الثلاثاء - 14 شوّال 1445 هـ - 23 ابريل 2024 م

الرد على أصول خوارج العصر

A A

 للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

  • تمهيد

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وآله وصحبه، ومن تبع هديه واستن بسنته إلى يوم الدين.. وبعد:

فإن من نعمة الله على المسلمين أن الحق لا يندثر مهما اشتد الباطل وكثر، فالنبي صلى الله عليه وسلم يخبر أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين حتى تقوم الساعة؛ ولذا فلا تخلو الأرض من قائم لله بحجة بفضل الله تعالى.

وإن مما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمة ستفترق كثيرًا، وأن بعد الخير شرًّا، وأن العاصم من هذا كله هو اتباع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها.

وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية علامة فارقة في منهج السلف، فقد أتى والمنهج الأشعري هو الغالب على بلاد المسلمين، فأعاد -بفضل من الله- منهج السلف وأظهره، وناظرهم جميعًا وجادلهم بلسانهم فبهتوا وانقطعوا.

وسار على خطاه الإمام محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية، وكان من ثمرة ذلك نشر هذا المنهج في الجزيرة العربية، ومنها إلى كافة أقطار الإسلام.

ورغم أن المنهج الأشعري طيلة هذه المدة يدرَّس في الأزهر، ويطلق لقب أهل السنة على الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث، إلا إن هذا الأمر بدأ يتغير منذ مؤتمر جروزني المشبوه الذي حاول القائمون عليه أن يدَّعوا أن أهل السنة هم الأشاعرة والماتريدية فقط!

فأُلفت الكتب في ذلك، ليس في النقاش العلمي بين المنهجين، وإنما في محاولة إظهار المنهج السلفي بأنه منهج حادث مبتدَع لم يسلكه أحد من علماء المسلمين، والاستماتة في إخراجه عن مسمى أهل السنة والجماعة!

واليوم نشهد تطورًا آخر وهو رمي هذا المنهج بأنه منهج الخوارج! وهذا فُجر في الخصومة لم نشهده من قبل.

نعم! إن الخصومة بين السلفية والأشعرية خصومة قديمة، تاريخية، معلومة مشهورة، لا يخطئها باحث، لكن ليس من النقاش العلمي استعمال الكذب والافتراء والبهتان لإلصاق كل نقيصة بالمخالف، بل هذا حال المفلس غير القادر على المواجهة.

والكتاب الذي نتناوله بالنقد في هذه الورقة العلمية المختصرة هو نموذج فذ للفُجر في الخصومة، وللتضليل والافتراء، بصورة يعلمها كل منصف موافقًا كان أو مخالف.

في هذه الورقة العلمية نبين كمَّ الزيف والتضليل في هذا الكتاب الذي تمالؤوا على إعداده ونشره، والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به.

 

  • المواصفات الفنية للكتاب

عنوان الكتاب هو: (الرد على أصول خوارج العصر) كما هو مكتوب في بطاقته للفهرسة، لكن العنوان الخارجي المكتوب على الغلاف هو: (الرد على خوارج العصر)، وكتب على غلاف الكتاب ما يفيد أن هذا هو الإصدار الأول في سلسلة تسمى: (البيان لكشف جذور التكفيريين)، والكتاب من إعداد مجموعة من الباحثين، وقد كتب على غلافه أنه من تحرير ومراجعة د. مجدي عاشور المستشار الرسمي لمفتي الديار المصرية، وإشراف وتقديم أ. د. علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وقد نشرت دار المقطم بمصر نشرته الأولى عام 1437ه-2016م.

والكتاب يقع في خمسة مجلدات، ولكل مجلد عنوان مستقل أسفل العنوان العام.

فكان عنوان المجلد الأول: الرد على الفكر المتشدد – محور العقيدة، ويقع في (318) صفحة، وهو من إعداد: عصام أنس الزفتاوي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية.

وعنوان المجلد الثاني: من ملامح الغلو في التعامل مع السنة النبوية، ويقع في (317) صفحة، من إعداد: د. رشوان أبو زيد محمود، أستاذ مساعد بقسم الحديث وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر.

والمجلد الثالث بعنوان: أصول الفقه عند النابتة، ويقع في (295) صفحة، من إعداد: د. محمد وسام خضر، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية.

والمجلد الرابع بعنوان: مسائل من علمي أصول الفقه والقواعد الفقهية، ويقع في (214) صفحة، من إعداد أحمد ممدوح سعد، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية.

والمجلد الخامس بعنوان: الرد على الفكر المتشدد – محور الفقه الحضاري، ويقع في (141) صفحة، من إعداد: د. عمر محمد سيد عبد العزيز، حاصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، ويعمل الآن باحثًا بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي.

 

  • التعريف بمشرفي الكتاب

المشرف على إصدار الكتاب هو الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد عبد الوهاب، أستاذ أصول الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة بجامعة الأزهر، شغل منصب مفتي الديار المصرية خلال الفترة من 2003م إلى 2013م، ثم عين عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف منذ عام 2014م وحتى الآن، وهو عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف حاليًّا. يشغل العديد من المناصب، واشتهر بعداوته المعلنة والشديدة للمنهج السلفي.

وكتب على غلاف الكتاب أن الكتاب من تحرير ومراجعة الدكتور مجدي عاشور، وهو المستشار الأكاديمي لمفتي الديار المصرية، والمشرف والمنسق الشرعي لدار الإفتاء المصرية، وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية.

 

  • منطلقات الكتاب

الهدف من الكتاب كما هو واضح من عنوانه هو جمع المسائل التي يرى معدّو الكتاب أنها مسائل الخلاف بينهم وبين أتباع الخوارج الذين سمَّوهم بخوارج العصر، ويستدعون في حقهم كل ما قاله العلماء في ذم الخوارج.

أما خوارج العصر المقصودون فهم أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب([1]).

بل إن د. علي جمعة في مقدماته التي ذكرها في أول الكتاب يصف فيها جماعة التكفير والهجرة وينسبها إلى ابن تيمية والدعوة الوهابية ليزعم أن منهج الخوارج هو المنهج السلفي([2]).

 

  • خطورة الكتاب وأهمية تناوله بالنقد:

تكمن خطورة الكتاب في عدة أمور:

– أنه ينحو بالخصومة التي بين المنهج الأشعري والمنهج السلفي من كونها خصومة علمية إلى منحى آخر خطير، فاتهام المنهج السلفي بأنه هو منهج الخوارج، ثم تنزيل النصوص الواردة في ذم الخوارج على أصحاب هذا المنهج، ما هو إلا دعوة للعنف واستدعاء للتكفير في هذه المواجهة، وهو ما قد يثمر ثمارًا مرة يبوء بإثمها هؤلاء الداعون إليها.

– أنه صادر عن مجموعة من الأشخاص جلهم يشغل مناصب رسمية في الهيئات العلمية بالأزهر الشريف، فهو ليس مجرد كتاب صدر عن أحد كُتَّاب هذا المنهج، بل هو تمالؤ وتواطؤ واجتماع على هذه الفكرة، وترسيخ لها داخل الأوساط العلمية الرسمية.

– أن الكتاب ما هو إلا إصدار من جملة إصدارات يصرحون بأنها لمواجهة التكفيريين، فأصحاب المنهج السلفي عندهم هم التكفيريون! وفي هذا من الافتراء والتزوير والتضليل ما الله به عليم.

هذا كله وغيره يبرز الحاجة إلى تناول مثل هذا الكتاب بالنقد، بل بالرد التفصيلي.

 

  • عرض مجمل لتقسيم الكتاب:

الكتاب مكون من خمسة مجلدات، وكل مجلد عبارة عن جزء منفصل أعده باحث مختلف، ويبدو أن كل باحث قد أعد كتابه بدون تنسيق مع الآخرين، فالموضوعات والمسائل المكررة بين الأجزاء كثيرة، والخط العام للصياغة وطريقة التبويب مختلفٌ كثيرًا.

كان من نصيب المجلد الأول المقدمة ومحور العقيدة، وهو عبارة عن محاولة للانتصار لمذهب الأشاعرة، ووسم منهج السلف بأنه منهج الخوارج! ولا شك أن الحديث عن ابن تيمية كان له النصيب الأكبر في هذا الجزء.

أما الجزء الثاني فكان خاصًا بالسنة النبوية، تناول بعض المسائل المتعلقة بالسنة النبوية، ويجمعهم مسألتان هما: مسألة الاحتجاج بخبر الواحد، والاحتجاج بالحديث الضعيف.

أما المجلد الثالث فكان للحديث عن المسائل المتعلقة بأصول الفقه، وهذا الجزء للأسف لم يتناول مسائل أصولية كبيرة بالبحث! ولم يقسم بناء على المسائل الأصولية، وإنما أعاد المسائل التي سبقت في الجزأين السابقين بأسلوب مختلف، وبين طياتها تعرض لبعض الجزئيات الأصولية، وهو أقل أجزاء الكتاب ترتيبًا، وأكثرها سبًّا!

أما المجلد الرابع فكان للحديث عن مسائل في أصول الفقه والقواعد الفقهية، وقد تناول بعض المسائل الأصولية بالدراسة كالقياس في العبادات، والإنكار في مسائل الخلاف، ومسألة الخروج من الخلاف، والقطعي والظني وحكم الإجماع، وبين تضاعيف هذه المسائل بعض المسائل الفقهية.

والجزء الخامس والأخير كان متعلقًا بما سموه: محور الفقه الحضاري، يتحدث فيه المؤلف عن الثوابت والمتغيرات وملامح التشدد، ويوجه فيه بعض الاتهامات!

وهكذا صيغت الاتهامات والافتراءات صياغة يظن الجاهل أنها صياغة علمية، وهي أبعد ما تكون عن ذلك إلا فيما ندر، والله المستعان.

 

  • عرض مجمل لعناوين المسائل التي تناولها الكتاب:

في هذا المطلب نعرض سريعًا للمسائل التي تناولها كل مجلد على حدة، ولا بد من الاختصار حتى لا يطول بنا العرض؛ فإن حديثهم تشعَّب جدًّا؛ ولذا فسأقوم بعرض عناوين المسائل التي تناولها كل باحث في جزئه من الكتاب حتى يكتمل لدى القارئ التصور الإجمالي لما تناوله هذا الكتاب.

 

 

المجلد الأول:

عنوان هذا الجزء هو: الرد على الفكر المتشدد – محور العقيدة، وقد بدأ الكتاب بمقدمة د. علي جمعة، وهي عبارة عن اتهامات عشرة للمنهج السلفي ألحقت به كل نقصية، ونفت عنه كل فضيلة.

