شرح الأربعين (1/ 241).
([11]) ينظر: “تزييف الإسلام وأكذوبة الفكر الإسلامي المستنير” لمحمد إبراهيم مبروك (ص95).
([12]) وفي مركزنا – مركز سلف للبحوث والدراسات – عدة مقالات تناقش كلام الطوفي تفصيلًا، وقد جاءت في ثلاثة أجزاء:
الجزء الأول بعنوان: “بين النص والمصلحة ، التأصيل والشبهات”، ورابطها: https://salafcenter.org/64/
الجزء الثاني بعنوان: “بين النص والمصلحة، مذهب الطوفي والجواب عنه”، ورابطها: https://salafcenter.org/76/
الجزء الثالث بعنوان: “بين النص والمصلحة، أدلة الطوفي من السنة والرد عليها”، ورابطها: https://salafcenter.org/112/
([13]) قد ذكر الطوفي هذه الأدلة في كتابه “التعيين في شرح الأربعين” (1/ 237) بقوله: “إن أدلة الشرع تسعة عشر بالاستقراء، لا يوجد بين العلماء غيرها.
أولها: الكتاب، وثانيها: السنة، وثالثها: إجماع الأمة، ورابعها: إجماع أهل المدينة، وخامسها: القياس، وسادسها: قول الصحابي، وسابعها: المصلحة المرسلة، وثامنها: الاستصحاب، وتاسعها: البراءة الأصلية، وعاشرها: العوائد، الحادي عشر: الاستقراء، الثاني عشر: سد الذرائع، الثالث عشر: الاستدلال، الرابع عشر: الاستحسان، الخامس عشر: الأخذ بالأخف، السادس عشر: العصمة، السابع عشر: إجماع أهل الكوفة، الثامن عشر: إجماع العشرة، التاسع عشر: إجماع الخلفاء الأربعة…”.
([14]) التعيين في شرح الأربعين (1/ 238).
([15]) “الاجتهاد: النص، الواقع، المصلحة” للدكتور الريسوني (ص: 38).
([16]) بناء على ما تقدم من تحقيق مذهب الطوفي.
([17]) مجموع الفتاوى (11/ 344- 345).
([18]) ينظر: تيسير علم أصول الفقه للجديع (1/ 198).
([19]) ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (1/ 542).
([21]) زاد المسير لابن الجوزي (4/ 237).
([22]) ينظر: تفسير العز بن عبد السلام (2/ 213).
([23]) ينظر: أضواء البيان للشنقيطي (5/ 560).
([25]) أخرجه البخاري (1905)، ومسلم (1400)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
([26]) أخرجه مسلم (2199) من حدث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
([27]) الفوائد في اختصار المقاصد (ص: 53).
([29]) ينظر: “الإسلام بين الرسالة والتاريخ” لعبد المجيد الشرفي (ص: 64).
([30]) مجموع الفتاوى (11/ 344).
([31]) نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي (ص: 238).
([32]) ينظر: المصالح المرسلة – ضمن «محاضرات الشنقيطي» ط عالم الفوائد (ص: 32- 33).
([34]) من تحقيق د. عبد الله دراز للموافقات، ينظر: هامش رقم (4) من الموافقات (1/ 32- ط. دار ابن عفان).
([35]) شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل (ص: 210).
([37]) الموافقات (3/ 171- 172).
([39]) قد مر معنا أن المصالح من جهة اعتبار الشارع لها على ثلاثة أقسام.
([40]) تشنيف المسامع بجمع الجوامع (3/ 42).
([41]) الاعتصام (2/ 609- 610).
([42]) ينظر: العلمانيون والقرآن الكريم للدكتور أحمد إدريس الطعان (ص: 410)، وقد أشار في الهامش إلى جماعة ممن حارب الحجاب في الأمصار المختلفة، ومنهم: محمد شحرور، ونوال السعداوي ومحمد سعيد عشماوي، وعبد المجيد الشرفي، وحسين أحمد أمين، وغيرهم.
([44]) ينظر: “الاجتهاد النص، الواقع، المصلحة” للريسوني (ص: 39).
([45]) ينظر: “الإسلام بين الرسالة والتاريخ” لعبد المجيد الشرفي (ص: 64).
([46]) ينظر: مقال “النص والمصلحة بين التطابق والتعارض” للدكتور الريسوني، على موقعه الشخصي، بتاريخ 4/1 / 2013م ورابطها: http://www.widesoft.ma/raissouni/def…gue=6&info=348 . وقد أطال في رد تلك الشبهة وتفنيد باطلها.
([47]) ينظر: كتاب المرأة والأسرة المسلمة (ص: 70)، وهناك شهادات أخرى انظرها على الرابط الآتي: http://iswy.co/e10r4t
([48]) ينظر: “وجهة نظر” للجابري (ص: 60- 61).
([49]) مقاصد الشريعة الإسلامية للطاهر بن عاشور (3/ 501).
([50]) ينظر: مقال “النص والمصلحة بين التطابق والتعارض” للدكتور الريسوني، على موقعه الشخصي، بتاريخ 4/1 / 2013م ورابطها: http://www.widesoft.ma/raissouni/def…gue=6&info=348 . وقد أطال في رد تلك الشبهة وتفنيد باطلها.