ثم بعد ذلك بدأ كاتب هذا الجزء بحثه بمقدمة يسيرة، ثم شرع في المسائل المراد بحثها، وقد تناول في بحثه الأمور التالية بالترتيب:

– تقديم المنهج الأشعري على أنه هو منهج السلف.

– ادعاء أن السلف لهم منهج كلامي مع ذكر تفاصيل لهذا المنهج المدَّعى.

– ذكر مسائل العقيدة عند المذهب الأشعري سردًا.

– الحديث عن الخوارج وعقائدهم.

– الحديث عن التأويل.

– الحديث عن مسألة فناء النار.

– مسألة: هل يجوز أن يخاطبنا الله بما لا نفهم؟

ثم بعد ذلك مجموعة من الاتهامات للدعوة الوهابية التي سماها بالمتشددين كما يلي:

– دعوى بطلان انتسابهم للإمام أحمد.

– اتهامهم بأنهم حشوية.

– اتهامهم بأنهم لا يرجعون إلى علماء أصول الدين.

– اتهامهم بأنهم يرفضون الأدلة العقلية وعلم الكلام.

– الادعاء بأن فهم آيات الصفات على ظاهرها يقتضي التشبيه والتجسيم.

– اتهامهم بأنهم مجسمة.

ثم تناول العناوين التالية:

– مسألة تنزيه الله تعالى عن لوازم الجسمية.

– مسألة إثبات الجهة.

– مسألة حوادث لا أول لها واتهامهم لابن تيمية بأنه يقول بحلول الحوادث بذاته تعالى.

– ذكر قواعد ابن تيمية في الصفات والرد عليها.

– ادعاء تأثر ابن تيمية بأفكار الفيلسوف ابن ملكا اليهودي.

– مسألة خلق القرآن وتشنيعهم على من قال بقول السلف.

– مسألة العلو والاستواء.

– النعي عليهم بأنهم يحرمون التشبه بالكفار.

– اتهامهم بأنهم يرمون المسلمين بالبدع والشركيات.

– اتهامهم بأنهم يتقمصون دور المخلص والمنقذ.

– اتهامهم بأنهم يبالغون في الحكم على الأشياء وينقلونها من باب الفقه إلى باب العقيدة.

– مسألة تعريف البدعة.

– مسألة موقف المنهج السلفي من التصوف.

– النعي عليهم بأنهم يرون أن سياحة الآثار من الشرك.

– مسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

– اتهامهم بأنهم لا يعظمون النبي صلى الله عليه وسلم.

– مسألة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم.

– نقل كلام ابن حجر الهيتمي في ابن تيمية.

– نقل كلام السبكي في ابن تيمية.

وبذلك تنتهي المسائل التي تناولها في المجلد الأول.

 

المجلد الثاني:

والذي هو بعنوان: من ملامح الغلو في التعامل مع السنة النبوية:

قدم المؤلف د. رشوان أبو زيد لهذا الجزء بأن ملامح التشدد في التعامل مع السنة النبوية تجمل في خمسة محاور:

– عدم التفرقة بين القطعي والظني من الروايات، والاحتجاج بالظني في المسائل القطعيات.

– التردد في قبول الحسن من الروايات.

– التسوية بين الضعيف والموضوع.

– عدم ملاحظة اختلاف مناهج التصحيح والتضعيف عند الأئمة الثقات.

– عدم التفرقة بين صحة الإسناد وصلاحية الحديث للعمل به في الفقهيات.

ولذا فقد قسم هذا المجلد إلى خمسة فصول:

o الفصل الأول: من ملامح التشدد: الاحتجاج بالظني من الروايات في المسائل القطعيات.

وتناول فيه المسائل التالية:

– تعريف خبر الواحد.

– هل يفيد خبر الآحاد العلم؟ وتناول فيه أدلة بعض العلماء والرد عليهم.

– الاحتجاج بخبر الواحد في العقيدة.

– موقف الألباني من خبر الآحاد.

o الفصل الثاني: من ملامح التشدد: التردد في قبول الحسن من الروايات.

تناول فيه المسائل التالية:

– تحرير ما يشمله اصطلاح الحسن.

– هل هناك اختلاف في الاحتجاج بالحسن لغيره؟

– هل الحسن بنوعيه يندرج تحت الصحيح أم الضعيف عند المتقدمين.

– موقف ابن تيمية من اندراج الحسن ضمن الصحيح عند المتقدمين.

o الفصل الثالث: من ملامح التشدد: التسوية بين الضعيف والموضوع من الروايات.

تناول فيه المسائل التالية:

– مذاهب العلماء في العمل بالضعيف.

– معنى فضائل الأعمال التي يعمل فيها بالضعيف.

– مناقشة موقف الألباني من العمل بالضعيف.

o الفصل الرابع: من ملامح التشدد: عدم ملاحظة اختلاف مناهج التصحيح والتضعيف لدى الأئمة الثقات.

وقد تناول فيه المسائل التالية:

– المراحل التاريخية للعلاقة بين أهل الرأي وأهل الحديث.

– ملامح المدرستين.

– نماذج لأحاديث اختلف فيها أهل الحديث وأهل الرأي:

– مسألة المصراة.

– مسألة إشعار الهدي.

o الفصل الخامس: عدم التفرقة بين الصحة الإسنادية وبين صلاحية الحديث للعمل به في الفقهيات.

تناول فيه مراحل التعامل مع السنة النبوية؛ مقسمًا إياها لخمس مراحل هي: التوثيق، ثم تحديد محل الحجة ودرجاتها، ثم الفهم اللغوي للرواية، ثم جمع أدلة الباب والاستنباط النهائي للحكم، ثم تطبيق الحكم على المحل أو الواقع.

o ثم الخاتمة.

وبذلك ينتهي المجلد الثاني.

المجلد الثالث:

عنوانه: أصول الفقه عند النابتة، وهو غير مرتب العناوين ولا الأبواب! وعلى كل حال سنعرض العناوين التي تناولها في الكتاب:

بدأ الكتاب بعنوان: منهجية التفكير لدى التيار السلفي المعاصر من خلال محاكمته إلى منظومة العلوم الإسلامية الموروثة، وتحت هذا العنوان تناول ما يلي:

o غياب المنظومة الإسلامية لعلم الأصول عند النابتة: المظاهر والأسباب.

وقد ذكر في ذلك عشرة أمور هي:

– الطعن في القواعد والضوابط الأصولية بدعوى أنها مخالفة للكتاب والسنة النبوية.

– الطعن في مصداقية التراث الأصولي باحتوائه على مسائل منطقية ومباحث كلامية.

– غياب النظرة الكلية لخريطة العلوم الإسلامية.

– ضعف الملكة العلمية الأصولية بافتقاد منهج امتزاج العلوم وتقاطعها.

– أثر تحريم العلوم العقلية وتجنبها في نقص استيعاب العلوم النقلية.

– إنكار تطور الدرس الأصولي في مواكبة مستجدات العلوم.

– اتهام علماء الأصول من الأشاعرة بالجهل والضلالة.

– الانتقاء الموجه والعزوف عن الشروح والحواشي.

– القراءة التطويعية مع التلقي دون مناقشة.

– فقدهم السند المتصل في علم الأصول.

o الاستهانة بالمقاصد الشرعية العليا (حفظ النفس، والعقل، والدين، والعرض، والمال)، وتجليات ذلك عندهم، وذكر سبعة أمور هي:

– استباحة احتقار المسلمين، واستسهال الطعن في أعراضهم.

– رفض التعايش والسلم، ومحاربة مبادئ المواطنة والمعاملة بالمثل.

– الأصل عندهم في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو الحرب والقتال.

– دعواهم أن سبب القتال هو مجرد الكفر، لا ردع العدوان وصد الطغيان.

– الاستهانة بالتكفير والمواليات التكفيرية وعدم الاعتداد بقول: لا إله إلا الله.

– القول بجاهلية المجتمعات الإسلامية.

– تولد خوارج العصر من رحم هذا الفكر.

o اختلال مفهوم البدعة عندهم سلبًا وإيجابًا وجمعًا ومنعًا، ومظاهر ذلك:

– تلبيسهم بقاعدة: الأصل في العبادات التوقيف؛ لتضييق ما وسعته الشريعة.

– إنكارهم البدعة الحسنة، وتبديعهم كل محدث ولو لم يخالف أصول الشرع.

– تبديعهم قراءة الفاتحة في الدعاء وقضاء الحوائج والخطبة والزواج والعقود.

– تبديعهم الذكر والدعاء بغير الوارد، صيغة وعددًا داخل الصلاة وخارجها.

ثم عقد عنوانًا جديدًا هو: بدع النابتة في مختلف أبواب الشريعة في العقائد والمناهج والعبادات والأقوال، وذكر تحته العناوين التالية:

-من بدع النابتة في العقائد:

1- بدعة التشبيه والتجسيم مع الأكملية في الصفات الإلهية بالقياس على المخلوقين.

2- بدعة إنكار مذهب التفويض عند السلف في الصفات الإلهية.

3- بدعة التقسيم الثلاثي للتوحيد وإدخال الوسيلة في الشرك.

– نماذج من بدع النابتة في المنهج.

– نماذج من بدع النابتة في أمور العبادات.

– خلطهم في عوارض التكليف بين فهم الحجة وقيام الحجة.

– اختزال مصادر المعرفة عندهم في الوحي دون الوجود مع أن الكل من الله.

– خلطهم بين أنواع الدلالات المختلفة الشرعية والعقلية والعادية والحسية والوضعية.

– خلطهم العجيب بين أقسام حكم العقل، فلا يفرقون بين الواجب والممكن والمستحيل.

– توسعهم في دعاوى نسخ الآيات القرآنية يقف حائلًا دون فهم عموم الكتاب وهدايته.

– زعمهم أن عدم فعل الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ناسخ للقرآن الكريم.

– تقديمهم السنة على القرآن، ورفضهم للدلالات القرآنية إذا لم ترد بها أحاديث نبوية.

ثم ذكر عنوانًا رئيسيًّا هو: اتباع المتشابه وترك المحكم في أبواب العقيدة والشريعة والحكم على الخلق، وذكر تحته العناوين التالية:

أولًا: اتباعهم المتشابهات في العقيدة.

ثانيًا: اتباعهم المتشابهات في الشريعة وأبواب الفقه.

وذكر فيه:

– بدعة الحاكمية.

– مسألة الاستغاثة.

ثالثًا: اتباعهم المتشابهات في باب الحكم على الأشخاص.

وذكر فيه العناوين التالية:

– الخلط بين المطلق والعام في كثير من النصوص الشرعية.

– الإصرار والمكابرة على إنكار المجاز في القرآن الكريم.

– إنكارهم المجاز العقلي لتكفير المشركين وتشريكهم.

– إنكار عصمة الأنبياء وتجويز المعاصي عليهم.

– تجويز الاجتهاد النبوي ودعوى جواز الخطأ فيه.

– افتقاد الأدب مع النبي عليه الصلاة والسلام.

– إنكارهم أن الله تعالى يختار لنبيه أفضل الأشياء.

– عدم التفاتهم إلى الفروقات التي تصنعها حروف المعاني.

– تشددهم في حمل الأوامر النبوية المتعلقة بالعادات على الوجوب.

– تهاونهم بالموافقات الزمانية والمكانية للأفعال النبوية تحت مختلف الدعاوى.

– دعواهم أن الأفعال النبوية مخصصة للعام ومبطلة لدلالته على شموله لباقي الأفراد.

ثم ذكر عنوانًا جديدًا هو: معاول النابتة في هدم السنة النبوية الشريفة، وذكر تحت هذا العنوان العناوين التالية:

– القراءة المبتسرة المجتزأة السطحية للسنة النبوية.

– رد الأحاديث الضعيفة وجعلها كالأحاديث الموضوعة.

– بدعة تقسيم دواوين السنة النبوية الشريفة إلى صحيح وضعيف.

– جرأتهم على تضعيف السنن وتسلطهم على الأحاديث النبوية.

– تفريغهم كثيرا من السنن النبوية من مضامينها تحت مختلف التبريرات.

– سحب العصر النبوي على العصر الحاضر مع البعد عن المنهج النبوي.

– الحيلولة دون اهتداء الناس بالسيرة النبوية الشريفة وفهم السنة من خلالها.

– تقديم فهمهم لأخبار الآحاد على النقل الجملي الفعلي للمسلمين عبر العصور.

– إنكار علم التجويد وكيفية الأداء في تلاوة القرآن.

– إنكار الكتابة القرآنية على المساجد وزخرفتها.

– إنكار بناء المساجد على أضرحة الصالحين.

ويبدو أن العناوين الثلاثة الأخيرة هي أمثلة على العنوان الذي قبلها.

وبهذا ينتهي المجلد الثالث.

المجلد الرابع:

وهو بعنوان: مسائل من علمي أصول الفقه والقواعد الفقهية، وقد تناول سبع مسائل يرى أنه قد وقع فيها الخلل عند من يسميهم بالنابتة.

وهذه المسائل هي:

– تنزيل الظني منزلة القطعي.

وقد تناول فيها مباحث كثيرة من تعريف القطع والظن والخبر وأنواعه وغير ذلك، ومما تناوله هنا: مسألة الاحتمالات العشرة للأدلة اللفظية، ومسألة عدم حجية أخبار الآحاد في العقائد، ثم تكلم عن الاجتهاد، ثم بنى على التفرقة بين القطعي والظني قاعدة: لا ينكر المختلف فيه، وقاعدة: التعارض بين الأصل والظاهر، والاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، ثم ضرب مثالًا على تنزيل الظني منزلة القطعي بالقول بوجوب تغطية وجه المرأة.

– وقفات مع الإجماع.

تناول فيها حقيقة الإجماع وحكمه وإمكانه ووقوعه ودليل حجيته والمنازعين في حجيته، وأطال في الرد على الشوكاني، ومعنى قول أحمد: “من ادَّعى الإجماع فهو كاذب”، وأهمية الإجماع، واتهام بعض العلماء بالتساهل في نقل الإجماع.

– القياس في العبادات.

تناول فيها معنى القياس وأركانه والاحتجاج به وهل يجري في العبادات، وأمثله على جريانه في العبادات، ومعنى قولهم: الأصل في العبادات التوقيف.

-حول مفهوم البدعة.

تناول فيه مفهوم البدعة، وأن عدم وجود الشيء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يعني كونه بدعة، وذكر بعض نصوص العلماء التي تدل على تقسيم البدعة لحسنة وسيئة، ونقد مسلك الشاطبي في الكلام عن البدعة والكلام عن الاحتفال بالمولد النبوي.

– الإنكار في مسائل الخلاف.

تناول فيها: تعريف الخلاف وبيان النوع الذي لا يتعلق به الإنكار، ليتكلم بعد ذلك عن اللحية والحلف بغير الله.

– الخروج من الخلاف.

تناول فيه معنى القاعدة وما يتعلق به من مباحث.

– بين التشدد والاحتياط.

تناول فيه ذم التشدد ومظاهره.

وبذلك ينتهي المجلد الرابع.

  • المجلد الخامس

وهو بعنوان: الرد على الفكر المتشدد – محور الفقه الحضاري.

بدأ بتمهيد في تعريف الثوابت والمتغيرات في الإسلام، ثم قسم كتابه إلى ثلاثة فصول:

الفصل الأول: ملامح التشدد في الدين وآفاته.

وقد ذكر أن الملامح هي: صرامة ممارسة الشعائر، التعصب للرأي، التمحور حول الشخصيات والأحزاب والجماعات والأفكار، التقليد الأعمى والنزوع إلى الماضي، القيام على الصفوة، النقص العلمي وعدم الاتزان الفكري، الطعن في العلماء والتشنيع على المخالف، الجلافة والغلظة والخشونة، وقد أفرد لكل ملمح حديثًا خاصًّا.

أما الآفات فذكر: الغرور بالنفس، سوء الظن بالناس، التنفير والانقطاع عن العمل، الجور على الحقوق والواجبات، الحرص على الزعامة، التكفير. وقد أفرد كل آفة في حديث منفصل.

الفصل الثاني: مشكلة التشدد تجاه التطور الحضاري.

وجعله في مبحثين:

سمى الأول: التشدد تجاه التطور الحضاري للإجراءات والكيفيات، وتناول في ذلك الكلام على ثلاثة مسائل هي: عدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم لكل المباح، دلالة الترك، مفهوم البدعة.

وسمى الثاني: مشكلة التشدد تجاه ظنية المسائل الفرعية: تحدث فيه عن فقه الواقع، ثم على ثلاث مسائل أصولية هي: لا ينكر على المختلف فيه، كل مجتهد مصيب، الخروج من الخلاف مستحب، ليجعل هذه القواعد الثلاث هي معالم استيعاب الخلاف في التقعيد الفقهي.

الفصل الثالث: مفردات منهج التشدّد في الصدام مع الحضارة.

وقسمه إلى مبحثين هما: الصدام مع المجتمع، الصدام مع الجوانب الحضارية.

تناول في الأول: الصدام مع الآخر المسلم، والآخر غير المسلم، والمرأة.

وتناول في الثاني: الصدام مع العلم، فذكر فيه مسألة تحريم التصوير، والصدام مع التقاليد الاجتماعية والاختيارات الشرعية التي استقر عليها المجتمع، فذكر فيها: الاحتفالات الدينية، تكبيرات العيد، الأذانين يوم الجمعة، بناء المشاهد على قبور الصالحين والصلاة بها، إقامة سرادقات العزاء، المسبحة، الجهر بالذكر والاجتماع عليه.

وتناول في الثالث: الصدام مع المعالم التاريخية.

وختم الكتاب بمجموعة من الاتهامات المرسلة والمعلبة والمكررة.

  • نقد الكتاب:

الكتاب عبارة عن خمسة كتب مختلفة السمات والملامح والأسلوب والعرض، يجمعها الهدف العام وهو محاولة إبراز الخلاف بين المنهج السلفي ومخالفيه، مع شيطنة المنهج السلفي، والزعم بأن هذا هو منهج الخوارج.

لذلك فقد آثرت أن أتناول في هذا النقد كل جزء بمفرده؛ إذ إن حقيقة الأمر أن كل جزء كتاب منفصل، وتم الجمع بين هذه الكتب بغية الاستكثار من المسائل فقط، مع تخصيص المقدمة بنقد منفصل نظرًا لأن كاتبها هو د. علي جمعة وهو غَيرُ مَن كتب المجلَّد الأول.

وقبل أن أبدأ في تناول كل كتاب بمفرده بالنقد لا بد من الإشارة إلى أن هذا الكتاب يحتاج إلى تناول مسائله بالرد والنقاش العلمي، إذ يصعب في ورقة علمية صغيرة تناول هذا الكم الهائل من الشبهات والجواب عنها، ولعل هذه الورقة تكون معينة للباحثين لأن ينتبهوا إلى خطورة الكتاب وإلى مواطن الزلل فيه، والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به.

  • نقد مقدمة الكتاب:

هذه المقدمة -على صغرها- كانت مليئة بالمغالطات والافتراءات، فالكاتب يتهم هؤلاء الذين سماهم بالخوارج بأنهم تكفيريون يكفّرون المجتمع، وأنهم يرون أنفسهم هم المجاهدون في سبيل الله وحدهم، وبأنهم أفسدوا عقيدة التوحيد بتقسيمه إلى الأنواع الثلاثة، ثم يوثق هذه الاتهامات للمنهج السلفي بالعزو لكل من: سيد قطب في كتابه “المعالم”، ولمحمد عبد السلام فرج في كتابه “الفريضة الغائبة”، وكذلك لمصطفى مشهور وأبي بكر ناجي وأبي قتادة الفلسطيني وأبي محمد المقدسي، ويدخل بينهم عزوًا للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في الدرر السنية! فهل يخفى على د. علي جمعة الفرق بين المنهج السلفي وأتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباع ابن تيمية في المنهج كالشيخ عبد اللطيف، وبين سيد قطب ومصطفى مشهور ومحمد عبد السلام فرج وأبي قتادة الفلسطيني وأبي محمد المقدسي؟! فالأول معروف، والثاني هو المرشد لجماعة الإخوان، والثالث المنظر لجماعة التكفير والهجرة، والرابع والخامس من قيادات القاعدة! أم أن الدكتور يريد بذلك أن يخفي أن الرد العلمي على هؤلاء كلهم لم يقم به -بفضل الله تعالى- سوى أتباع المنهج السلفي؟!

وإذا كان الدكتور لا يدري ما الفرق بين جماعات الجهاد والتكفير والهجرة وداعش والقاعدة والإخوان، فلماذا يتعرض للحديث عما لا يحسنه، فيضعهم جميعًا في سلة واحدة، ثم يوهم القارئ أن هؤلاء جميعًا هم أتباع محمد بن عبد الوهاب؟!

وهذا التصريح الواضح الفج بأن الدعوة الوهابية هي خوارج العصر وإليهم يتوجه هذا الرد إنما وقع من بعض مؤلفي أجزاء الكتاب، لكن الكتاب كله من إشراف الأستاذ الدكتور علي جمعة، فهو مسئول عما فيه من مغالطات علمية واضحة.

فأن تتناول بالدراسة من يتهم المنهج السلفي بالكفر والزندقة، ثم توعز للقارئ أن منهج هؤلاء الذين تناولتهم هو المنهج السلفي، وتسميهم بخوارج العصر، وتلمزهم بتسميتهم النابتة، فأي بهتان أشد من هذا وأسوأ؟!

ثم هب جدلًا أننا فرضنا أنه لا يتحدث عن المنهج السلفي بل عن جماعات العنف المسلحة، فهل هناك تلبيس أشد من أن تكتب المقدمة عن جماعات العنف، وتسميهم بالخوارج وتستجلب كُتَّابا تقدم لهم لكي يفصلوا جوانب هذا المنهج فلا يذكرون سوى المنهج السلفي؟! بل ويصرحون بأن أتباع محمد بن عبد الوهاب هم خوارج العصر، وينزلون الأحاديث والآثار التي نقلها السلف عن الخوارج في حقهم، فهل لا يعلم الأستاذ الدكتور -عضو هيئة كبار العلماء والمفتي السابق- ما هو الفرق، أم أنه يتعامى عنه إمعانًا في الخصومة؟!

  •  نقد الجزء الأول: محور العقيدة:

صرح الكاتب في بداية حديثه أن الفكر المتشدد يعود مجمله إلى حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأنه يتناول أخطاء أصحاب هذا الفكر المتشدد الذين سماهم في العنوان بأنهم خوارج العصر!

والكتاب مليء بالمغالطات انستعرض جملا منها، فمن تلك المغالطات:

– أنه جعل كتابه للانتصار للمذهب الأشعري وتقديمه على أنه هو مذهب أهل السنة، وأنه لا مذهب لأهل السنة غيره، وإمعانا في المغالطة وضع عنوانًا مفاده: الأصول الكلامية للأئمة الأربعة؛ ليوهم أن الأئمة الأربعة كانوا موافقين لما ينقله، وبلغت المغالطة مداها بأن يجعل للإمام أحمد أصولًا كلامية، ويجعل من هذه الأصول الكلامية عدم السؤال عن الكيفية، ثم يحاول التوفيق بين عقيدة الإمام أحمد والأشاعرة! مذيبًا للفوارق التي بينها، ويتهم ابن تيمة ومن أتى بعده بأنه لم يكن موافقًا للإمام أحمد، وأنه خرج عن الخط الذي سار عليه هذا الإمام!!

– وهو في سبيل الترويج للمذهب الأشعري يتناول حياة الأشعري مترجمًا له، وموهمًا للقارئ أن مذهب الأشاعرة ما هو إلا مذهب هذا الإمام، متجاهلًا التطورات الخطيرة التي لحقت بمذهب الأشاعرة بعد ذلك، ولو شئنا لنقلنا له من نصوص الأشعري وأقواله الصريحة ما يخالف ما عليه جمهور الأشاعرة.. لكنه التدليس.

– من ذلك أيضًا قيامه بنقل كلام الشيخ ابن عثيمين في تفسير بعض آيات الصفات في كتابه القواعد المثلى ليدلل بذلك على أن الشيخ لم يفر إلا من لفظ التأويل، فلا خلاف بينه هو والشيخ ابن باز (مقدم الكتاب) وبين من قالوا بالتأويل من أئمة الأشاعرة!!

أفليس الشيخ ابن باز وابن عثيمين من أتباع الطريقة الوهابية التي يتهمها بالتشدد؟!

– من ذلك أنه ذكر مبحثًا طويلًا عن الخوارج وصفاتهم واعتقاداتهم وذم العلماء لهم، ورغم أن كل ما قاله في هذا المبحث صحيح في نفسه، إلا أنه يدل على سوء طوية وفجر في الخصومة أو جهل شديد في أحسن الأحوال، فلا معنى لذكر هذا الفصل وأنت تضع عنوان الكتاب بأنه الرد على خوارج العصر سوى أنك تتهم أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنهم خوارج، ولا مخرج للمؤلف من هذا إلا بالتصديق بأنه جاهل لا يدري عواقب الكلام وعواهنه، ومثل هذا ينبغي أن يُمنع من الكتابة لا أن يكون في الصدارة!.

– من التهويل الذي لا غرض منه إلا تطويل البحث: ذكر مسائل الاعتقاد عند الأشاعرة والتطويل بذكر عناوين هذه المسائل، فهذا تهويل لا يروج إلا على جاهل، إذ لا علاقة لهذا بمضمون الكتاب ولا هدفه ولا سياقه، إلا أن يكون المؤلف حديث عهد بالتأليف، لا يدري ما يكتب وما يدع، وهو أمر ظهر بكثرة في كثيرٍ من المواضع بالكتاب؛ كعدم ترتيب الأفكار وتناثرها، وعدم الاهتمام بربط الموضوعات ببعضها، والتفرقة بين ما حقه الجمع، والجمع بين ما حقه التفريق، وهذا كله ينبئك عن مستوى الكاتب ومن راجعه وأشرف عليه!

– الاتهامات التي لا بينة عليها، فهو يتهم من سماهم بالمتشددين أنهم ليسوا أتباع الإمام أحمد، وأنهم ينتسبون زورًا إليه، وأنهم أدعياء السلفية، وأنهم نابتة، وأنهم حشوية، وأنهم أصحاب فهم حرفي للنصوص..

حسنًا: ما مصادر هذا الفكر الذي اتهمته بهذه التهم، من رؤساء هذا الفكر، ومن منظريه؟! لن تجد من الكاتب اهتمامًا ببيان ذلك، لكنه بعد سيل من الاتهامات ينتقل بك فجأة ليناقش ويجادل ابن تيمية ويتهمه بالتضارب واختراع المسائل والأقوال الشاذة..

إذن فهو يرى أن المنظِّر لهذا الفكر هو ابن تيمية، وأن من سماهم بالمتشددين هم اتباع ابن تيمية، فهل يرى الكاتب -وهذا مقتضى صنيعه- أن ابن تيمية وأتباعه كانوا خوارج؟!

وهل هذه المناقشة الهزيلة المليئة بالمغالطات تصلح لمناقشة ابن تيمية؟!

والكاتب في مناقشته لابن تيمية شديد الجرأة على الباطل فمن ذلك:

– اتهامه ابن تيمية بأنه لا يتابع السلف الصالح كما يدعي في الكلام عن العلم الإلهي، وإنما قد تلقى هذه الأمور عن فيلسوف يهودي متأسلم هو ابن ملكا!! وينقل وصف ابن تيمية له بأنه أقرب الفلاسفة إلى الحق؛ ليدلل بذلك على أن ابن تيمية يمدحه، وأن هذه النصوص وأمثالها تدل على أن هناك تقاربا فكريًّا بينهما!!

– أنه يقدِّم مذهب الأشاعرة في قضية خلق القرآن الذي وافقوا به السلف في العبارة لكنهم خالفوهم في معناها ولوازمها ليجعل قول السلف والإمام أحمد هو قول المشبهة المبتدعة، وينسبه لابن تيمية تبعًا للفيلسوف اليهودي!!

– أنه ينعى على ابن تيمية منعه التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته، ودعواه أن هذا القول مما تأثر به ابن تيمية بالفيلسوف اليهودي، وكأن ابن تيمية هو أول من قال بهذا القول، وكأن الأئمة قبل ابن تيمية لم يقل منهم أحد به! سبحانك ربي!!

– أنه ينسب القول بأن الله يتكلم بما شاء وقتما شاء الذي هو قول السلف -خلافًا للأشاعرة في زعمهم بأن الكلام نفسي فقط- ينسبه للمتشددين أدعياء السلفية أتباع ابن تيمية الذين خالفوا الأئمة وانتسبوا زورًا للإمام أحمد!!

وهذا -والله- من الجهل العظيم، الذي لم يجرؤ عليه أحد من الأشاعرة قبله، فإن العلم مستفيض بمذهب السلف في صفات الله تعالى، لا ينكره حتى المكابر، وما قولهم بأن مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم إلا حيدة منهم عن الأقوال التي لا مخرج لهم منها، فكيف فات هؤلاء الأشاعرة جميعًا هذا الذي يذكره هذا الكاتب؟! أولم يكن لهم فيه غنية عن تأويل تلك الأقوال لو تدبر؟!

– كذلك ينسب لمن سماهم بالمتشددين أنهم يقولون بعلو الله تعالى على خلقه وبالاستواء الحقيقي مما يقتضي الوقوع في الجسمية والتشبيه، وهذا الذي ينسبه إليهم هو مذهب السلف جميعًا لا ينقل عنهم في ذلك اختلاف.

ولو أنه نظر في الكتب التي سماها في أحد هوامشه مستدلًّا بذكرها على أنه راجعها جميعًا ليبحث عن أحد قال بمقالة ابن تيمية في مسألة صفات الأفعال فلم يجد، لو أنه نظر في هذه الكتب لعلم أنها كلها مصرحة بذكر العلو والاستواء الذي ينكره!

– ومما يبعث العجب ويثير الضحك -وشر البلية ما يضحك- أنه وهو يزعم أن ابن تيمية قال في صفات الأفعال بما لم يقل به أحد من السلف عمد إلى الهامش فذكر بعض الكتب لأئمة السلف وأنه راجعها فلم يجد فيها ذكرًا لمسألة صفات الأفعال على ما يذكره ابن تيمية!([3]).

ونحن قبل أن نحل له هذه المعضلة التي رآها كافية لنسبة ابن تيمية إلى أنه قال هنا بما لم يقل به أحد، قبل أن نحلها له نسأله أيضًا: هل وجد في هذه الكتب التي راجعها تأويل صفات الله عز وجل؟! وهل وجد فيها إثبات الكلام النفسي أم الرد على من يقول به؟!

أما هذا الذي ذكره فعجيب! إذ إن الكتب التي ذكرها مملوءة بإثبات صفات الأفعال على طريقة السلف في إثبات الصفات، والاكتفاء بالنقل عن السلف والرغبة عن مجادلة أهل الأهواء، وكلام ابن تيمية لم يخرج عما قالوه، لكنه أثبته من خلال رده على الأشاعرة فيما قالوه، فهل يقال: إنه قال ما لم يقله السلف؟!

– يتهم المتشددين بأنهم يرون المجتمع مبتدعًا ضالًّا يموج بالطوائف المرفوضة، ومن هنا يقع هؤلاء في تضليل المجتمع وتكفيره([4]).

ويدلّل على هذا الاتهام بما ذكره الدكتور ناصر عبد الكريم العقل في وصفه لعصر ابن تيمية وما انتشر فيه من البدع والخرافات!

والعجيب أن الذي اتهم مخالفيه بالكفر هم الأشاعرة الذين عاصروا ابن تيمية!! يكفرونه ويصبر عليهم ولا يكفرهم، ثم يملؤون الدنيا صياحًا أنه يكفر من يخالفه، يا للخزي والعار!

– يصرح الكاتب بأن الدعوة الوهابية هي مصدر التشدّد والتطرف عند المتشددين، وفي سياق تقرير ذلك: يتهم الدعوة الوهابية بأنها وقعت في العنف والبطش بمن خالفها في الرأي ومن الأيام الأولى لنشأتها([5]).

فهلا راجع كتب التاريخ ليتبين من الذي بدأ بالقتال قبل أن يرمي التهم هكذا جزافًا؟!

– يدعي الكاتب([6]) أن التاريخ لم يحفظ أن قام الأشاعرة والماتريدية بحرب عقدية يقتلون فيها مخالفيهم بدعوى تكفيرهم..

حسنًا.. أما يكفي تكفيرهم لابن تيمية وتمالؤهم على قتله؟! أو تكفيرهم للإمام تقي الدين أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي (ت: 600هـ)([7])، وهو أخ أكبر للموفق ابن قدامة صاحب المغني.

وماذا عن ابن تومرت وما فعله بالمرابطين لأجل اتهامه لهم بالتجسيم؟!([8])

– المؤلف يذكر في كتابه أنه يهتم بأن يكون بحثه تأصيليًّا.. حسنًا، أين التأصيل وأين الدليل في:

– ذكره لعداوتهم غير المبررة للتصوف والصوفية؟!([9]).

– اتهامهم بأنهم يرون بأن سياحة الآثار شرك أو ذريعة للشرك؟!([10]).

– اتهامهم بأنهم يتقمصون دور المخلص والمنقذ؟!([11]).

– اتهامهم بالمبالغة في الحكم على الأشياء ونقلها من باب الفقه لباب العقيدة لأنه يحرمون الاحتفال بالمولد النبوي؟!([12]).

– اتهامه لهم بأنهم لا يتأدبون مع النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون: قال محمد كذا، من غير سيادة ولا صلاة؟!([13]).

– اتهامه لهم بأنهم يكفرون من يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم؟!([14]).

– المسائل التي ناقشها الكاتب نقاشا يصلح أن يطلق عليه أنه نقاش علميٌّ هما مسألتان:

الأولى: حكم شد الرحل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

والثانية: حكم الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وطلب الحاجات منه.

وأعني بالنقاش العلمي أنه ذكر نصوصًا وأدلة، وهو ناقل في هذا كله عن السبكي، وقد أخذت هاتان المسألتان قدرًا كبيرًا من الكتاب، وليس هنا موضع الرد على ما قاله، لكن نشير إلى أن للمركز ورقة علمية في كل مسألة من هاتين المسألتين، وفيهما المناقشة لهذه الأقوال والأدلة([15]).

وكذلك للمركز ورقة أخرى عن صفات الأفعال، فيها بيان مذهب السلف وتصريحهم به والرد على مذهب الأشاعرة([16])، والله المستعان.

– ذكر في نهاية كتابه ثلاثة ملحقات، وهي عبارة عن موضعين لكلام ابن حجر في حق ابن تيمية، وكلام السبكي في ابن تيمية، وهذا في الحقيقة لا شيء، فما ذكره السبكي رد عليه ابن عبد هادي في كتاب أكبر حجمًا من كتاب هذا الكاتب كله، هذا لو أن صحة الأقوال تقاس بأن فلانًا رد على فلان، وليس بما يقوله من دليل.

– الكاتب مولع بإلصاق كل نقيصة بأتباع الدعوة الوهابية، فعندما أراد أن يتكلم في البدعة مخالفًا لهؤلاء المتشددين أتى بتعريف الشاطبي للبدعة، ولو أنه أمعن النظر لوجد أنهم إنما يستدلون فيما يستدلون به بقول الشاطبي، لكنه ساق هذا القول كي يستدعي وصف الشاطبي لأهل البدع ليلحقه بهؤلاء المخالفين له مدعيًا أن هذه الأوصاف كلها موجودة عندهم، فأي نقاش علمي هذا الذي يدعيه الكاتب ويزعمه؟!

إن الخصومة بين الأشاعرة وابن تيمية لا تخفى، ولو أن أشعريًّا انتصب للرد على ابن تيمية بالدليل والبرهان لأجبناه، لكن ماذا نفعل مع من لا هم له سوى الاتهامات غير العلمية؟!

إني لأذكر في هذا المقام ما سمعته من الدكتور حسن الشافعي وهو أشعري قح، وهو يتكلم عن تحقيقه لكتاب عمدة من كتب الأشاعرة وهو كتاب “غاية المرام في علم الكلام”، سمعته يقول: “لم يقرأ هذا الكتاب من أوله إلى آخره ويفهم مراد الآمدي فيه سوى ابن تيمية”!

نعم، لا يلزم من مخالفتك لشخص أن تتهمه بالباطل أو أن تقول عليه ما لم يقله، وهذا التخليط الموجود في هذا الكتاب والذي يقدم للناس جميعًا على أنه رد على شبهات التكفير لأمر محزن حقًّا، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا به.

وبذلك ينتهي نقد المجلد الأول.

  •  نقد الجزء الثاني: من ملامح الغلو في التعامل مع السنة النبوية:

هذا الجزء مختلف تمامًا عن الذي قبله، فعلى الرغم من اختلافنا مع المؤلف في بعض ما ذهب إليه إلا أنه قد قام بالنقاش العلمي للمسائل، وربما كان الخلل ناتجًا عن فوات أمر في البحث، أو الاعتماد على الألباني وحده كممثل للمدرسة السلفية، لكن يحسب للمؤلف أنه لم يتهم بالباطل، ولم يقدم ألوانًا من السباب كما حصل من مؤلف الجزء الأول، فقد حرص الكاتب في هذا الجزء وفي مناقشته للقضايا أن يكون نقاشه نقاشًا علميًّا فقط، إلى الدرجة التي تجعل الشكوك قائمة حول كتابة المقدمة هل هي من صنيع المؤلف أم المراجع، لكن على أية حال فهذا الجزء مختلف اختلافًا كبيرًا عن الجزء الذي قبله.

بدأ المؤلف في هذا الجزء بتخصيص جزءٍ كبيرٍ في أول الكتاب للكلام على خبر الواحد هل يفيد العلم أم لا، وقد اجتهد في ذكر الأقوال في ذلك، لكنه فاته تعريف العلم المقصود في هذه الأقوال، وهو أمر مهم لأنه بنى على قول الجمهور بأن خبر الواحد بمجرده لا يفيد العلم المنع من قبول خبر الواحد في العقيدة، وهذا لا يصح؛ لأن العلم عند طائفة لا يراد به سوى القطعي، وعند طائفة يدخل فيه غلبة الظن المبنية على دليل، ثم إن مسألة كون العقائد لا يقبل فيها سوى القطعيات مقدمة تحتاج إلى برهان، ولن يجد، وهو لم يتعرض لها، ونحن نخالفه في ذلك، بل نقول: يكفي فيها غلبة الظن، وهو ما نسميه بالعلم الظني.

وقد ناقش الألباني فيما قاله في رسالته “وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقائد” ذاهبًا إلى التفريق بين العقائد والأحكام؛ لأن الآحاد لا تفيد إلا غلبة الظن، وهو أمر محل خلاف بيننا وبينه.

وبسط الكلام في هذه المسألة يحتاج إلى بحث مستقل، وغاية ما حاول المؤلف هنا إثباته هو إثبات التفرقة بين العقائد والأحكام في قبول خبر الواحد فيهما، وهو محل خلاف حقيقي.

والذي نعتقده هنا في هذا الباب أن الحديث متى صح سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحكم العلماء بصحته فهو حديث مقبول يفيد -في أقل أحواله- الظن الغالب، وهو العلم الظني، سواء في العقائد والأحكام، وقد يحتف بهذا الخبر من القرائن ما يجعله مفيدًا للعلم القطعي.

وعلى كل حال فالذي يظهر من كاتب البحث هو النقاش الهادئ للأقوال، وقد ذهب إلى أن الألباني قال بقول ابن حزم وقول ابن القيم في هذه المسألة، فهل هؤلاء جميعًا من الخوارج؟! وهل هذه المسألة من مسائل الخوارج؟! أم أن المؤلف لا يوافق على هذا العنوان الذي وضع على الكتاب؟!

ثم بعد ذلك: ذكر مبحثًا طويلًا في أن الحديث الحسن من الحديث الصحيح، وبالتالي فيصح الاحتجاج به، وطوَّل في هذا المبحث جدًّا ذاكرًا أقوال العلماء في قبول الحديث الحسن، وأنه من أقسام الحديث المقبول، لكنه نقل ما ذكره ابن تيمية من أن الضعيف المقبول عند المتقدمين هو الحديث الحسن، ليرى بذلك أن ابن تيمية يخرج الحسن من الحديث المقبول، وقد خصص مبحثًا ليناقش ابن تيمية في ذلك معتمدًا على ما ذهب إليه د. عوامة في نقده لكلام ابن تيمية، ونحن نرى أنه -تبعًا لعوامة- فهم كلام ابن تيمية على نحو خاطئ.

لكن ما زال السؤال قائمًا: هل يرى المؤلف أن ابن تيمية كان من الخوارج لقوله بهذا القول؟! أو هل يرى أن القول بأن الضعيف المقبول عند المتقدمين هو الحسن عند المتأخرين أصل من أصول الخوارج؟!

وهذا البحث كله إنما كان مقدمة للحديث عن قبول الحديث الضعيف في فضائل الأعمال، وهو المبحث الثالث، وقد أطال في ذكر أقوال العلماء الذين قالوا بالاستدلال بالحديث الضعيف، ثم نقل قول ابن تيمية وقول الألباني وناقشه فيما ذهب إليه.

ونحن إذ نخالفه في جزئيات من هذا البحث وفهمه لما نقله، إلا أن بيان ذلك يستدعي التطويل بذكر المسألة كاملة، وما قال به قال به بعض العلماء وذهبوا إليه.

لكن المشكلة الكبرى أن يتم تقديم هذا الخلاف على أنه خلاف بين أهل السنة والخوارج، وهذا ما يدل عليه عنوان الكتاب ومقدمته، وإن كان أسلوب الكاتب لا يدل على ذلك.

ثم يأتي بعد ذلك الفصل الذي ذكر فيه علاقة مدرسة الحديث ومدرسة الرأي والملامح العامة للمدرستين ونموذجًا للأحاديث التي اختلف في فهمها، وهو فصل لا بأس به، لكن لا علاقة له بموضوع الكتاب! وعنوانه لا علاقة له بمضمونه! فعنوان هذا الفصل في الكتاب هكذا: (ومن ملامح التشدد عدم ملاحظة اختلاف مناهج التصحيح والتضعيف لدى الأئمة)!

وهكذا كان الحال في الفصل الذي يليه فعنوانه هو: (ومن ملامح التشدد عدم التفرقة بين الصحة الإسنادية وبين صلاحية الحديث للعمل به في الفقهيات)، أما مضمونه فهو يتحدث عن كيفية الاستدلال بالنص الشرعي ودلالته على الحكم، وما ذكره فيه أمر لا بأس به.

لكن العجيب حقًّا أنك لن تجد في هذين الفصلين إثباتًا للتهمة التي عُقِد الفصلان للرد عليها سوى اتهام مرسل في العنوان وفقط! أما الدليل على أن التيار السلفي يفعل هذا فليس له أدنى ذكر.

إن الملاحظ على هذا الفصل أنه عبارة عن أبحاث مستقلة في مسائل علمية، لكن أين علاقة هذه الأبحاث بأصول خوارج العصر؟!

اللهم إلا أن تكون من أصول الخوارج المخالفة في هذه المسائل العلمية! وأن ابن حزم وابن تيمية والألباني هم من الخوارج! أو أن تكون هذه الأبحاث أقحمت في الكتاب، ووضعت عناوينها لتناسب سياق الاتهام، وسواء كان هذا أو ذاك فإنه لأمر يدعو للدهشة!

  •  نقد الجزء الثالث: أصول الفقه عند النابتة:

كما هو واضح من العنوان فهذا الجزء خاص بالمسائل الأصولية، وإذا كانت عادة الأصوليين هي ترتيب كتبهم وتبويبها، فإن هذا الجزء هو أسوأ أجزاء الكتاب ترتيبًا وتبويبًا وعرضًا للأفكار!!

هذه ملاحظة ينبغي تسجيلها قبل أن نبدأ في نقد مضمون الكتاب!

والملاحظة الثانية هي أن مؤلفه قد كرر بعضًا من المسائل التي ذكرت في المجلد الأول في قسم العقيدة.

والثالثة التي يجب ذكرها هو أني لن أتعرض لمناقشة مسائل الكتاب العلمية لأمرين:

أولهما: أنه أمر لا يحتمله هذا النقد.

وثانيهما وهو الأهم: أنه لا يوجد في الكتاب أسلوب علمي في النقاش، ولا بحث علمي للمسائل التي يتحدث فيها، بل هذا الجزء عبارة عن اتهامات منمقة وتزَيّد في القول، ثم يحاول التوثيق بالبحث عما يؤيد ما ذهب إليه من فتوى هنا أو نقل هناك، لكن ليس فيه مناقشة علمية للمسائل للأسف الشديد([17]).

ثم إن السمة العامة على الكتاب هو الاتهامات الباطلة، والتي لا علاقة لها بأصول الفقه مطلقًا، فالمنتظر من تخصيص هذا الجزء أن يتناول المسائل الأصولية محل الخلاف بالدراسة، لكنه لم يفعل، فقط يلقي التهم هنا وهناك. فمثلًا يقول:

– «أباح النابتة لأنفسهم ولأتباعهم احتقار الخلق، والطعن في أعراض إخوانهم المسلمين، والوقوع بالسب والشتم فيمن لم يكن على شاكلتهم ولم يوافقهم على مشاربهم الشاذة، فلم يبقوا أديمًا لعالم من علماء المسلمين إلا لمزوه وغمزوه»([18]).

– «استهانت النابتة بتكفير المسلمين بالغ الاستهانة، حتى وصولوا إلى استخدام المتواليات التكفيرية التي تتوسع بها دائرة الاتهام بالكفر»([19]).

وهذا غيض من فيض، بل هذا هو أسلوب الكاتب من أول الكتاب إلى آخره.

على أن هناك طوام أخرى في الكتاب منها:

o الادعاءات الكاذبة بلا دليل، ومما يدل عليه:

– أنه يدعي أن التكفير بدأ على يد محمد بن عبد الوهاب، وحمل لواء ضلاله سيد قطب، وترجمه بشكل إجرائي تنظيمي شكري مصطفى في تأسيسه لجماعة المسلمين المسماة بجماعة التكفير والهجرة.

– أنه يقول: «أنكر هؤلاء النابتة التعايش بين المسلمين وغيرهم، وحاربوا مبدأ المواطنة، فجزموا أنه لا يستقيم لمسلم إسلام حتى يصرح بعداوة من حوله من غير المسلمين وبغضهم… وجعلوا مفارقة المسلم لغير المسلمين ركنًا سادسًا من أركان الإسلام»([20]).

– أنه يدعي أن الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته من الأمور التي أجمع عليها المسلمون!([21]).

– أنه يتهمهم بالقول بجاهلية المجتمعات الإسلامية استنادًا لمقولاتٍ لسيد قطب في الظلال والمعالم([22]).

* التدليس والخلط المتعمد، فمن ذلك:

– يقول: «حرم النابتة تعلم علوم المعقولات»([23])، وهو يستند في ذلك إلى القول بتصريح رموز الدعوة الوهابية بأن في الكتاب والسنة الغنية عن علم المنطق. فهل كل علوم المعقولات هي علم المنطق؟!

– ينسب للنابتة أنهم ينكرون علم التجويد!([24])، ودليله النقل الذي ذكره عن الشيخ ابن عثيمين، والذي ذهب فيه إلى أن التجويد ليس بواجب، فهل القول باستحبابه وعدم وجوبه إنكار له؟! أم أنه لا يفهم ما ينقله؟!

– يسوق مواقف بعض العلماء من الآلات الحديثة في بداية ظهورها لعدم معرفتهم بها، ويفصل القول فيها كأنها في العصر الحالي([25])، وذلك حتى يتهمهم بأنهم مغيبون عن الواقع.

– لا يوجد عند المؤلف ثوابت للنقاش العلمي كي تستطيع أن تناقشه، فهو يشن الغارة على القول بحرمة زخرفة المساجد من الداخل، ودليله الحاسم أن هذا عليه عمل المسلمين عبر العصور! وهذا لا يسلم له، ولو سلم لما كان دليلًا، فأين إذن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنكار البدع؟! وأين إخباره عن كثرة الشر وقلة الخير؟!

واللافت للنظر أنه يقول في عنوانه: (إنكار الكتابة القرآنية على المساجد، وإنكار بناء المساجد على أضرحة الصالحين)، وهذا جهل منه بمعاني الألفاظ اللغوية؛ إذ إن معنى عنوانه إنكار حصولها، فإما أن يستخدم حرف الجر فيقول: الإنكار على كذا، أو يقول: إنكار تحريم كذا، وهذا الأمر رغم عدم قلة جدواه إلا أني آثرت ذكره لأن الكاتب نفسه ما فتئ يرمي مخالفيه بالجهل بأصول الفقه، وبالجهل بمواقع الكلام، وهو قد وقع فيما لا يقع فيه طالب علم صغير!

– من بدع هؤلاء النابتة عنده تقسيمهم التوحيد إلى الأقسام الثلاثة([26])، ولست أدري ما وجه البدعة في تقسيمه لثلاثة أو أربعة أو غير ذلك؟!

– في حديثه عن البدعة ينقل قول ابن عثيمين: «ولا تتحقق المتابعة إلا بموافقة العبادة للشرع في سببها وجنسها وقدرها وكيفيتها وزمانها ومكانها»؛ ليزعم أن هذا من الأصول البدعية!

– في كلامه عن البدعة ينقل أقوال عبد الإله العرفج في كتابه “مفهوم البدعة”؛ ليجعله هو التأصيل لكل الفروع التي استنكر عدها من البدع، هذا على الرغم من أن د. عبد الإله العرفج في كتابه قد ذكر أن هذا اتجاه للعلماء -على فرض التسليم له فيما قال- ولم يتهم مخالفيه بأنهم خوارج، فأين هذا مما يفعله الكاتب هنا؟!

ولو تتبعت مواضع الزلل في هذا الجزء فلن تخلو صفحة من موضع أو أكثر، أما المسائل التي تناولها فقد سبق الإشارة إليها.

ولعل في هذا القدر كفاية.

  • نقد الجزء الرابع: مسائل من علمي أصول الفقه والقواعد الفقهية:

في هذا الجزء تناول المؤلف سبع مسائل كما سبق بيانه في عرض محتوى الكتاب، ولنا مع هذا الجزء عدة وقفات، نذكرها فيما يلي:

حديث المؤلف عن القطع والظن كان مقدمة للحديث عن عدم قبول خبر الواحد في العقيدة، وهي مسألة تناولها بالتفصيل مؤلف الجزء الثاني، لكنه زاد هنا مسألة الاحتمالات العشرة.

وهذه المسألة -كما يسميها ابن القيم وحُقَّ له- طاغوت، فهم يقولون: إن الأدلة اللفظية لا تفيد القطع إلا بعد القطع بنفي احتمالات عشرة منها: انتفاء الإضمار والمجاز والاشتراك والنقل والتخصيص، وهذا في الحقيقة لا سبيل إليه في معظم الأدلة النقلية، فيكون حجة لتقديم العقل عليها.

وهذا القول سماه ابن القيم طاغوتًا؛ لأنه قد انتهكت به حرمة الأدلة الشرعيَّة، وقُدِّم العقل عليها به، بدعوى أنه يفيد القطع، هذا على الرغم من أن الدليل العقلي يعبر عنه أيضًا باللفظ، فيلزمهم هذه الاحتمالات العشرة في الدليل العقلي أيضًا، بل ما من كلام منقول بأي لغة إلا وتدخله هذه الاحتمالات، وكلام العلماء أحرى أن تدخله هذا الاحتمالات، فلماذا لا تدخل سوى الأدلة الشرعية فقط؟!

-عندما تعرض للقائلين بأن حديث الآحاد لا يقبل في العقائد نقل أقوال المعتزلة والإباضية والإمامية والزيدية!

– عندما تكلم عن القطعي والظني وفرق بينهما وأطال في ذلك ذكر أن أبرز سمات هؤلاء المتشددين والمتطرفين هو الخلط بين القطعي والظني..

فأين الدليل على أنهم كذلك؟! هل هو حديثهم عن مسألة حكم كشف المرأة وجهها أمام الأجانب؟!

ويتهمهم بأنهم قالوا بأقوال دون أن يذكر نقلًا واحدًا عنهم، وهي السمة البارزة في الكتاب! ومن ثَمَّ بحث المسألة وعرض أقوال الفقهاء، وخصص مسألة كراهية المالكية للنقاب بمزيد بحث.

ومما يدعو للعجب أنه ذكر تنبيهًا في عدم دقة قول من قال بوجوب النقاب، وأن النقاب ما هو إلا وسيلة، والواجب أن يقولوا: وجوب ستر الوجه..

حسنًا، لماذا لم يستحضر هذا الكلام في تفسير قول المالكية بكراهية النقاب وهو التنبيه الذي يليه مباشرة؟!

– من نتائج عدم معرفة الكاتب بمن يرد عليهم، ومحاولته للبحث عن أي قول للرد عليه والإيهام بأن الدعوة الوهابية كلها تقول به أنه انتصب للرد على الشوكاني في عدم قوله بحجية الإجماع، وذلك بعقد مبحث طويل عن الإجماع، والبحث الأصولي المنضبط يقتضي تحرير محل النزاع أولًا، وبيان الخلاف، وهل تبنى المنهج السلفي أو الدعوة الوهابية أو (المتشددون) هذا المنهج أم لا؟!

أما هذه الطريقة فلا نهاية لها، فأن تبحث في كل مسألة عن مخالف ثم تسود الصفحات في الرد عليه، وتنسب للطائفة كلها أنها قالت بهذا القول، فهذا عجيب فعلًا، أما مسألة الإجماع فإن منظري الطائفة الذين يرد عليهم ردوا هذا القول! فالأمر أنه يحارب طواحين الهواء!

– تناول مسألة القياس في العبادات، ولم يبين ما لها من علاقة بمضمون الكتاب.

– تناول الكلام عن البدعة وهو أيضًا مكرر، فقد ذُكر في المجلد الذي سبقه، ولا شك أنه يحاول إثبات أن البدعة الشرعية منها ما هو حسن، ومنها ما هو قبيح؛ لينتقل للحديث عن المولد النبوي، وينقل من نصوص العلماء المجوزين له ما يستدل به على إباحته.

وهذا في الحقيقة تكرار لما ذكره العرفج في كتابه، وقد سبق أن تناول المركز هذه المسألة في مقال مستقل([27]).

– تناول الحديث عن مسألة (لا إنكار في مسائل الخلاف)، وأطال فيها كي يتوصل بها إلى تسويغ كل خلاف ورمي مخالفيه بالتشدد؛ لأنهم ينكرون في هذه المسائل، محاولًا إثبات الخلاف فيها، وهذه المسائل هي: حكم إعفاء اللحية، وحكم الحلف بغير الله.

أما إعفاء اللحية فحاول إثبات الخلاف في هذه المسألة رغم نقل الإجماع فيها، ورغم أنه لم يصرح بعدم الوجوب سوى متأخري الشافعية؛ معتمدين على لفظ مجمل لإمامهم، ونحن نخالفهم في تفسيره، ونقول تفسير لفظ الإمام بما يوافق الإجماع أولى من تفسيره بما يخالفه.

ومسألة الحلف بغير الله يحاول تسويغ الخلاف فيها، رغم أن ما نقله هو من أدلة وأقوال كاف بالقول بالإنكار على من يفعل ذلك.

ثم فلنفرض جدلا أن الحق معه في هذه المسائل: أليس يدعو إليها وينكر على من خالف فيها؟! فلماذا ينكر على الطرف الآخر فعل ذلك؟! أم أنه حلال له حرام على غيره؟!

بعد ذلك تناول مسألة (الخروج من الخلاف مستحب)، ومبحثًا آخر عن الفرق بين التشدد والاحتياط، وأن التيسير من قواعد الشريعة، فذكر أمورًا لا نختلف معه كثيرًا في عدها، لكن أين الدليل على أن مثل هذا قد وقع ممن يرد عليهم؟! فإنه لم يذكر دليلًا على ذلك، بل ذكر هذا المبحث دون توجيه اتهام مباشر لمخالفيه بأنهم كذلك، لكن القارئ الحصيف يعلم جيدًا أن هذه الأمور المذكورة لم تذكر إلا لكونه يلمز بها هؤلاء المخالفين، ولو أنه أمكنه الإتيان بدليل لنسبة هذا إليهم ما تأخر، فالله المستعان.

 

  •  نقد الجزء الخامس: محور الفقه الحضاري:

هذا هو آخر أجزاء الكتاب، وكما هو واضح من العنوان: يتناول الفقه الحضاري، وهذا المحور مثل محور العقيدة، فما هو الفقه الحضاري؟! لا يهتم الكاتب ببيان ذلك.

وقد نوه الكاتب في مقدمته إلى أنه لن يهتم بنسبة الأقوال التي يعترض عليها إلى قائليها! لأن هدفه ليس هو تتبع الأشخاص، وإنما هدفه نقد التصرف وفقط.

وقد كان من الممكن قبول مثل هذا منه لو أنه ومرافقيه لم يوجهوا الكتاب إلى طائفة خصوها بالذكر، ولو أنه عنون لكتابه بنقد هذا الفكر أيا كان قائله، أما أن يتوجه بهذا النقد لطائفة يخصها ثم يذهب يتحلل من عزو الأقوال بدعوى أن همه نقد الفكر فقط فهذا لا يصلح، لا سيما في كتب الردود، وعنوان كتابه: الرد على أصول خوارج العصر!

ومهما يكن من أمر فقد بدأ الكاتب حديثه عن الثوابت والمتغيرات في الإسلام، والحديث عن التشدد وملامحه وآفاته، جاعلًا إياه الفصل الأول، وهذا لن نختلف معه كثيًرا ما دام يرى أنه لا يوجه الاتهام فيه لأحد.

أما الفصل الثاني فقد تناول الحديث عن الترك، وأنه لا يدل على التحريم وعلى البدعة، وأن البدعة منها ما هو حسن ومنها ما هو قبيح، وما ذكره تأصيل غير صحيح، لا نوافقه فيه، والحديث هنا مكرر، سبق تناوله أكثر من مرة في المجلدات السابقة.

وكذلك تناول في هذا الفصل مسألة الخروج من الخلاف، ومسألة الإنكار في المختلف فيه، وهما أيضا مكررتان مع المجلد الذي قبله!

أما الفصل الثالث الذي هو بعنوان: (مفردات منهج التشدد في الصدام) فهو بيت القصيد، فقد جعل من الصدام مع العلم الفتوى بعدم كروية الأرض والقول بتحريم التصوير.

وعلى الرغم من أن الخلاف بين منتسبي المنهج السلفي قائم في المسألة الثانية، أما المسألة الأولى فهو قول للشيخ ابن باز، ولا مانع عقلا وشرعا أن يخطئ الشيخ، خاصة وأن غيره قال بخلاف ذلك، فما الضير في هذا؟!

ومع ذلك فإن الطريقة التي يتعامل بها هذا الكاتب مع الأدلة والمسائل العلمية طريقة غير سليمة، ولا تصلح بحال من الأحوال!

فالأصل هو إثبات الشرع مع اعتقاد أنه لا يتعارض مع العلم، لكن أن تذهب إلى أمر منتشر فتجعل القول بتحريمه بناء على الدليل مصادمة للعلم، فما هذا بمنهج سوي!

وإن طردَ هذا المنهج والأسلوب يفتح الباب على مصراعيه لأن يطوّع الدين وفق الواقع بدعوى أنه لا يصادم العلم!

وهذا المحذور الذي نتحدث عنه هو عين ما وقع فيه الكاتب، فقد ذكر أن من مفردات التشدد التصادم مع التقاليد الاجتماعية والتي هي: الاحتفالات الدينية (وأهمها المولد النبوي)، والأذانان يوم الجمعة، وبعض صيغ تكبيرات العيد، وبناء المشاهد على قبور الصالحين، وإقامة سرادقات العزاء، والمسبحة، وجلسات الذكر!

وهكذا لا تنتهي من قراءة هذا الكتاب دون أن تخرج بنتيجة واحدة هي أن الفقه الحضاري هو أن تبحث في أدلة الشريعة ما يجعلها موافقه لأهواء الناس وبدعهم، ثم إياك أن تحاول أن تنكر شيئًا من هذه البدع؛ لأن هذا صدام مع المجتمع وتشدد في الدين!!

وقبل أن ينهي الباحث كتابه يتحسر على المزارات الدينية التي هُدمت في المملكة العربية السعودية، ويرى أن هذا تشدد وصدام مع المعالم التاريخية. وانظر إليه ماذا يقول:

«لقد قام أتباع المنهج المتشدد بتدمير الآثار الإسلامية، وقد ركزوا جهودهم هذه الأيام على محو آثار الإسلام ومعالمه، وطمس كل أثر ديني حتى المساجد… ولا نشك نحن وكل متحرق على الحق والحقيقة أنها مؤامرة شيطانية على الإسلام وأهله»!!([28]).

فهل هذه الاتهامات الشنيعة هي النقاش العلمي للفكرة بغض النظر عمن قالها؟! سبحانك ربي!!

وما أسوأ ختام الكتاب! إذ ختمه بنقل مطول عن مقدمة كتاب “المتشددون” لعلي جمعة مملوء بالسب والاتهامات الباطلة([29]).

 

وختامًا:

قبل أن أنهي نقدي لهذا الكتاب أود أن أشير إلى أمرين هما من الأهمية بمكان، وهما بمثابة ملاحظات عامة على الأجزاء كلها:

– الأول منهما هو: أنه من البديهي والمنطقي في مناقشة أي فكر أن تحيط علمًا بكتب هذا الفكر، وما هي الكتب التي تؤصل له، وما هي التي ليست بذاك، وأن تطلع على أقوال المؤسسين والمنظرين، وأن تفرق بين ما هو أصل في المخالفة وما هو فرع، وأن تمحص الاتهامات جيدًا، وتقرأ كتب الموافقين والمخالفين، أما أن تنتصب لمناقشة فكر وتفسح مجلدات خمسة للرد عليه دون أن تفعل شيئًا من ذلك فهذا مما لا يقبله عاقل.

ثم كيف ترد على فكر دون أن تبين لنا أولًا: من هؤلاء الذين ترد عليهم؟ وأين مكانهم؟ ومتى ظهروا؟ وما جذورهم الفكرية؟

أليس خلو هذه المجلدات الخمسة من أي شيء من هذا أمرًا عجيبًا؟!

– والثاني منهما هو: وصف النبرة التي كتب بها هذا الكتاب، وإنه ليسوءني أن أقول: إن نبرة الانتقام والتشفي في الكتابة لم يخل منها مجلد، اللهم إلا المجلد الثاني فقط، فأين هي المناقشة العلمية الهادئة التأصيلية المزعومة؟!

ووالله، لو أني موافق لهم في الفكر الذي يحملونه لانزعجت أشد الانزعاج من هذا الذي صنعوه! فلست أراها سوى محاولة حثيثة لجمع أي شيء يمكن به التشغيب على مخالفيهم فقط! أوَهَكذا يكون النقاش العلمي؟! أين الإنصاف يا سادة؟!

نعم، بيننا وبين مخالفينا مسائل جوهرية، ونرحب بمن يطرحها للنقاش العلمي الهادئ، لكن البدعة -النابتة حقًّا- هي أن ترمي مخالفي الأشعرية بأنهم خوارج، ثم تولي مولولًا صائحًا: إنهم يكفرون المخالف!! بربكم أين عقولكم؟!

وخلاصة هذا الكتاب: الانتصار للمنهج الأشعري في العقيدة، وتسويغ الطواف بالقبور والأضرحة والتبرك بالقبور، وسائر البدع، واتهام المنهج السلفي بكل نقيصة، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) انظر مثلًا: الرد على خوارج العصر (1/ 35).

([2]) ذكر الدكتور علي جمعة عشرة أوصاف في مقدمة الكتاب [انظر: الرد على خوارج العصر (1/ 9-1/ 32)] لا ينطبق أغلبها إلا على جماعات التكفير والعنف، وسيأتي تفصيل ذلك في نقد المقدمة.

([3]) انظر: (ص: 168).

([4]) انظر: (ص: 192).

([5]) انظر: (ص: 194).

([6]) انظر: (ص: 198).

([7]) انظر: ذيل طبقات الحنابلة (2/ 22)، سير أعلام النبلاء (21/ 463).

([8]) انظر: سير أعلام النبلاء (19/551).

([9]) انظر: (ص: 205).

([10]) انظر: (ص: 206).

([11]) انظر: (ص: 198).

([12]) انظر: (ص: 199).

([13]) انظر: (ص: 251).

([14]) انظر: (ص: 252).

([15]) تجد الكلام عن شد الرحال إلى القبر في هذا الرابط:

حكم شد الرِّحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم

والكلام عن مسألة الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرابط:

الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم

([16]) تجدها على هذا الرابط:

صفات الأفعال عند أهل السنة والرد على من خالفهم

([17]) انظر مثلًا: (ص: 98).

([18]) (ص: 56).

([19]) (ص: 67).

([20]) (ص: 58).

([21]) انظر: (ص: 138).

([22]) انظر: (ص: 82).

([23]) انظر: (ص: 24).

([24]) انظر: (ص: 267).

([25]) انظر: (ص: 154).

([26]) انظر: (ص: 130).

([27]) انظر: تحرير معنى البدعة (ص: 345-379)، ومقال: حكم الاحتفال بالمولد النبوي وأدلة ذلك، وهذا رابطه:

حكم الاحتفال بالمولد النبوي وأدلة ذلك

([28]) انظر: (ص: 102).

([29]) انظر: عرض ونقد كتاب “المتشددون” لعلي جمعة على هذا الرابط:

المتشددون منهجهم، ومناقشة أهم قضاياهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

جديد سلف

الإباضــــية.. نشأتهم – صفاتهم – أبرز عقائدهم

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: من الأصول المقرَّرة في مذهب السلف التحذيرُ من أهل البدع، وذلك ببيان بدعتهم والرد عليهم بالحجة والبرهان. ومن هذه الفرق الخوارج؛ الذين خرجوا على الأمة بالسيف وكفَّروا عموم المسلمين؛ فالفتنة بهم أشدّ، لما عندهم من الزهد والعبادة، وزعمهم رفع راية الجهاد، وفوق ذلك هم ليسوا مجرد فرقة كلامية، […]

دعوى أن الخلاف بين الأشاعرة وأهل الحديث لفظي وقريب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: يعتمِد بعض الأشاعرة المعاصرين بشكلٍ رئيس على التصريحات الدعائية التي يجذبون بها طلاب العلم إلى مذهبهم، كأن يقال: مذهب الأشاعرة هو مذهب جمهور العلماء من شراح كتب الحديث وأئمة المذاهب وعلماء اللغة والتفسير، ثم يبدؤون بعدِّ أسماء غير المتكلِّمين -كالنووي وابن حجر والقرطبي وابن دقيق العيد والسيوطي وغيرهم- […]

التداخل العقدي بين الفرق المنحرفة (الأثر النصراني على الصوفية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: بدأ التصوُّف الإسلامي حركة زهدية، ولجأ إليه جماعة من المسلمين تاركين ملذات الدنيا؛ سعيًا للفوز بالجنة، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم تطور وأصبح نظامًا له اتجاهاتٌ عقائدية وعقلية ونفسية وسلوكية. ومن مظاهر الزهد الإكثار من الصوم والتقشّف في المأكل والملبس، ونبذ ملذات الحياة، إلا أن الزهد […]

فقه النبوءات والتبشير عند الملِمّات

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: منَ الملاحَظ أنه عند نزول المصائب الكبرى بالمسلمين يفزع كثير من الناس للحديث عن أشراط الساعة، والتنبّؤ بأحداث المستقبَل، ومحاولة تنزيل ما جاء في النصوص عن أحداث نهاية العالم وملاحم آخر الزمان وظهور المسلمين على عدوّهم من اليهود والنصارى على وقائع بعينها معاصرة أو متوقَّعة في القريب، وربما […]

كيف أحبَّ المغاربةُ السلفيةَ؟ وشيء من أثرها في استقلال المغرب

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة   مقدّمة المعلِّق في كتابِ (الحركات الاستقلاليَّة في المغرب) الذي ألَّفه الشيخ علَّال الفاسي رحمه الله كان هذا المقال الذي يُطلِعنا فيه علَّالٌ على شيءٍ من الصراع الذي جرى في العمل على استقلال بلاد المغرب عنِ الاسِتعمارَين الفرنسيِّ والإسبانيِّ، ولا شكَّ أن القصةَ في هذا المقال غيرُ كاملة، ولكنها […]

التوازن بين الأسباب والتوكّل “سرّ تحقيق النجاح وتعزيز الإيمان”

توطئة: إن الحياةَ مليئة بالتحدِّيات والصعوبات التي تتطلَّب منا اتخاذَ القرارات والعمل بجدّ لتحقيق النجاح في مختلِف مجالات الحياة. وفي هذا السياق يأتي دورُ التوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله كمفتاح رئيس لتحقيق النجاح وتعزيز الإيمان. إن الأخذ بالأسباب يعني اتخاذ الخطوات اللازمة والعمل بجدية واجتهاد لتحقيق الأهداف والأمنيات. فالشخص الناجح هو من يعمل […]

الانتقادات الموجَّهة للخطاب السلفي المناهض للقبورية (مناقشة نقدية)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: ينعمُ كثير من المسلمين في زماننا بفكرٍ دينيٍّ متحرِّر من أغلال القبورية والخرافة، وما ذاك إلا من ثمار دعوة الإصلاح السلفيّ التي تهتمُّ بالدرجة الأولى بالتأكيد على أهمية التوحيد وخطورة الشرك وبيان مداخِله إلى عقائد المسلمين. وبدلًا من تأييد الدعوة الإصلاحية في نضالها ضدّ الشرك والخرافة سلك بعض […]

كما كتب على الذين من قبلكم (الصوم قبل الإسلام)

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: مما هو متَّفق عليه بين المسلمين أن التشريع حقٌّ خالص محض لله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، فالتشريع والتحليل والتحريم بيد الله سبحانه وتعالى الذي إليه الأمر كله؛ فهو الذي شرَّع الصيام في هذا الشهر خاصَّة وفضَّله على غيره من الشهور، وهو الذي حرَّم […]

مفهوم العبادة في النّصوص الشرعيّة.. والردّ على تشغيبات دعاة القبور

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لا يَخفَى على مسلم أنَّ العبادة مقصَد عظيم من مقاصد الشريعة، ولأجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، وكانت فيصلًا بين الشّرك والتوحيد، وكل دلائل الدّين غايتها أن يَعبد الإنسان ربه طوعًا، وما عادت الرسل قومها على شيء مثل ما عادتهم على الإشراك بالله في عبادتِه، بل غالب كفر البشرية […]

تحديد ضابط العبادة والشرك والجواب عن بعض الإشكالات المعاصرة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة لقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ومدار العبادة في اللغة والشرع على التذلُّل والخضوع والانقياد. يقال: طريق معبَّد، وبعير معبَّد، أي: مذلَّل. يقول الراغب الأصفهاني مقررًا المعنى: “العبودية: إظهار التذلّل، والعبادة أبلغُ منها؛ […]

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة.. بين أهل السنة والصوفية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة مقدمة: الناظر المدقّق في الفكر الصوفي يجد أن من أخطر ما قامت عليه العقيدة الصوفية إهدار مصادر الاستدلال والتلقي، فقد أخذوا من كل ملة ونحلة، ولم يلتزموا الكتاب والسنة، حتى قال فيهم الشيخ عبد الرحمن الوكيل وهو الخبير بهم: “إن التصوف … قناع المجوسي يتراءى بأنه رباني، بل قناع […]

دعوى أن الحنابلة بعد القاضي أبي يعلى وقبل ابن تيمية كانوا مفوضة

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة إن عهدَ القاضي أبي يعلى رحمه الله -ومن تبِع طريقته كابن الزاغوني وابن عقيل وغيرهما- كان بداية ولوج الحنابلة إلى الطريقة الكلامية، فقد تأثَّر القاضي أبو يعلى بأبي بكر الباقلاني الأشعريّ آخذًا آراءه من أبي محمد الأصبهاني المعروف بابن اللبان، وهو تلميذ الباقلاني، فحاول أبو يعلى التوفيق بين مذهب […]

درء الإشكال عن حديث «لولا حواء لم تخن أنثى»

  تمهيد: معارضة القرآن، معارضة العقل، التنقّص من النبي صلى الله عليه وسلم، التنقص من النساء، عبارات تجدها كثيرا في الكتب التي تهاجم السنة النبوية وتنكر على المسلمين تمسُّكَهم بأقوال نبيهم وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم، فتجدهم عند ردِّ السنة وبيان عدم حجّيَّتها أو حتى إنكار صحّة المرويات التي دوَّنها الصحابة ومن بعدهم يتكئون […]

(وقالوا نحن ابناء الله ) الأصول والعوامل المكوّنة للأخلاق اليهودية

للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة المقدمة: لا يكاد يخفى أثر العقيدة على الأخلاق وأثر الفكر على السلوك إلا على من أغمض عينيه دون وهج الشمس منكرًا ضوءه، فهل ثمّة أصول انطلقت منها الأخلاق اليهودية التي يستشنعها البشر أجمع ويستغرب منها ذوو الفطر السليمة؟! كان هذا هو السؤال المتبادر إلى الذهن عند عرض الأخلاق اليهودية […]

تغاريد سلف

جميع الحقوق محفوظة لمركز سلف للبحوث والدراسات © 2017